قد لا يختلفُ اليوم اثنان في ان النخبة تتحمل مسؤولية في تواصل الأجواء المتوترة والمحتقنة وتثبيط العزائم وخذلان الناس وبث مشاعر اليأس والقنوط. انّ ما يجري في الشارع والساحات العامة والأحياء والمدن والقرى ليس هو سوى رد فعل طبيعي وانعكاس مباشر لممارسة خاطئة من النخب والأحزاب، ممارسة ما تزال منشدّةالى التجاذب والاستفزاز والاستعداء والعنف اللفظي بما فيه من تجريح وسباب واتهام وهتك للأعراض ورغبة في الإقصاء.
انّ الممارسة الحزبية والسياسية في بلادنا ما تزال حبيسة الوعي الزائف الذي تستند اليه الأيديولوجيات العقائدية المتطرفة يمينا ويسارا ، ومن الغريب ان تنساق النخب وهي في الاصل منبع العقلانية والتنوير وبث للأمل الى مقاربات وتصورات فيها الكثير من الاستفزاز لمكتسبات هذا البلد التاريخية وميزات هذا الشعب الثقافية والحضارية ، فلا الاحتفال الضعيف بذكرى عيد الاستقلال والتي هي ذكرى خالدة لا يمكن تجاهلها او الحط من قيمتها التاريخية والاعتبارية مقبول، ولا استهداف هوية الشعب والتي هي عربية اسلامية مؤمنة بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم متفتحة على سائر الثقافات والحضارات لا يمكن التجريح فيها مقبول أيضاً، ولا يمكن لمثل تلك الممارسات الا ان تولد ردود أفعال مختلفة من المجتمع قد يكون منها ردود أفعال عنيفة وغير محسوبة العواقب.
ان على النخبة السياسية والثقافية والإعلامية ان ترتقي الى منزلتها الاعتبارية الهامة وان تتخلى عن اختلافاتها الايديولوجية (ولو الى حين ) وان تصعد الى مصاف أدوارها الكبرى التي تفرضها المرحلة في إنارة الرأي العام دونما تلبيس او تدليس وتوجيهه نحو القضايا والملفات الحارقة وذات الاولوية دون تزيّد او مبالغة او رغبة في تصفية الحسابات او ترصّد لمغانم انتخابية او غيرها.
انّ المجتمع في حاجة الى ممارسة سياسية وثقافية واعلامية بعيدة عن الانحياز الايديولوجي وهو في حاجة ايضا الى خطابات عقلانية رصينة تلامس همومه وتعالج مشاغله وتبحث له عن حلول عاجلة لما يحياه من صعوبات وتحديات بعيدا عن كل عوامل التوتير والاستفزاز والدفع نحو المجهول ، وهو ليس في حاجة لمن يشعره ان مكتسباته محل تجاذب او مراجعة او تشكيك وان هويته هي محل انتقاد او انها في خطر محدق ، هو في حاجة الى من يُبعد عنه الياس ويعزّز فيه روح التفاؤل والأمل. انّ الفئات الفقيرة تزدادُ فقرا، وشبابنا يموت حرقا وانتحارا وغرقا في البحر وفي ساحات المعارك والحروب المغشوشة في سوريا ومالي وغيرها من المناطق، ونخبنا تترصّد لبعضها الأخطاء وتستجلبُ بعضها بعضا الى سجالات ومهاترات فيها الكثير من اللغو واللغط والغلط وغياب روح المسؤولية لما تخلّفهُ من مخاطر على النسيج المجتمعي وعلى بنية الدولة وتماسكها وعلى مكاسب هذا الشعب ومنجزاته على مر الأجيال والعقود.