سعيّد يأذن بتنقيح فصولا من المجلة التجارية    قيس سعيد يُعجّل بتنقيح الفصل 411 المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد.    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع والأم ترفضهم    تأجيل قضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي    تمّ رفضه من قبل الصهاينة بسبب تكلفته العالية .. مخطط حكم غزّة يسقط في الماء    خلال لقائها ببودربالة...رئيسة مكتب مجلس أوروبا تقدّم برنامج تعاون لمكافحة الفساد    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    عاجل/ احتجاجات ليلية وحرق للعجلات في هذه الولاية..    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    عاجل/ انفجار بأكاديمية عسكرية في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية..    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    الديوانة تحجز سلعا مهربة فاقت قيمتها ال400 مليون    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده    خلال نصف ساعة.. نفاد تذاكر مباراة الأهلي والترجي في «نهائي إفريقيا»    Titre    الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية: نسبة النفاذ للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية في تونس تناهز 55 %    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    القبض على عنصر إجرامي خطير مفتش عنه دوليا في هذه المنطقة    حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    الكاف: مهرجان ميو يحتفي بفلسطين    عاجل/ بطاقة إيداع بالسجن ضد سعدية مصباح    كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    القيروان انقاذ طفل سقط في بئر    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    تقريرنقابة الصحفيين: ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصّحفيين في شهر أفريل    القيروان: الاحتفاظ ب 8 أشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوت هويّة ويعملون بشركة فلاحيّة    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    إتحاد الفلاحة: المعدل العام لسعر الأضاحي سيكون بين 800د و1200د.    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    سوسة: وفاة شاب غرقا وانقاذ شابين اخرين    البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم    حجز 900 قرص مخدر نوع "ايريكا"..    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف عليه السلام ونظريات الإندماج (2/3)الجزء الثاني: حسن الطرابلسي
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 02 - 2009

حددنا في القسم الأول من هذا البحث المنهج المعتمد وبينا أنه قائم على ثلاثة عناصر أساسية وهي:
أولا المنهج النقدي لتقييم الآراء ودراستها
ثانيا المنهج التاريخي لتتبع تاريخية بعض الأفكار والنظريات والبحث عن أصولها
ثالثا إعتماد قراءة تأويلية براغماتية تتحدث عن الواقع بدون الإخلال بقداسة النص القرآني
للاطلاع على القسم الأول:يوسف عليه السلام ونظريات الإندماج 1/3
واليوم نقدّم الجزء الثاني من البحث وهو عبارة عن الدراسة النقدية وتطبيق المناهج المعروضة سلفا.
والله من وراء القصد
الدراسة النقدية
اشتمل هذا القسم من البحث على عنصرين أساسيين :
يشمل العنصر الأول الأسس النظرية للعملية الدعوية بصفة عامة، مع التركيز على خصوصية الدعوة في المهجر لأقلية مسلمة ، وأبرز الأسس النظريةيمكن إجمالها في الإعتزاز بالعقيدة ونقد للعقائد الفاسدة وفهم التاريخ وتوظيفه ثم إبراز روح الإسلام العامّة
وشمل العنصر الثاني تحليلا لتجربة يوسف التنموية وخاصة توصله إلى حلّ مشكل إقتصادي في عصره عبر تأسيسه لنمط إقتصادي يظهر لأول مرة في تاريخ البشرية وهو ما يعرف اليوم بصندوق الدولة الإستثماري والنجاح الذي حققه هذا الشكل الإقتصادي الجديد.
1 الأسس النظرية للعملية الدعوية
أ الإعتزاز بعقيدة التوحيد
"ءَأرباب متفرّقون خير أم الله الواحد القهار" قضية التوحيد قضية مركزية في القرآن الكريم لأنّها إحدى المحاور الأساسية الثلاث1 التي تحدّث عنها القرآن. وقد ورد مفهوم التوحيد في صياغات متعدد فهي تارة بطريقة الجزم والإثبات مثلما نجده في آية الكرسي أو في سورة الصمد، كما وردت في بعض الأحيان في شكل استفهام انكاري يدعوا المخاطب إلى العودة إلى ذاته للتثبت في المعلومات التي يمتلكها من أجل إعادة التفكر فيها وإعادة صياغتها، كما ورد في سورة النمل مثلا "أَإِلَهٌ مَعَ الله؟"2 وقد تكرر السؤال مرّات عديدة داعيا إلى عدم تسليم المحاور بالموروث الخاطيء الذي يمتلكه وإنّما هو مطالب بالتثبت والتفكير في هذه القضية.
والقصة تعرّفنا "أنّ يوسف معتز بعقيدة التوحيد التي ورثها عن آبائه3، والتي صاحبته وهو يعبر مؤامرات يتحدّث عنها في سجنه داعيا رفاقه إلى الإيمان " يَا صَاحِبَيْ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أََمِ الله الوَاحِدُ القَهَّار" (يوسف، 39) وكان هذا الإعتزاز أو اليقين في العقيدة محورا مركزيا في السورة، فهو الذي رافقه في البئر "وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ" حتى يطمئنّ ولا يخاف، "لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون"(يوسف، 15)، وحماه من الوقوع في الزنا "إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلََصِينَ"(يوسف، 24)، كما أن هذا اليقين هو الذي جعله يتمنى السجن على الوقوع في الخطيئة والزنا "قَالَ رَبّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهٍ"(يوسف، 33). نفس هذا الإعتزاز واليقين في الله هو الذي جعله يرفض الخروج من السجن حتى يتمّ إعادة النظر في التهمة التي لفّقت له "قَالَ ارْجٍعْ إِلَى رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيهِنَّ"(يوسف، 50). هذا اليقين والثبات آت أكله وثماره على طول القصة فهو الذي كان السبب في الفوز النهائي الذي حصل له في الدنيا بالملك واجتماع الأهل ولمّ الشمل والنجاة من الإبتلاءات المتعدّدة. وهو في الآخرة مركب الرضا الربّاني وسفينة النجاة وبرهان القبول إن شاء الله تعالى.
كان التوحيد وإخلاص العبودية هو مبدأ الدعوة المركزي الذي اعتمده يوسف في مقاومة الشرك والإلحاد وهو نفس المبدأ الذي اعتمده آباؤه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وكل الأنبياء والرسل وهو نفس المبدأ الذي يجب أن يكون نبراس ونموذج المسلمين في الغرب والقضية المركزية الأولى التي تشغلهم، وهو ما سنحاول إثباته في هذا البحث. ومن استتباعات مقولة التوحيد إبراز تهافت مقولة الشرك والإلحاد التي يعتبر نقدها هدفا مشتركا بين المسلمين وغيرهم من مصلحين وعلماء أديان وقساوسة وفلاسفة. وهو ما سنتناوله بالبحث في العنصر الموالي.
