برلين - سمير عواد .. يلاحظ المراقبون والمحللون السياسيون في ألمانيا والروابط الإسلامية أنه منذ سنوات بدأت تتشكل في ألمانيا جماعات تستخدم وسائل الإعلام الألمانية ومنتديات وندوات ومواقع إلكترونية بحيث يقوم أشخاص بنشر صور عدائية متذرعين بنقد الإسلام. وتستخدم هذه الجماعات المشكوك بأمرها المناقشات الدائرة خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 التي تدور حول الإسلام، لإثارة العداء ضد المسلمين وعدائهم لليهود خصوصا لكي يثيروا غضب الجماعات الدينية المسيحية المتشددة وضغط المثقفين اليمينيين والجماعات المسيحية الأصولية، مشيرين إلي أنهم مجموعة من الخبراء المهتمين بالديانات ويعملون في إعلان التحذير المبكر وأنهم يشعرون بقلق بالغ تجاه تطور الأمور. ونشط هؤلاء خلال وبعد العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة ويظهرون في الصحف ووسائل الإعلام كخبراء أو يكتبون في صفحات رسائل القراء في الصحف الإقليمية، فيشيرون إلي أن حماس تسببت في اندلاع الحرب وأنها كما في السابق تستخدم المدنيين كدرع بشري وهدفها القضاء علي إسرائيل التي كما يؤكدون أجبرت علي دخول حرب فرضت عليها. ويوضح بيتر فيدمان الخبير في معهد برلين لأبحاث معاداة السامية أن هؤلاء الأشخاص أصبحوا يلفتون النظر داخل ألمانيا ويتحركون حسب قوله في إطار ثلاثة محاور: أولا سوق الكتب العلمية حيث يقدم بعض الناشرين صورا مشوهة ومروعة للإسلام عارضين نظرياتهم التي تتجاهل أحدث نتائج البحث التاريخي والنفسي ويؤكدون أنها نظريات علمية، ثانيا علي صفحات الإنترنت حيث تبث معلومات مغالطة المقصود منها نشر الكراهية ضد المسلمين مثل موقع Politically Incorrect (غير صائب سياسيا) وAkte Islam(ملف الإسلام)وDie Gruene Pest (الطاعون الأخضر). ويرافق موجة العداء هذه تصريحات الذين يصفون أنفسهم بالخبراء بأن الإسلام يريد الهيمنة علي أوروبا وكما حصل في بلاد الأندلس أن يتم أسلمة الأوروبيين وعلي الصعيد المحلي ظهرت مبادرات مناهضة لبناء المساجد تعتقد أن كل بيت يجتمع فيه المسلمون للصلاة يتم التآمر داخله ويعتبر رأس حربة لغزو الإسلام القارة الأوروبية. قبل أسبوع مثلت ألمانيا أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف حيث عرض رئيس الوفد الألماني غيرنوت إيرلر وزير الدولة بوزارة الخارجية الألمانية تقرير الحكومة الألمانية حول حقوق الإنسان في ألمانيا وتعرض إلي انتقادات بسبب عدم مواجهة الحكومة الألمانية حملة معاداة الإسلام التي توصف بالإسلاموفوبيا. ويعمل ناشطون ومدونون ألمان في محاولة تبرير أحقادهم علي الإسلام والمسلمين بواسطة مزاعم يستمدونها من الكتب التي يزعمون أنها تحتوي علي نظريات صحيحة لا غبار عليها ويقومون بعقد ندوات ودعوة الصحفيين إليها يستمعون خلالها إلي مزاعم مؤلفي تلك الكتب. وهكذا تشكلت شبكة مترابطة تشمل مساحات واسعة في ألمانيا يشرف عليها ويمول نشاطاتها رجال أعمال احترفوا نشر المخاوف من الإسلام والمسلمين ويحاولون تحقيق مكاسب سياسية ومالية من جراء بيع الكتب التي تبث الحقد ونشر الإعلانات علي مواقعهم الإلكترونية وتسويق مقالات مناهضة للإسلام. لا يمكن التقليل من خطر هذه الجماعات فهي تروج أن الإسلام هو الخطر الأكبر الذي يهدد البشرية في القرن الحالي. يقول الخبير الألماني فيدمان أن هذه الجماعات بعيدة كل البعد عن المراقبين الجادين الذين يتعرضون بالنقد إلي منظمات إسلامية معينة أو إلي برامجها وسلوكياتها كما أنها بعيدة عن الباحثين والمتخصصين في علمي الاجتماع والتربية والدين. ما يهم هذا النوع من مروجي الدعايات المناهضة للإسلام هو إشاعة شبهات عامة ضد المسلمين واتهام الإسلام بأنه