عمقت الحملة الانتخابية الجزائرية التي انتهت أمس الشرخ القائم بين النخب الحاكمة والجمهور، ما أدى إلى بروز ظواهر تُسجل للمرة الأولى مثل الاعتداءات على المرشحين ومنع بعضهم من إقامة اجتماعات انتخابية في مدن داخلية، بمن فيهم شخصيات معروفة وزعماء أحزاب. ويشكل الارتفاع المحتمل لنسبة المقاطعة أكبر هاجس يُقلق السلطات، وهي تسعى لإقناع المواطنين بجميع الوسائل بالإقبال على الإدلاء بأصواتهم يوم الخميس المقبل. إلا أن معارضين في الداخل والخارج حضوا على مقاطعة العملية الانتخابية، واتفقوا في اجتماعهم أمس السبت بشكل متزامن في الجزائر العاصمة وجنيف، على "أرضية سياسية" اعتبروا فيها أن النظام فشل في تلبية احتياجات المواطنين ورفضوا أية ولاية رئاسية غير محدودة أو قابلة للتجديد بلا سقف. وطلبوا في الوثيقة التي أرسلت نسخة منها ل بمصالحة وطنية حقيقية وبتغيير جذري وتوافقي بالطرق السلمية. وأكدوا أن الإصلاحات السياسية المعلنة زائفة وغير قادرة على إخراج الجزائر من الأزمة بحسب ما جاء في الأرضية، مطالبين بإجراءات تطهيرية داخل أجهزة الدولة تُفضي إلى مؤسسات حقيقية. واقترح المجتمعون تأليف حكومة مؤقتة لمدة ثمانية عشر شهرا تُكلف بتنظيم انتخاب جمعية وطنية تأسيسية وبتصريف الأعمال وإقرار دستور عن طريق الإستفتاء الشعبي. إضراب للأطباء العامين يأتي هذا الجدل في ظل تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية وتكاثر الإضرابات في العاصمة والمحافظات الداخلية، إذ أعلن الأطباء العامون التحاقهم اليوم الأحد بإضراب الأطباء الأخصائيين المفتوح، للضغط على السلطات العمومية وانتزاع عدد من المطالب بينها مراجعة القانون الخاص واعتماد مقترحاتهم فيما يخص نظام المنح والتعويضات، ومراجعة الخارطة الصحية ووقف الفوضى التي تعيشها المؤسسات العمومية للصحة الجوارية. واعتبر النقابيون أن الوزارة لم تحرك ساكنا إزاء إضراب الأخصائيين الذي دخل أسبوعه الثاني، وهو ما حملهم على التمسك بالإضراب المفتوح إلى حين تحرك الوزارة، مع تنظيم اعتصامات متكررة أمام مكاتب الوزارة، موجهة للرد على اتهامات وزير الصحة جمال ولد عباس للنقابات. تحذير للرعايا الأميركيين في سياق متصل حذرت الخارجية الأميركية رعاياها من المشاركة أو الاقتراب من أي تجمع أو تظاهرات سياسية خلال فترة العملية الإنتخابية الخميس المقبل، وقالت إن ''تلك التجمعات جميعها سلمية لكنها قد تتحول إلى أعمال عنف''. ويشمل التحذير توصيات معتاد عليها بخصوص التنقل في العاصمة أو منطقة القبائل ومواقع في الصحراء. وجددت هذه الرسالة تحذيرا سابقا كان صدر في 19 أيلول (سبتمبر) من العام الماضي إلى المواطنين الأميركيين نصحتهم بتجنب التظاهرات والتجمعات السياسية. ويشير التحذير الأخير إلى مخاطر الهجمات الإرهابية في الجزائر، بما فيها التفجيرات والحواجز المزيفة والخطف والكمائن ''خصوصا في المناطق الريفية مثل منطقة القبائل والصحراء". وقدم التحذير مثالا كأنه انتقاد لإجراءات تفرضها السلطات الجزائرية على تحركات البعثة الدبلوماسية الأميركية لدواع أمنية، وجاء فيه أن ''حكومة الولاياتالمتحدة ترى وجود تهديد محتمل لموظفي السفارة الأميركية، حيث يطلب منهم العيش والعمل في ظل قيود أمنية كبيرة، إذ أن حكومة الجزائر تطلب من موظفي السفارة الأميركية الحصول على إذن للسفر قبل الخروج إلى القصبة في الجزائر العاصمة أو خارج ولاية الجزائر العاصمة والحصول على مرافقة أمنية". فرصة فريدة؟ من جهة أخرى حض المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات ماينا كياي (كيني الجنسية) السلطات الجزائرية على أن تغتنم هذه الفرصة الفريدة من نوعها التي توفرها الانتخابات المقبلة للتأكد من أن الإجراءات القانونية الجديدة المنظمة للجمعيات ولمنظمات المجتمع المدني، والمعتمدة ابتداء من نهاية سنة 2011 ، تلبي بصفة واضحة وكافية لكل متطلبات القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان. وقال كياي في البيان الذي حصلت على نسخة منه "يجب أن تستجيب الانتخابات التشريعية، المقرر إجراءها يوم الخميس 10 مايو 2012 لمطالب المجتمع المدني المشروعة وأن تدعم حرية تكوين الجمعيات". أضاف "في حين خلص الربيع العربي المجتمع المدني من كل أنواع التضييق، من المؤسف جدا أن تنفرد الجزائر بالتراجع إلى الوراء في ما يتعلق بحرية التنظيم الجمعياتي بفرض حدود أشد صرامة على مساحات أنشطة الجمعيات أو التضييق على منابع حصولها على التمويل". وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة يشير إلى أحكام القانون المتعلق بالجمعيات الذي فرض ضوابط وقيودا جديدة على إنشاء الجمعيات وحصولها على التمويل. فبموجب هذا القانون الجديد، فإن تشكيل أي جمعية يستوجب الحصول على موافقة مسبقة من قبل السلطات، التي لها الآن كل الصلاحيات لرفض تسجيل المطالب دون اللجوء إلى القضاء، كما كان الحال في السابق. وفي هذا الصدد أشار كياي إلى أن هذه الوضعية تمثل انتكاسة بالنسبة لقانون 1990 الذي كان صارما في توجهه. و ما أثار المزيد من الأسئلة لدى المراقبين أن هذا القانون يقرر عقوبة بالسجن تصل إلى ستة أشهر وبغرامة لكل من يشارك في جمعية غير مسجلة وغير مرخص لها أو وقع حلها أو تعليق نشاطها". ويقضي القانون الجديد بأن أهداف هذه الجمعيات يجب ألاّ تتعارض مع "القيم الوطنية"، وأن أي "تدخل لها في الشؤون الداخلية للبلاد" تؤدي حتما إلى تعليق أنشطة الجمعية أو حلها.