بسم الله الرحمان الرحيم ما يطلق عليه اليوم بالإسلام التونسى الجديد، هو لم يأتي من الغرب كما روج البعض، إنما هو ابن شرعى لجامعات تونس ومساجدها، وهذا الخطاب الفكري الإسلامي المتجدد والمنفتح على مختلف التجارب والمشارب، أفرز هاته التجربة الإسلامية الأكثر تقدمية إذا أردنا، مما سيسهم لا شك في تقديم خطاب أكثر جاذبية، لدى شعب محافظ وأكثر رقيا وحضاريا. الإسلاميون الجدد في تونس ليسوا جديدين على الساحة في بلدهم، بل هم أبناء الزيتونة وعقبة، رغم أن بعضهم ممن يحكم تونس اليوم هم خريجي الجامعات الغربية، رجعوا إليها وهم حاملين الشهادات العليا في الإقتصاد والهندسة والطب ومختلف التخصصات العلمية الأخرى، من شأنه أن يعزز من فرص تقديم خطاب سياسي وثقافي ناضج، والذي لا شك سيبدو متقدما على كثير من التيارات السياسية والثقافية حتى داخل البلاد نفسها، ويختلف عن الإسلام فى دول المشرق العربي الذي هو وليد تنظيمات سياسية.. فإسلامنا في تونس إسلام جماهيري يأكده فوز حزب حركة النهضة، التي أتى بها الشعب حيث أحس أنها الأقرب للشارع المتعطش للتدين بشكل كبير، والمتعاطف مع تضحيات الإسلاميين. الاسلاميون الجدد في تونس ليسوا نسخة معدلة وراثيا في الجامعات الغربية كما يحاول نعته البعض في المشرق العربي للأسف.. هم أبناء هذا الشعب حتى وإن غابوا عنه مدة طويلة إما في السجون أو المهجر، لكنهم بقوا حاضرين داخله وهو حاضر داخلهم بكتاباتهم وأعمالهم، بل أغلب أبناء المهجر منهم تمتعوا في هاته الفترة القسرية من الغياب عن الوطن بامتلاك جسر ثقافي أوروبي من خلال أجيالهم المهجرية، التي نشأت في العواصم الأوروبية. لكل كائن حي الحق في النقد، ولكن يجب عليه أن يضع نصب عينه أنه لا يمتلك الحقيقة، حتى وإن روج على أن الإسلام التونسي "إسلام عصراني"، أو تنويري.. فإن دل، يدل على حجم وتأثير إسلاميي تونس في الخارطة العربية والإسلامية. إن تجربة جماعة الإخوان المسلمين مثلا في مصر المنبثق عنها حزب الحرية والعدالة، لم تكن في المستوى المطلوب، ولو قارنا بينها وبين حزب حركة النهضة التونسية، لوجدنا أن الأولى إسلامها إسلام التنظيمات السرية، والثانية زيتونى في عمومه، وأن جماعة الإخوان موجودة على جميع الأصعدة من بدايات القرن، ورغم ذلك لم ترق بنفسها ولم تراجع تجربتها. ولو وضعنا ما أنجزه الإسلاميون التونسيون الذين كانوا متواجدين بشكل رسمي على الساحة التونسية من الثمانيات حتى الآن، على الصعيد الفقهي والنظري والفكري والثقافي والسياسي والعملي، رغم تجفيف منابع التدين ومحاصرتهم من كل حدب في كفة ميزان، مقابل فسحة زمنية من ثلاثين عاما في الكفة الأخرى، سنجدهم سابقوا الزمن المذكور وتجاوزوه في حجم عطائهم وتأثيرهم. فمازال بيان تأسيس حركة الإتجاه الإسلامي في تونس الشاهد الأول على الدور الريادي للإسلاميين التونسيين، ليس على مستوى تونس والمغرب العربي فحسب، وإنما أيضا على مستوى عربي وإسلامي عام. وقد جاء من جملة ماجاء فيه: "نحن لا نعارض البتة أن يقوم في البلاد أي اتجاه من الإتجاهات، ولا نعارض البتة قيام أي حركة سياسية، وإن اختلفت معنا اختلافا جذريا بما في ذلك الحزب الشيوعي. فنحن حين نقدم أطروحاتنا نقدمها ونحن نؤمن بأن الشعب هو الذي يرفعنا إلى السلطة ليس إلا".. فقد كانوا من السباقين في طرح برنامج سياسي تفصيلي، تضمن فيما تضمن الدعوة إلى قبول التعدد والإحتكام إلى خيار الشعب، ونبذ العنف وسيلة للوصول إلى السلطة، وإعلاء قيم الحرية وحقوق الإنسان وكرامته. وإذا كانت هذه المعاني قد أصبحت الآن بديهيات ومسلمات بالنسبة إلى الكثير من المفكرين الإسلاميين والحركات الإسلامية، إلا أنها كانت يوم طرحوها الإسلاميين في تونس بمثل ذلك الوضوح والقوة خروجا عن المألوف، وتجديدا في الفكر السياسي الإسلامي. وقد توقف عنده الكثيرون وأيديهم على قلوبهم، خوفا من أن يكون الطرح قد ذهب بعيدا حين أقر بحق تشكيل الأحزاب الأخرى، بما في ذلك الحزب الشيوعي، ووضع قاعدة الإحتكام لخيار الشعب طريقا لشرعية الوصول إلى الحكم. كما أسهم الإسلاميون في تونس إسهاما رائدا، من خلال أدبياتهم المختلفة، وممارساتهم في المجالات المتعلقة بالقضايا الكبرى التي تشغل الأمة، خاصة كتابات رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، في قضية فلسطين والصراع ضد الصهيونية، أو مثل قضايا المرأة، والديموقراطية، وحرية الرأي، وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية، والوحدة المغاربية والعربية والإسلامية، أو مثل قضايا الحوار الإسلامي القومي، وما أسفر عنه من تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي، وقبله المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، أو مثل قضايا الحوار الإسلامي المسيحي والإسلامي الغربي. فتجاوز الإسلاميون حدود تونس، مما أثرى تأثيرا إيجابيا بالغا في فكر الحركات الإسلامية والقومية العربية، كما في مجمل نهضة الأمة على مستوى عام. ولهذا حظي الإسلاميون وخاصة أبناء حركة النهضة ورئيسها على مكانة خاصة من الإحترام والحب، من قبل المثقفين والنخب على مستوى عربي وعالمي، كما لا يجب أن ننسى أن الإسلاميين ساهموا في الثورة في تونس بشكل كبير، بل هم الذين أوصلوها لدرجة النضج بتضحياتهم..