وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    نبيل عمار يستقبل عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية عبد الرزاق بن عبد الله    بلدية تونس: حملة للتصدي لاستغلال الطريق العام    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    طقس الجمعة: استقرار في درجات الحرارة    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    المغازة العامة...زيادة ب 7.2 % في رقم المعاملات    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    أبناء مارادونا يطالبون بنقل رفاته إلى ضريح أكثر أمانا    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    بجامعة لوزان..احتجاجات الطلبة المؤيدين لفلسطين تصل سويسرا    القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    منزل جميل: تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي ومحلات السكنى    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    الرئيس : الامتحانات الوطنية خط احمر ولابد من حل نهائي لوضعية المدرسين النواب    طقس الليلة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    اجتماع تنسيقي بين وزراء داخلية تونس والجزائر ولبييا وإيطاليا حول الهجرة غير النظامية    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    رياض البوعزيزي: 'السلطة تدخّلت لإبطال ترشّح قائمتي التلمساني وبن تقية لانتخابات الجامعة'    القبض على مشتبه به في سرقة المصلين بجوامع هذه الجهة    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    الزاهي : هناك هوة كبيرة بين جرايات التقاعد بالقطاعين العام والخاص.    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيان عصيان عاطفي: شذرات من المتن المختومي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

هذه النصوص تفصح فعلا عما أطلقت عليه أناشيد الغياب، إذ تبدو ذات الشاعر واثقة من تصدّع وتفكك وضعها العلائقيّ بالآخر، الآن وهنا. غير أنها ترتب علاقاتها بالمكان والزمان، الأنا والآخر، وفق منطق ماكر، أقصد وفق منطق شاعر / شاطر بأن الآخر ليس بسيطا كما يبدو لبعض الخلق الثقافي، وإنما الآخر مركّب ومربك، وحتى الذات الفردية ليست شفافة واضحة وكريستالية المظهر لذاتها، إنها محيطات وكهوف وطيّات...
تشير ذات الشاعر دائما وصراحة وبصيغ مختلفة، الى مديح الغياب والاحتفاء بالغائب في مقابل إدانة للحضور... ذلك أنه يعلن بلا ارتباك، انتماءه السلاليّ للألق الغائب، المأسوف عليه كمدا، إذ هو من إخوة الانبياء وشقيق الشعراء... ولا يعنينا إن كانوا إخوة أعداء... إذ يبقوا جميعهم أشقاء في العزلة... ذلك أن «لا نبيّ في قومه»... أشقاء في الوحشة... وإخوة في التّيه... ورفاقا في اليُتم...
إخوة وأشقاء ورفقاء وإن كانوا خصوما في التمائم اللغوية حين الذود عن الذات عبر اللسان الحسام...
تماما كما يستحضر الشاعر المختومي الاشقاء الفعليين من الشعراء: شعراء التيه والغواية والمحبة الخالصة، مدينا اضطهادهم، متأملا... ألما، أحوالهم عند احتضارهم، متقصّيا آثارهم عند أفق الغياب، مشخّصا متواليات الاخطاءالتي ارتكبها الاهل في شأنهم من نكران ونسيان، مدينا بالمداد الدامي «الخطايا» التي لفّت حيواتهم معيشهم... بسواد النكران فعلا والاغتياب...
بهذا المعنى أقول إن الكتابة لدى «السندبادي» المختومي، في مجمل نصوصه كما في «الكنعاني المغدور»، طقس مساررة «Rite de passage» ينكسر فيه ومعه العقد العاطفي المزيف، يتأسس به ومعه نمط آخر من العقود، يظل سرّيا بينه وبينه، إنه اعتراف فاضح جميل وجارح، فكان ما كان من الامر الشعريّ:
«لا تدنّسوا جسدي
حين أخرج من أصابعكم
لا تأكلوا لحمي على موائدكم
ولا تنهشوا حزن هذي...
البلاد»
* * *
إذا كان للجنرالات أوامرهم العسكرية الانضباطية، فإن للشاعر أوامره الشعرية العاطفية... وما لا يدرك إلا بلين!