ب نقد ظاهرة الشرك وبيان تهافتها والتأكيد على مفهوم التوحيد
لئن اعتبرنا في العنصر الأول قضية التوحيد هي الأساس النظري الأول الذي يجب اعتماده، فإنّ مبدأ نقد الشرك والتعدد هو المبدأ الثاني للإلتقاء مع الآخرين، ومعلوم أن قضية الشرك مرتبطة جدّا بالتوحيد، حتى انه يصعب منهجيا الفصل بينهما، فالموحِّد لا يكون بالبداهة مشركا والمشرك لا يكون بالبداهة موحِّدا، فأحدهما نقيض للآخر ، وهنا ننبه إلى أننا لا نريد هنا الحديث عن الشرك الأصغر أو الخفي أو التلبيس كما تحدث عنه ابن القيم والغزالي وغيرهم وإنما نقصد الشرك الذي يجحد مفهوم الألوهية جملة وتفصيلا. وفي هذه الحالة يصعب الفصل بين الشرك والتوحيد إلا منهجيا لأن توفر إحدهما عند إنسان ينفي بالضرورة توفر نقيضه. إلاّ أنّنا فصَلنا بينهما لاعتقادنا أن نقد وتفكيك نظرية الشرك، مقدّمة نظرية مهمّة لتأسيس عقيدة التوحيد على أرضية سليمة، وهو نفس المنهج الذي اعتمده يوسف عليه السلام إذ بدأ بالنقد الموضوعي المحايد للشرك "ءََأَرْبَابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَم الله الوَاحِدُ القَهَّارُ" (يوسف، 39) ، فهو عليه السلام عندما سئل عن تفسير رؤيا الشابين معه في السجن "لم يبدأ مباشرة بتفسير الرؤيا وجعل سؤالهما له على وجه التعظيم والإحترام وصلة وسببا إلى دعوتهما إلى التوحيد والإسلام، ولما رأى في سجيّتهما من قبول الخير والإقبال عليه والإنصات إليه، ولهذا لما فرغ من دعوتهما شرع في تعبير رؤياهما من غير تكرار سؤال"4. هذا الجهد النقدي، باعتباره ملكة أساسية وهبها الله للإنسان، هو جوهر العملية الدعوية. وهكذا يكون النقد هو الأساس النظري الثاني للعملية الدعوية، وحقيق بالتالي أن تكون قضيّة تقييم نظريّات الفكر المادي من وجودية ومادّية وتطورية وغيرها من القضايا المركزية للعمل الإسلامي في الغرب، خاصّة وأن للشرك تبعات أخلاقية وسياسية واجتماعية. والتصدي لها بالنقد لا يستفيد منه المسلمون وحدهم بل أيضا غير المسلمين فيشعّون بها كالنور على المجتمع الذي يتواجدون فيه.
ج كيفية التعامل مع لعقائد الفاسدة
" إِنّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالله وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ" (يوسف، 37) بدأ يوسف عليه السلام بالنقد غير المباشر لعقيدة المدعوّ فهو لا يسبّ دينه وحضارته لكي لا يُحدث مفاصلة وقطيعة بينه وبين مخاطبه، وإنما يتحدّث بصفة عامّة عن الشرك والفساد والضلال. وهي أوضاع لا يقبلها دين أو مجتمع وبالتالي بنى يوسف قاعدة سليمة، وأرضية متماسكة لحوار بنّاء. وهو ولئن "أشار إلى القوم الذين ربّي فيهم، وهو بيت العزيز وحاشية الملك والملأ الذي يتبعهم. والفتيان على دين القوم، ولكنّه لم يواجههما بشخصيّتهما، إنّما يواجه القوم عامّة كي لا يحرجهما وينفرهما، وهي كياسة وحكمة ولطافة حسّ وحسن مدخل"5. وهذا منهج واضح وسليم، فلئن كان نقد النظريات المادّية كالوجودية والتطورية وغيرها ضروريّ، إلاّ أنّ هذا النقد لا يعني تسفيه الحضارة والعقل الذي نبعت منه فهي ولئن انحرفت بالإنسان عن خط التوحيد والتوازن إلاّ أنّها استطاعت أن تكشف العديد من أسرار الإنسان، وقدّمت للداعية مادّة علمية ساعدته في تطوير خطابه وتطعيمه بنتائج البحوث الإنسانية. فالبحوث النفسية والدراسات المعمّقة للوجوديين وحفريات الأنثربولوجيا الفلسفية في بنية العقل الإنساني مثلا فتحت أبوابا كانت مغلقة على الفكر الإنساني لا بدّ من تثمينها. إذ فالمبادرة إلى التكفير الفردي والحضاري مقولة خاطئة مجانبة للصواب، ثمّ إن التكفير هو سمة قلة العلم، كما يقول الإمام الغزالي، فالذي لا يعلم شيئا يتحرّز منه ويهابه ويخشى الولوج إليه، كما أنّ مقولة العلوم الإنسانية شر محض وأنّها نبعت من بيئة مشركة أيضا مقولة تحوي سلبيات عديدة أهمّها التقوقع والإنغلاق. وإنما المنهج الأسلم هو اتباع ما قاله الإمام علي كرّم الله وجهه عندما قال “إعرف الحق تعرف أهله” وهو ما أكده حجة الإسلام فيما بعد في “المنقذ من الظلال” من خلال تاسيسه لمقوله “ إتباع الحق حتى من أقاويل أهل الظلال” (المنقذ من الظلال، دار الفكر ، 2000 ص544).
إنّ وجود مصادرات قبلية للداعية المقيم في الغرب تحدث بينه وبين المدعوين هوّة شاسعة يصعب بعد ذلك رتقها وبالتالي يصبح الحديث عن الثقة المتبادلة هو حديث لا طائل من ورائه.
وهذا صلب مشكل العمل الإسلامي في الغرب، فهولم يستطع لحدّ الآن ان يلج داخل بوتقة الثقافة ليصبح جزءا منها، ولا يعني ذلك الذوبان فيها، وإنّما أن يُعبّر بالإسلام عن قضاياها الحقيقية ويساهم في حلّ المشاكل المطروحة كانتشار الجريمة وتغلغل المخدرات ومشاكل الجنس والخمر والمساهمة في الحياة السياسية والمناشط الثقافية والرياضية... ومع الأسف وبالرغم من جهود الكثير من العلماء حول تأصيل مفهوم أن المسلمين المقيمين في الغرب هم في دار عهد وميثاق أو في دار شهادة كما سماها الدكتور طارق رمضان، فإنّ البعض القليل لا يزال يمثّل وجهة نظر انّ المهاجر هو إما في "دار حرب" وبالتالي يجوز له ما تجوّزه حالة الحرب، فالسرقة والغش والخيانة تصبح مبرّرة. وإمّا أنّه مقيما بين ظهران كفرة لا رجاء في صلاحهم ولا أمل في هدايتهم. والإعلام وبعض السياسيين يضخمون وينفخون في الرأيين الأخيرين. وأدى ذلك إلى خلق هوة في بعض الدول الغربية أدت إلى ظهور مجتمعين متوازيين، يجامل أحدهما الآخر ويغازله ولكنه لا يحتمله. وهو ما يبرر للدولة في بعض الحالات أن تكشر أن أنيابها، ذلك أنّ الدّولة، أي دولة6، بطبيعتها لا تقبل المجتمع الموازي وإنّما لا بدّ للجميع أن يخضع لها.
