أشارت بعض الصحف إلى أن أنصار حركة نداء تونس وفي مقدمتهم الدساترة لم يشبعوا نهمهم ولم يرووا وضمأهم من كلمة الأستاذ الباجي قايد السبسي رئيس الحركة، بمناسبة احياء ذكرى 2 مارس 1934 بمدينة قصر هلال، لأنهم كانوا في انتظار الجديد والجهوي والثري على لسان سي الباجي، في ضوء المشهد السياسي الراهن. ونرى من جانبنا عكس ذلك، فقد توخى رئيس حزبهم في كلمته رغم قصرها عين الموضوعية والحكمة والاعتدال، فالمناسبة كانت احياء لذكرى حدث مثل منعرجا حاسما في تاريخ تونس المعاصر وفي الكفاح الوطني بقيادة بورقيبة وزعامته بالخصوص .
فقد ذكر الخطيب باجتماع دار عياد ووضعه في إطاره ليضيف الجديد إلى التليد حين قال : (اذا كان 2 مارس 34 أذن بميلاد الحزب الحرّ الدستوري الجديد فنحن اليوم نزور قصر هلال ومعنا جبهة تتكون من خمسة أحزاب، لها مشروع مستقبلي يضمن لتونس نجاحها وان النصر سيكون حليفنا).
كما ان رسالة سي الباجي وصلت حين أكد لانصار «النداء» ولجميع التونسيين : (نحن هنا ولن يقدر أحد على اقصائنا) بكل وضوح وفي إيجاز بليغ، بعيدا عن المنطق المدغدغ لعواطف الجماهير...بل في عقلانية كاملة وخاصة في موضوع الدستوريين لأنهم : (شاركوا في المعركة التحريرية وكسبوها وبنوا الدولة العصرية التي تتخذ الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها ولا يعقل (ضع سطرا تحت لا يعقل) ان يتم اقصاؤهم من الساحة من قبل من صعدوا الى الحكم لأن ذلك غير معقول ولا يخدم مصلحة تونس) نعم وبكل هدوء وحكمة وبصيرة وإني لأذكر هنا كيف أن الاعلامي الفرنسي الكبير والمؤرخ السياسي «جان دلاكوتي» سأل المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة : هل نفهم من هذا يا سيادة الرئيس ان منهاجك يقوم على التضحية بالعاجل رغم أهميته النسبية في سبيل الآجل المضمون؟! فأجابه على الفور : ( قل توخي النجاعة، نعم النجاعة) وتلك لعمري سمة من سمات البورقيبية لو علموا وتعلموا !!
وهلم بنا الآن الى خاصية بورقيبية أخرى كانت حاضرة على لسان سي الباجي يوم 2 مارس في قصر هلال في قوله : (الدوام ينقب الرخام) في اشارة الى أن الدستوريين لن يستسلموا وهم المتمرّسون بالمثابرة والمتعوّدون عليها في كفاحهم المرير...واليوم «تماما كالأمس» من أجل المشاركة في بناء تونس) وكالعادة لم تخل كلمة سي الباجي من الطرافة حين ذكر التونسيين بأبيات من الشعر الشعبي لأحد كبار الادباء رحمة الله عليه تنتهي بما أصبح مثلا سائرا رضينا بالهم والهم ما رضا بينا...) ولم يسم أحدا.
وفي السياق نفسه يؤكد سي الباجي أن (التوافق هو الحل...بالحوار الوطني، لأنه اليوم وأكثر من أي وقت مضى، لا يمكن لحزب ولا لأي جهة الأنفراد بايجاد الحلول...فالاقصاء لن ينفع في شيء وتونس في حاجة إلى جميع أولادها...ولا نجاح الا بوضع اليد في اليد). رحم الله المجاهد الأكبر!! فإذا كان خطاب بورقيبة في دار عياد منذ 79 عاما أجاد وأقنع وافاد حتى رفعه الناس على الاعناق، فقد كان رحمه الله حاضرا وبامتياز منذ أيام في قصر هلال (واللي خلّي خليفة ما ماتش) لا في شخص سي الباجي فقد، بل جميع الدستوريين من أبناء هذه المدرسة العريقة والفكر البورقيبي.
