عجزت رياح «الربيع العربي» التي هبت على قطرين من اقطار المغرب العربي ولامست وإن كان بطرف خفي بقية أقطار التكتل المغاربي، عن إحداث منعرج جغراسياسي في المنطقة يعيد إحياء مشروع المغرب العربي الذي يطوي غدا الأحد ذكراه الأربع والعشرين. في مثل هذه الأيام من السنة المنصرمة، أدى الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي زيارات مكوكية إلى 3 اقطار مغاربية وهي المغرب والجزائر وموريتانيا.. عنوان الجولة المغاربية كان واضحا ومعلنا وهو إعادة إحياء التكتل المغاربي وتفعيل دوره الوحدوي والتشاركي أما الوسيلة فتمثلت في اقتناص ما وصف في تلك الفترة ب«الفرصة التاريخية» التي منحها الربيع العربي في سبيل بث الروح في الجسد الخماسي بعد أن عطلت تشييده زعامات سياسية فارغة وحال دون بنائه التهافت على القيادة والريادة. وفي مثل هذه الأسابيع من العام الماضي، أعلنت الجمهورية التونسية عن عزمها استضافة قمة مغاربية في مدينة طبرقة تجسر هوة سياسية عميقة وتصلح ما أفسده الغابرون.
وبالتزامن مع إطلاق شعار سنة الوحدة المغاربية على عام 2012 بدأت القيادة السياسية في تونس تتحدث عن مشاريع مشتركة تضع المغرب العربي، من ذلك إقامة سكة حديدية تربط المغرب بالجزائروتونس وليبيا.. دون استبعاد اعتماد عملة مغاربية واحدة توحد الاقتصاد الخماسي وتيسر التعامل الثنائي والمشترك بين العواصم المغاربية. طموحات القادة الجدد في غرب شمال إفريقيا بالتوحد والاجتماع، قابلتها ملفات سياسية عسيرة متحجرة تأبى الانزياح عن مسار الوحدة المغاربية.. ملفات تعود إلى عقود خلت ولكنها تقفز بسرعة إلى المشهد السياسي في كل اجتماع يروم تجاوز حساسيات الماضي وتجاذباته.
وعلى هذا الأساس، بقي المشروع مشروعا في نصوصه المؤسسة في مراكش عام 1989، وبقي الحلم مشروعا إلى حين. حينها فهمت القيادة التونسيةالجديدة والتي تعاملت مع تراكمات ملفات سياسية مضنية بكثير من التسرع.. والنية الحسنة أيضا أن أسباب نكوص الوحدة المغاربية لا تعود حصرا إلى عقلية زعاماتية لدى بعض القادة الذين غادروا المشهد السياسي في بلدانهم الى الأبد وإنما وقد يكون هذا هو الأهم إلى مشاكل لا تزال إلى اليوم راسبة وراكدة تحت مياه الديبلوماسية الرتيبة.
فإلى حد اللحظة، لا تزال مشاكل الحدود البرية المغلقة بين الجزائر والمغرب قائمة، ومعها تجاذبات بين الجزائر والرباط حول الصحراء الغربية.. ولا تزال مشاريع واعدة من قبيل السوق المغاربية المشتركة معلقة إلى أجل يبدو أنه غير منظور خاصة إذا رجعنا أرقام التعاملات المالية والتجارية لدول المغرب العربي..
أرقام يبدو أن مؤسسة الرئاسة في تونس تفاجأت حين قرأت أن التعامل التجاري التونسي داخل الاتحاد المغاربي لا يتجاوز السبعة بالمائة من رقم تجارتها مع الخارج... رقم متواضع، يشير من جملة ما يشير إليه إلى أن العمق الاستراتيجي الاقتصادي لتونس ولثورتها اليافعة لا يزال في الجار المتوسطي الشمالي وان اللبنة الأولى والرئيسية التي شيد على اساسها الأوروبيون ناديهم الدولي وهي الاقتصاد والمصالح البينية لا تزال بعيدة المنال عن أقطار المغرب العربي أو هي على الأقل لا تزال في غير سلم اهتماماتها وأولوياتها.
لذا، يبدو أن معول الإصلاح الذي استله المرزوقي في الأيام الأولى من اعتلاء كرسي قرطاج لإصلاح ذات البين المغاربي، وضعه اليوم في المشهد القطري المحلي الذي يعاني من استقطابات وتجاذبات وحسابات عسيرة وصعبة لا تقل صعوبة عن وضع اللبنات الأولى لقطار الوحدة المغاربية.
المفارقة أنه وفي صلب التشرذم المغاربي قبل ثورات الشعوب وبعدها تجد أقطار الاتحاد نفسها في تقارب قسري على وقع حروب الآخرين القادمين من الضفة الشمالية للمتوسط وعلى وقع التهديدات المشتركة التي قد تعصف بمصالحها واستقرارها..
اليوم تتحدث الأقطار المغاربية بخطاب متقارب في المعنى والمبنى حيال الأزمة العاصفة في مالي وإمكانية تحولها إلى دولة فاشلة على غرار الصومال وأفغانستان مع ما يفضي هذا الوضع الى نشأة أمراء حرب وإمارات إسلامية متطرفة تقوض الاستقرار في المنطقة المغاربية...
واليوم أيضا تتحدث العواصم الخمس بلغة متشابهة حد التماهي عن الإرهاب المتفشي في مدنها والذي تغذى من تهريب السلاح وانتشاره في ليبيا وعن سلاح القذافي المتطور الذي وصل إلى أيادي قيادات القاعدة في المغرب العربي.
المشهد في مفارقته، يكشف عن حتميات الجغرافيا وضرورات القرب والتضامن ولزوميات مجابهة المشاكل الواحدة.. على الأقل وجد المغاربة في المشاكل المشتركة ما يوحد جهودهم ويؤكد حقيقة أنهم فرد في سياق الجمع الواهم..