وعلاقة المسلم بغيره هي قضية أساسية تعاني منها حضارة اليوم، فالخوف من الإسلام ودعوته لا يمسّ فقط المقيمين في الغرب وإنما يتعداهم إلى أنه قضية عالمية سببها الجهل بالآخر، فهي متأتية من الجهل بروح الدين الإسلامي ومن عجز المسلمين على تقديمه بصورته المشرقة، وهو ما قاد إلى توسيع الفجوة بين المسلمين وغيرهم خاصة بعد أحداث سبتمبر. وللأسف فإنّ ما ينشره بعض الكتّاب المسلمين من بحوث تبسيطية عن الغرب وحضارته في إطار ما سمّي بالدفاع عن الإسلام تؤسس لعقل مسلم منزو ومنغلق. وقد مثل هذا التيار مجموعة من أنصاف المثقفين سموا أنفسهم تارة الجهاديون7 وتارة أخرى السلفيون8 تجوّزا . وعلى الجانب المقابل غنىّ الطابور الخامس، وهم أصحاب المصالح الضيقة وتجار الحرب، والمعادون للإسلام وحضارته من الغربيين والمستغربين. وقد استطاعا هذان التيّاران أن يحدثا استقطابا خفتت معه الأصوات الأخرى بل وتلاشت في بعض الحالات.
أمّا يوسف عليه السلام فإنه يشير بأدب رفيع إلى الطريق السليمة والمنهج الصحيح فيقول:"وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوب"(يوسف، 38) ويفسر ابن كثير ذلك بقوله "أي هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى، واتّبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضّالّين، فإنّ الله يهدي قلبه، ويعلّمه ما لم يكن يعلم، ويجعله إماما يقتدى به في الخير، وداعيا إلى سبيل الرشاد"9. وهذا هو جوهر دعوة الإسلام ، البحث عن أرضية مشتركة للتعايش والإقرار بالإختلاف.
د الحديث عن السيرة والإستشهاد بالتاريخ
"وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوب" (يوسف، 38) حوت هذه الآية لطيفتين أولاهما التذكير بشرف النسب وهو قد يكون مع الصلاح والتقوى عاملا مساعدا في فتح قلب المدعوّ إذ أنّ الخطاب سيجد صداه والنفس ميالة إلى سماع صاحب النسب الرفيع.
أمّا اللطيفة الثانية فهي الإشارة إلى الآباء والجدود والتعلّم من منهجيتهم خاصّة إذا كان هذا التاريخ خطّته صحف الرسل والأنبياء عليهم السلام، فالتذكير بسيرتهم والحديث عن تجربتهم يحيي في النفس طاقة الصبر والإتعاظ بالجهد والثبات الذي ميز هؤلاء الرسل كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
فالعودة إلى التاريخ باعتباره الخزّان المحفوظ، والذّاكرة التي لا تنضب يتعلّم منه الداعية ويتعظ بدروسه، والتاريخ هو الذي تلوذ إليه الحضارة كلّما أناخ عليها الدهر بكلكله تستمدّ منه القوة والسند والثبات. فالتاريخ ليس إخبارا عن الماضي وسردا للروايات وإنما هو "نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيّات الوقائع وأسبابها عميق"10 إذ هو خلاصة تجربة الإنسان والحضارة بل هو الإنسان ذاته.11
والإسلام في الغرب ليس جسما جديدا وليد العشريات الأخيرة أو أنّه دين للمهاجرين وبالتالي يتعامل معه على أنه دين لا علاقة له بأوروبا أو الغرب ، وإنّما هو ضارب في القدم وأصيل في العقلية الغربية، ولا نقصد بالضرورة التواجد الإسلامي في إسبانيا لمدة طويلة، برغم ما لذلك من أهمية، إلا أننا نتحدّث عن وجوده في الجامعات وفي السياسة وفي الثقافة وأيضا في اللغة12.
فالمناهج العلمية كانت في العديد من الجامعات الأوربية متأثرة بالمنهجية الإسلامية ومدرسة بادو13 في إيطاليا خير دليل على ذلك، كما أن القرآن تمّت ترجمته مبكّرا إلى اللغة اللاتينية14 وكان الفكر الرشدي حاضرا بشكل بارز في الجدل السياسي والديني، ولا يخفى على أحد سيطرة "القانون في الطب" لابن سينا لقرون عديدة على المناهج الطبية الغربية15. ولقد كان هذا التأثير نتيجة لنشاط حركة ترجمة الآثار العربية إلى اللغات الأوروبية الشيء الذي أدى إلى الإسهام بشكل معترف به في البناء الفكري والنسيج المعرفي للحضارة الغربية.
إننا من خلال هذه الأمثلة التي أوردناها والتي لا يتسع المقام للتفصيل فيها برغم أهميتها، نريد أن نثبت مقولة مركزية وهي أن الإسلام متجذر في العقلية الأوروبية بشكل كبير، ولكن الإستشراق والإستعمار16 قاما في القرون الأخيرة بطمس هذا الدور كما استطاع الإعلام رسم صورة نمطية عن الإسلام17 جعلت الأجيال الغربية الحديثة تعتقد أنّ الإسلام جسم غريب يحاول فرض نفسه بالعنف والإرهاب على ساحة الأحداث.