لكن وللأسف الشديد : لقد أسمعت لو ناديت حيّا...ولكن لا حياة لمن تنادي...فالطرف الآخر بعيد جدا عن ادراك واحد من أسرار عبقرية بورقيبة فكرا ومنهجا وأسلوبا وخطابا هذا الطرف محروم أصلا من تلك النعمة التي عاشت بها ومعها أجيال النضال البورقيبي وتعرف خصائصها الفريدة وحدها فاذا كان الطرف الآخر يقول بالاقصاء وقانون حماية الثورة (بل النهضة) ويدعي امتلاك الحقيقة وحده ويصرّ على (المعيز ولو طاروا) رغم الفشل وتونس في مأزقها الراهن...فإن سي الباجي يقول : (النهضة ليست عدوّا لنا وهي من أبرز مكونات المشهد السياسي حاليا، وليس مستحيلا ان تنجح في الانتخابات القادمة...) أليس كل إناء بما فيه يرشح؟
في المقابل يلقي زعيم النهضة كلمة في موكب جنازة المرحوم أحمد الرحموني في تالة يقول فيها بعضلة لسانه : (في عهد الطغيان البورقيبي) ليذكرنا بأغنية الفنانة علياء بلعيد : (هذا شيء ولآخر شيء ولا شيء يشبه لشيء) !! على مراد الله! ومع كل هذه المفارقات نصل معا إلى أحد قياديي حركة النهضة وليد البناني الذي أشار في حوار تلفزي مؤخرا إلى تعرض رئيس الحركة لتهجم بعض الانفار على موكبه وسيارته في تالة فيقول البناني منددا...ان موكب جنازة الرحموني كان مناسبة جليلة للتراحم والاعتبار والاتعاظ... والسؤال المطروح هنا : هل كانت عبارة الطغيان البورقيبي على لسان رئيس النهضة وبالنسبة إلى الشعب التونسي كله والدستوريين خاصة، في مستوى حكمة سي الباجي ومنطقه؟ بل وأية فائدة من هذه العبارات اذا كان يعرف قائلها انها تستفز فئة من المواطنين هم أحب أم كره أولاد تونس ولم يأتوا من المرّيخ ولعل من بينهم نهضويين يحبون بورقيبة ويقدرونه حق قدره ويجلونه، إذا فلماذا في هذا الوقت بالذات يلقي بهذه العبارات المنكرة.
وياسي وليد عندي سؤالان (جاوبني عليهم برحمة والديك) الأول : هل ما ورد على لسان شيخك في قوله الطغيان البورقيبي موقف شخصي وعقيدة متغلغلة كال (فيروس) في الجسم العليل حتى أنه خرج عن المنظومة الاسلامية التي هو ممثلها في هذه الربوع افتراضيا وكما تدعون والتي يقول بشأنها الخالق سبحانه (وجادلهم بالتي هي أحسن) وقبلها في نفس الآية (وداع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وقال فيها رسولنا الأكرم ے : (اذا تكلم أحدكم فليقل خيرا أو ليصمت) أم أن الأدب الاسلامي(يحضر ويغيب حسب الظروف؟) عيب!!... وخاصة ان المناسبة كما تقول هي للترحم والتراحم يا بناني السؤال الثاني : «يابناني» قلت في حوارك التلفزي ان شيخكم يحضر إلى تالة بوصفه رئيس حركة النهضة ولكن بوصفه أحد تلاميذ الشيخ أحمد الرحموني فهل ما جاء على لسانه من قذف مقذع وسمج يجعل الشعب ينزع عنه جبة زعامته للنهضة (يا ذنوبي...) وأنت هنا في خطإ صريح وتضليل مكشوف وبلغة كرة القدم في التسلل!
ملاحظة أخرى يا بناني : في اجتماع قصر هلال أطلق الجمهور شعارات مناوئة للغنوشي باسمه الصريح في مناسبتين فما كان من سي الباجي الا أن طلب منهم الكف عن ذلك بقوله (لا...لا ..من فضلكم...موش مليح..) السؤال هنا : لمّا نادى إطار من وزارة الشؤون الدينية في قلب شارع الحبيب بورقيبة وفي مسيرة نهضوية بالموت للباجي قائد السبسي ، هل سمعنا من رئيس حركتك وشيخك أي كلام شبيه ب : (لا...عيب.. موش مليح) ؟مرة أخرى : (هذا شيء ولآخر شيء ولا شيء يشبه لشيء) وفاقد الشيء لا يعطيه ولا أصدق من قول رب العزة سبحانه : {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} (القصص 56) دستوري حرّ. أكدت يا أخانا أن المجموعة التي اعتدت على زعيم الحركة وسيارته في تالة جاءت من بعيد...وفي 7 مارس الجاري نشرت «الشروق» نسخة من رسالة بعثتها له عائلة المرحوم أحمد الرحموني تعتذر فيها عما بدر من بعض شباب الجهة (ثبتلنا روحك يعيشك)