من المرجح أن تتباطأ وتيرة الاصلاح الاقتصادى بدرجة أكبر فى العام الجديد مع ابتعاد الحكومة عن أى خطوة من شأنها أن تثير استياء شعبيا وتخرج محاولة متوقعة لمنح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فترة ولاية ثالثة على رأس الدولة عن مسارها. ويقول محللون إن أول عملية خصخصة لبنك فى البلاد وبيع حصة فى شركة الاتصالات الجزائرية قد يكون مصيرهما التأجيل مع مشروعات أخرى فى هدوء. ويقول المحلل ليث قهوجى "عام 2008 سيكون عاما سياسيا وليس عاما اقتصاديا. وليس من المتوقع اتخاذ قرارات اقتصادية كبرى لأن الجزائر ستركز على الانتخابات الرئاسية." أما الخبير الاقتصادى سليمان حميش بصحيفة الخبر واسعة الانتشار فقال لرويترز "لن تتخذ قرارات غير شعبية فى عام انتخابي. فالرأى العام والنقابات مازالوا يرون فى الخصخصة أداة لفصل العمال من أعمالهم." وصدرت فى ديسمبر كانون الاول سلسلة من البيانات عن جماعات مرتبطة بحزب جبهة التحرير الوطنى الذى ينتمى اليه بوتفليقة مطالبة بتعديل الدستور للسماح له بالاستمرار فى الرئاسة لفترة ثالثة عندما تنتهى فترة ولايته الثانية فى أبريل نيسان عام 2009. ولم يؤكد بوتفليقة بعد ما إذا كان سيسعى لفترة ثالثة لكن الخبراء يرجحون ذلك. وللفوز فى استفتاء على الدستور سيحتاج بوتفليقة لدعم أغلبية من الشعب الجزائرى البالغ عدده 33 مليونا والذى يعانى من البطالة المترسخة ونقص الوحدات السكنية وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وفى بلد له تاريخ طويل فى التمرد على السلطة خاصة فى الريف لا يمكن اعتبار التأييد الشعبى أمرا مفروغا منه. فمعدل البطالة بين من تقل أعمارهم عن 30 عاما يصل إلى 70 فى المئة. ويسعى ألوف الشبان العاطلين عن العمل للهجرة سرا كل عاما بسبب المشاكل الاجتماعية التى أعقبت الحرب الأهلية التى شهدتها البلاد فى التسعينات. وقال حميش لرويترز "قبل 15 شهرا من الانتخابات يمكن أن يكون التعجيل بالاصلاحات الاقتصادية معرضا للخطر...فمن الأسهل والأكثر أمنا اتخاذ قرارات تحظى بالشعبية مثل رفع لأجور ودعم الغذاء." وأضاف "مادامت أسعار النفط تواصل ارتفاعها فلن تتم أى عمليات خصخصة كبرى" مشيرا الى أن خطة خصخصة شركة الاتصالات الجزائرية وغيرها ستظل على قائمة الانتظار. وسيستمر تنفيذ خطة لاعادة بناء الاقتصاد باستثمار مليارات الدولارات بدأت بعد انتهاء الحرب الأهلية غير المعلنة لتوفير مساكن جديدة ومد طرق وبناء مستشفيات ومدارس ومطارات. كما أن وزارة الطاقة والمناجم فتحت مؤخرا الباب لاصدار تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز. لكن المحللين يقولون إن الحكومة التى تدعمها ايرادات النفط الوفيرة ستغريها فكرة ابطاء مسيرة بطيئة بالفعل بدأت قبل 20 عاما لتحرير الاقتصاد المركزى الذى يهيمن عليه خارج قطاع النفط بنوك القطاع العام الخاسرة. وربما تظهر أوضح آثار ذلك فى الخصخصة. فقد أرجأت الحكومة فى العام الماضى بيع حصة فى بنك الائتمان الشعبى المملوك للدولة إلى أجل غير مسمى وفسرت القرار بأن الأزمة الإئتمانية العالمية لها أثر "غير واضح" على عدد من البنوك الأجنبية التى تسعى لشراء حصة فى البنك. وكانت الجزائر اختارت من قبل قائمة مصغرة تضم ستة بنوك أجنبية للمشاركة فى المنافسة على الحصة هى بنك بي.ان.بى باريبا وسوسيتيه جنرال وكريدى أجريكول وناتكسيس من فرنسا وسيتى جروب من الولاياتالمتحدة وبانكو سانتاندر الاسباني. ويقول مسؤولون إن عملية بيع الحصة ستستأنف عندما يحين الوقت المناسب لكن الجزائريين يشعرون أن ذلك قد يحدث بعد عام أو أكثر. وقالت الجزائر أيضا إنها تسعى لخصخصة شركة الاتصالات لكنها أرجأت مرارا بدء هذه العملية. ومن الشركات التى يقال إنها مهتمة بهذه الخطة مؤسسة الامارات للاتصالات وشركة الاتصالات المتنقلة الكويتية. ومن عناصر الاصلاح الاخرى التى قد تبطئ وتيرتها رغم أنها لاتقل أهمية تعزيز اللوائح المصرفية وتوسيع قاعدة الاقتراض وتقوية استقلال القضاء وتحديث القطاع الزراعى الذى تضرر من تجربة الملكية الجماعية فى السبعينات. ولا يتوقع الخبراء حركة كثيرة فيما يتعلق بأهداف أخرى أيضا منها تحسين ادارة المياه وتقسيم القطاع الصناعى إلى وحدات أكثر كفاءة من الناحية الإدارية بعد أن أدت موجة قادتها الدولة للدخول فى الصناعات الثقيلة خلال السبعينات إلى وجود شركات عامة عملاقة لكنها خاسرة. ويقول المحللون إن العقبات التى تواجه البنوك التى تهيمن عليها الدولة هى إدارة الاقتصاد على الطريقة السوفيتية والبيروقراطية والفساد والاستمرار فى اقراض شركات القطاع العام الخاسرة. وظل أثر العنف الذى شهدته البلاد فى التسعينات مطبوعا على محاولة منح شركات القطاع الخاص دورا أكبر فى الاقتصاد إذ أن المسؤولين اضطروا للتركيز على الامن على حساب الاقتصاد. كما أدى هذا العنف إلى موجة من وضع اليد على الاراضى مما فاقم مشكلة صعوبة توفير العقارات التجارية. وقال معلقون فى الصحف إن من المستبعد تحقيق تقدم فى المحادثات الجارية منذ عشر سنوات تقريبا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وهى خطوة يقول الخبراء إنها تحتاج لجهد كبير لدعم الشفافية المصرفية. ونقلت صحف جزائرية عن باسكال لامى المدير العام لمنظمة التجارة العالمية قوله فى نوفمبر تشرين الثانى إن الانضمام للمنظمة لا يمثل أولوية قصوى بالنسبة للجزائر. وقال رئيس الوزراء السابق مولود حمروش الذى يحتمل أن ينافس بوتفليقة فى انتخابات الرئاسة العام المقبل فى كلمة ألقاها فى الآونة الأخيرة إن حملة تعديل الدستور تعنى استبعاد أى تغييرات رئيسية فى السياسات. وأضاف "من يريدون الاصلاح لا يملكون السلطة ومن يملكون السلطة لا يريدون الاصلاح."