تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرهاب في الغابة : فتحي العابد


بسم الله الرحمان الرحيم
إرهاب في الغابة
هناك بعيد.. في الغابة حيث يعمرها خلق كثير، منها ثلاث دول حولت أخيرا نحوهم الإنتباه.. الأولى قوية وظالمة وهي دولة الثعالب المهيمنة على كل الغابة، والثانية غاصبة ومحتلة لجزء من دولة الدجاج في الشرق ومتقوية بالأولى وهي دولة الجرذان، والثالثة ضعيفة ومظطهدة ومقزمة وهي دولة الدجاج.. أين ولد وتخرج واشتهر النابغة والعالم الفذ الديك "نقّار"، عالم الفضاء المشهور.. الخبير بأوقات الزلازل والمحن.. المتنبأ بالصواعق والأمطار.. العارف بأحوال الكواكب والنجوم.. حيث فقد منذ أيام هذا العالم زوجته وفرخه الوحيد. لقد قلموا أظافره وقصوا منقاره، ومنعوه من الكلام، وذاق من الإرهاب النفسي قبل المادي من الدولة العظيمة.. دولة الثعالب.. الدولة الجبارة.. هذه الدولة الظالمة والغاصبة لحقوق الدجاج الضعيف مع حليفتها دولة الجرذان.

يدخل المقهى المحاذي للقاعة.. بوجه حزين ويحتل مكانا في الركن، القاعة التي خصصتها له دولة الثعالب، لمحاظراته وإعلان اكتشافاته.. يصله المشروب قبل أن يطلبه أو حتى إن كان لايريد أن يشرب… ينظر في الساقي الذي ألفه، واعتاد عليه، وأصبح يعرف ماذا يريد منه كل مساء. سعاله بات مألوفا، إلا أنه لا يثير الإهتمام، وكثيرا مابين كاس وأخري ينتف ريشه. في مثل هذا الوقت وسط الأجواء الم..كتظة بالزبائن والباحثين، المتلهفين إلى اكتشافاته واختراعاته.
أليس هذا الدكتور "نقّار"؟ وعالم الفضاء المشهور؟ يتسائل أحد الفراخ.
يجيبه الآخر: إنه هو بشحمه ولحمه!
لماذا يرتاد مثل هذه الأماكن الغريبة عليه؟ عادة في مثل هذه الساعة يكون في مرصده المعروف بمرصد الصفصاف، فوق التلة الخضراء يتطلع للنجوم والكواكب، يأذن في الخلائق، ويتأمل الكون الجميل!
ألم تعلم بما حدث له؟
لا! لم أسمع شيئا عما حل به؟
لقد ماتت زوجته وابنه الوحيد في حادث سير قبل شهرين، ومنذ ذلك اليوم وهو يعيش اكتئابا حادا، لقد ترك عمله، وهجر مركز أبحاثه وجامعته، ولم يعد يهتم بشيء.
- إنه أمر مؤسف، هلم بنا نكلمه ونخفف من آلامه.
يقتربان منه..
- مساء الخير يادكتور!
ينظر إليهما بعينين شاحبتين..
- هل أطلب لكما مشروبا باردا، أم تفضلان هذا الشراب الرائع؟.. أهلا تفضلا!
يجيبه أحدهما...
- إنني من المعجبين بك وبأبحاثك، أنت فخر لنا ولبلادنا شكرا يادكتور!.
يستمع إليه وهو ينتف ريشه، والسعال لايبارحه...
- أنت تخاطبني أنا؟
- بالطبع يادكتور وهل هناك عبقري غيرك بيننا؟
- لقد انتهى كل شيء، ماقيمة أبحاثك ودراساتك وعلمك أمام فقدك أعز ماتملك؟
- المخلوق يرحل، ولكن يبقى علمه ينتقل عبر الأجيال لينير لها طرق المجد!
- علمت أجيالا من الفراخ، غزوت الفضاء، اكتشفت المجهول، سافرت عبر الزمن، ولكن كل ذلك يفقد رونقه عندما تشعر الطيور بأن لا قيمة لحياتها، بل لوجودها في دنيا ليس لها فيها أنيس أو ونيس، لقد سخرت حياتي من أجل العلم، ولكن الجميع تخلى عني ولم يعد أحدا يسأل عن شخصي، إلا بمقدار ماأنتجه في عملي ومراكز أبحاثي ودراساتي، أما قيمتي الشخصية واعتباري الذاتي فليس لهما قيم تذكر، هكذا يعامل الفرد الذي سخر حياته في سبيل نهضة الأمة وتقدمها.
