اضطراب في التزوّد بالماء في هذه المناطق: رئيس إقليم « الصوناد » بمنوبة يوضح...    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    عاجل/ إحباط عملية 'حرقة' وإنقاذ 20 تونسيا    زين الدين زيدان يكشف عن حقيقة تدريبه لنادي بايرن ميونيخ الألماني    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    التيار الشعبي : تحديد موعد الانتخابات الرئاسية من شأنه إنهاء الجدل حول هذا الاستحقاق    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    النادي الصفاقسي يتقدم بإثارة ضد الترجي الرياضي.    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة.    عاجل : القاء القبض على السوداني بطل الكونغ فو    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    التحديث الجديد من Galaxy AI يدعم المزيد من اللغات    عاجل/استدعاء مدير وأستاذ بمدرسة إعدادية للتحقيق: محكمة سوسة 2 توضح..    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    تعرّض أعوانها لإعتداء من طرف ''الأفارقة'': إدارة الحرس الوطني تُوضّح    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    تقلبات جوية منتظرة خلال اليومين القادمين (وثيقة)    عاجل/حادثة اعتداء تلميذة على أستاذها ب"شفرة حلاقة": معطيات وتفاصيل جديدة..    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    العاصمة: القبض على قاصرتين استدرجتا سائق "تاكسي" وسلبتاه أمواله    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    البرلمان: النظر في تنقيح قانون يتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الاطفال    حذرت من معاناة الآلاف.. الأونروا "لن نخلي مواقعنا برفح"    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    عاجل/ مقتل شخصين في اطلاق نار بضواحي باريس..    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    منافسات الشطرنج تُنعش الأجواء في سليانة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    طقس اليوم: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    جندوبة .. لتفادي النقص في مياه الري ..اتحاد الفلاحين يطالب بمنح تراخيص لحفر آبار عميقة دون تعطيلات    ثورة الحركة الطلابية الأممية في مواجهة الحكومة العالمية ..من معاناة شعب ينفجر الغضب (1/ 2)    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    تونسي المولد و النشأة... ترك تراثا عالميا مشتركا .. مقدمة ابن خلدون على لائحة اليونسكو؟    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    إسرائيل وموعظة «بيلار»    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    اليوم: لجنة الحقوق والحرّيات تستمع لممثلي وزارة المالية    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترشيح الفلول .. ودين الثعالب أ.د/ عبد الرحمن البر
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 04 - 2012

عميد كلية أصول الدين بالمنصورة وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ذكر الأبشيهي في كتابه «المستطرف في كل فن مستظرف» قصة لطيفة، فقال: «حُكي أن الثعلب مرَّ في السَّحَر بشجرةٍ، فرأى فوقها ديكاً، فقال له: أما تنزل نصلي جماعة؟ فقال: إن الإمام نائم خلف الشجرة فأَيْقِظْهُ، فنظر الثعلبُ، فرأى الأسدَ، فضرط وولَّى هارباً، فناداه الديك: أما تأتي لنصلي؟ فقال: قد انتقض وضوئي، فاصبر حتى أجدد لي وضوءاً وأرجع».
ذكرتُ هذه القصة وأنا أرى ردَّ الفعل الشعبي القوي الرائع على محاولة نائب الرئيس المخلوع العودة لإنتاج النظام السابق من خلال الترشح لرئاسة الجمهورية، ومحاولة تلميعه والادعاء بأنه كان رافضا لسياسات الرئيس المخلوع، وأنه نصحه بحل مجلس الشعب المزور، وأنه أيد الثورة ويتبنى مطالبها، ظنًّا منه ومن حملة المباخر بين يديه أن ذاكرة الشعب مثقوبة وأن الشعب سريع النسيان، وأنه يتكون من مجموعات من البسطاء السذج (الذين سبق أن قال: إنهم غير مؤهلين للديمقراطية)، وظن النائب المخلوع أن بالإمكان خداع هذا الشعب عبر بث مجموعات من الفلول في الإعلام والمواصلات -وأحيانا في الشارع- تشيع في الناس أن الاستقرار وعودة الأمن لن تتم إلا بالعودة لحظيرة المخلوع وفراق الثورة والثائرين، وكان من البدهي أن يزأر الشعب في مواجهة هذا الكيد؛ ليقنع المخلوع ومن وراءه أن الأمة في حالة يقظة، وأنهم أخطأوا التقدير والتوقيت، ومن ثم سارعوا بسحب الثعلب إلى حين، ولكنني من باب النصيحة الخالصة أدعوهم إلى إعادة النظر في مجمل الطريقة التي يفكرون بها، فالشعب قد استعاد حريته ولن يفرط فيها أبدا، والشعب قد وعى الدروس والتجارب بشكل كامل، ولا يمكن أن يقع في الحفرة التي خرج منها مرة أخرى، ودعوني هنا أراجع معكم قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي عن دين الثعالب:
برز الثعلبُ يوماً في شعار الواعِظينا
فمشى في الأرضِ يهدي ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ: الحمدُ لل هِ إلهِ العالمينا
يا عِباد الله، تُوبُوا فهوَ كهفُ التائبينا
وازهَدُوا في الطَّير، إنّ ال عيشَ عيشُ الزاهدينا
واطلبوا الدِّيك يؤذنْ لصلاة ِ الصُّبحِ فينا
فأَتى الديكَ رسولٌ من إمام الناسكينا
عَرَضَ الأَمْرَ عليه وهْوَ يرجو أَن يَلينا
فأجاب الديك: عذراً يا أضلَّ المهتدينا!
