قبلي : اعتمادات لانجاز تدخلات تحسين السكن ب5 بلديات    الكويت.. التحقيقات الأولية بحريق مبنى العمال تكشف تفاصيل صادمة (فيديو)    عاجل/ اندلاع حريق بمركز لاختبارات البكالوريا    وزير الداخلية يؤدي زيارة إلى ليبيا    زغوان: تركيز نقطة بيع الأضاحي من المنتج إلى المستهلك    اكثر من 90 ألف مهندس غادروا تونس!!..    وزارة الدفاع: الحالات التي يُستثنى منها الشاب من الخدمة العسكرية    سجائر فاسدة و'' بالدود ''معدّة للتونسيين ... وكالة التبغ و الوقيد توضّح    كأس أوروبا 2024 : موعد المباراة الافتتاحية والقنوات الناقلة    السجن 10 سنوات ضد موظف بقباضة إختلس أموالا    الحماية المدنية 8 وفيات و350 مصابا في يوم واحد    مجلس النواب يشرع في مناقشة مشروع اتفاقية قرض لفائدة النقل الحديدي للفسفاط    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات اليوم من الجولة الثالثة للدور نصف النهائي    الترجي الرياضي: إستئناف التحضيرات .. وعودة جماعية للدوليين    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة الدربي    ماهي استعدادات وزارة السياحة للموسم السياحي 2024 ؟    قابس: اجماع على ضرورة تطوير نشاط الميناء التجاري    يتعمّدون دهسه بشاحنة لافتكاك أغراضه.. ثم يلوذون بالفرار!!    نابل: تسجيل 34 حالة غش منذ بداية امتحانات الباكالوريا    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    تونس عاصمة التكامل الاقتصادي الأفريقي    للقضاء على الناموس: وزيرة البيئة تحذّر من استعمال المبيدات وتقدّم بدائل طبيعية    أسعار الخضر والغلال بسوق الجملة بئر القصعة    تبدأ غداً : تغييرات مناخية غير مألوفة...ما القصة ؟    عاجل/ تعزيزات أمنية في سوسة.. وهذا سببها    سوسة: الاحتفاظ ب 5 أشخاص من أجل تدليس العملة الورقية الرائجة قانونا    خلال 10 أيام : تسجيل 6 حالات غرق في عدد من الشواطئ التونسية    تفاصيل بيع تذاكر مباراة الملعب التونسي والنادي الإفريقي    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    تونس: ''أمير'' الطفل المعجزة...خُلق ليتكلّم الإنقليزية    بداية من اليوم : فيلم الاثارة والتشويق''موش في ثنيتي'' في القاعات التونسية    83% من التونسيين لديهم ''خمول بدني'' وهو رابع سبب للوفاة في العالم    بالفيديو: ذاكر لهذيب وسليم طمبورة يُقدّمان الحلول لمكافحة التدخين    رئيس الجامعة التونسية للمطاعم السياحية...هذه مقترحاتنا لتطوير السياحة    عاجل/ الكشف عن سبب اندلاع حريق منتزه النحلي    طقس الاربعاء: خلايا رعدية محلية مصحوبة ببعض الأمطار    83 بالمائة من التونسيين لديهم خمول بدني    عاجل/ إطلاق اكثر من 100 صاروخ من لبنان باتجاه الأراضي المحتلة    وصول أكبر حاجة إلى السعودية لأداء مناسك الحج عن عمر 130 عاما    التعددية الاقتصادية وتنويع الشراكات ..هل تستفيد تونس من التنافس «بين الشرق والغرب»؟    