من خلال هذه الإشارات المختصرة نعتقد أن البحث عن الدور الحضاري الذي قام به الإسلام في تشكيل هوية أروبا هامّ جدّا ومن شأنه أن يعدّل من غلواء تطرّف بعض المعادين لهذا الدين. كما أنه يمثّل موضوعا للحوار الثقافي، مثلما كان في القرون الوسطى.18
ه إبراز روح الإسلام العامّة
لئن تحدّث يوسف عن قضية التوحيد وجعلها مركزية فإنه لم يسارع إلى التكفير واتبع المنهج القرآني القائم على قاعدة "وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَاب إِلاَّ بِالتِي هِيَ أَحْسَن، إِلاَّ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم، وَقُولُوا آمَنّا بِالذِّي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلكَ إِلَيْكُم، وَإِلاَهُنَا وَإِلاَهُكُم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"19 وهنا يبني الخطاب القرآني مبدأ أساسيا وهو انّ أهل الكتاب ليس كلهم على ملة واحدة معادية للإسلام وإنّما هم كما ذكرنا آنفا تجدهم موزّعون بين صديق للمسلمين ينفع ولا يضر، وبين جاهل بالإسلام وجب تنويره ورفع الإلتباس الذي عنده، وبين محاور براغماتي يريد فقط مصلحة مؤقتة أو هدوءا في بلده، وبين معاد حاقد لا فائدة ترجى من الحوار معه لأنه بطبعه لا يريد التواصل. ومن الطريف أن هذا التصنيف الذي نقدّمه لأهل الكتاب من المسيحيين خاصة ليس جديدا في الفكر الإسلامي. فلقد عثرت أثناء مطالعاتي للإمام الغزالي ما أكد هذا الكلام الذي كتبته، ولهذا فإنّي أورده هنا لإثبات النظرية التي نمثّلها فهو يقول في معرض حديثه عن خطورة تكفير النصارى بالتحديد ما نصه "إنّ أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى. أعني الذين هم في أقاصى الروم والترك ولم تبلغهم الدعوة، فإنّهم ثلاثة أصناف: صنف لم يبلغهم اسم محمّد صلّى الله عليه وسلّم أصلا فهم معذورون، وصنف بلغهم اسمه ونعته وما ظهر عليه من المعجزات وهم المجاورون لبلاد الإسلام والمخالطون لهم وهم الكفار الملحدون. وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمّد صلى الله عليه وسلّم ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضا منذ الصبا أنّ كذّابا ملبسا اسمه محمّد ادّعى النبوّة،...فهؤلاء عندي في أوصافه في معنى الصّنف الأول فإنّهم مع أنّهم لم يسمعوا اسمه سمعوا ضدّ أوصافه، وهذا لا يحرّك داعية النظر في الطلب."20 واليوم ورغم تعدد وسائل الإتصال وتنوّعها والسرعة العجيبة في نقل المعلومة إلا أنّ أغلب أهل الكتاب يندرجون في الصنف الأخير الذي تحدّث عنه حجة الإسلام ذلك أن الصورة التي يقدّمها الإعلام الغربي وجزء من الإعلام العربي عن الإسلام ورسوله وأيضا سلوك بعض المسلمين هي للأسف الصورة السلبية. فالرسول صلى الله عليه وسلّم عادة ما يقدّم على أنه الرجل المغرم بالنساء والجنس أو يصور في شكل كاريكاتوري كمتهور يهدد العالم بالقنابل القاتلة أو يوصف بأنه إرهابي دمويّ سفاك لا يرعى إلاّ ولا ذمّة. ورغم ردود الأفعال والإحتجاجات التي تقوم في العديد من البلدان العربية والإسلامية إلا أن ذلك لا يؤثّر ولا يستفز سوى عدد قليل للبحث حول الدين الإسلامي، أما البقية فهي الجموع التي يسوقها الإعلام في الإتجاه الذي يريد. وهذه الوضعية من شأنها أن تضاعف حرص المسلمين على استغلال أيّ فرصة للحوار للكشف عن حقيقة هذا الدين وسماحته.
إنّ الحوار مبدأ أصلي وثابت في الدين الإسلامي وهو الشيء الذي قام به يوسف عليه السلام من خلال توجيهه الحديث إلى صاحبيه في السّجن، وأوّل لهما الرؤيا وأكّد بالتالي قدرته وكفائته العلمية ونجح في إدارة حوار علمي راق، وهذه فائدة سوف نحللها في العنصر القادم.
الثاني هو أنه ناقش قضية واقعية، أي قضية العصر الذي يعيشه، والمفسرون يجمعون على أنّ الواقع العام لذلك الزمان كان يوحي بانتشار الحديث عن الرؤيا والمؤولين لها، وهنا حقق يوسف مسألة مهمّة في الفقه، وهو ما يطلق عليه الفقهاء "تحقيق المناط". وتحقيق المناط في الفتوى الشرعية لم يكن خاصا بيوسف عليه السلام وإنما هو نابع من الروح العامّة للإسلام إذ كل الأنبياء عليهم السلام تفاعلوا مع قضايا عصرهم وقدّموا حلولا للمجتمع. هذه الروح العامة للإسلام تقودنا إلى القول بأن على المسلمين في الغرب ان يناقشوا قضايا عصرهم ومجتمعهم. فالمعلوم ان من أهمّ القضايا التي تشغل المعنيين بالأمر في البلاد الغربية قضايا من مثل مشاكل الشباب وآفاق المستقبل، قضايا الجريمة والمخدّرات والتزايد المتسارع لظاهرة العنف بصفة عامّة والإباحية و"خطر" الإنترنيت (على المراهقين خاصة) وقضايا التفكك الأسري والسخرية بكلّ ما هو ديني وأخيرا وليس آخرا الأزمات المالية والإقتصادية وما لمشاكل الربا من استتباعات. مثل هذه القضايا تعالج اليوم على مستويات سياسية وعلمية وأكاديمية وجب على المسلمين المشاركة فيها ليس فقط من أجل الحفاظ على أبنائهم أو على الجالية الإسلامية في الغرب بل باعتبار ذلك قضية مركزية يمكن للإسلام أن يوجد لها حلولا في المستوى الإجتماعي والنفسي والعلمي والإقتصادي... والتجربة تثبت إمكانية هذا الدور، فيوسف عليه السلام نجح في إقناع العزيز بالرؤية الإسلامية الإقتصادية وقدرتها على إنقاذ مصر من خطر المجاعة والفاقة. ومعلوم أنّ المجتمع المصري لم يكن آنذاك مسلما ولكن يوسف قام بدوره باعتباره واحدا من أبناء المجتمع الذي نجح في الإندماج فيه مع حفاظه على هويته الإسلامية. وبالتّالي فإن الحديث الذي يثار إعتمادا على نظرية هانتغتون21 في صراع الحضارات عن مشكلة الهوية المزدوجة للشباب المسلم من الجيل الثاني والثالث سواء منه ذو الأصل المغاربي في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا أو الأصل التركي في ألمانيا أو الهندي والباكستاني في بريطانيا يصبح حديثا متهافتا لا يرتقي إلى مستوى الدراسة العلمية المتأنّية كما أنه يتعارض مع الواقع المعاش. فالتجربة والواقع اثبتت عكس ما قاله هذا الباحث. وعندما نتحدّث عن التجربة لا نقصد فقط نجاح تجربة يوسف عليه السلام كما أشرنا وإنّما نتحدّث هنا عن جزء كبير من أبناء الجيل الثاني والثالث الذين أثبتوا قدرتهم على الإسهام في مجالات علمية وسياسية ورياضية وغيرها وتمثيل البلدان التي ولدوا فيها خير تمثيل.