هذا، وهكذا تبدو «الكتابة» لدى المختوميّ، كتابة القشعريرة والألم، كتابة الارتجاف والاحتفال على طريقته، طريقة الشاعر / الشاطر بالعزلة، التحاما حميميا:
بالحب،
والموت،
والضحك،
والنسيان،
وبسادة السلالة:
«ودعوني وحيدا
أرتدي لون الغياب
أمرّ هنيئا الى...
عمري...
شامخا...
ككل الذي جاء قبلي من...
الشعراء»
* * *
سادة السلالة في المكتوب المختومي إنما هم الشعراء بألف ولام التعريف... الشعراء فعلة لغة...
ومرة أخرى، الكتابة لدى المختوميّ بتكثيف رهيف إنما هي إصغاء نشيط جارح فاضح وأنيق للوجع اللساني السؤالي، إذ اللغة واللحن توأمان لديه، الكتابة تأريخ جماليّ أنيق «الكنعاني المغدور» بأهله ومن أحبّ وتبرئة لذئب إخوة يوسف من دم يوسف!
* * *
المظهر سرّ الجوهر، هكذا يردد المختومي «بلا لغة» و»لا لسان حال»! للجوهر بداية، وللمظهر حكاية، وتتشكل البداية بفعل حياكة، بمعنى تطريز مجازات واستعارات وكنايات وضروب تعريض وتصريف صور حسّية وذهنية وفق كيمياء لغوية ليستقيم نسيج النص بذاته... وإن اقتضى الامر بلا ذات كاتبة أصلا، ليقبل عندها المكتوب ويا للوجع! ويدْبر الكاتب، ليحيا المشعور به، ويموت الشاعر...
أليست الكتابة فعلا متعديا وإن اقتضى الامر الى الهلاك، تماما، تماما كما الحب في اللغة العربية، والذي هو «حالة من حالات الموت»؟
إن ذات الشاعر مسكونة بوعي موجع بالمفارقة، بما يمكن لي تسميته ديالكتيك:
الحب والحرب،
المحو والاثبات،
المظاهر والجواهر،
الذاكرة والنسيان،
الحضور والغياب،
الصداقة والشراسة...
الاخوة والخيانة...
لذلك ندرك ربما ما يمكن لي تسميته التعقّب الحبري الذي يقوم به أبو غسان ليمسك بأصل العطب، وبما يمكن تسميته، أيضا وأيضا، التوعك العاطفي وما يليه في متنه تماما كما في حواشيه!
فهو إذن يكتب بمداد دام، ليثبت ما عليه الغدر في خفّته وتخفّيه وتشفّيه، في ظهوره معاينة وبلا حياء فاجر: «عيني عينك» كما في مقول المتداول التونسي.
إنها كتابة تعقّب الخيانة والغدر و»تأريخ للرذيلة» وفق عبارة الحكيم الاندلسي الممسوك، «بطوق حمامته»...
كتابة إصغاء وتعقّب لجذور نبتة الحزن، فكان الانفلات حبرا أنيقا تبكاء، لغياب الالق الغائب.
بإمكاننا استيتيقيا جماليا، وإيتيقيّا «أخذ هذا الكتاب بلين»، والاصغاء الى «الكنعانيّ المغدور» بأذن أكثر رهافة وبعين أكثر تبصّرا وبصيرة، إذ الالم...
لم يعد في الجلد وإنما خطا بعد، أبعد...
لم يعد في اللحم إذ ذهب أبعد أبعد...
لم يعد في العظم وإنما مضى الى الذي يلي الذي يليه:
«آدم...
يا أبي
هل إخوتي إخوتي؟
منعوا الشمس عن زهرة
في يدي...
زرعوا الشوك في عطر...
أغنيتي
رموني شريدا
فوق ظهري صليبي
وفي أضلعي...
خيمتي»...
* * *
إن الوعي بالمفارقة وبما آلت اليه أوضاع علاقات القرابة من عدوانية فاضحة جعلت من «الفوران القوليّ» الكتابيّ بيان عصيان عاطفي، إذ يعلن المختوميّ بفصيح الوجع:
«يا أيها الاخوة
لستم إخوتي»
ليقف الكلّ...
