قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الإسلاموية : الجزء الخامس : الاستاذ حسن الطرابلسي
نشر في الفجر نيوز يوم 01 - 05 - 2009


للإطلاع على باقي مقالات الكاتب حسن الطرابلسي
التجربة المغربية : من رفض الهيمنة المطلقة إلى الإندماج الكلي
دراسة الإسلاموية في المغرب تنقلنا إلى تجربة لها مميزاتها الخاصة في مستوى علاقة الدولة بالإسلام وفي مستوى تطور الحركة والخطاب الإسلامي عموما.
ولقد اتسمت علاقة السلطة بالتيار الإسلامي في المغرب بشيئ من الهدوء النسبي الذي يعود إلى جملة من الأسباب أهمّها:
ساهمت الوحدة المذهبية والعقائدية في المغرب في تجنيب البلاد شرّ المشاحنات والخلافات المذهبية التي عاشها المشرق العربي، فمنذ القرن الخامس والسادس الهجريين ساد في المغرب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية بشكل نهائي، ولم تقدر المؤثرات الفكرية والمذهبية الوافدة أن تغيير من هذا الوضع.
منذ ابن رشد (11261198)، الفيلسوف الأندلسي، والذي كان له جهود في دولة الموحدين، حيث تشير بعض المصادر إلى أنه أعد للموحدين برنامجا تربويا في المغرب، ساد فكر مفاده الربط بين الحكمة والشريعة كما اعتمد ابن رشد في كتبه العقائدية مبدأ المقاصد الذي حوله الإمام الشاطبي إلى نظرية متكاملة في الفقه الإسلامي. وقد تابع علال الفاسي (13281394 ه/19101974م) نفس هذا المنهج المقاصدي فكرا وممارسة.
لم تقم الملكية المغربية على أساس التعارض مع الدين، كما هو الحال في تونس مثلا ، حيث نشأت الجمهورية على أساس فصل الدين عن الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية، أو على سيطرة الجيش على مواقع القرار وتبني الخيار الإشتراكي، كما رأينا في الجزائر، وإنما سلكت المملكة منذ اتفاقية أيكس ليبان في غشط/مارس 1955 سياسة تصالحية مع الدين، وإن كانت لا تخلوا من شيء من المظهرية، ولكنها في عمومها لا تعارض الدين الإسلامي في أساسه، لذلك سمحت بشيء من الحرية لمؤسسات المجتمع الأهلي الذي وجد له متنفسا نسبيا.
لئن تأثرت الصحوة المعاصرة في بدايات تكوينها بفكر الإخوان، كما يقول محمد زحل1، إلا أن التيار الإسلامي استطاع أن يستقل بعد ذلك بتجربته الإحيائية الفريدة وأدمج هذا "الوافد المشرقي" ضمن خصوصية التجربة المغربية في بعدها الفقهي والعقدي والسياسي. فالمفكر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري يعتبر أن الأفكار والدعوات الوافدة من المشرق ما إن تستوطن المغرب حتى " تنزع عنها لباسها الخلافي المشرقي لتتكيف مع ظروف المغرب" كما يقرر أن آراء زعماء الإصلاح عبده والأفغاني تقرأ جنبا إلى جنب مع آراء الزعماء الوطنيين والدعاة النهضويين في مصر وسوريا والعراق أمثال سعد زغلول ومصطفى كامل والكواكبي ألخ2... وفي هذا المستوى تلتقي التجربة التجديدية الإسلامية في المغرب مع شقيقتها في تونس إذ كان ينظر إلى الوافد المشرقي باعتباره جزء متكاملا لعملية الإحياء الإسلامي كما يشير إلى ذلك الشيخ راشد الغنوشي في كتاباته ومذكراته3.