و أهمية العلم للدعوة
كثر في سورة يوسف الحديث عن العلم، كما وصف يوسف عليه السلام بالعالم مرات عديدة "وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ ءَاتَيْنَاهُ عِلْمًا وَحُكْمًا"(يوسف، 22) وهذا العلم يمكن أن يكون نبوّة أو علما بالمعنى المتعارف عليه اليوم، لأن الله سبحانه يقول أيضا "وَلِنُعَلَّمَهُ مِنْ تَأُْوِيلَ الأَحَادِيثِ" (يوسف، 21) ويرى المفسرون أن علم تعبير الرؤيا كان في زمن يوسف هو علم العصر كما كان السحر في زمن موسى هو علم العصر وكانت البلاغة والفصاحة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلّم هي علم العصر، فكان أن أتى الرسل في كل العصور بالعلوم السائدة في زمنهم ، وامتاز القرآن على غيره بأنه ظلّ إلى اليوم كتابا مفتوحا يمكن النهل من نبعه مهما تعددت العلوم وتنوّعت، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن يوسف عليه السلام وصف نفسه بالعالم أيضا مرتين الأولى مع صاحبي السجن والثانية مع عزيز مصر حيث قال لصاحبي السجن "قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ" أي في يومكما "إِلاَّ نَبّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا، ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي"(يوسف، 37) قال مجاهد وكذا قال السدّي، وهذا إنما من تعليم الله إياه، لأنّه اجتنب ملة الكافرين بالله واليوم الآخر، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد "وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوب"، أي هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين وأعرضت عن طريق الضّالّين، فإن من فعل ذلك هدى الله قلبه وعلّمه ما لم يكن يعلم، وجعله إماما يُقْتَدى به في الخير وداعيا إلى سبيل الرشاد.22 فيوسف عليه السلام بيَّن هنا أنه داعية آتاه الله العلم، وهو نفس المعنى الذي أكّده في حواره مع العزيز إذ "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"(يوسف، 55) قال الطبري :"إنّي حافظ لما استودعتني عالم بما أوليتني، لأنّ ذلك عقيب قوله اجعلني على خزائن الأرض ومسألته الملك استكفاءه خزائن الأرض فكان إعلامه بأنّ عنده خبرة وكفايته إيّاه أشبه بإعلامه حفظ الحساب ومعرفة الألسن".
وهنا يثار إشكال وهو أنّ يوسف عليه السلام مدح نفسه وقام بشيئين ممنوعين في الإسلام :
1 طلب التولية وهذا ممنوع في الإسلام " إنّا لا نولّي هذا العمل أحدا سأله"23 (أو حرص عليه)
2 تزكية النفس "فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن اتَّقَى"24
وقد قال العلماء يجوز ذلك إذا جهل أمره ، للحاجة. فهو خازن ذو علم وبصيرة بما يتولاّه. وقال بن كثير: مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جهل أمره للحاجة، وذكر أنه 'حفيظ' أي خازن أمين ، 'عليم' ذو علم وبصيرة بما يتولاه، وقال شيبة بن نعامة: حفيظ لما استودعتني، عليم بسنيّ الجدب وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه، ولما فيه من المصالح للنّاس، وإنّما سأله أن يجعله على خزائن الأرض، ليتصرّف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد، فأجيب إلى ذلك رغبة فيه وتكرمة له"25 كما أنّ يوسف لم يكن يعيش في مجتمع مسلم يعرف من يزكي ثم إن "طلب يوسف عليه السلام كما يقول سيد قطب كان يتضمّن الإجابة زيادة في تكريمه ."26
فالعلم شرط أساسي للداعية إذ يجرّ الجاهل على الدعوة أخطارا من حيث يريد ان ينفعها، وقديما قال الحكماء عدوّ عالم خير من صديق جاهل. كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمتحن سفرائه وقضاته فنراه يسأل معاذا عن خطته في القضاء وعن المنهج الذي سيتبعه في عمله، ولمّا أثبت معاذ رضي الله عنه قدرته وكفائته بارك الرسول صلى عليه وسلم عمله وقال صلى الله عليه وسلّم : "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله".
ومن مارس العمل الإسلامي اليَومي في أروبا يعلم حقيقة ما أقول، ذلك أن الجمعيات والمراكز الإسلامية تجد نفسها في مواقف عديدة مباشرة مع متخصصين من أعلى المستويات العلمية، وهو ما يفتقده المسلمون فينتج عنه مرات عديدة إما عدم القدرة على متابعة الحوار او العزوف عنه خوفا، لا نجد له مبررا إلا الجهل والعجز، وهو ما يضيع على المسلمين فرصا هامة لللإستفادة والإفادة. فليس كلّ من يأتي إلى المساجد من غير المسلمين من المخابرات أو من الجواسيس وإنّما هناك جزء كبير منهم يأتون من أجل المعرفة والإطلاع.
