أغلب التونسيين يرفضون الإجهاض دون سبب أو لأسباب اقتصادية    طقس الليلة    قابس.. لِصّ الهواتف الجوالة في قبضة الحرس الوطني    في زيارة عمل إلى ولاية الكاف: وزير أملاك الدّولة يعلن عن تسوية وضعيات عقارية لعدد من المشاريع العمومية    نائب فرنسي يرفع العلم الفلسطيني داخل البرلمان.. (فيديو)    وزير الفلاحة: الصّفقات العمومية والانتدابات تشكّلان أهمّ مجالات سوء الحوكمة    بطاقة إيداع بالسجن ضد سمير العبدلي من أجل شبهات جرائم إرهابية    بنزرت: غلق محل من أجل الاتجار بمادة مدعمة بطرق غير قانونية    جنيف : وزير الصحة يستعرض الخطط الصحية الوطنية في مجال علاج أمراض القلب    عملية بيع تذاكر'' الدربي'' : الأسعار... متى و أين ؟    في هذه الدولة : البنوك تتخلى عن فروعها وتستبدلها بالخدمات عبر الإنترنت    لدعم خزينته: الأولمبي الباجي يطرح تذاكرا افتراضية.. وهذا سعرها    مطار جربة: تأمين العودة الطوعية ل173 مهاجرا من جمهورية البينين    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    ملعب غولف سكرة يحتضن نهاية هذا الأسبوع كأس تونس للغولف    27 ألف مشجّع للنادي الافريقي في دربي العاصمة    كرة اليد: 2200 تذكرة فقط لنهائي الكأس    عاجل : شكاية جزائية ضد وزيرة العدل ليلى جفال    رئيس الدولة يُغادر أرض الوطن في اتجاه الصين    الشركة التونسية للبنك STB : تعيين نبيل الفريني مديرا عاما    قفصة: الدفعة الثالثة والأخيرة من حجيج الجهة تغادر اليوم في إتجاه البقاع المقدّسة    الجفاف يفاقم مشاكل التشغيل في المغرب    %50 خسائر قيمة الدينار بسبب إملاءات صندوق النقد    المنتخب الوطني: موعد الإعلان عن القائمة وبرنامج التربص    بطولة رولان غاروس: تأهل الكازاخستانية الينا ريبكاينا الى الدور الثاني    عاجل : الديوانة بميناء حلق الوادي تحبط محاولة تهريب'' زطلة و مخدرات ''    تذمّر المواطنين بسبب غلاء أسعار الأضاحي..التفاصيل    بن عروس: متابعة ميدانية لوضعية المحصول بالمساحات المخصّصة للزراعات الكبرى    رسميا: إستبعاد نجم ريال مدريد من منافسات يورو 2024    عاجل/ حريق مستودع الحجز البلدي ببنزرت: إصدار بطاقة إيداع بالسجن    عاجل/ اعتراف إيرلندا بدولة فلسطين يدخل حيّز التنفيذ    لأول مرة : اعتماد الكشف الطبي الاستباقي للحجاج التونسيين سواء على متن الطائرات أو فى أماكن إقامتهم    حادث مرور مروّع في القصرين    هيونداي تونس تتوج بعلامة "أفضل علاقات عامة" في المؤتمر الإقليمي لشركة هيونداي موتور في جاكرتا    وزير التجارة الجزائري يدعو إلى عقد منتدى أعمال ثلاثي جزائري تونسي ليبي    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    عاجل : حريق داخل مصنع التبغ و الوقيد بالقيروان    قفصة: القبض على 5 أشخاص من أجل ترويج المخدّرات    عاجل/ هذا ما أمر به رئيس الدولة وزير الداخلية الجديد..    سعيّد يُشرف على جلسة عمل لاستكمال تنقيح الأحكام المتعلقة بالشيك دون رصيد    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    المرصد التونسي لحقوق الإنسان : هذا موعد إعادة فتح معبر رأس جدير    هذا فحوى لقاء رئيس الدولة بالصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح..    فضيحة ساعات "الروليكس" تلاحق رئيسة بيرو.. شكوى دستورية في حقّها    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    وزير الصحة يؤكد مواقف تونس الداعمة لاعتماد معاهدة الوقاية من الجوائح الصحية    النجمة سيلين ديون ستغني في حفل مباشر للمرة الأخيرة في حياتها    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    وزير الصحة يؤكد من جنيف على ضرورة إيلاء الوضع الصحي في فلسطين الأولوية القصوى    بن عروس : 14 مؤسسة تربوية تشارك في الملتقى الجهوي للمسرح بالوسط المدرسي    ثلاثة أفلام تونسية في الدورة 24 من مهرجان روتردام للفيلم العربي    يقلل مؤشر نسبة السكر في الدم...فوائد لا تعرفها عن تجميد الخبز    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش الذكرى الثامنة والعشرين ليوم الأرض: التحول الحاسم في معركة الهوية
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

* محمد المحسن الإدارة الجهوية للتعليم تطاوين
30 مارس 2004 إنها الذكرى الثامنة والعشرين لانتفاضة يوم الأرض تجيء وقد كفّ الفلسطينيون عن أن يكون دورهم هو مجرد القيام بتعداد السنين، وكتابة الرقم في دفتر المأساة لقد افتتح الشهداء «دفترا» جديدا يسجل الفلسطينيون يومياتهم فيه.