شيرين عبد الوهاب تعلن خطوبتها… و حسام حبيب على الخطّ    خبير مالي: هذه أسباب إرتفاع نسبة الفائدة في تونس    مؤشر توننداكس يبدأ الأسبوع ب 9652.65 نقطة    زلزال قوي يهز كوريا الجنوبية    اليوم انعقاد منتدى تونس للاستثمار: التفاصيل    علي مرابط يشرف على إطلاق البوابة الوطنية الجديدة للتلقيح    حي الزهور: وزير الصحة يشرف على إطلاق البوابة الوطنية الجديدة للتلقيح    أنس جابر تتأهّل الى ثمن نهائي دورة نوتنغهام    وفاة الطفل ''يحيى'' أصغر حاجّ بالأراضي المقدّسة    وزارة الصحة: جلسة عمل لختم وتقييم البرنامج التكويني لتنفيذ السياسة الوطنية للصحة في أفق 2035    ديوان الإفتاء: مواطنة أوروبية تُعلن إسلامها    تصفيات كأس العالم 2026: غانا تفوز على أفريقيا الوسطى وموزمبيق تتغلب على غينيا    تألق في المسابقة الوطنية «التدخين يسبب أضرارا» يزيد الرقيق يحرز جائزة وطنية ويحلم بالعالمية !    "احمدي ربك".. رد مثير من مستشارة أسرية سعودية لامرأة ضبطت زوجها يخونها مع 6 نساء!    دار الافتاء المصرية : رأس الأضحية لا تقسم ولا تباع    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    موعد عيد الاضحى: 9 دول تخالف السعودية..!!    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توفيق الشاوي مجاهد متعدد المواهب :د. عصام العريان
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 04 - 2009

رحمك الله يا دكتور توفيق رحمةً واسعة، وأسكنك فسيح الجنات، وغفر لنا تقصيرنا في حقوقك.
لقد أقعده المرض سنوات طوال قاربت العشر، وكان آخر أشقائه رحيلاً في هذه الدنيا الفانية ولم يترك إلا د. كريمة، ولكنه ترك تراثاً هائلاً من الجهاد والعلم والخير الذي نسأل الله تعالي أن يجعله في ميزان حسناته، وأن يؤنس به وحشته في قبره وأن يخفف عنه بذلك العمل الصالح الحساب ويثقِّل له به الميزان، إنه حسيبه وهو الذي يتقبل عباده الصالحين.
رحل الدكتور توفيق الشاوي عن عمر فوق التسعين عاماً حيث ولد 1918م لم يعرف خلالها الكسل ولا القعود، وتعرض فيه لآلام المرض وقسوة الغربة وجحود الوطن وشدة التعذيب في غياهب السجون.
كان الشاوي أستاذاً في القانون الجنائي بجامعة القاهرة وعضواً بالهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين ومسئولاً عن الاتصالات الخارجية بشمال إفريقيا عندما أُلقي القبض عليه في محنة 1954، وتعرض لتعذيب شديد، يقول إخوانه الذين عاصروا تلك الفترة أنه تحوَّل إلي كتلة من اللحم والدم المختلطة نتيجة التعذيب الشديد أثناء التحقيقات وفي فترات المعيشة العادية في العنابر بسبب أنه متميز ودكتور في القانون!
خرج الشاوي من السجن بطلب شخصي من الزعيم الجزائري الشاب «أحمد بن بيللا» ليكون عوناً لجبهة التحرير الجزائرية في جهادها لتحرير الجزائر؛ ولذلك قصة حكاها لي د سيد دسوقي حيث طلب حسن البنا من الشاوي تغيير مكان البعثة العلمية من أمريكا إلي فرنسا ليكون قريباً من الطلاب المغاربة والجزائريين ويرعاهم ويوجههم في جهادهم.
توجه الشاوي إلي المغرب ليدرس في جامعاتها ويشارك قيادة الجبهة في رسم سياستها، وبعد الاستقلال رحل إلي الجزائر مع المنتصرين وكان معهم حتي تم اغتيال محمد خيضر ودب الخلاف فرحل بدعوة من د أحمد زكي يماني إلي السعودية ليصبح مستشارا لوزارة البترول ويؤسس مع الأمير محمد الفيصل سلسلة مدارس المنارات.
لم ينس الدكتور تخصصه فألف في الفقه الجنائي وقرر في نهاية حياته أن يشرح كشتاب الشهيد عبد القادر عودة «التشريع الجنائي في الإسلام» ولكن لم يسعفه المرض
ورحل الدكتور توفيق وهو لم يكمل إلا جزءاً أو جزأين من الموسوعة وكان يتمني أن يكمله ولعل تلاميذه الأوفياء يقومون بهذه المهمة حتي تستقر روحه التي لم تهدأ طوال تسعين سنة إلا في سنوات المرض الطويل.