2 يوسف يحل الإشكال العلمي والإقتصادي والسياسي لعصره
تعرّضنا في المحور السابق إلى العلم الذي رُزقه يوسف عليه السلام وقيمته، ونحن نحلل في هذا العنصر مسألة مهمّة عن قيمة العلم الذي امتلكه والذي استطاع به أن يحل مشكلا علميا واقتصاديا وسياسيا في عصره. فمصر كانت على عهد يوسف27 عليه السلام مركزا تجاريا هامّا يأتي إليه الناس من كلّ مكان لشراء القمح. ومعلوم أن عملية البيع والشراء وإدارة شؤون الوضع الإقتصادي تتطلّب خبيرا ماليا يستطيع ان يسهّل المعاملات المالية والإدارية، ويوسف تعلّم أثناء إقامته في بيت العزيز قبل أن يسجن الحساب والإدارة وبلغ فيها الدرجة العالية حتى وصف بأنه أوتي "عِلْمًا وَحُكْمًا" فالطبري يصفه بأنّ عنده خبرة وحفظ للحساب ومعرفة بالألسن. هذه المعارف مكنته إذا من إدارة عمله بنجاح، خاصة بعد تفسير رؤيا العزيز التي عجز المؤوّلون (علماء العصر) عن فكّ طلاسمها. ثم إنّ الواقع العملي الذي حدث بعد ذلك من توالي سني الخصب ثمّ سنيّ الجدب كان يضع مصر والعالم القديم على حافية الهاوية والكارثة الإقتصادية التي ستقوده حتما في حالة عدم إدارتها بشكل ناجح إلى المجاعات والتفاوتات الإجتماعية وبالتالي الثورات. إلاّ أن يوسف استطاع بفضل ما آتاه الله من العلم أن يفهم الإشكالية الأساسية التي أشارت إليها رؤيا العزيز ولذلك فإنه أوّلها التأويل الصحيح هذا من ناحية ثم إنه وهذا الأهم من وجهة نظر علمية أجابهم عن سِؤال لم يطرح ولم تشر إليه رؤيا العزيز وهو العام الذي يأتي بعد السنوات العجاف والذي فيه يغاث النّاس وفيه يعصرون "ثُمَّ يَأتِي مِنْ بَعْدِ ذَلٍكَ عَامٌ فِيهٍ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ"28 وبذلك أنقذ تفسيره للرؤيا مصر والمناطق المجاورة من كارثة إقتصاديّة، كما حلّ بدقة حسابه وضبطه المعضلة العلمية لعصره، كما سنثبت في هذا العنصر والجدير بالتنويه أنه عليه السلام لم يكتف بحلّ نظري فقط وإنّما عرض خدماته من موقع فهمه للإشكال الإقتصادي الذي إذا لم تتم إدارته بشكل سليم سيقود إلى فوضى إقتصادية، وهو ما يفسر طلبه من العزيز أن يجعله على خزائن الأرض. وقد عرضنا في العنصر السابق إلى أنه زكى نفسه وطلب التولية وفسرنا ذلك فلا فائدة من الإعادة. ولنعد إلى بيان الحل العلمي والإقتصادي الذي قدّمه، فهو بعد أن استلم دفّة إدارة العملية الإقتصادية وفق توفيقا كبيرا. ولنترك القرطبي يصف لنا كيف كانت هذه الإدارة.
يقول القرطبيّ: "ولمّا فوّض أمر مصر إلى يوسف تلطّف بالناس وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به، وأقام فيهم العدل فأحبّه الرجال والنساء... ثمّ دخلت السنون المخصبة فأمر يوسف بإصلاح المزارع، وأمرهم أن يتوسعوا في الزراعة فلماّ أدركت الغلّة أمر بها فجمعت ثمّ بنى لها الأهراء، فجمعت فيها تلك السنة غلّة ضاقت عنها المخازن لكثرتها، ثمّ جمع عليه غلّة كلّ سنة كذلك، حتى إذا انقضت السبع المخصبة وجاءت السنون المجدبة"29. ثمّ يتابع القرطبيّ حديثه عن تجربة يوسف عليه السلام واصفا إياه أثناء السنوات العجاف قائلا:"ولمّا أصاب النّاس القحط والشدّة ونزل بأرض كنعان بعث يعقوب عليه السلام ولده للحيرة، وذاع أمر يوسف في الآفاق للينه وقربه ورحمته ورأفته وعدله وسيرته وكان يوسف عليه السلام حين نزلت الشدّة بالناس يجلس للنّاس عند البيع بنفسه، فيعطيهم من الطعام على عدد رؤوسهم لكلّ رأس وسقا".30
من خلال الفقرتين السابقتين يمكننا أن نجمل أهمّ أسس التجربة الإصلاحية التنموية التي قام بها يوسف عليه السلام وهي:
أ اللين والتواضع والسماحة في الدعوة
كان يوسف عليه السلام لّينا متواضعا سمحا فلقد "تلطف يوسف عليه السلام بالناس" وكان “يجلس للناس عند البيع بنفسه فيعطيهم الطعام “ كما ورد في نص القرطبي السابق . فما دخل اللين في شيء إلاّ زانه وما ابتعد عن شيء إلاّ شانه ويوسف وهو الداعية الحكيم جعل من اللين مبدأ أساسيا ترتكز عليه تجربته فما طغى على القوم وما تجبّر عليهم وإنّما كان قريبا منهم رفيقا عليهم.
ب إقامة العدل
العدل أساس العمران البشري كما يقول ابن خلدون وهو فضيلة الفضائل كما يقول ابن مسكويه في “تهذيب الأخلاق” ، فبالعدل تنهض الحضارات، وبه يكرّم الإنسان ويعزّ، فتفجّر طاقاته الإبداعية فعلا خلاقا في البيئة والمجتمع، فالضعيف يردّ إليه حقّه والقويّ يؤدّي للضعيف حقه، فالعالم مشدود بوحدة متماسكة ومترابطة لا تنفصم عراها فهو كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، ولقد توصّل يوسف بعدله إلى تأسيس هذه الخليّة العاملة في مجتمعه.
ج الإصلاح الزراعي
قام المشروع الزراعي ليوسف عليه السلام على توسيع المزارع قال القرطبي :"وأمرهم أن يتوسعوا في الزراعة". وهي فكرة أساسية في كلّ عملية فلاحية فبقدر ما تكبر المساحة الزراعية بقدر ما يكثر الإنتاج وتتوفّر الفرص للزراعات المتنوّعة. ولمّ نضجت الزراعة وأستوت أمر يوسف عليه السلام بجمعها كما هي دون طحنها لأنّ ذلك يحفظها أحسن، وتكرّرت عمليّة جمع الغلّة كلّ سنة حتى انقضت السنون الخصبة . وفي نفس الأثناء أمر عليه السلام ببناء الأهراء وهي المخازن التي سوف تحفظ فيها الحبوب.
د التخطيط والحساب
إضافة إلى العوامل السابقة، ثمّة عامل مهم جدّا ساهم في إنجاح سياسة يوسف عليه السلام الإقتصادية والتنموية وهو التخطيط والحساب فالعلماء يذكرون أن يوسف أوّل من كتب يقول القرطبي: "يوسف أوّل من كتب في القراطيس" ويقول الله تعالى في سورة يوسف: "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"(يوسف، 55). والحفيظ كما قال المفسرون هو الحاسب الكاتب. وتعدّ الكتابة ثورة علمية أو بلغة باشلار قطيعة إيبستمولوجية بين عهدين: عهد التوثيق وعهد ما قبل التوثيق، والحديث عن التوثيق هو الحديث عن الدخول في التاريخ لأن الوثيقة هي نصّ يحفظ حدثا مضى ويمنعه من الدخول في طي النسيان.
وهنا نتوقف قليلا لتوضيح مسألة هامة وهي قول القرطبي “إن يوسف أول من كتب في القراطيس” فهل المقصود بذلك الكتابة أم غير ذلك ؟
تعيد البحوث التاريخية والأنثروبولوجية عملية الكتابة إلى ما قبل عصر يوسف عليه السلام.
