يومان من الثقافة والفن عاشت خلالهما مدينة تستور فقرات ثرية أثثها ضيوف جمعية كلنا تونس وأهالي المنطقة يومي 2 و 3 مارس الجاري حيث نظمت جمعية كلنا تونس تظاهرة ثقافية شملت ندوات علمية وفكرية وبعض الأعمال الخيرية. انطلقت التظاهرة بدار الثقافة بمدينة تستور صباح يوم السبت 2 مارس في حدود الساعة العاشرة بندوة علمية بعنوان «سياسة المدينة، في أي محيط نريد أن نعيش» وقد شارك في الندوة عدد من الأساتذة المختصين في مجال البيئة والعمران.
في بداية الندوة قدمت السيدة آمنة منيف رئيسة جمعية كلنا تونس هذه التظاهرة ورحبت بالضيوف والمشاركين وشكرت أهالي ومسؤولي مدينة تستور على استقبالهم واحتضانهم للتظاهرة.
افتتحت أعمال الندوة بمداخلة الاستاذ معز بوراوي وهو أستاذ محاضر بالجامعة التونسية اختصاص علم البيئة، وعنوان الندوة «آلام المدن التونسية» وقد أرجع الأستاذ بوراوي آلام المدينة إلى عدة أسباب أهمها الإطار القانوني غير المناسب وغير المتأقلم مع البيئة الاقتصادية والسياسية للبلاد وإلى سياسة الدولة في التهيئة الترابية التي اعتبرها مركزية ولا تأخذ في اعتباراتها خصوصيات كل مدينة كما عاب السيد بوراوي على الحكومة عدم تشريكها للمختصين في صياغة قوانين البيئة واعتمادها في ذلك على مسؤولين غير أكفاء وغير ملمين بخصوصيات المناطق التونسية.
أما السيد الحبيب مهني فقد عرض مشاكل التهيئة الترابية في تونس وفي منطقة تستور تحديدا في مداخلة بعنوان «البيئة الحضرية، مراجعة نقائص مختلف عناصر التوجه البيئي للتخطيط العمراني» وتعرض فيها إلى مشاكل النصوص القانونية المنظمة لرخص البناء والتي اعتبرها سببا في طمس خصوصيات وطابع مدينة تستور. وإجابة على سؤال الصحفي صابر بن عامر حول إمكانية وجود توصيات واقتراحات لحل هذه المشاكل المتفاقمة أكد الأستاذ بوراوي أن الحلول موجودة لكن الأبواب موصودة أمام النخبة حتى لمجرد المشاركة في الحوار وتقديم الاقتراحات.
وفي مداخلة رشيقة وثرية لرئيسة الجمعية التونسية لمخططي المدن تحدثت الأستاذة هندة القفصي عن الحوكمة المحلية وعن التخطيط الاستراتيجي وعن المدينة والمواطنة وأكدت على حق الفرد في المدينة وواجبه في العمل على تنميتها والاستثمار فيها، كما نصت الأستاذة على وجوب إدراج نص في الدستور يشرع الحق في المدينة. وخلال النقاش تدخل طالب المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف وطرح مسألة التثقيف والتعليم معتبرا أن تنمية المدينة تبدأ أولا من تثقيف الأفراد، كما عاب على وزارة الثقافة تخفيضها في ميزانية الثقافة وعدم قيامها بواجبها إزاء المؤسسات الثقافية المفتقرة لأبسط التجهيزات الضرورية لممارسة الفعل الثقافي.
أما رئيس جمعية صيانة المدينةبتستور فقد أشار أيضا إلى أن التنمية يقوم بها المثقف قبل أي طرف آخر هذا المثقف الذي رآه غائبا ومهمّشا والذي تسعى السلط إلى إلهائه بالخدمات الصغرى والجانبية لتضمن جموده وركود فكره.
وفي اليوم الثاني ، خرجت التظاهرة من المجال الضيّق والمغلق إلى الفضاء المفتوح والحر، حيث نظمت أعمال يوم الأحد 3 مارس في الشارع التجاري لمدينة تستور أين تظافرت جهود المشاركين وقاموا بطلاء واجهات المحلات بالأبيض والأزرق وتعليق لوحات صغيرة تدلّت على الواجهات وكتبت عليها أسماء أصحاب المحلات، كما قام المشاركون بطلاء حائط وميضأة الجامع الكبير بمدينة تستور.
ولا يمكن أن تزور مدينة تستور دون أن تطرب آذانك بشيء من موسيقى المالوف وهي المدينة الأندلسية التي اشتهرت برواية مختلفة للمالوف عن الروايات الموجودة ببقية الجهات.
والمعروف عن أهالي منطقة تستور محافظتهم على المخزون الموسيقي الأندلسي الذي يردد في كل الاحتفالات وفي كل مكان من المدينة وخاصة بالفضاءات العمومية المفتوحة وهي عادة قديمة تعود إلى بدايات ظهور المالوف بالمنطقة حيث لم يكن لشيوخ المالوف بتستور فضاء خاص بهم فكانوا ينشدونه في كل مكان ومناسبة.
انطلقت الأمسية الموسيقية ببعض الأبيات من نوبة الحسين ثم نوبة الاصبعين وقد أدّاهما الفنان الزين الحداد بمرافقة فرقة هاوية من شباب المنطقة ثم أدى بعض أغاني المرحوم علي الرياحي وأغاني احتفالية أخرى من الذاكرة الموسيقية التونسية.
وأثناء الأمسية انشغل الفنان التشكيلي نجا المهداوي بتنشيط ورشة الرسم والخط على لوحات خشبية كبيرة الحجم أعدتها الجمعية ليدون عليها أطفال المدينة والمشاركون في التظاهرة توقيعاتهم ورسومهم التي ستبقى شاهدة على هذا اليوم الاستثنائي الذي عاشته مدينة تستور.