رحل الدكتور توفيق الشاوي عن دنيانا الفانية يوم الأربعاء 8/4، وكانت زياراتنا إليه في بيته بالمعادي قد تباعدت نظراً لتقصيرنا ومشاغلنا إلا فضيلة المرشد محمد مهدي عاكف الذي لم يتوقف عن زيارته رغم ما يصيبه من ألم نفسي شديد بسبب الحالة المقعدة للفقيد الراحل.
مواهب الدكتور الشاوي متعددة فقد عمل في مجالات متنوعة لا يستطيع الوفاء بحقوقها إلا شخصية فذة.
مجال تخصصه الرئيسي كان القانون الجنائي وقام بتدريسه في جامعات عربية وإسلامية من القاهرة إلي المغرب والجزائر والباكستان والشرق الأقصي وله فيه مؤلفات معروفة، وكان آخر اهتماماته أن يخرج موسوعة في الفقة الجنائي الإسلامي بمثابة شرح علي كتاب «عودة».
ومجال جهاده كان في شمال إفريقيا بعد خروجه من سجون العهد الناصري إلي فضاء الحرية وأرض الله الواسعة، لقد اختار دعم الجهاد المغاربي في حين اختار غيره من الإخوان الاتجاه شرقاً للعمل والكسب وتنمية الثروات واختار آخرون الاتجاه شمالاً لاكتساب العلم في مختلف جوانب الحياة واختارت القلة النادرة الاتجاه جنوباً إلي إفريقيا جنوب الصحراء مثل محمد عبد المعطي بهجت رحمه الله الذي استقر في إفريقيا وصدق الله العظيم «واستبقوا الخيرات».
ميدان الجهاد في السعودية كان جهاد العلم والتنمية البشرية، لقد أنشأ الدكتور رحمه الله منارات العلم، مدارس المنارات التي انتشرت في معظم المدن الكبري بالسعودية ثم انتقلت إلي مصر مع قدومه واستقراره بها، ثم أنشأ الدكتور الاتحاد العالمي للمدارس الإسلامية؛ ليكون إطاراً للتنسيق والتدريب والتشاور بين جميع المهتمين بهذا اللون من الجهاد التعليمي لتنشئة الأجيال الشابة، وتخرج من هذه المنارات آلاف الشباب الذين تشرَّبوا بواجب الإسلام وحب الله وحب رسوله صلي الله عليه وسلم علي أساس منهج معتدل وسطي يمزج بين الإسلام والوطنية، بين العلم والتنمية، بين الاعتزاز بالإسلام والتسامح مع الآخرين.
تغيرت الظروف السياسية في مصر بعد تولي السادات وبدأت مرحلة جديدة بدأها السادات بإطلاق سراح آلاف المعتقلين الذين مثَّل الإخوان غالبيتهم وعاد الطير المسافر المهاجر دوماً ليبدأ رحلة جديدة من الجهاد في وطنه، بل ليواصل جهاده الذي لم يتوقف منذ غادر مصر في نهاية الخمسينات.
بدأ الشاوي جهاده بإقامة دعوي قضائية يطالب فيها بعودة الإخوان المسلمين كهيئة اسلامية وجماعة قانونية بوصفه أحد أعضاء آخر هيئة تأسيسية قانونية وكان الدكتور يستحضر في ذاكرته القضية الشهيرة في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات عندما عادت جماعة الإخوان بحكم تاريخي من مجلس الدولة في بداياته الواعدة، ولكن العهد الجمهوري قضي علي آمال الشعب في الاحتماء بمجلس الدولي عندما سخر ونظم عصابة من رجال الثورة للاعتداء علي مفخرة القانون في مصر وأحد أساطينه وكبار رجاله في العالم العربي بل والعالم كله «المرحوم د. عبد الرزاق السنهوري عام 1954»، ويا للمفارقة بعد سنوات طويلة وبعد انفصال بنت السنهوري «نادية» عن زوجها الأول المرحوم د. سعيد النجار أحد أقطاب الليبرالية، تزوجها د. الشاوي، وتعاونا معاً في إصدار صفحات مجهولة ومهجورة كتبها د. السنهوري مع تحقيق وتعليق لها.