فهل أن القرطبي أخطأ؟ إننا نرجح أن القرطبي قصد بالكتابة على القراطيس ، الكتابة الإدارية ، أي اعتماد الملفات والتوثيق والأرشفة، ودليلنا على ذلك قول القرطبي نفسه “الكتابة في القراطيس” ، والقرطاس يعرفه الراغب الأصفهاني (توفي سنة 502 ه) في”المفردات” بقوله “القرطاس هو ما يكتب فيه” والقرطاس عند الطبري “الصحيفة” في تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام الآية السابعة “وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ” فالمقصود من ذلك إذا ليس عملية الكتابة وإنما هو ما يكتب فيه وهو الملف بلغة العصر. فيوسف إذا وضع ملفات وقام بالأرشفة لتخزين المعلومات وهو صلب العمل الإداري المنظم.
د مفهوم الإستثمار على المدى المتوسط والبعيد
العمل الجبار الذي قام به يوسف عليه السلام في مستوى العمل الإداري صاحبه تأسيس مفهوم إقتصادي لأول مرة في التاريخ وهو ما يعرف اليوم بصندوق الدولة* الإستثماري الذي يمثّل مصدرا إضافيا لدخل الدولة يساعدها في توفير احتياطي لوقت الأزمات كما يوفر من خلال استثمارت طويلة المدى إلى توفير رصيد مالي من فوائض الثروات الحالية للأجيال القدمة في محاولة لتوزيع عادل للثروة المتوفرة ، كما يقوم هذا الشكل من الإستثمار بحماية الإقتصاد من التضخّم ويفّر احتياطا ماليّا لتأمين التقاعد، وتوفير ضمان مالي لحماية مشاريع استراتيجة إلى جانب كونه يوفر غطاءا ماليّا لمهمات أو لأهداف معينة تسعى الدولة لتأمينها أوتوفيرها وهو أيضا رأسمال ثابت وطويل المدى لتأمين احتياجات المواطنين المستقبلية. وتعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الدول العربية الأكثر اعتمادا على هذا الشكل الإقتصادي.
وكانت فكرة يوسف عليه السلام تستجيب لأهم هذه الأهداف ، فالدولة سيطرة على الإنتاج ثمّ قامت بتوزيعه على المواطنين بشكل عادل ، وكانت المخازن المملوءة بالحبوب بمثابة الرصيد أو الصندوق الإستثماري طويل المدى إذ أنه استطاع أن يحفظ هذه الثروة لمدة زمنية تراوحت بين سبع وأربعة عشر سنة وهي مدة طويلة نسبيا حتى بالمقاييس المعاصرة.
وقد كتب لهذه التجربة أن تنجح نجاحا باهرا فاستطاع يوسف عليه السلام أن يتجاوز السنين العجاف بسلام حتّى وصف القرطبي نتائجها بقوله "وذاع أمر يوسف في الآفاق". وهكذا نجح في حلّ الإشكال العلمي والإقتصادي لعصره وحافظ على وحدة مصر .
هذا التحليل لحل يوسف للإشكال العلمي والإقتصادي لعصره ليس استطرادا عفويا وإنّما نريد من خلاله أن نبيّن أنّ يوسف عليه السلام الذي دخل مصر عبدا يباع ويشترى ثم أكرم في بيت العزيز ولكنه سرعان ما دخل السجن ظلما. هذا المهاجر الذي من وجهة نظر المجتمع ينتمي إلى فئة مهمّشة لا تُعامل بعدم بالجدّية ، إذ لمّا ذاع خبر ما جرى بينه وبين زوجة العزيز في المجالس وأحسّ "السادة" أو"علية القوم" بخطر الفضيحة قدّم هذا “المهاجر” كبش فداء مسحت فيه هذه الفئة كل عارها، وأدخل السجن رغم أن المحكمة أقرت براءته قبل ذلك "إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَصَدَقَتْ وَهْوَ مِنَ الكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهْوَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم"31. رغم كلّ ذلك فإنّه عندما سئل عن رأيه وطلب في المشورة أجاب بإخلاص وبصدق وقام بمهمّته بعد ذلك خير قيام، وهو نفس الموقف الذي وقفه الرسول صلى الله عليه وسلّم مع قريش عندما قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. فيوسف كما تصفه ريشة سيد قطب:" لا يغفل عن الدعوة لدينه، في كياسة ولطف، مع الحزم والفصل، وفي إدراك لطبيعة البيئة ومداخل النفوس فيها، كما أنه لا يغفل عن حسن تمثيله بشخصه وأدبه وسلوكه لدينه."32 وهذا هو المنهج السليم الذي يجب أن يتبعه المهاجر فردا أو مؤسسة في هذه البلاد. فيوسف عليه السلام لم يقل هؤلاء كفّار أدخلوني السجن وحرموني أعز سنوات شبابي وإنّما كان الكريم بن الكريم بن الكريم واستطاع أن ينهض بمصر وبالعالم القديم معه وينقذه من الحالة الكارثية. والحمد لله أن المهاجر المسلم اليوم لا يباع ولا يشترى في أروبا بل إنه يتمتع بحقوقه الدينية والمدنية أكثر مما يتمتع بها في البلاد الإسلامية والعربية، فمن باب أولى أن يكون هذا المهاجر كريما مقرا بهذا المعروف عاملا بتعاليم دينه التي تدعوه إلى اتباع الحق والعدل والخير.
في الجزء الثالث نعرض لمنهجية العمل الدعوي ميدانيا إضافة إلى الحديث عن المواضيع المشتركة التي يمكن أن تكون مواضيع للحوار الإسلامي مع غير المسلمين بشيء من التفصيل.
الهوامش
1 يقسم المفسرون والعلماء القرآن إلى ثلاث محاور مركزية وهي: محور التوحيد ومحور التشريع ومحور القصص، وقصة يوسف تنتمي إلى المحور الثالث.
