%70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    اليوم..انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    اليوم انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض اسعار الدجاج والبيض    سمير ماجول: القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد ويجب الاهتمام به لتحقيق السيادة والأمن الغذائيين    اندونيسيا تعرب عن الاستعداد لتطوير التعاون مع تونس في مجال الاستمطار والتحول التكنولوجي للطقس    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    قادة العالم يعربون عن تعازيهم بمصرع الرئيس الإيراني ومرافقيه    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ربع النهائي    كاس تونس لكرة اليد - الترجي الرياضي والنادي الافريقي في النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    هبوب رياح قوية غدا الاثنين وانخفاض مدى الرؤية الافقية الى اقل من 1000 م بالجنوب    الفيلم التونسي المغربي "كواليس" يحصد جائزتين في المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    المحلل السياسي حسان القبي يتحدث عن لغز طائرة الرئيس الإيراني    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    الحرس الثوري الإيراني: تلقينا إشارة من طائرة الرئيس المفقودة    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    الزمالك المصري يتوج بكأس "الكاف"    الزارات -قابس: وفاة طفل غرقا بشاطئ المعمورة    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    البنين تعتزم إجلاء 165 من مواطنيها بصفة طوعية من تونس    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    أنصار قيس سعيد اليوم : ''تونس حرة حرة والعميل على برة''    القيروان: الملتقي الجهوي السادس للابداع الطفولي في الكورال والموسيقى ببوحجلة (فيديو)    بعد "دخلة" جماهير الترجي…الهيئة العامة لاستاد القاهرة تفرض قرارات صارمة على مشجعي الأهلي و الزمالك في إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية و كأس الكاف    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    المنستير: القبض على 5 أشخاص اقتحموا متحف الحبيب بورقيبة بسقانص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثية: الشباب والشعرية والتجريب
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

ذكر الرواة عن الفرزدق أنه قال: «أنا عند الناس أشعر العرب ولربّما كان نزع ضرس أيسر عليّ من أن أقول بيت شعر».
وورد في كتاب الامتاع للتوحيدي (1) عن صعوبة مخاض الشعر ما يلي: «له أرَن كأرَن المُهر وباء كإباء الحَرُون وزهْو كزَهو المَلِك وخفق كخفق البرَق وهو يتسهّل مرّة ويتعسّر مرارا، ويذلّ طورا ويعزّ أطوارا».
وانُوا يستُندون الى اعتقاد واهم أن فطاحل الشعراء لهم شياطين للشعر ويذكر في هذا الصدد: «لافظ بن لاحظ» شيطان امرئ القيس، و»هبيد» شيطان عبيد بن الأبرص، «وهادر» شيطان زياد الذبياني، و»مسحل بن جندل السكران» شيطان الأعشى (2) وتوهّم العرب أن هؤلاء الشياطين يقرؤون بمساعدتهم لأصحابهم من الشعراء على الشعر. ويروى أن «لافظ بن لاحظ» قال: «أنا والله منحته ما أعجبك منه» أي أنه منح امرئ القيس ما أعجبك من شعره أيها السامع أو القارئ. إن العرب القدامى جعلوا من الشياطين والأوهام نبع شعرية قصائدهم.
كما أنهم فاضلوا بين الشعراء وبالتالي بين شعرية قصائد شعرائهم بخلق طبقات لهم. فقد اختار أبو زيد القرشي في كتابه: «جمهرة أشعار العرب» «تسعا وأربعين قصيدة قسّمها الى سبع طبقات، في كل طبقة سبع قصائد، وفي أعلى الطبقات: طبقة السموط وهي المعلّقات، وتليها المجهرات والمنتقيات والمذهبان والمراثي والمشوبات والملحمات» (3).
فالتصنيف يخضع للطول والقصر وللأغراض وكذلك لشهرة القصائد. وإن كان الرقم سبعة له دلالات عقائدية وميثيولوجية، أما ابن سلام الجمحي في «طبقات فحول الشعراء» فقد قسّم كتابه الى: (4)
طبقات الجاهليين وتضمّ عشر طبقات.
طبقات أصحاب المراثي وهي طبقة واحدة
طبقات شعراء القرى وتضمّ خمس طبقات
طبقات الاسلاميين وتضمّ عشر طبقات.
ويعتبر توفيق الزيدي أن مقاييس الجمّحي ثلاثية: زمانية ومكانية وغرضية.
فالشعراء بل النقاد والرواة كانوا يصنّفون الشعراء اعتبارا بجوانب خرافية كما رأينا أثناء حديثنا عن شياطين الشعر وأخرى اجتماعية باعتبار النسب والحسب للشعراء ثم للجوانب التقنية وهذا ما توصّل اليه الزيدي في تحديده لأدبية النص في التراث النقدي الى نهاية القرن الرابع للهجرة.
فأما في أيامنا هذه، فقد ظهرت تصنيفات من نوع آخر مثل: أدب الشباب، وأدب نسوي، وأدب ذكوري وما الى ذلك.
وما يهمّنا الآن هو شعر الشباب. وقد تحدّثنا في هذا الصدد قديما ونشرنا في أمره ما حدّدنا فيه مفهوم أدب الشباب ودور هؤلاء في تحريك الساحة الشعرية خاصة والأدبية عموما.
