الاعتصامات آلية نضال زمن الدكتاتورية.. آلية دمار ذاتي بعد الثورة يتساءل البعض لماذا كان التونسيون موحدين قبل عام في استخدام الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات آلية في النضال حتى إسقاط الدكتاتورية؟ ولماذا انقلب عليها الكثيرون اليوم؟ وهل يعقل أن تصير تلك الآلية التي أوصلت التونسيين لتحقيق الثورة آلية سيئة اليوم، مجرم في حق الوطن والثورة من يقوم بها؟ ألا يعني هذا أن من كان يؤيدها من قبل ثم انقلب عليها اليوم هو شخص أو جهة مصلحية أنانية تبحث عن مصلحتها، فكان لها موقف عندما كانت في المعارضة، ثم صار لها موقف مناقض عندما صارت في السلطة؟ هذه أسئلة مشروعة ولا شك.. لكن على التونسيين جميعا أن ينتبهوا إلى أن: 1) الاعتصامات والاحتجاجات ليست غاية في حد ذاتها. هي آلية من آليات النضال، وقد حققت غرضها ونقلت بلادنا من زمن الدكتاتورية والاستبداد والفساد إلى الديمقراطية والحكم المنتخب شعبيا.. هي آلية استخدمها التونسيون من أجل إسقاط الدكتاتورية، وقد أسقطوها، فهل يعقل أن يستمروا في الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات إلى ما لا نهاية وقد حققوا هدفهم من وراء استخدامها؟.. بالأمس كانوا يحتجون على الدكتاتورية والفساد، فهل يحتجون اليوم على أنفسهم وعلى الحكومة التي اختاروها وانتخبوها بأيديهم؟ 2) بعد إسقاط الدكتاتورية ونجاح الثورة وانتخاب مجلس تأسيسي وانتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة ائتلافية صار واجب الوقت الآن أن يتعاون جميع التونسيين كل في موقعه من أجل القضاء على البطالة والفقر والتهميش والغبن الاجتماعي. ولا يتحقق هذا الهدف إلا بآلية جديدة، هي بكل تأكيد ليست الاعتصامات ولا الإضرابات ولا الاحتجاجات، بل بالعمل والكد والبذل والتضحية والتضامن الوطني وزيادة الإنتاج، بما يوفر فرص عمل جديدة للعاطلين. 3) ليس الوقت الآن للزيادة في الرواتب وتحسين ظروف العمل للموظفين والعاملين في المصانع والمعامل ومختلف المؤسسات والمناشط، رغم أنها مطالب مشروعة ومعقولة. المعركة الآن هي معركة مواجهة البطالة ومشكلة العاطلين عن العمل.. فإذا أمكن توفير مواطن شغل للعاطلين، وهم نحو 800 ألف عاطل، انتقلت معركة تونس كلها إلى معركة تحسين أجور وظروف العاملين. في المقابل فإن المضي في الإضرابات والاعتصامات من أجل تحسين ظروف العاملين سينقلب على الجميع، وسيغرق السفينة بأسرها، إذ ستغلق المزيد من المصانع والمعامل والشركات، وسترحل الاستثمارات عن بلادنا نحو بلاد أخرى قريبة وبعيدة، وبدلا من توفير مواطن شغل جديدة، سنجد أنفسنا أمام عاطلين جددا. 4) الحكومة أي حكومة، سواء كانت حكومة التحالف الثلاثي الحالي، أو حكومة حزب العمال الشيوعي، أو حكومة الحزب الديمقراطي التقدمي، أو حكومة اتحاد الشغل، أو حكومة أي حزب أو تحالف حزبي، لا تملك عصا سحرية لحل المشاكل الكثيرة الموروثة عن الدكتاتورية في رمشة عين. أي حكومة عليها أن تضع أولويات، وأن تعمل بمثابرة وحيوية ونشاط من أجل تعبئة الشعب كل الشعب للعمل وزيادة الإنتاج وتحقيق النمو، الذي يعود على التونسيين جميعا بمواطن شغل جديدة للعاطلين، وبرواتب أفضل للعاملين، وبتحسين ظروف العمل. وزيادة الثروة الوطنية مع العدالة في التوزيع هو وحده ما يسمح بمقاومة الفقر والتهميش وتوفير البنية التحتية وتحسين الخدمات في مختلف المجالات. باختصار.. الاعتصامات والإضرابات وتعطيل الإنتاج ليست غاية في حد ذاتها بل وسيلة.. كانت من قبل أداة التونسيين في إسقاط الدكتاتورية. أما اليوم فالعمل والإنتاج والتضامن الوطني هو آلية التونسيين الوحيدة لمقاومة البطالة ومحاربة الفقر والتهميش.. أي شيء غير العمل وزيادة الإنتاج والتضامن الوطني وتنمية الثروة الوطنية لن يؤدي إلا إلى إغراق السفينة وتدمير الذات. تونس حبلى بغد أفضل فلا تجهضوا حملها!!!!