المثقف المغربي، الإسلامي وغير الإسلامي، أكثر عضوية منه في تونس وأكثر تصالحا مع الهوية ، فلم تشهد المملكة تطرّفا علمانيا ولا يساريا كما هو الحال في تونس. فللنخب المثقفّة المغربية دور مهم في تطور الوعي السياسي المغربي، وهنا نذكر أمثلة أهمها الدكتور محمد عابد الجابري الذي بدأ منذ بداية الثمانينات في تأسيس مشروع نقد العقل العربي، وتجاوز إشعاعه المغرب، إضافة إلى جهد المفكر محمد عزيز الحبابي وبحوثه في الشخصانية الإسلامية، وغيرهما كثير، وهو ما لم يتوفر في الجزائر، إذا استثنينا مالك بن نبي الذي لم يوثر فكره، مع الأسف، بالشكل الكافي على المثقف الجزائري. كما لم يتوفر في تونس إذ بقي الجهد التنظيري الإسلامي مقتصرا في غالبه على حركة النهضة، أساسا في فكر الشيخ راشد الغنوشي والدكتور عبد المجيد النجار، ولم تشارك النخب الجامعية المستقلة بشكل فعلي إلا في عشرية الثمانينات مع الدكتور هشام شعيط وخاصة في التسعينات مع الدكتور أبو يعرب المرزوقي.
أدت هذه الجهود، في المغرب، إلى ترسيخ ثقافة الحوار، رغم ضيق مجاله، والتي دعمها التيار الإسلامي بدخوله العملية السياسية والمشاركة فيها وتنشيطها ولم يدع إلى النفي والإقصاء وأنما بقي على اتصاله بالحياة السياسية من خلال مراسلات واتصالات مع الملك والحكومة والمعارضة. واستطاع التيار الإسلامي أن يحول دون سيطرة الإسلاموية على الحدث السياسي المغربي لأنه لم يعارض في الخمسين سنة الأخيرة الوحدة المذهبية والعقائدية، إلا في حالات محدودة مع بعض ممثلي التيارات السلفية الجهادية ، كما لم يدعوا إلى تقويض التجربة التاريخية المغربية في بعدها السياسي والثقافي.
ملامح المشهد السياسي والفكري المغربي وتصديه للإسلاموية
حركة العدل والإحسان
حركة العدل والإحسان هي أهم الفاعلين داخل المشهد السياسي الإسلامي المغربي فهي أكبر التنظيمات الشعبية تنظميا وسياسيا، وتمثلها "الدائرة السياسية" في الفعل السياسي.
فحركة العدل والإحسان التي لا تزال تعاني من الحظر والمنع وخضع زعيمها الشيخ عبد السلام ياسين لفترات طويلة إلى الإقامة الجبرية تعتبر أكثر الأحزاب انتشارا ورواجا بين الشباب وهي ولئن كانت ذات بعد صوفي إلا أنها تهتم بالعمل السياسي مع تركيزها على تربية الأفراد ، كما أنها تعارض النظام وترفض المشاركة في الإنتخابات حتى تتوفر شروط المشاركة من ديمقراطية حقيقية وانتخابات نزيهة. وتأكد جماعة العدل والإحسان دائما نبذها للعنف وتدين الإرهاب بكلّ أشكاله، إن كان من طرف السلطات أو من طرف التيارات والجماعات المتطرفة، ولم تستطع السلطات من خلال مكافحتها للتيّارات المتشدّدة أن تجد أي رابط بين الجماعة والهجمات الإنتحارية التي عرفتها بعض المدن خلال السنوات الماضية.
