من جديد نقف أمام ملحمة لضباط جيش مصر العظيم الذين تمكنوا في وقت قياسي من اغواء النّفوس الأمّارة بالهوان والعبودية حتى يمضوا على صكوك الدّماء، لنرى بعد ذلك النخبة من أبناء مصر ينظّرون ويبررون لعنصرية شوفينية مقيتة بدأت ملامحها تظهر للعالم بعدما أصبح مشهد الأشلاء يروق لمن لوّثت ضمائرهم بل ويشعرهم بنشوة الانتصار. لقد استعاد الجيش مجده بعدما تمكن من عسكرة المندفعين والانتهازيين وعبيد مبارك من المصريين وما يسمى النخب ليخدعهم بنفس الشعار الذي رفعته امريكا لتحتل أراضينا العربية والاسلامية حين استباحت عرضهم ودمائهم بغطاء أممي و قانوني، وكأن هؤلاء قد قدموا ضمائرهم قربانا للسيسي حتى لا تهزّهم بعد اليوم مشهد جثث المصريين المرصوصة على قارعة الطرقات. اليوم يصطف المثقفون وراء منابر تلفزية فتحت لهم فقط ليغني الطير كما يشاء ولا من مجيب سوى الأجنحة المعلقة همتها وقراراتها بغرف العمليات في وزارت السّيادة، ليطغى خطاب التشويه والتعتيم والتزييف على صوت الضمير، فلا تتفوه ألسنتهم الا بما يخالف الصواب حتى أصبحت أشلاء الشعب الأعزل ودمائه هي الدليل على ارهابهم. انها تلك الصفقة الغير إنسانية التى تقوم على تقديم من كان على رأس السلطة في مصر والذي وصل اليها عبر صناديق الاقتراع على أنه وأتباعه العدو الأوحد للوطن بعدما ثبت تخابره مع حركة المقاومة حماس لتلصق بكل هذه الملايين في الشوارع كل الشرور والآثام، بل ويقدم قادتهم كمسؤولين على كل الأخطاء والكوارث الاجتماعية والسياسية التي ورثوها عن اسيادهم من بلاطجة حكم مبارك، ليرسم في النهاية صورة جديدة لزعيم كرطوني يعبد كما عُبد الثور قبل ذلك. السيسي يبدأ رحلته الدموية بعباءة مدنية قبلت على نفسها أن تقف وراءه لتذرالرماد على العيون حتى لا يرالشعب المصري البسيط الطيب الجماجم والأشلاء، ليصبح الضباط الأشرار أول من يجعل من التخابر مع المقاومة الفلسطسنية جرم يسقط بموجبه نظام منتخب ليحل مكانه نظام يدخل مؤسسات الدولة على جثث المصريين، وهنا لابد أن أذكر هؤلاء المختبئين تحت قبعة السيسي بأن عبد الناصر كان يتخابر مع حركات التحرر العربية وبالأخص ثورة الجزائر في الفترة من 1954 إلى 1962 وثورة اليمن في 1962 وساند حركات التحرر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية نهيك عن المقاومة الفلسطسنية، فهل من الممكن أن يكون "سيسيكم" من أبناء الجيش المصري المقاوم ؟ لقد نجح الضباط الأشرار في استقطاب الجزء المستعبد من الشعب المصري بما يمثله من تأليه للأشخاص أمام عجزه الذي يسكنه لعقود حين أصبح الجيش هو الأقدر الأوحد على تسيير شؤون الدولة بقوة اسلاح ومنطق الالغاء لا بقوة العقل ورشادة التفكير واستقلال الرأي، ليتقمصوا دور العبيد حتى أصبحوا يبررون لأسيادهم القتل الرحيم باستعذابهم للتضليل والتزييف والكذب الحلال. لقد تمكن هؤلاء من ترسيخ عقلية الاستئصال الجماعي في مقابل التخدير القسري لهؤلاء المصطفين في ميدان التحرير في اعتصام خمس نجوم، حتى أصبحوا كما ورد على لسان وائل قنديل: عسكريون أكثر من العسكر، ليخرج علينا في كل مرة تبْع منهم معلنا ولائه لسيده الذي علمه الصّدق وما ينبغي له، مبررا سوء ما عملت أيديهم على أنه دفاع على "الدولة العليّة" من الغزاة. لقد كان التفويض الذي أخذه السيسي من معتصمي الخمس نجوم أكبر عملية اغتصاب لعقول وضمائر وانسانية المصريين وبرضاهم حين خرجوا هم للتمرد على مرسي وخرج هو لقتل مناهضي حكم العسكر، سيدرك المصريون أنهم تعرضوا لأكبرعملية احتيال في التاريخ وربما يستوجب استرجاع الانسان فيهم دفع ضريبة أغلى من التي دفعت ابان ثورة 25 جوان.