- إن ماتقوله صحيح يادكتور دون شك، ولكن تبقى هناك ذات عظيمة ستكافئك حتما على ماقدمته لمجتمعك الدجاجي.
سعال الدكتور يزداد... يطلب كوبا من الماء، ويهم بالخروج
- هل أنت محتاج لمعالجة الطبيب؟ نحن على أتم استعداد لخدمتك!
- سأقوم بجولة قصيرة وسوف أعود بحول الله لحالتي الطبيعية، شكرا لكما!
يسير الدكتور وحيدا في الغابة المزدحمة، الدموع تنهمر من عينيه.. في هذا المسرب... في هذا المسرب كنت أمشي مع "فرْهودة" وابننا الوحيد "فرُّوجْ"، كنا عائلة تعيش بسعادة ولا ينقصها شيء. واليوم ليس لي سوى الأطلال والذكريات الحزينة.. يلمح عائلة مرحة، يبتسم في وجه فراخها.. يتأملها حتى تغيب عن ناظريه، يتخذ له مكانا في مسرب بدأت الحياة تنسحب من أرجائه.. يكمل نتف ماتبقى من ريشه، آه.. قاربت الخمسين من عمري، لم أستطع.. إنجاب فرخي الراحل إلا بعد سنوات من آلام النفس المبرحة، وبكل سهولة يفتعلوا لهما حادث.. وتخرج روحه من هذا العالم، هو وأمه حبيبة قلبي ومهجة فؤادي ليدرآني وحيدا فريدا.
كيف سأتزوج وأبني لي أسرة سعيدة وأنا في هذه السن؟ هل سيمنحني الله خمسين عاما أخرى لأعيشها؟ إن حياتي ليست سوى سجن، ماجدوى أبحاثي وشهرتي العلمية، وأنا لست زوجا أو أبا؟ ليتني كنت ديكا عاديا أعيش حياتي البسيطة لأعود في آخر النهار.. وأجد زوجة بانتظاري، وفراخ سعداء، يدكّون الصمت بوهج الحياة وصخبها... ينظر إلى القمر ماباله حزين؟ لما أنت حزين ياعزيزي؟ هل فقد...ت أحبائك أنت أيضا؟
لقد شهدت أيها القمر حياة الدجاج بطولها وعرضها، لقد رأيت بأم عينيك جرائم بشعة ارتكبتها الثعالب في حق الدجاج، وفي نفس الوقت قامت حضارات عظيمة.. وكانت لياليها مفعمة بالجمال الذي تربع على عرشه دون منازع.. إن نور الشمس يصلك كل ليلة، وأنت بدورك تنير متجهنا دائما.. لما أنت حزين على الدوام..؟
يدقق النظر في القمر.. يسمعه يقول له: للخليقة ليلها المظلم... فلما أنت يائس؟
سيقتلونني ياقمر مثلما قتلوا آلاف الأبرياء دون ذنب.. وكما قتلوا القيم النبيلة التي وقفت بكل بسالة ضد قهرهم وجبروتهم، إنقذني قبل فوات الأوان!
يقوم فزعا.. يتطلع إلى.. السماء بنشوة عارمة!
يجيبه القمر: لا ياعزيزي لن يمسك سوء، سأدافع عنك إلى أن أموت..
يراود النظر من جديد إلى الأفق، لقد قتلوا كل شيئا فينا.. لقد دمروا العالم وسحقوا الخلائق بأسلحتهم المجنونة، كل من يعارضهم مثلي قالوا عنه إنه إرهابي.. أنفقوا مالا يحصى من أموال، بينما يعيش الملايين دون ماء أو غذاء. واليوم يريدون أن يدمروا مخلوقا عظيما ينير للخليقة ليلها الموحش.. سأدفع حياتي ثمنا للدفاع عنك وعن كل المخلوقات الرائعة.. التي قدمت خدمات جليلة لكل الكائنات الحية، وفي مقدمتها أنت عزيزي القمر..
يعاود النظر إلى السماء.. يكاد يخرج من عقله، يا إلهي.. إيه.. ماذا...؟؟ ستموت!!
يفاجأ الديك نقّار زملائه في مركز بحوث الفضاء، التابع لمرصد الصفصاف بالمجيء في الصباح الباكر، يهرعوا للسلام عليه وتهنئته باستأنافه العمل.. يحييهم بجفاء وصمت، يقف بينهم بثبات، ينظر إليهم بغضب!
- أريد أن أعقد مؤتمرا صحفيا فورا...!
