تميّزت فترة استلام الحكومة الجديدة (الحكومة المنتخبة) بكثرة القلاقل والمشاكل و"الكوارث" الطبيعيّة أو ما يسمّى عند الفلّاحين الأصيلين - أبناء الأرض - الخير والبركة والصلاح!... فالثلوج والأمطار – وإن أراد "الكوارثيون" إبرازها بمظهر المصيبة والفاجعة – هي نعمة كبيرة من الله جلّ جلاله؛ روت الأرض والعطشى وملأت السدود حتّى فاضت وأغنت المائدة الباطنيّة حتّى ازدهرت وانبجست منها عيون وأصلحت الزرع والضرع. إلّا ما كان من بعض الاستثناءات التي قد يتداركها الرّبيع فيجعل الله منها خيرا كثيرا!... وقد آسفني إلى درجة كره الانتماء؛ كثرة تسخّط التونسيين "الوطنيين" – إلّا من رحم ربّي - وكثرة تواكلهم على الحكومة ونسيان الله تعالى حتّى خشينا أن ينسيهم أنفسهم، فلا تفتح التلفاز حتّى تفرّ من سماع نفس الجمل التي مجّها السامع المستقيم الرّاغب في الخير للعباد وفي إصلاح البلاد (ما عندناش... ما ثمّاش... ما لقيناش... ما جاناش... ما نخدموش... ما نملكوش!... إلخ)!... سواد "وطنيّ" (أو هكذا يبدو كما تصوّره التلفزة "الوطنيّة") مرّ من القبول الذليل والتسليم الكامل لوليّ الأمر زمن صانع التغيير المبارك الذي أكل البلاد ورمى عظامها للفاسدين من حوله يتلهّون بها؛ إلى عدم القبول المطلق: فلا هو قابل الشرعية ولا هو قابل دعوة المشاركة في الإصلاح والصبر عليه ولا هو قابل وضعه الذي تؤكّد بعض هفوات الإعلام "الحرّ" أنّها ترجع إلى عشرات السنين ولا هو قابل حتّى أفعال الله تعالى!... فثلوج الله وأمطاره كوارث عندهم وغضب طبيعة سبّبها – حسب زعمهم وإن لم ينطقوا – وجود حكومة لم تُحسِن علاقتها حتّى مع الطبيعة!... وقد أصيبت الحكومة "المؤقّتة" (كما يروق لل"وطننيّة" تسميتها) نتيجة هذا المناخ الكدر المكدّر العكر المعكّر بفقدان التوازن عديد المرّات، فكانت تسابق الزمن وكانت تستجيب في بعض الأحيان للكثير من الطلبات بهدف "إشباع" الأفواه الجوعى أو "إلقامها" ما يصرفها عن الصراخ السلبي، دون أن يكون ذلك منها قد واطأ الصواب!... من ذلك مثلا أنّ استجابتها لتعويض الفلاّحين الذين أكرمهم الله بالماء النّافع حتّى عمّ حقولهم المزروعة حبوبا لا تُجنى صابتها إلاّ صيفا كانت تصرّفا مستعجلا حسب رأيي وغير واقعي! فقد كان يمكن إمهال هؤلاء الفلّاحين حتّى الصيف لنرى نعمة الله تعالى كيف تكون؛ فلعلّ الصابة تكون من فضله استثنائيّة!... بل لقد كان يجب تجميعهم وإحصاؤهم وسماع ما كانوا ينتظرون من زروعهم حتّى توثّق أقوالهم فلا يكون التعويض – إن حدث – إلاّ بما نقص أو قلّ عن معدّل الصابة المعتادة لحقولهم!... على أنّ مطالبة الفلاّح بالتعويض تقضي كذلك بخضوعه لدفع زكاته وبعض فائض صابته عند النعمة يساعد به الحكومة على تخطّي الصعوبات التي تعترضها في طريق الرّفاه للجميع، فلا يُعقل أن يستأثر الفلّاح بكلّ ما يمنحه الله حتّى أنّه لينسى الزكاة ثمّ يطالب الحكومة بالتعويض إن هو أصيب بامتحان من الله قد ينقص صابته أو يُذهبها!... وهي سيرة زامنت ضعف إيمان النّاس وابتعادهم عن الشكر والتسليم: شكر الله والتسليم له!... وهو ضعف نتج عن ورم في مفهوم "طاعة وليّ الأمر والتسليم" له، حتّى بات النّاس يرون الوليّ ولا يرون ربّ الوليّ، ربّ العالمين!... نحن بحاجة في تونس – كما قلت أكثر من مرّة – إلى درء الخوف وتثبيت الخوف: درء الخوف من البشر ولا سيّما الفاسد من البشر وإبداله بالاحترام المتبادل والتعاون البنّاء المبنيّ على الثقة ومعرفة القيمة وإنزال النّاس منازلهم وملء الأماكن بمن يملأها!... وتثبيت الخوف من الله تعالى حتّى لا نأكل إلّا حلالا ولا نقول إلّا ما يرضيه تعالى... حتّى نحمد مع الحامدين ونرضى بالبلاء ونراه عامل تزكية وتطهير!... حتّى نشكر فنكون أهلا للزيادة ولا نجحد فنكون أهلا للنسيان عياذا بالله تعالى!... نحن بحاجة في تونس إلى أن نجتهد في العمل ونخلص في النّوايا ونرضى بمصاحبة بعضنا البعض والتعايش مع بعضنا البعض كما أنّنا بحاجة إلى نفث خبث النّفوس حتّى لا يكون فينا "وطنيّ" وصولي كريه ووطنيّ سلّطت عليه القناة "الوطنيّة" أنوارها حتّى بات في ظلمة لا يبصره فيها أحد!...