وكل الكل...
في مهبّ اليتم الكوني. يحدد الشاعر مقام هويته بفعل محو كتابيّ، ما يمكن لي وصفه بالتأسيسي، محو ماذا؟ محو «الهم»...
و»الهؤلاء»...
و»الأهل»...
و»قطّاع صلات الرحم والحبر»...
و»محو الهمْ» الجحيميّ بالمعنى السارتري.
* * *
فلْنتعقّب خطى المتعقّب في حلّه وترحاله الحبري كشفا لما آل اليه وضع الكائن الانسي في الآن الحضاري المحلي وفي المعيش الكوني.
إن ما أطلقت عليه المحو التأسيسي، إنما يتأسس فعلا وجدليا على الاقرار بقداسة علاقة قرابة حبرية ولحمية ورمزية بالذين يحبّ! إعلان بيان القرابة الروحي، بالحلاّج الحكيم الصوفي... وبالرفيق الحكيم الفلسطيني... وكل من يعشق من الاحياء الجديرين بالحياة...
ووفقا لتقدير أبي غسان المختومي، الذاكرة ليس كلها للمحو، استيتيقيّا جماليا، على أقل تقدير، ليست كلها خرابا في خراب، وذات الشاعر ليست كلها عدمية انتحارية نهيلستية «Nihiliste»، وإنما تملك ما به تستطيع مزاولة وجودها رقصا جريحا وتعلن عما يمكن تسميته فتوّتها المرحة رغم جحيم الخراب وتكذاب السراب.
«أنا... الله يعشقني
فشكرا له حين توجني بحرير الكلام
وألبسني مجده
...
مني إليّ
سلام عليّ
يوم ولدت
ويوم أظلّ في الموت حيّا»
* * *
إن أبا منصور الحلاج، المتقمص مختوميا ويا للمفارقة ليس مجرد قناع للتخفي إذ ليس هو من الماضين الي مضوا ولفّهم كتاب الغياب، إنما هو حلاج الذاكرة الحية الموجوعة ب:
الصلب...
و... الحرق
و... الغدر... والذي أدرك وعلى طريقته أن النديم ليس دائما نديما، إذ يمكن أن يسلمك آخر الليل أو آخر القول الى جلاد لا عاطفي بقلب لا يلين، فهو إذن نديم مكذوب تماما كما الحمل الانثوي المكذوب كما تقول العرب... وإن تعطّر بأحدث عطورات إيف سان لوران مثلا...
استحضار الحلاج لم يكن لدى المختوميّ اختيارا إراديا، وإنما اضطراريا أملته الضرورة العاطفية، فقفزت بل نطّت من ذاكرته، ذاكرة الشاعر / الشاطر صورة الحلاج عند مسرحة موته وهو يتبختر في قيده، يضحك ويقول:
استحضار حلاج «الطواسين» و»بستان المعرفة» إدانة مختومية للدناءة المستديمة في تاريخ هذه الامة الموجع، فتعيد بذلك الكتابة المختومية استنطاق المعاودة والتكرار للوجع السلالي!
فأي حزن أكثر من أن يطرد الواحد منا من دمه دم إخوته!
وأي قسوة أقسى من أن يُسيح الواحد منا دمه هروبا من أهله!
وأي غرابة أغرب من أن يستأنس الانسيّ منا بالذئب اليوسفيّ خوفا من إخوة يوسف! هروبا من الوطن وتاريخ الامة، وألاّ يستحضر اضطرارا وليس اختيارا من ذاكرته الجوالة في آفاق الحضارة العربية غير «المقتولين صبرا» و»المغدورين» و»المصلوبين» و»الممتحنين» أحياء أو حتى رفاتا على أبواب المدن وفي أزقة الحارات التراثية تماما كما على قارعة الشاشات الكونية! تماما وما أمرّ هذا التمام تماما كما يحدث الآن لاحفاد الكنعاني المغدور بأهله والمتاجر بأرضه وعرضه وبلا مبالاة من الاهل وذوي القربى:
«نقيم حفلات الزار نخفي ضعفنا
والعجز فينا
والضعف في ثيابنا
وطالما أحفاد القاهر في دمنا
يزيّفون وعينا
ستسقط العواصم
وتكثر الهزائم»
هكذا يقول المختومي قبيل تختام خاتمة الفضيحة وأكثر، إنه يشخص العطب ولا يستعجب من العجب...