- لماذا يادكتور، هل اكتشفت حقيقة كونية جديدة أثناء فترة غيابك؟
أدعوا لي الصحفيين قبل فوات الأوان، عندي ماهو أخطر من ذلك..!
تبدأ إدارة المركز بدعوة الصحافة لمؤتمر صحفي عاجل للديك نقّار...
ياترى ماذا سيقول الدكتور؟ ماهو اكتشافه الجديد؟ هل توصل لنتائج مغايرة لبوحثه السابقة؟ هل يعقل أن هناك حياة أخرى على كوكب آخر..؟ لعله اكتشف كوكبا يشبه الأرض..؟ اكتشفه الدكتور نقّار وعجز عنه علماء العالم؟
في غمرة التساؤلات والأجواء المشحونة بالتوتر... يقبل الديك نقاّر على جموع الصحفيين المحتشدة، يرتدي نظارته، ويطلب من الحضور السكوت لإعلان اكتشافه...
الزملاء والإخوة الحضور من الصحفيين المهتمين، إن هناك خطرا داهما محدق بالحيوانات جمعاء، بمختلف أجناسها وأعراقها وأديانها، بقاراتها السبعة ومحيطاتها الأربعة، وبحارها العديدة وجزرها التي ليس لها حد ولا عد. إن دولة الثعالب بعد أن شنت حروبا لاقبل لنا بها، وأكلت خيرات الحيوانات الأخرى واستأثرت بها، وحولت الباطل حقا والحق باطلا، واستنزفت الثروة الحيوانية، ودافعت عن حيوانات دكتاتورية من أجل مصالحها، وأعانت دولة الجرذان على قتلنا واحتلال ترابنا، وتخريب أعشاشنا وقتل فراخنا، وضربت بعرض الحائط الشعارات التي ترفعها.. إن آلاف من الدجاج قتل في أنحاء الغابة بسبب هذه الدولة الظالم أهلها. التي ترفع الديموقراطية شعارا لها، وهي بعيدة كل البعد عنها. لقد استغلت القيم النبيلة أبشع استغلال طوال تاريخها، في سبيل تحقيق غايتها ومصالحها المهيمنة على سكان الغابة وخيراتهم، وما حبا الله به هذه الأرض. واليوم تريد أن ترتكب جريمة ليس لها مثيل أو نظير على مر التاريخ...!!
تعم الفوضى أرجاء القاعة.. زملاء الديك لايعرفون ماذا يقولون.. وكيف يتصرفون.. يتسابق الصحفيين بسؤال الديك عن جريمة دولة الثعالب الجديدة.. آلات التصوير لا تتوقف.. وكالات الأنباء لاتتوقف.. يبث المؤتمر الصحفي عبر القنوات الفضائية مباشرة، يطالب الديك نقاّر الجميع بالهدوء.. يتضاعف عدد الحضور فترتفع حرارة الموقف، ينطق الديك نقاّر:إن دولة الثعالب تريد تدمير القمر..!!
- ماذا؟
- كيف؟
- مستحيل؟
اشرح لنا أكثر يادكتور؟.
لقد رصدت مركبات فضائية ذهبت إلى القمر في رحلات استكشافية بهدف اختيار مواقع إلقاء القنابل على سطحه، وعندما يتم اختيار هذه المواقع ستنطلق مراكب فضائية محملة بقنابل نووية لإلقائها على القمر! إن دولة الثعالب ستدمر القمر لا محالة، علينا أن نصدها قبل أن تحطم الضياء الذي ينير لنا هذا الليل المظلم...
تنقل وكالات الأنباء تصريحات الدكتور نقاّر لتبثها وسائل الإعلام والقنوات الفضائية بكل اللغات، تقطع المحطات الإذاعية برامجها لتبث الخبر العاجل، يجتمع الدجاج ليرى مايمكن أن يفعله لمنع هذه الكارثة. القمر كان يخبرهم قبل وقوع الكوارث، أما غيابه فهو يخدم الثعالب لأنها تعشق الظلام... ينشرالخبر مطعما بآراء الديكة السياسيين، تصدر عدد من دول الحيوانات بيانات إدانة واستنكار..
الديك نقاّر يصدر بيانا آخر يطالب فيه الجمعية العامة الحيوانية، والأمم المتحدة الحيوانية، ومجلس الأمن بسرعة الإجتماع، واتخاذ موقفا حازما ضد دولة الثعالب.. فلقد تجاوزت حدها.
