أذكر أنّي حضرت منذ مدّة ليست بالبعيدة اجتماعا لأحد أحزاب اِّعارضة الّتي تصنّف نفسها معارضة »حقيقيّة « في مقارنة لنفسها بما تسميّه معارضة »موالاة .(!!)« وأذكر أيضا أنّي استمعت هذا في الاجتماع إُّلى كلام كثير ممّا قد أتّفق معه وقد أختلف لكنّ الطّابع الغالب للخطاب السّائد هو التّباري واِّلزايدة إبراز زاوية الاختلاف مع جهاز السّلطة والحزب الحاكم وهي مزايدة انتعشت خاصّة بوجود ممثّلين عن أكثر من حزب سياسيّ ممّن حصل على تأشيرة العمل القانوني وممّن لا يزال ينتظر... ولعلّ أبرز مظاهر هذه اِّلزايدة هو ما حاولت بعض الأطراف التّأكيد عليه من تقسيم للمعارضة إُّ »معارضة حقيقيّة « وأخرى »معارضة موالاة « بمنطق يفتقد إُّلى اِّلموضوعيّة بل حتّى إُّلى ما يجب أن تقوم عليه العلاقة بين الأحزاب السياسيّة مهما اختلفت برامجها. كما اذكر أيضا أنّي كنت آخر من طلب الكلمة للتّدخّل النّقاش فكان انطلاق تدخّلي من معاينة حينيّة للحضور داخل القاعة الّذين يقارب معدّل أعمارهم الخمسين سنة أو ربّما يتجاوزها ممّا يوحي بأنّنا بصدد حركة معارضة متّجهة نحو الانقراض إذا لم تتدارك أمرها بالعمل على استقطاب عناصر جديدة من الشّباب. لكنّي بملاحظتي هذه وجدت نفسي أمام إشكاليّة جديدة وهي: هل بمثل هذا الخطاب ستستقطب عناصر جديدة أم أنّ عمليّة الاستقطاب يجب أن تقوم على مدى قدرة هذه الأحزاب والحركات على الإقناع ببرامجها وتصوّراتها الإستراتيجية الّتي يفترض أنّها صاغتها لتكون بديلا عن برامج وخطط الحزب الحاكم أو على الأقلّ لتمريرها ولو جزئيّا الفضاءات اِّتاحة؟... إلاّ أن مستوى آخر من التّساؤل فرض نفسه وهو هل تملك هذه الأحزاب خططا وبرامج وتصوّرات بديلة من أساسه؟ وهو تساؤل جوابه النّفي غالبا إلاّ إذا استثنينا بعضالشّعارات العامّة الّتي لا تختلف عليها هذه الأحزاب بل إنّ الحزب الحاكم نفسه يرفعها ممّا يعني أنّها لا تمثّل برنامجا ولا يمكن أن توضّح شيء خصوصيّة ووجوه التّمايز والاختلاف بين هذه الأحزاب فهي لا تستطيع بذلك أن تكون أرضيّة استقطاب ولا مادّة لخطاب دعائيّ. ممّا يجرّ بدوره إُّلى تساؤل أخير هو اذا لم تستطع مثل هذه الأحزاب صياغة برامجها ومشاريعها خاصّة وأنّ هذه اِّهمّة لا تدخل في إطار اِّلمواجهة مع أيّ طرف آخر بقدر ما هي تفعيل للهياكل الدّاخليّة لتلك الأحزاب وتنشيط لإطاراتها الحزبيّة مع الاستعانة طبعا بأولي العلم والخة والاختصاص متى اقتضت الضّرورة ذلك؟ إنّ الانتباه هذه النّقاط اِّمارسة اليوميّة للمعارضة وَّ واقعها وَّ خطابها يجرّنا إُّ جملة من اِّلاحظات لعلّ من أبرزها انشغال أغلبها بمشاكل وقضايا هامشيّة على حساب أشياء تعتبر من الأولويّات اِّطلقة إذ هل توجد مثلا أولويّة يمكن أن تسبق انكباب كلّ من هذه الأحزاب على وضع برنامجها الاستراتيجي وخططها اِّرحليّة الّتي تجسّم رؤيتها البديلة للمستقبل وسبل تجسيدها على أرضالواقع؟! ... هذا