2 سورة النمل، 60 64 تكرر السؤال في سياقات متعدّة واختتم في الأخير بقول الله عز وجلّ "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" ذلك ان القرآن لا يخاف ولا يهزم في حوار مفتوح ومتكافئ بل يعدد ويحاور ويجادل بالتي هي أحسن ويمنح المعارض الفرصة أن يسوق حججه رغم علمه ببطلانها وفسادها وهي سمة خاصة بالقرآن الكريم ترفعه عن غيره من الكتب، فالقرآن كتاب مفتوح، وهذا الأنفتاح ليس على المستقبل فقط وإنما هو أيضا إنفتاح على الآخر
3 الغزالي، الشيخ محمّد: نحو تفسير موضوعي للقرآن الكريم، الأجزاء العشرة الثانية، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1414 ه 1993 ص 32
4 قطب ، سيد: في ظلال القرآن ، تفسير سورة يوسف،
5 الظلال ، ص 1988
6 هنا نفرق بين الدولة والحكومة، التي قد يكون من بينها وزير ما، خاصّة وزراء الداخلية من يعادي الإسلام، في هذا المستوى يجب على الدعاة العمل على أن يجتهدوا حتى لا تتحوّل سياسة وزير طامح أو معاد إلى سياسة للدولة. وهذا ليس بالجهد الهين،
7 وإن كنّا نحمل بشدّة على هذا التيار إلاّ أنّنا نفرق كثيرا بين المجاهد الذي يدافع عن أرضه المغصوبة أو هويّته المستلبة وبين المتنطّعين الذين إرتدوا جلبابا وعمامة واطلقوا لحية كثة ونصبوا أنفسهم فقهاء الزمان
8 هنا أيضا لا نقصد المدرسة السلفية التي تعود بجذورها إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم وإلى الصحابة الكرام، وإنما الذين نقصدهم هم أولئك الذين ادعوا أنهم سلفية دون فقه لهذا المعنى واستقطعوا أحاديث من السنّة نزلوها منزلة أعلى من القرآن في بعض الحالات، من مثل أولئك الذين اغتالوا الشيخ محمّد السعيد في الجزائر أو الذين كفروا الشيخ ابن باز والألباني والغزالي والقرضاوي...
9 أبن كثير ، ص 436
10 المقدمة ، ص 3 و 4
11 تعريف التاريخ باعتباره الإنسان وجدته عند كلّ من الإمام السخاوي في كتابه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ" وهي كذلك نفس النتيجة التي توصّل إليه هايدجر في كتابه الوجود والزمن (Sein und Zeit) برغم اخلاف المنهج والطريقة
12 يمكن العودة إلى كتاب "أروبا " لأستاذنا ريمي براج Remi Brague الذي يضرب أمثلة عن تأثير اللغة العربية في البناء الثقافي للعقلية الأوروبية، وكذلك إلى د. نبيل عثمان: Osman, Nabil; Kleines Lexikon deutscher Wörter arabischer Herkunft, 6. Auflage, Verlag C.H. Beck 2002 Münchenوأيضا كتاب Hunke, Sigrid; Allahs Sonne über dem Abendland, unser arabisches Erbe, Deutsche Verlag-Anstalt, Stuttgart 1960 وقد ترجم كتاب هونكه إلى العربية تحت عنوان " شمس العرب تسطع على الغرب"
13 E. Renan: Averroes et l´Averroïsme, avec préface d'Alain de Libera, Maisonneuve et larouse 1997
14 ترجم القرآن منذ سنة 1143 م وكان المترجم Petrus Venerabilis
15 ترجم القانون في الطب إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر على يد Gerard von Cremona، ولمزيد الإطّلاع يمكن العودة إلىD'Alverny, M.Th.: L'Introduction d'Avicenne en Occident; In: Millénaire d'Avicenne, Kairo 1951 ، كما يمكن العودة لمن أراد المزيد إلى بحوث بعض المتخصصين من أمثال Etien Gilson, Martin Grabmann; Alain de libera; Arnaldez, R.; Goichon A.M. ; Paret, R., A. M. Schimmel, Sigrid Hunke وغيرهم
16 عن علاقة الإستشراق بالإستعمار يمكن العودة إلى د. محمود حمدي زقزوق، الإستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، كتاب الأمّة ، 1404 ه ص 43 وما بعدها، وكذلك الكتاب الضخم لإدوارد سعيد، الإستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، بيروت 1981
17 أهم سمات هذه الصورة النمطية للإسلام هي أن محمّدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له نساء كثيرات وأن المرأة مضطهدة، وإبراز صورة بشعة للباس الإسلامي وأنه لا حرية في التدين ومسألة قطع اليد وتعارضها مع حقوق الإنسان.
18 تجدر الإشارة هنا إلى الحوار الثقافي الحر بلغ أوجه في الأندلس الإسلامية، أما في بقية أجزاء أوروبا فإنّه لم يكن خاليا من العنف، وما الحروب الصليبية إلا شكلا من أشكال الحوار الأحادي الجانب الناجم عن التعصب والجهل، ولكن رغم الطريقة العنيفة للهجوم الصليبي على ديار الإسلام فإنّ هذا الأخير استطاع بالقوة الحضارية التي يملكها ان يؤثر في الغزاة بشكل مباشر. فأوربا قبل الحرب الصليبية ليست هي أوربا بعد تحرير بيت المقدس، فلقد أثرت الحضارة الإسلامية في الغرب بشكل كبير في مستوى الحوار الديني والثقافي والفنّي والمعماري والعلمي.
19 سورة العنكبوت ، 46
20 الغزالي، مجموعة الرسائل، ص 252 253
21 مفاد نظرية صموئيل هنتنغتون عن صراع الحضارات Clash of civilizationأن الحضارات سوف تضطلع بدور بارز في خريطة السياسة الدولية خلال هذا القرن. أمّا الدول فلن يكون لها دور كبير في السياسة الدولية. وقد رشح هنتنغتون ثماني حضارات ذكر أنّها ستسيطر على العالم وهي: الحضارات الغربية، والكونفوشية، واليابانية، والإسلامية، والسلافية الأرتودكسية، والأمريكية اللاتينية وربّما الإفريقية. وتنبّأ بأنّ الخطر الأكبر على الحضارة الغربية سوف يأتي من حضارتين: الحضارة الصينية أو الكونفوشية والحضارة الإسلامية وتنبّأ بإمكانية تحالفهما. وتنتهى النظريّة إلى القول بأنّ واجب أمريكا أن تعمل على احتواء هذا الخطر الداهم.
22 مختصر تفسير ابن كثير ، ص 250
23 متفق عليه، كما قال صلى الله عليه وسلّم لعبد الرحمان بن سمرة: "يا عبد الرحمان لا تسأل الإمارة فإنّك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها".
24 النجم ، 32
25 مختصر تفسير بن كثير ، ص . 254
26 الظلال، تفسير سورة يوسف
27 الفترة الزمنية التي عاشها يوسف في مصر يمكن تحديدها بين عهد الأسرة الثالثة عشر والأسرة السابعة عشر، وهي أسر "الرعاة" أو "الهكسوس" وهي فترة تستغرق نحو قرن ونصف قرن. (في ظلال القرآن، ج 4 ص 1960 إلى 1963) وقد سيطر الهكسوس على مصر حوالي سنة 1800 ق. م.
28 سورة يوسف، 49
29 القرطبي : الجامع لأحكام القرآن، المجلّد الخامس ص 143
30 المصدر السابق ص 144
31 سورة يوسف، 28
32 قطب، الظلال، ج 4 ص 1955
* Deutsch: Staatsfonds; English: sovereign wealth fund (SWF)
Hassen Trabelsi


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.