الدكتور نقار يصبح ديك الساعة، الكل يحاول أن يحاوره ويجري معه مقابلات صحفية، وبرامج إذاعية، ولقاءات تلفزية.. يختار بعضها ليطالب بالوقوف ضد سياسات القتل الجماعي التي تمارسها دولة الثعالب، ومحاولة تدميرها الغابة والأرض التي توجد عليها وخارجها.
أما دولة الثعالب فقد أصدرت خارجيتها بيان نفت فيه بشدة اتهامات الديك نقاّر ووصفتها بالأكاذيب.
فرد عليها الديك نقاّر: ماهي القوة التي سوف تردعها لو أنها أرادت قصف القمر بحجة أنه يستخدم كقاعدة للإرهابيين من دولة الدجاج؟ لم ترحم دولة الثعالب الدجاج فهل سترحم القمر؟
تخرج المظاهرات منددة في كافة أرجاء الغابة، الديك نقّار يشن مزيد من التنديدات ضد دولة الثعالب وسياستها المتغطرسة، ترسل دولة الثعالب مبعوثين للتفاهم معه واحتواء الأزمة وإنهاء الموضوع..
- ماهي مطالبك يادكتور؟
- مطالبي واضحة وصريحة، إعلان صريح وواضح بعدم إيذاء القمر والدجاج الذي يستفيد من نوره العظيم؟
- ماذا تقصد يادكتور؟
- إن كلانا رمزان عظيمان لهذه الحياة، لهذا تتعهدوا أمام مجلس الأمن بعدم إيذاء القمر، وامتصاص خيرات الدجاج حتى الفضلات التي نتركها لا تحولوها إلى سماد! في هذه الحالة فقط أطمئن أنا كعالم إلى وعودكم في عدم إيذاء صديق الدجاج، ذلك المخلوق الرائع الذي لولاه لما تاه الدجاج في ليلهم، ولم يأمنوا في حلهم وترحالهم من الأمواج العاتية والصحاري القاحلة.
- إننا هاهنا نريد أن نناقش قضية واحدة، هي قضية القمر ولسنا في سجال سياسي يادكتور!
- إن قضية القمر جزء من قضية الدجاج، وإلا سأستمر في موقفي حتى النهاية!
- سننقل موقفك هذا لحكومتنا!
ينفض الإجتماع، يحيط بالديك زملائه ومؤيدوه.
- ماتطالب به غير معقول يادكتور!
- أنسيتم مافعلوه بكم حتى وأنتم موجودين فوق التين الهندي!
- وهل من المعقول أن يعتدوا على الدول المسالمة؟
- صدقوني ياأصدقاء إن سمحنا لدولة الثعالب في الإستمرار، ستجدوا القمر أثر بعد عين عما قريب.
يخلد الديك للراحة قليلا، عفوا سيدي هناك اثنان يريدان مقابلتك لأمر هام.. يقطع راحته القصيرة ليرى ماذا يريدان..؟
- نحن مبعوثان من قبل حكومة الثعالب، هل تسمح لنا بالكلام؟
- ماذا تريدان؟ لقد قلت كل ماعندي لزملائكم.
- إستمع جيدا يادكتور، نحن نتفهم حالتك النفسية ووضعك الصحي بعد رحيل زوجتك وفرخك الصغير.
- هل تقصد أنك تعرض علي إرجاعهما إلى الحياة مقابل سحبي قضية القمر؟
- هاها.. إنك تجيد فن التمثيل يادكتور، حتى وأنت في قمة المأساة.
- لقد علمتني الحياة ذلك.
- مارأيك بمليون كيس قمح؟
- ماذا؟
- وإقامة لمدة سنتين في دولة الثعالب على حساب حكومتنا؟
- وماذا أيضا؟
- وعش رائع؟
- أهذا كل ماعندكم؟
- تمول لك حكومة الثعالب كل مشاريعك البحثية، وجولاتك المكوكية؟
- المقابلة انتهت أريد أن أستريح.
- فكر يادكتور!
تنفض الجلسة ويخرجا وهما يتوعدانه بشتى العقوبات بعد عجزهما إقناع الديك، ويبقى يحدث نفسه: لن تستطيع الوقوف بوجه دولة الثعالب إذا أرادت تدميرالغابة بأكملها فما بالك بالقمر!؟ لن أدعها تدمره..
يعود الديك للنوم ليستيقظ على رنين الهاتف..
- آلو..!! الدكتور نقار؟
- نعم من أنتِ؟
- أريد أن أقابلك يادكتور، هل تسمح لي بذلك؟
- نعم تفضلي.
