أثبتت بعض ردود الفعل الإنفعالية والهستيرية أحيانا على بعض البرامج التلفزية الأخيرة ومن ثمة على بيان الهيئة الوطنية للمحامين بوصفها الممثل والمعبر عن عموم المحامين والمؤرخ في 17 مارس 2009 أن المشهد الإعلامي بأضلعه الثلاث المكتوب والمرئي والمسموع في القطر مشهد متخلف وهذا التخلف منبعه أولا تبعية وسائل الإعلام للسلطة الحاكمة وهذا بشهادة أهل الإختصاص ورواد الصحافة أنفسهم ويكفي مراجعة التقرير الأخير لنقابة الصحافيين والتقارير المتعددة للجنة حماية الصحافيين ومراسلين بلا حدود وغيرها من المنظمات الدولية ،ومنبعه ثانيا حجم الوهم الذي يعيشه البعض وقد بهرهم الضوء الأصفر المنبعث من بعض كاميرات التلفزيون الحكومي وإختلطت عليهم ألوان الحبر، فتصوروا أن ما تقطر به بعض الأقلام الصفراء وما تناولته مؤخرا بعض كاميرات البرامج التلفزية يندرج في إطار حرية الصحافة ويكفي مراجعة حجم الشكايات الجزائية المرفوعة ضد بعض رؤساء تحرير الصحف الصفراء وهذا ثابت من خلال بيانات نقابة الصحافيين التونسيين الصادرة في شأنهم وإلتجاءها لسحب البطاقات المهنية منهم ... وفي هذا الجو المتعفن لا يمكن الحديث عن صحافة مستقلة تتمتع بالحرية الكاملة فإستثناء ثلاثة صحف تابعة لأحزاب معارضة وهي محرومة من التمويل العمومي جزاءا لها لعدم سيرها في فلك السلطة فإن بقية وسائل الإعلام خاصة المكتوبة تدور في فلك النظام القائم إما مدا أو جزرا لا هم لها سوى التطبيل لإنجازات وهمية تبرير فشله في جميع الميادين ...وهي نفسها تعتمد أسلوب الصحافة الصفراء القائمة على التشهير والفضائح دون الإستناد إلى حقائق موضوعية وأدلة دامغة . ثم أن من يتحدث ويتشدق بدولة القانون والمؤسسات هو أول من يخرقها عبر هذه البرامج التهريجية والفضائحية والتشهيرية من خلال ما تبثه مؤخرا على قناة تونس سبعة الحكومية (وضع سطرين تحت حكومية ) وإذا كان يوجد حقا بالقطر مؤسسة تسمى القضاء فإنه لا يجوز قانونا البتة إثارة ملف قضائي مازال منظورا لدى القضاء وإلا يصبح ذلك من باب التأثير على أحكام القضاء التي ستصدر وهذا معمول به في جميع قوانين العالم ،ففي القطر المصري مثلا أصدر القضاء حكما يمنع وسائل الإعلام من منشر أي خبر أو تناول ملف قضية مقتل المطربة سوزان تميم والمتورط فيها القيادي بالحزب الحاكم هناك هشام مصطفى ولم نسمع من الإعلاميين أن هذا الحكم يشكل إعتداءا على حرية الصحافة.. وبما أن العمل الصحفي مسؤولية وإلتزام بالقوانين الجاري بها العمل فإن القانون يمنع إفشاء سر ملف تأديبي مازال على أنظار مجلس التأديب ويسلط جزاء ذلك عقوبات جزائية وما تم في إحدى الملفات التلفزية هو إفشاء سر ملف تأديبي لأحد المحامين وفي ذلك مخالفة لقانون المحاماة خصوصا وللقانون عموما .. كما أن القانون حدد العقوبات التي تسلط على المحامي المخالف من قبيل التوبيخ والإنذار والتشطيب النهائي إضافة إلى عقوبات جزائية ولم يحدد البتة عقوبة إسمها "التشهير " فلا عقوبة إلا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع والذّي تم في إحدى الملفات هو تسليط عقوبة التشهير على أحد المحامين قبل أن تثبت حتى إدانته قضائيا أو من مجلس تأديب المحامين. ثم لماذا لم تثر هذه الملفات التلفزية قضية توزيع قضايا المؤسسات العمومية على المحامين التجمعين فقط دون سواهم ...ولماذا لم تثر هذه البرامج قضايا حرية الصحافة والعراقيل القانونية التي أمامها وقضايا الحريات وحقوق الإنسان داخل القطر والمساجين السياسيين والتوزيع غير العادل للثروة ..وقضية تغلل الصهاينة في المجتمع التونسي دون أن نسمع كلمة واحدة معارضة من بعض هؤلاء الإعلاميين وهي قضايا عامة تهم شعبنا ويتم تناولها دون سب أو تشهير وتجعل من المواطن العادي يهتم بالشأن العام لا أن تتحول مشكلة عاطفية بين شاب وفتاة أو إشكال عائلي بين طرفين أو مشكل مهني بين محامي وحريفته مازال من أنظار القضاء ومجلس تأديب المحامين إلى قضية رأي عام وعوضا أن نجعل المواطن العادي يهتم بالمشاكل العامة إنقبلت الصورة بفضل الإعلام أصفر وصارت القضايا الشخصية قضايا عامة!!!. حقا أننا نعيش حالة من الوهم المزدوج ،وهم أصفر منبعه صحافة صفراء تقوم على القدح والذم. و تفتقر إلى الصدقية، والدقة، وتميل إلى التهويش والتهويل والمبالغة، وتعتمد على الإشاعات أو الإخبار الكاذبة أو المحرفة أو المصنوعة ! وهي تسعى اليوم إلى إيجاد موطئ قدم لها في الوسائل المرئية والمسموعة بعد أن ضمنته في الصحافة المكتوبة ووهم وردي صادق بتصور البعض أن ما تقدمه هذه الصحافة الصفراء المخالف لأخلاقيات مهنة الصحافة وللقانون هو فعلا صحافة حرة مستقلة تلبية لرغبات صادقة تتأجج داخلهم في أن يكون لنا صحافة حرة ومستقلة فعلا تكرس سلطة رابعة حقيقية وهو مطمحنا ونبراسنا جميعا ،لا أن تعوض لنا السلطة المشهد الإعلامي المغلق الآحادي في القطر بمشهد إعلامي أصفر ينطلي على البعض ويجعلهم يعشون وهما كاذبا أصفرا، ونكون بذلك كمن يستعين بالرمضاء على النار وكأن الإعلام الأصفرضريبة الإعلام الحر المستقل والتعددي يجب أن يدفعها شعبنا الذي هو جدير فعلا بمشهد إعلامي حر تعددي مستقل ومسؤول فلا إعلام منغلق أحادي ولا إعلام أصفر .