فضلا عن ضرورة اشتغال هذه الأحزاب ليلا نهارا من أجل إضافة واستقطاب عناصر جديدة إُّ رصيدها البشري وإُّ إحكام هيكلة نفسها مركزيّا وجهويّا ولم لا محلّيا في كلّ قرية ومدينة . إنّ انشغال أغلب هذه الأحزاب بنوع من الخطاب اِّتشنّج تجاه بعضها ، خاصّة ذلك الخطاب اِّوجّه ممّن يعتبرون أنفسهم معارضة حقيقيّة إُّ من يعتونها معارضة شكليّة لا يمكن إلاّ أن يكون وبالا على اِّعارضة ككلّ وإضعافا لها كما أنّه خطاب ينطوي على الكثير من التّهافت والتّجنّي واِّزايدة الّتي لا طائل من ورائها خاصّة ,أن هذه »اِّعارضة الحقيقيّة! « قد تجاهلت الكثيرمن اِّواقف الإيجابيّة للمعارضة الأخرى تجاهها فلم نر مثلا تثمينا ولا حتّى أخذا بعين الاعتبار الذي سبق أن طالب به الاتّحاد الدّيمقراطية الوحدوي من ضرورة تعميم التّمويل العمومي للأحزاب حتّى على الأحزاب غير البرلمانيّة وهو مطلب لا نخال الاتّحاد الدّيمقراطي قد رفعه مزايدة أو تملّقا لتلك الأحزاب الّتي اختارت أسلوبا للبقاء والاستمرار يقوم على نوع من »الفعل وردّ الفعل « وهو ما يفضي غالبا إُّ حالة من الفراغ السّياسي الّذي لا ينعكس سلبا على حركة اِّعارضة بصفة عامّة فقط بل إنّه يضرب داخل تلك الأحزاب نفسها فيوقعها حالة من التآكل الدّاخلي الّذي قد يبلغ درجة الصّراع والانقسام. إنّ اختصار اِّسافة هذه الوقفة التأمّليّة واقع اِّعارضة وشروط بقائها وتطوّرها يقودنا إُّلى تساؤل آخر يضاف إُّلى كلّ تلك الّتي سبقت وهو إذا كان هناك حديث عن خدمة لركاب السّلطة، فمن الّذي يقوم بذلك فعلا أهو ذلك الّذي اختار العمل الهادئ واِّخطّط وفق برنامج عمل واضح يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الواقع وميزان القوى القائم والسّبل الأنسب للتّأثير فيه أم أولئك الّذين جعلوا من شعار الرّاديكاليّة مدخلا للحسم والتّخوين واِّزايدة بما لا يزيد السّاحة السّياسيّة التّقدّميّة إلاّ تشرذما وانقساما؟! إنّ ما يجب أن نسلّم به هو أن لا أحد يمكن أن يكون مناضلا صادقا من أجل الدّيمقراطيّة ما دام عاجزا عن أن يكون ديمقراطيّا مع من حوله. كما لا يفوتنا التّذكير بأنّ وجود معارضة وطنيّة قويّة هو شرط قيام حياة سياسيّة تعدّديّة ديمقراطيّة تستجيب لطموحات الشّعب وتنسجم مع ما لم نتوقّف عن ترديده من بلوغ هذا الشّعب لدرجة من الوعي واِّعرفة والنّضج بما يجعله أهلا لحياة سياسيّة متطوّرة... كما لا يفوتنا أيضا التّأكيد على أنّ أحد الشّروط الأساسيّة لقيام معارضة قويّة هو وقوف جميع أحزاب وحركات اِّلمعارضة على أرضيّة واحدة من الاحترام المِّتبادل القائم على القبول بأنّ حقّ الاختلاف مكفول للجميع بعيدا عن خطابات الازدراء والتّحقير والتخوين...فذلك من مبادئ الأخلاق قبل أن تكون من مقوّمات الدّيمقراطيّة الّتي لم يتوقّف كلّ طرف على اعتبار نفسه الوصيّ عليها واِّخوَّل الوحيد للإفتاء فيها. المصدر: بريد الفجرنيوز