إيديولوجية تحرض علي العنف وأنه معاد لليهود والنساء والمثليين الجنسيين ومعادين للديمقراطية وهو ما يمهد إلي الفشل الحتمي لاندماج المسلمين في المجتمعات الغربية. يؤكد الخبير فيدمان أن ظهور هذه الجماعات ومزاعمها المعادية للإسلام ليس نتيجة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر أو مصرع مخرج الأفلام الهولندي تيو فان جوخ في عام 2004 وإنما يعود ظهورها إلي أعمق من ذلك. الملاحظ أنها تستخدم نفس الخطاب المتطرف الذي ظهر في ألمانيا وأوروبا في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ضد هجرة الأجانب إلي أوروبا وأدي إلي استفزاز السياسة والمجتمع وسقوط قتلي بين الأجانب. فالصورة العامة التي نشرها هؤلاء في العقود المذكورة وأدت إلي إثارة موجة حقد ضد الأجانب وصلت إلي حد الاعتداء والقتل، ان اللاجئين أتوا ليخطفوا وظائف العمل من الألمان وكذلك المساكن وأن غالبيتهم من الطفيليين المزعجين والمجرمين الذين يريدون العيش علي نفقة دافعي الضرائب. وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر حيث أصبح كل شخص يسمح لنفسه توجيه انتقادات إلي الإسلام فإن الخطر بنظر هذه الجماعة أصبح أكبر، ويقولون أن خطر الأسلمة يحيق بالألمان والأوروبيين وهذه السيطرة الخارجية سوف تقضي علي الغرب ومبادئه تماما. هذا ما يكشف عنه أوليفر غيدن الخبير السياسي الذي ينشر دعاية علي قاعدة من الروايات فيقول أن السكان الأصليين في ألمانيا وأوروبا يواجهون خطرين أساسيين: الأول خطر من الخارج يأتي مع الأقليات والأجانب والخطر الثاني من النخبة السياسية الذين حادوا عن مصالح المواطنين. ولا ينسي رواد ظاهرة الدعاية ضد الإسلام توجيه اتهامات إلي اليسار الألماني الذي يناصبونه العداء بأنه أيضا السبب في زيادة هيمنة الإسلام والأقليات في ألمانيا وأوروبا. من بين أبرز الأسماء يأتي أودو أوفكوته المحرر السابق في صحيفة(فرانكفورتر ألجماينه) الذي كان متخصصا في قضايا الإرهاب فهو عندما يقود حملة مناهضة للإسلام يحاول ملاطفة المثقفين اليمينيين للظهور بأنه موضوعي لا هدف له سوي الانتقاد لغرض الإصلاح ولفت النظر لذلك فهو يتقرب في تصريحاته من اليمين المسيحي واليهود ويؤكد أن مبادئ الغرب مستوحاة من التراث المسيحي اليهودي الإنساني في أوروبا. وكذلك الكاتب هانز رادتس الذي نشر في وقت واحد سلسلة من الكتب التي تحرض علي الإسلام ويكفي أن عناوينها تشير إلي المحتوي: من الرب إلي الله، ومن الله إلي الإرهاب، والعودة الإسلامية إلي معاداة السامية. ويقدم رادتس نفسه بأنه مختص ومستشرق فقد حصل فعلا علي الدكتوراه عام 1967 من جامعة بون في فرع العلوم الإسلامية وذلك تحت إشراف أوتو شبيس والعالمة الراحلة المعروفة آنا ماري شيمل وكان موضوع أطروحته عن التاريخ الفكري المبكر في الإسلام وكان يتبني آراء إيجابية عن الإسلام إلي أن حصل تحول في موقفه وأصبح في التسعينيات ينشر كتبا لمكافحة انتشار الإسلام في الغرب. يجد رادتس حوله الكثير من المتشددين واستمد شهرته الذائعة الصيت داخل المعسكر المتطرف عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ففي كتاب يحمل عنوان(الله واليهود) يدعو علي نحو سافر إلي اتخاذ إجراءات راديكالية في الغرب والعمل بطرد المسلمين من أوروبا مثلما طرد الأسبان العرب. ويذهب إلي حد يتنبأ فيه أن الألمان سوف يكونون ضحايا إبادة جماعية سيرتكبها مسلمون ولكنه يتجنب استفزاز اليهود فيقول أن الإسلام عدو لليهود في الماضي والحاضر. والغريب أن مثل هذه الكتب تباع بكل حرية في ألمانيا ولا تتحرك الحكومة الألمانية لمنعها بداعي حرية التعبير عن الرأي لكن في النهاية تشارك في انتشار الإسلاموفوبيا. الراية