لربما ينشغل البعض في البحث عن صلة «لغوية» ما بين المأساة ودفتر الشهداء وسوف يكتشف أنّ سنوات تلك هي سنون هؤلاءوأنّ عنوان السفر لم يتغيّر منذ البدء حيث مضى الفلسطيني حتى الاستشهاد في مقاومة الاقتلاع فأن تزرع دما في الأرض فهذا فعل انتصار الإرادة الإنسانية إرادة الحياة على آلة الموت والاقتلاع وكلّما مرّ الوقت اكتشف العربي الفلسطيني قواعد جديدة للإجابة على سؤال البقاء والاستمرار.. والتحدي.
واليوم...
على القاتل اليوم أنه يبحث عن حدود دهشته ويواري صدمته بالأطفال ا لذين كانوا مرشحين لأن يمثلوا «جيل النسيان» فإذ بهم يمتلكون ذاكرة مفعمة بالتفاصيل يصغون لندائها على نحو خاص، ويبتكرون بناء على النداء شكلا متطورا للفعل يبتدىء من مغادرة الصمت ليباشر كتابة التاريخ الحقيقي. لم يكن الفلسطينيون في أراضيهم المحتلة عام 48 بحاجة إلى اعتراف القاتل لأنّ جراحهم ظلّت تنزف طوال العقود التي انصرمت من عمر الاحتلال والنكبة ولكنهم كانوا بحاجة إلى احداث صدمة في جدار الوعي اليهودي الذي تخيل أنّه احتلّ الأرض واقتلع منها ما اقتلع ولم تبق سوى خطوة واحدة حتى تكتمل الجريمة أن يبدد هوية من بقي على الأرض من الفلسطينيين عبر الدمج، أو عبر التهميش الذي يبقيهم مهزومين ومستكينين لإرادة الغاصب فيطلق ماشاء عليهم من الصفات والتصنيفات بوصفهم «كما» بشريا فائضا يستطيع المحتلون أن يتصرفوا به على هوامه. ولكن قانون الصراع هو الذي ظلّ يحكم العلاقة بين الغاصبين للأرض ومن اغتصب أرضهم ومع الحاجة إلى الصدمة اللازمة لتثبيت هذه المعادلة انفجرت انتفاضة يوم الأرض عام 1976 التي تجمعت نذرها لوقت طويل. فعشية الانفجار كتب الصهيوني «شمعون شامير» إنّ الجيل الناشىء له طبائع سياسية مختلفة عما كان لدى جيل الوجهاء والمخاتير إنّه غير الذين ورثناهم عام 1948. الصهيوني شامير كان يقول حقيقة وهو يحاول تقديم تفسير لنمو المشاعر القومية والتمركز حول الهوية العربية الفلسطينية من قبل الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الصهيوني منذ نكبة فلسطين. ولكن شامير لم يستطع مغادرة الاستعلاء العنصري لحظة واحدة حتى وهو يؤشر إلى فشل «الدمج».