ما زالت تلك القضية في أدراج هيئات مجلس الدولة، وقد تحدي الإخوان الحكومة أن تقدم قراراً بحل الإخوان حلاً قانونياً، ولكن القضية في حقيقتها سياسية!
كان الشاوي عليه رحمة الله محل احترام وتقدير كل قيادات الإخوان؛ ولكنه لم ينخرط في التشكيلات التنظيمية القيادية كمكتب الإرشاد، ولكن كل المرشدين بدءاً بالأستاذ عمر التلمساني رحمه الله وغفر له كانوا يقربونه ويستشيرونه ويستنصحونه وعندما تم انتخاب أول مجلس للشوري تم تعيين الدكتور الشاوي عضواً به وكان هذا أول احتكاك لي مع الدكتور في شئون تنظيمية تخص الإخوان المسلمين في ذلك اليوم الذي تم اعتقالي بعده بساعات.
تم في هذا الاجتماع انتخاب مكتب إرشاد جديد والاستماع إلي تعليقات ومناقشات للحضور حول السياسة العامة للإخوان في تلك الظروف بداية عام 1995.
كان لحديث الدكتور طعم مختلف عندما تحدث حيث ركز في كلماته الموجزة علي معني عام جديد علي أسماعنا في ذلك الوقت، وهو ضرورة أن تبقي الجماعة هيئة إسلامية شاملة عامة تهتم بالسياسة ولا تنغمس في النشاط الحزبي أو المنافسات السياسية، وتقوم الجماعة برعاية ودعم كل القوي السياسية التي تستند إلي الإسلام كمرجعية للأمة وتطالب بطبيق الشريعة الإسلامية دون أن تتبني حزباً بعينه أو قوة سياسية معينة.
عندما استحضرت مع أخي د. عبد المنعم أبو الفتوح هذه الذكريات ونحن نعزي بعضنا بعضاً في الفقيد الراحل تذكر أن هذا الرأي قديم منذ عام 1985 أو قبله عندما شرع الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله في كتابه برنامج لحزب «الشوري» وكلف المغفور له بإذن الله الأستاذ صلاح شادي بتلك المهمة كان رأي الدكتور الشاوي وقتها ألا تتحول الجماعة إلي حزب وألا يكون لها حزب سياسي كجناح وأن تبقي علي مسافة واحدة من كل الأحزاب والقوي السياسية ولا تؤيد أيا منها إلا بقدر التزامها بالإسلام كمرجعية وشريعة.
كان الدكتور توفيق الشاوي معلما لأجيال في مجال العمل السياسي، وخبيرا بتوجهات القوي العظمي بحكم تجربته الطويلة وقرَّبه من صانعي القرار في أكثر من بلد وثقافته الواسعة وإلمامه بعدة لغات أجنبية وقد كتب كتابا شهيرا تعليقا علي كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند الشهير(لعبة الأمم) باسم د محمد صادق.
كان المرحوم الشاوي يريد أن تبقي الجماعة ملكاً لكل الأمة الإسلامية، وكانت مقاربته هي التمييز بين ما هو دعوي وما هو حزبي وليس كما يتردد الآن التمييز بين ما هو دعوي وما هو سياسي لأن الجماعة لا يمكن أن تتخلي عن جزء من الإسلام والسياسة هي جزء من الإسلام، وعلي الإخوان أن يهتموا بالسياسة ويعملوا بها لكن ليس في مجال التنافس الحزبي ولكن في مجال المواقف السياسية، وهو مع ذلك يؤيد التعددية الحزبية والنظام النيابي وقد فصَّل ذلك في كتابه المهم «فقه الشوري والاستشارة ».
13/04/2009
الدستور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.