ذلك أن للهزيمة تاريخا: أمة تغتال فحول شعرائها وتقتل كتّابها، وتسمّم الخلص من أمرائها، وتنحر أبناءها قربانا لاعدائها، ليس غريبا في وعي المختومي، أن تطبق عليها الاوازم وهي الانياب الحادة!
يكفي فقط أن نتصفح من هذا المتن «الكلمات المتقاطعة» وأن نصغي الى «حزن أبي العلاء» القادم من بعيد أو «حزن غسان كنفاني» القريب القريب والاقرب من حبل الوريد، أو أن نتمثّل «وقعة المتنبي» لندرك مخزون الالم واحتياطي الحزن الذي يسكن المختومي منذ خبر اغتيال المتنبي الى ترنّح بغداد، وما مضى نزيلا حزينا الى الابد، مقيما معاينة في الذاكرة:
«هذه بغداد
هل انتحر على أسوارها الغزاة؟
وهذا دجلة كالمسيح وحده
والنخل...
يبكي صمته... الفرات
فأين فاتحونا وأبطالنا الاباة؟»
وقادما في الجغرافيا، جغرافيا الروح، من طيات تتكتم عليها ذاكرة جيكور الشاعر الشهيد بدر شاكر السياب، سليل الشاعر الشارد المتنبي:
«أراحل يا غريب الدار أم عائد
كم قد طويت من بلد
ولم تشيّعك والدة
وكنت وحدك في ترحالك
يا نجمنا الشارد»
* * *
بمثابة خاتمة
ضاق القلب بما اتسعت له الأرض من خراب
«يا نجمنا الشارد»
إن أنا الشاعر المختومي قُسّمت بين المحبة المفلقة ورغبة النسيان، أنا مقسّمة بين قهرها السلالي ووجع جوع الشعب التاريخي، وكوميديا تبريرات الهزائم العسكرية أزمنة الحروب الموسومة ب «الوطنية» و»الوطنية جدا» و»القومية» و»الثورية أيضا» وأيضا، لذلك نجد الذات الشاعرة لدى أبي غسان في هذه المجموعة، غير محايدة «حربائيا»، بل تسعى كدحا لتشخيص حقيقي لما آلت اليه الفضاءات المكانية الفكرية الروحية، وما آلت اليه شؤون:
القلب...
والعين...
والذاكرة...
وأحوال الجسد... سرياليا
إنها كتابة تفضح دون مراوغة وبالتزام حبريّ أنيق، وتعلن انخراطها في معمعان الآن الحضاري مدركة ضرورة قطع الحبل السيركويّ، ليسقط، نعم! ليسقط البهلوان...
لتكتب ذات الشاعر إذن بالاحمر على أبواب المدن:
«الجوع والحكم جنرالا الروح» كما كتب حبريا «اليوناني كازانتزاكي» المستعاد في كتابات المختومي الليلية خاصة، ونحن «في مهب العراق»، وفق عبارة الشاعر الآسر محمود درويش.
* * *
ومن قبلُ...
ومن بعدُ...
ومن بعد «القبل»...
وقبل «البعد»...
أقول لي و»لأبي غسان» الشاعر / الشاطر ما قالت لي الاوراق القديمة الآن، وقد توغّل الليل في بعضه:
«أية هاوية هو القلب البشري، كيف تتحوّل خفقات القلب الى نحيب فيسلك طرقا غير متوقعة.
... ينضج الناس مثل القمح ويتساقطون كالقمح وينبتون من جديد... المحيطات التي لا حدود لها تجفّ...
والجبال تمحى...
ويرتعش نجم القطب... والآلهة تتلاشى»!!!
* انتهى
كتب ذات ليلة شتوية من الاسبوع
الرابع من الشهر الاخير من
السنة الثالثة من الألفية الثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.