- مارأيك أن نلتقي على شاطئ البحيرة؟
- دعيني أفكر.
- سأتصل بك بعد خمس دقائق.
يفكر الديك في أمرها مليا، من هي وماذا تريد؟ إن صوتها يبدوا دجاجيا رنانا ومثيرا.. سأقابلها على الشاطئ.. لا ليس من اللائق.. ربما تكون جاسوسة! على العموم إنها مجرد مقابلة في مكان عام..
يرن الهاتف مرة ثانية..
- ماذا قلت يادكتور؟
- حسنا، أنا موافق.
- بعد نصف ساعة؟
- ليس عندي مانع.
يتوجه الديك إلى الشاطئ، يتوقف عند إحدى الإستراحات المطلة على البحيرة، يلمح ثعلبا يحسبها الرائي دجاجة، متجهة نحوه، بارعة الجمال.. متبرجة الريش.. ذات منقار أحمر بري.. تجلس إلى جانبه كاشفة عن صدرها.. ينظر إليها دون اكتراث وهو ينتف آخر مابقي عنده من ريش، ثم يشير إلى القمر..
- سوف ينتشر دخان الغضب الأبدي الذي سيقضي على دولة الثعالب عندما تدمر القمر، ودولة الدجاج جميعها.
- يادكتور إن تهمتك ليس لها بصيص من الصحة.
- كلا إن لدي إثباتات قدمتها للأمم المتحدة والمنظومة الدولية، ولذلك تحركت الحيوانات.
- سأتكلم معك بصراحة، إن تاريخ دولة الثعالب سيء، هذا صحيح، ولذلك لم تكن مفاجأة سرعة تصديقك بأنها تريد أن تدمر القمر، ولكن هذا الإتهام غير صحيح.
- بلى صحيح وإن لم نتحرك ستلقي دولة الثعالب بقنابل خطيرة، وجدت موادها الشديدة الإنفجار والمشعة تحت الأرض من كثرة حفرها، ويتحطم القمر ويصبح أحجار سابحة في الفضاء.
تضع رجل على رجل لتبرز أفخاذا يانعة سمينة، إلا أن الديك لايعبأ بقوامها وصدرها الذي يزداد انتفاخ ولمعان على ضوء القمر..
- أنا تحت أمرك يادكتور.
- ماذا تقصدين؟
- سأعوضك..
- ثم ماذا؟
- وأكون لك زوجة وفية؟
يضحك الديك ضحكة هوجاء، توقظ النائمين وتغور في الفضاء اللامتناهي..
- ينظر إليها بغضب.. تعوضيني عن عشرين عاما من الزواج بدجاجة أحببتها من أعماق قلبي؟ تعوضينني عن فرخي الذي فقدته في لحظة سوداء من عمر هذا الزمن الرمادي؟
- لم أقصد ذلك ولكني سأكون لك زوجة وفية؟
- إن عريك دليل على أنك ثعلب لاتحمل خصلة الوفاء التي تتمتع بها الجرذان.
- ماذا؟ أتشبهني بالجرذان؟
- الجرذان تحمل خصلة الوفاء وأنت لاتحمليها!!
- ماذا؟
- هل تريديني أن أبيع قضية الحيوانات كلها من أجل شهوة بدأت تتوارى وراء سحب الشيخوخة؟ القمر كائن عظيم لايمكن أن نعيش بدونه!
- لايمكن لعجوز مثلك أن يقف أمام دولة الثعالب؟
وتنطلق غاضبة مولولة..!
يعلن الديك أن دولة الثعالب ستضرب القمر بعد أيام، ويدعو إلى مظاهرة لجميع الحيوانات، يخرج الملايين في كل أرجاء الغابة يتقدمهم الديك نقار دفاعا عن حبيب الدجاج، ورفيق دربه في السهر.. هتف المتظاهرون بهتافاته وهم متوجهون نحو نصب الديك المجهول.. رفعوه عاليا كرمز من رموز الخير في الغابة، انتهز قناص فرصته.. يسقط الديك مدرجا في دمائه، يتطلع إلى القمر.. يرى زوجته مقبلة نحوه..
- نقاّر هل سئمت الحياة في الغابة؟
- من؟ حبيبة القلب.. التقينا أخيرا!
- وفرخي الصغير؟
- انظر إلى القمر فسوف تراه..
وهكذا تشيع حيوانات الغابة إلا الثعالب، الدكتور نقاّر وعيونها محدقة في السماء، داعية الله أن يحفظ القمر من شر الثعالب وخبثها...!!
فتحي العابد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.