التحول الحاسم في معركة الهوية
يمكن اعتبار السعي الصهيوني إلى تهويد الجليل بمثابة الصاعق المفجر لانتفاضة الأرض في الثلاثين من مارس عام 1976 لكن هذه الانتفاضة لم تكن برقا في سماءصافية وإذا كان الفلسطينيون قد استطاعوا في ذلك اليوم تمزيق مشاريع التقسيم والتهويد وأثبتوا أن الشعب الفلسطيني لم يتروض ولم يتشرذم ولم ينس هويته وتاريخه ولم يفقد إنسانيته فإنّ ما حدث كان محصلة لتراكمات نضالية ولاستمرار الشعور العميق بالهوية الوطنية والقومية رغم المحاولات الصهيونية الحثيثة لقمع هذا الشعور وضرب أشكال التعبير عنه.
ففي عام 1958 ظهرت إلى الوجود الجبهة العربية وهي أول تشكيل مناهض للصهيونية في فلسطين المحتلة عام 48 وقد قمعها الصهاينة لأنّها تعمل على التطرف الطائفي والعنصري كونها لا تقبل سوى ا لعرب في صفوفها». ثمّ تأسست «حركة الأرض» التي تعرضت لقمع صهيوني شديد وصولا إلى إصدار قرار بحلها عام 1964. وفي عام 1970 ظهرت «حركة أبناءالبلد»... وهكذا كانت هذه الأشكال جميعا محاولات تنظيمية لمواجهة السياسات الصهيونية وفي العمق كان الشعور بالغضب يتزايد ويتحين الفرصة المؤاتية للضهور والتعبير عن نفسه بقوّة.
لقد لعب ظهور العمل الفدائي المقاوم عام 1965 ولاحقا حرب أكتوبر عام 1973 دورا بارزا في تقوية المشاعر القومية والإحساس بالانتماء إلى أمّة فاعلة وقوية وهو ما قابله استخفاف بالدعاية الصهيونية عن «دولة وجيش» لا يعرفان سوى الانتصار ويستطيعان «تأبيد» الهزيمة العربية.
كمحصل لكلّ ذلك انفجرت انتفاضة يوم الأرض ليبدأ التحوّل الحاسم باتجاه مسار جديد يدلل أوّل الشيء على فشل السياسات الصهيونية ويعكس ثانيا حقيقة أن فلسطيني الأراضي المحتلة عام 1948 هم جزء من الشعب الفلسطني والأمة العربية. وأوقفت انتفاضة يوم الأرض الاندفاع الصهيوني لتهويد الجليل وأكدت أنّه سوف يواجه كلّ مرّة بمقاومة أشد.
ومنذ ذلك الوقت تزايدت المشاركات النضالية لفلسطيني الأراضي المحتلة عام 48 في الكفاح ضد الصهيونية ومشروعها على أرض فلسطين ليصاب الصهاينة في كلّ مرة بالذهول ويقترحون صياغات جديدة على أنّها أجوبة على واقع يصفعهم بقوة. حدث هذا في النظر إلى مشاركات فلسطيني ال48 في انتفاضة 1987 1993 وصولا إلى ما أحدث صدمة قوية لدى الصهاينة بسبب كثافة المشاركة الفلسطينية في مدن وقرى فلسطين المحتلة عام 48 في انتفاضة الأقصى وهي الصدمة التي عبّر عنها أحد الصحافيين الصهاينة بالقول : «إنّه عبر صور الانتفاضة المعروفة ظهر لاعبون جدد : عرب «إسرائيل» وبنفس حركة الجسد المعروفة من المناطق (يقصد الضفة والقطاع) بنفس مظاهر الكراهية بنفس اللحن فعلا».
في كلّ مرّة كان الصهاينة يقولون : «إنّ الأسوأ لم يظهر بعد... وسوف يأتي اليوم الذي تلاحقنا فيه السكاكين إلى حيفا ويافا» ولكن في كلّ مرّة أيضا كان يجري اللجوء إلى «الخرافة» لاقتراح الحلول التلفيقية الجديدة.
اليوم...
الفرق واضح بعد ستّة وخمسين عاما يعيش الغاصب الدموي تحت وطأة الخوف ودون هوية.. بينما يستطيع العربي الفلسطيني أن يشعر بالفخر بهويته ويعد من تبقى من وقت كي لا ينبلج الصبح على فلسطين الجريحة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.