لا يزال موضوع المفقودين بإيطاليا يشد اهتمام الرأي العام التونسي ويشغل بال عائلاتهم خاصة وأن أحد الناجين من رحلات الموت قد أكد أن عديد الحارقين وصلوا إحياء إلى الأراضي الإيطالية. الأمر زاد تعقيدا باعتبار أن هؤلاء لم يعد لهم أثر وفقدوا في ظروف مسترابة. أمام إصرار العائلات على الوصول إلى الحقيقة الكاملة طالبت الأستاذة عزيزة الكبسي بفتح بحث تحقيقي وعاجل ضد كل من سيكشف عنه البحث من أجل جرائم القتل والاحتجاز في حق مواطنين تونسيين. والبحث أيضا في ظروف اختفائهم. وذلك عن طريق شكاية جزائية تقدمت بها في حق رئيس جمعية «الأرض للجميع» عماد السلطاني وفي حق عائلات المفقودين. قالت الأستاذة الكبسي إنه أثر الثورة غادر آلاف التونسيين البلاد عبر رحلات بحرية سرية وغير شرعية كانت نتيجتها غرق العديد من القوارب وموت راكبيها. كما نتج عنها فقدان الكثير منهم فوق الأراضي الإيطالية بالرغم من وصولهم احياء.
ماذا قال شاهد العيان؟
أكد المدعو محمد الهادي الغريبي وهو أحد الناجين من رحلة الموت ليوم 29 مارس 2011 أن إحدى حرقات 29 مارس وصلت إلى« لمبيدوزا». كما أن أحد الخافرات الإيطالية قامت برميهم بالرصاص مما تسبب في مقتل أحدهم وبث الرعب في بقية الراكبين وتسبب في انقلاب القارب وغرق جميع الركاب باستثنائه هو وثلاثة آخرين وهم«فخري يكنى باطمان ومحمد ولد العيد وشاب آخر من جهة حي هلال». اضاف الشاهد أن أحد القوارب التي خرجت من تونس تمكن من بلوغ جزيرة لمبيدوزا أيضا ووصل ركابه إلى إيطاليا أحياء. وقد أدلى الشاهد بهويات كاملة للحارقين التونسيين الذين كانوا على القارب الذي غرق نتيجة تدخل الخافرة البحرية الإيطالية وهم « بلحسن الرحيمي ووسام الرحيمي ومحمد البوثري وعلي البوثري».
اللغز المحير!!
التصريحات التي أدلى بها الشاهد وصفتها الأستاذة عزيزة الكبسي بالخطيرة باعتبارها تكشف عن تورط إيطاليا في جرائم قتل ضد مواطنين تونسيين فوق البحار الإيطالية وداخل أراضيها. وأشارت إلى أن السلطات الإيطالية تعمدت تسجيل هذا الشاهد بهوية مزيفة والحال انه قدم لهم هويته الحقيقية عندما علموا بنجاته من القارب الذي غرق بعد تعرضه إلى تدخل البارجة البحرية الإيطالية. كما تعمدت أيضا اعتقاله في العديد من المعتقلات إلى أن قررت ترحيله إلى تونس. وهذا دليل على أن السلطات الإيطالية حاولت إخفاء هذا الشاهد لكي لا يصدح بما لديه من معلومات حسب قولها. تواصل الأستاذة الكبسي توضيحها أن ما يثير الاستغراب هو أن الشاهد محمد الهادي الغريبي ليس من متساكني مدينة تونس وليست له أية علاقة بهؤلاء الحارقين كما أنه أتى على ذكر بعض الهويات التي غادرت تونس في رحلة 14 مارس 2011. هذه التصريحات جعلت كذلك عائلات المفقودين يشككون في مدى صحتها ويطالبون بالكشف عن الأطراف المستفيدة من جراء ذلك.
أية مسؤولية لإيطاليا؟
التصريحات التي أدلى بها شاهد العيان تستوجب حسب المحامية الكبسي مساءلة السلطات الإيطالية باعتبار أن الجريمة تمت على أراضيها. كما أن سلوكها تجاه هذا الموضوع كان سلبيا جدا باعتبارها لم تتعاون مع الأطراف الساعية للكشف عن مصير المفقودين وامتلاكهم لادلة تثبت وصول بعض القوارب إلى «لمبيدوزا» خلال شهر مارس 2011 على غرار الحرقة التي فقد فيها 22شخصا والحال أن عديد النشرات الإخبارية أكدت وصول ذلك القارب إلى «لينوزا ».
لكن إيطاليا تنفي ذلك الأمر بشدة. ما تعيبه الأستاذة الكبسي هو تعامل السلطة الإيطالية وكذلك التونسية مع ملف المفقودين إذ لم يحظ بالعناية اللازمة. فتونس لم تقاض إيطاليا من أجل هذه الجرائم بل تقاعست في المطالبة بالحقيقة وتمسكت بأسلوب المراوغة والمماطلة مع العائلات. في المقابل فإن إيطاليا ليس من مصلحتها الكشف عن مصير هؤلاء لثبوت مسؤوليتها في غرق العديد من القوارب في عرض البحر وهي تملك جميع الامكانيات للتفطن إلى القوارب ونجدتها في صورة تعرضها إلى صعوبات. يبقي لغز المفقودين بإيطاليا محل تساؤلات خاصة وأن عائلاتهم تؤكد وصول العديد منهم أحياء لكن لم يعد لهم أثر وفقدوا في ظروف غير مفهومة عجزت السلطات التونسية وكذلك الإيطالية عن تقديم تفسير لها.