يبدو أن ّفريقا من التونسيين قد شعر بأنّ البلاد قد نجحت، بعد سنتين من الثورة، في حلّ كلّ ملفّات الفقر والبطالة والمديونيّة والحرّيات، التي عجّلت بسقوط «بن علي». فاستقرّ العزم على أن يتفرّغ لملف «الجهاد» في سوريا، وأن يساهم بشراكة الدم في تطهير أرض الشام من «شبيحة» بشّار تحت شعار «الجهاد المقدّس» ونصرة الدين. إنّ المتأمّل في الوقائع وتبعاتها لا يمكن أن يتصوّر أنّ «تجار الجهاد» الذين يغرِّرُون بالشباب ويعدونهم بالحور العين جزاء قتلهم لأبرياء ولمدنيين في سوريا، هم غير مرتبطين بشبكات إرهابيّة دوليّة تتاجر بدماء الشباب، وتستغلهم في حرب بالوكالة يتابعها أصحاب القرار عبر الحاسوب والأقمار الصناعيّة.وفي الغالب يختلط في عُرْف هذه الشبكات الإرهابية الدوليّة الجهاد المقدّس ببيع المخدرات والتهريب.
والوسطاء في هذه الجريمة هم شيوخ الفتنة الذين حشوا أدمغة شباب متعطش لمعرفة دينه بترّهات وخرافات عن الجهاد المقدّس في سوريا، و عن نصرة المسلمين في كلّ مكان .لكن ما يخفى على المغرَّر بهم أنّ نفس هذا الشيخ الذي يدعو الناس إلى الجهاد، والذهاب إلى المحرقة، يختار في المقابل أن يرسل أبناءه ليتعلَّموا في جامعات الدول «المشركة»، ويحصلوا على أعلى الدرجات العلميّة فيها.فكيف يحرم أبناءه مما يشجع عليه أبناء الفقراء!!!؟ إن هؤلاء الشيوخ الذين يتقاطرون على المنابر الإعلاميّة المروّجة للخرافة والوهم، هم بكلّ بساطة «تجار الجهاد» يغنمون أموالا على قدر براعتهم في التجنيد والتعبئة والتنويم . لكن هل يعرف هؤلاء الشباب الذين يستمعون إلى فتاوى الشيخ «القرضاوي» وغيره أنّ هذا الرّجل المدجّج بأموال البترول، يتنقّل في طائرة خاصّة، وينفق الملايين على زيجاته، وينعم أبناؤه بأرغد العيش، وبالدراسة في أكبر الجامعات!!!؟ هل يعرف هذا الشباب المخدّر أين بقضّي هذا الشيخ عطلته ؟وهل سمع هؤلاء الذين يُسْرَقُونَ من أسرهم بابن شيخ دين استُشْهِدَ في جهاد، أو قاد معركة لنصرة الدين ؟؟ هل يمكن لوزير الشؤون الدينية الذي تحدّث في إحدى خطبه عن الجهاد أن يرسل ابنه إلى سوريا هذه الأيام لأداء فرض شرعيّ اسمه الجهاد؟؟
وإذا كان الشيوخ مجرّدَ وسطاء يغنمون من صفقات التجنيد، ويشكرون على الخدمة في نهاية المشروع، فإنّ المموّل دول خليجيّة متورّطة في آبار الفساد .وهل يمكن لعاقل أن يعتقد أنّ هذه الدول ذات الأنظمة الرجعيّة، هي مجرّد جمعيات خيرية غايتها نصرة الإسلام ونشر تعاليمه ومقاومة الأنظمة الفاسدة؟كيف يمكن لهذه الدول أن ترفع راية الجهاد وأن تموّله، والحال أنّ نموذج الحكم الذي تعرضه، يؤكّد أن شعوبها قد وقعت بين أيدي مَنْ لا يعرف الرحمة، ولا يتورّع عن القتل المروّع إذا ما طالب الناس بالديمقراطية النجسة؟؟؟
إنّ ترحيل بعض الشباب المتحمّس إلى سوريا للقتال جريمة منظّمة يضع مرتكبها نفسه تحت طائلة قانون الإرهاب الذي أجمع العالم على إدانته، والعمل على التوقّي من مخاطره.وما على الدولة التونسية إلّا أن تتحرّك لمعرفة المحرّض والوسيط والمموّل. والعقل يأبى أن يصدّق أنّ َالدولة التونسيّة لا تعرف بعض التفاصيل عن هذه الشبكات التي نجحت في تجنيد عديد الشبان في تونس!!!
لا يمكن الحديث عن جهاد في سوريا بل عن جهاز مخابراتي تشابكت خطوطه.. رأسه شيوخ لفَّهم الوهم والدَّجَل.. وقدماه بعض الدول الخليجية التي ترى خير الديموقراطيّة لغيرها ولا تراه لشعوبها... وعقله دول مستفيدة عرفت كيف تزرع الوهم في أرض العرب المهيئة لكلّ مشاتل الفوضى والخراب.