I في الشعرية :
بعد أن استقرأ الخليل بن أحمد الفراهيدي الشعر العربي واستنتج البحور، تحدّدت الشعرية في القصيد العربي بالوزن والقافية وهو ما ذكره قدّامه بن جعفر. وهذا ما جعل ألفية ابن مالك في النحو وسينية ابن سينا في النفس وبردة البصيري ومعلقات شعراء ما قبل الإسلام في نفس القيمة التفاضلية باعتبار أن هذه النماذج توفّر الوزن والقافية... إلا أن الدراسات القرآنية اصطدمت بهذا التعديد للشعرية وأربكت النقاد ومن لهم اهتمام بالشعر نظرا لوجود آيات قرآنية يمكن أن تتّفق والأوزان الشعرية الخليلية. فأضاف الباقلاني عنصري «القصد والنية» (5) أي أن القائل عليه واجب النية بأن ما يقوله هو شعر.
وسوف لا أتابع تدرّج النظرية العربية في الشعرية، لكنني سأتناول هذا المصطلح الحديث لدى المعاصرين. إن العرب تناولوا الشعرية على أسس ظواهر منعزلة مثل الوزن والقافية والايقاع الداخلي للنص أو الرؤيا.
وفي الدراسات الغربية نجد دراسة ل: تودوروف «Todorov» في الشعرية وأخرى ل: ريفاتير «Riffaterre» في «سيميائيات الشعر» كما كتب «رومان ياكوبسن Yakobson» في الوظيفة الشعرية. وهذه الدراسات تلتقي مع ما كتبه «موكاروفسكي Mukarovsky» في «لغة الشعر» سنة . (6)
ولم تصل دراسة الى حسم هذه المسألة مسألة الشعرية رغم طموح أصحابها لذلك يقول كمال أبو ديب (7): «وسيكون من السذاجة حتى أن تطمح هذه الدراسة الى حل مشكلة الشعرية أو تقديم ما يزعم أنه فهم نهائي لأبعادها. فقد شغلت هذه المشكلة الفكر النقدي في العالم منذ أرسطو، وما تزال تحتل موضعا مركزيا في أنظمة نقدية وجمالية كاملة.
لقد حدّد «أمبروت إكو Umberto Eco» مثلا غاية المنهج النقدي الذي أسسه (كروتشة Croce) بأنها إقامة حدّ فاصل بين الشعر واللاشعر».
وانشغلت بها جماعة الشكليين الروس واهتم بها إليوت ورولان بارت صاحب كتاب: «الكتابة درجة الصفر».
وليتبيّن المرء حيرة المهتمين بقضية الشعرية نسوق هذه القولة لتودوروف: «من أجل أن نحدّد الشعر، يكفي أن نقول كيف يختلف عن النثر، إذ أن الشعر والنثر يملكان أيضا نصيبا مشتركا هو الأدب».
والحديث عن الشعرية يفرض علينا:
تحديد مجال الشعرية في النظرية العربية القديمة
ابراز عيوب أو فضائل هذه الشعرية
تشكيل الرؤية الى الشعرية.
إن النظرية العربية تختزل الشعرية في البحور الا أن هذه البحور تحوي عديد الهنات نذكر منها:
1) أن تشريع اللجوء الى الزحافات والعلل يُدخل الخلل على البحور فيختل الكمّ الصوتي وبالتالي الزمني
2) الاختلاف في كمية المقاطع بين النظري والتطبيقي فالبحر عادة يتضمّن مجموعة من المقاطع في المستوى النظري ولما يدخل حيز التطبيق ويتضمن زحافا أو علّة فإن عدد المقاطع يتقلص، لذلك أقدّم القائمة التالية والخاصة بالبحور (8).
البحر الطويل : نظريا يتضمن 14 مقطعا وفي التطبيق يمكن أن يكون 13 مقطعا
البحر المديد : وزنه النظري 14 مقطعا والمستعمل 11 مقطعا والحد الأدنى 9
البسيط : وزنه النظري : 14 مقطعا يمكن أن يكون 10 مقاطع
الوافر : وزنه النظري : 15 مقطعا والمستعمل 13 والأدنى 8
الكامل : 15 مقطعا نظريا والمستعمل بل الحد الأدنى 9.
الهزج : النظري 12 ووزنه المستعمل 8 والحد الأدنى 7
الرجز : 8/12
الرمل : 7/12
المتقارب : 11/12 (وقليلا ما يكون 8)
المتدارك : 11/12
الخفيف : 11/12 أو 8
السريع : 12/10
المنسرح : 12/ 11
المضارع : وزنه النظري 12 والمستعمل 8 والحد الأدنى 8
المقتضب : 8/8
المجتثّ : وزنه النظري 12 ووزنه المستعمل : 8 وحدة الأدنى: 8.
3) اختلاف الصوت في المقطع الواحد مثل: مِن # مَن
# في كذلك = على # لَفي الخ..
وهذا من شأنه أن يحدث خللا صوتيا في الوزن.
4) إذا نظرنا الى النص وأردنا تحسّس «الشعرية» فيه توجّب علينا التأكيد على:
أن الشعرية هي انجاز لشركاء ثلاثة وهم:
الشاعر (الباث) ثم القارئي (السامع/المتقبّل) وأخيرا صاحب المطبعة أو شريط الكاسيت (أداة الارسال).
فالشاعر يشكّل الشعرية في ذهنه قبل تسجيل قصيدة الشعري كتابيا أو بصريّا أو سمعيّا وذلك في ذهنه: فهو يسأل نفسه: كيف ستكون شعرية القصيد؟
أما الناشر أو صاحب المطبعة فهو الذي يحدّد أشكال الحروف ومساحات البياض والسواد وطريقة الاخراج.
وأخيرا المتقبّل، وهذا الشريك الثالث يعتبر هاما لأنه يخضع للمكتسب المعرفي والحالة النفسية التي عليها أثناء التعامل مع القصيد سمعا أو بصرا.
والحديث عن الشعرية يفضي بنا البحث فيها وعنها الى قضية التجريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.