بلِّغ الثعلبَ عني عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التِّيجان ممن دَخل البَطْنَ اللعِينا
أَنهم قالوا وخيرُ ال قولِ قولُ العارفينا:
مخطيءٌ من ظنّ يوماً أَنّ للثعلبِ دِينا
إن موقف الديك العاقل صورة لما يجب أن يكون عليه الشعب الكيس الفطن اللبيب، الذي لا ينخدع بسهولة، ولا تغره العبارات والألفاظ بظاهرها، من غير نظر إلى حقيقة المتكلم وطبيعة مواقفه وتاريخه العملي الطويل، ومن غير أن يستفيد من تجارب نفسه وتجارب الآخرين، حتى لا تكون السذاجة سببا في تمكين عدوه منه، ولا ينافي ذلك الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ (أي مخادع) لَئِيمٌ»، فالمقصود أن الأصل في المؤمن سلامة الصدر وصدق الحديث، وطهارة المقصد، وعدم المخادعة، مثلما أن الفاجر على عكس ذلك، لكن هذا لا يعني غفلة المؤمن، ولا سهولة خداعه، فالمؤمن لا يَخدع ولا يُخدع.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنهم فَقَالَ: «كَانَ وَاللهِ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَخْدَعَ، وَأَعْقَلَ مِنْ أَنْ يُخْدَعَ»، وَقَالَ عُمَرُ: «لَسْتُ بِالْخِبِّ، وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ».
وما وصل المصريون إلى حالة الوعي التي نراها عليهم اليوم إلا بعد أن لدغوا كثيرا، وخدعوا بمعسول الكلام وظواهر الأحوال مرات ومرات، حتى أفاقوا على ثورة يناير المجيدة، فتجاوزوا حالة الانخداع، بل صار الجميع يحذر بعضهم بعضا من الاستسلام لمن يحاول خداعهم، وما أشبه القلة القليلة من القابلين للانخداع بعصفور أحمق ذكر ابن حبان قصته في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، فقال: «كان صياد يصطاد العصافير في يوم ريح، قال: فجعلت الرياح تُدخلُ في عينيه الغبار، فتذرفان، فكلما صاد عصفوراً كسر جناحه وألقاه في ناموسه. فقال عصفور لصاحبه: ما أرقَّه علينا، ألا ترى إلى دموع عينيه؟ فقال له الآخر: يا أحمق، لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى عمل يديه».
لقد بلغ المصريون سن الرشد، واستكملوا الحصافة والنضج، فلا يمكن أن يؤخذوا على غرة، ولا يخشى أن يقعوا في شرك ينصبه الفلول المخادعون، نعم قد يخطئون ولكنهم لا يُصِرُّون، ولن تتكرر منهم ذات الغلطات، ولن يجربوا ما سبق أن جربوا فساده عشرات السنين، لأن من جرَّب المجرَّب حلت به الندامة، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن إلى الاستفادة من تجاربه، وألا تكون سلامة صدره سببا لاستغفاله، ففي الحديث عند الشيخين: «لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ».
ولهذا الحديث النبوي سبب، فقد أخرج البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ أَبُو عَزَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْتَ أَعْرَفُ النَّاسِ بِفَاقَتِي وَعِيَالِي، وَإِنِّي ذُو بَنَاتٍ. قَالَ: فَرَّقَ لَهُ، وَمَنَّ عَلَيْهِ، وَعَفَا عَنْهُ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ بِلاَ فِدَاءٍ، فَلَمَّا أَتَى مَكَّةَ هَجَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَحَرَّضَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُسِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ».
وفي سيرة ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ بَعْدَهَا، وَتَقُول: خَدَعْت مُحَمّدًا مَرّتَيْنِ».
وَيُرْوَى: «لَا يُلْدَغُِ» بِضَمِّ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا فَالضَّمُّ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الْكَيِّسُ الْحَازِمُ الَّذِي لَا يُؤْتَى مِنْ جِهَةِ الْغَفْلَةِ، فَيُخْدَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَلَا يَفْطَنُ، وَأَمَّا الْكَسْرُ فَعَلَى وَجْهِ النَّهْيِ يَقُولُ: لَا يُخْدَعَنَّ الْمُؤْمِنُ وَلَا يَقْرَبَنَّ مِنْ نَاحِيَةِ الْغَفْلَةِ، فَيَقَعُ فِي مَكْرُوهٍ أَوْ شَرٍّ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَلْيَكُنْ فَطِنًا حَذِرًا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِأَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينبه أصحابه دائما إلى الاحتياط وأخذ الحذر عندما يتعلق الأمر بعدو أو بإنسان له سابقة خصومة، ونبَّه الله الأمة إلى ذلك وهي تتعامل مع الأعداء الخارجيين، أو مع المنافقين المندسين في الصفوف، حتى تأخذ حذرها، وتعد لكل أمر عدته، فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾. فهل تعي الأمة الحرة هذا الدرس العظيم، ويتفطنوا لكيد فلول النظام الساقط، ويعيدوا تلقينهم الدرس الذي سبق أن لقنوهم إياه في الانتخابات البرلمانية؟
إن حالة الوعي واليقظة التي ميزت هذا الشعب العظيم يجب أن تسندها وحدة أو تقارب وتوافق بين القوى السياسية الوطنية جميعا لحماية الثورة وتعظيم منجزاتها وبناء نهضتها والعبور إلى المستقبل بروح وطنية صادقة ومخلصة واثقة من عون الله لها ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
فاصلة: كنت أتمنى ألا يكون فضيلة الدكتور علي جمعة أول من يخرق الإجماع الفقهي والقومي والوطني بدخول القدس الشريف بإذن وتحت حراسة الصهاينة، ولهذا أرى أنه مدين بالاعتذار للأمة وعدم الإصرار على الخطأ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.