نصيب الانسان من الدنيا عمره، فان أحسن استغلاله في ما ينفعه في دار القرار فقد ربحت تجارته، وان أساء استغلاله في المعاصي حتى لقي الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين، والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سببا في هلاكه. كم من شخص أصر على صغيرة فألفها وهانت عليه ولم يفكر يوما في عظمة من عصاه فكانت سببا في سوء خاتمته، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: انّكم تعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات. (رواه البخاري )
لذلك يسعى كلّ مسلم جاهدا الى أن يوفّق قبل موته للابتعاد عما يغضب الربّ سبحانه وتعالى، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والاقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثمّ يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، وقد صحّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا أراد الله بعبده خيرا استعمله قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته. (رواه أحمد والترمذي) وحسن الخاتمة تحرق قلوب العارفين ويتنافس فيها المتقون ويجتهد فيها الصالحون وتبقى دائما أمنية المؤمنين المشتاقين للقاء ربّهم الذي وعدهم بالخلود في جنات النّعيم بجوار الأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
ولقد نبّه الله في كتابه جميع المؤمنين الى أهمية حسن الخاتمة وحثهم عليها فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران 102) فالأمر بالتقوى والعبادة مستمرة حتى الموت لتحصل الخاتمة الحسنة وقد بين صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس يجتهد في الطاعات ويبتعد عن المعاصي مدة طويلة من عمره ولكن قبيل وفاته يقترف السيئات والمعاصي مما يكون سببا في أن يختم له بخاتمة السوء، قال صلى الله عليه وسلم: وان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. (البخاري ومسلم)
علامات حسن الخاتمة
1- البشرى من الملائكة الكرام للمحتضر لقوله تعالى {اِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت 30) . 2- النطق بالشهادة عند الموت لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : «من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة». (صحيح أبي داوود) 3- أن يكون على جبينه عرق عند الموت لما رواه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «موت المؤمن بعرق الجبين». (رواه أحمد والترمذي والنسائي) 4- الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة الا وقاه الله فتنة القبر» . (رواه أحمد والترمذي) 5- الموت بالطاعون لقوله صلى الله عليه وسلم: «الطاعون شهادة كل مسلم». (البخاري ومسلم) 6- الموت بسبب الهدم والغرق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله». (البخاري ومسلم) 7- موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها: روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والمرأة تموت بجمع شهيدة. وهي المرأة تموت حاملا، وقد جمعت ولدها في بطنها». 8- الموت دفاعا عن الدين أو المال أو النفس لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال:« من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد». (رواه الترمذي) أسباب حسن الخاتمة المداومة على الطاعات: قال تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر 99) الاستقامة: قال تعالى {اِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت 30) التوبة: قال تعالى {وَتُوبُوا اِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور 31) ذكر الموت وحسن الظن بالله :عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى «أنا عند حسن ظن عبدي بي». (رواه البخاري ومسلم) الدعاء: المسلم يسأل الله في كلّ وقت وحين حسن الخاتمة. ذُكر عن رجل من السلف انه كان يكثر في سجوده من سؤال الله الميتة الحسنة فتوفاه الله وهو ساجد بين يديه.