وعن الأسباب التي أدت إلى رفع الجماعة لشعار "العدل والإحسان" يقول مرشد الجماعة في تصريح له لصحيفة المنقذ الجزائرية: "هاتان الكلمتان وردتا في القرآن الكريم (إِنَّ الله يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) فالعدل مطلب شعبي وأمر إلهي، فلذا وجب أن يتحقق في جميع نواحي الحياة. والإحسان برنامج تربوي يعتني بالفرد والجماعة، وبهذا نكون قد جمعنا بين وظيفتين: وظيفة الدولة ووظيفة الدعوة. وتشير أدبيات الحركة إلى أن المجتمعات الإسلامية تعيش حالة فتنة وهذا المصطلح، عند الحركة، يتضمن أبعادا لأنه يشمل معاني التخلف والأزمة وعدم الإستقرار كما يتضمّن معاني الإبتلاء والإمتحان والإختبار، ويترتّب على هذا الوصف عند العدل والإحسان أن الأمة لا تعدم من الخير لأن الفتنة هي "اختلاط الحق بالباطل ولهذا وجب الرفق بالأمة وبالتالي الدعوة إلى نبذ العنف" وهكذا نجد أن أدبيات الحركة ساهمت بشكل كبير في تحييد الدولة عن الإسلاموية وجنبتها عن طريق ما أطلقت عليه "مبدأ الرفق" العنف رغم أنها تقف موقفا نقديا من المشهد السياسي وهو ما نرى ضرورة تطويره إلى مشاركة أكثر .
والجماعة التي تأسست منتصف السبعينات اعتقل مرشدها ومؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين في عهد الملك الراحل الملك الحسن الثاني كما وضع طوال عقد تسعينات القرن الماضي تحت الاقامة الاجبارية التي رفعت بعيد وصول الملك محمد السادس للعرش، ولياسين مراسلات شهيرة للملك الحسن الثاني هي “الاسلام أو الطوفان” التي وجهها للملك الحسن الثاني واتهمه هذا الاخير بالجنون ووضعه بمستشفى للامراض العقلية والثانية هي “رسالة القرن: الملكية في ميزان الإسلام”، ومذكرة “الى من يهمّه الأمر” وموجهة للملك محمد السادس نهاية 2000 يدعوه فيها الى التخلي عن نهج والده والعدل والابتعاد عن الفساد.
وقد أثارت تصريحات عديدة لكريمته نادية ياسين، وهي من الأعضاء الناشطين بالجماعة، قلقا لدى السلطات خاصّة تصريحها بأنّ النظام الجمهوري أفضل للمغرب من النظام الملكي لكنها أكدت أن ذلك لا يجب أن يتحقق بالعنف. وقدّمت نادية للمحاكمة التي أجّلت عدة مرّات .
وتتمتع الجماعة بقوة تنظيم وبقيادات شابة تؤطر نشاطاتها وبالتالي من المحتمل أن يتولى محمد العبادي تدبير المسألة الدعوية والتربوية ويترك للقياديين الشباب الموجودين في مجلس الإرشاد والمنتمين إلى الدائرة السياسية تدبير شأن الجماعة السياسي.
وهي مقتنعة بالتعامل مع الآخر ولكنها تشترط شروط تلخصها في “نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه” كما تشترط في لمشاركة السياسية توفر جميع الشروط لذلك.
ورغم هذا التوجه المعتدل فإننا نؤكد أن موقف الحركة السلبي من الحياة السياسية في المغرب لا يسمح لها بتنمية أفكارها السياسية ولا يمكن أبناءها من التدرب على الممارسة السياسية التي تقتضي فعلا يوميا واحتكاكا بالقضايا المطروحة، وأما الحالة الإنتظارية "حتى تتوفر شروط المشاركة" فإنها تؤدي إلى نوع من الجمود قد تكون له آثار سلبية في المستقبل ويحد من مرونة أفكارها فيتحاشاها الناخب والمواطن والمثقف المغربي.
حركة التوحيد والإصلاح
إضافة إلى العدل والإحسان يوجد في المغرب حركة التوحيد والإصلاح التي تعد أكثر التيارات الإسلامية انفتاحا على مكوّنات الفضاء السياسي المغربي فهي تعتبر أولا سندا للدولة والملكية إذ بايعت الملك محمد السادس وسارت في ركاب السلطة. كما أنها منفتحة على الأحزاب والتيارات الأخرى، العلمانية ايضا، إذا أنها تنسق معها ، كما أنها تطمح مثل العدل والإحسان إلى وجود رابطة إسلامية تكون بمثابة جبهة إسلامية .
وتنطلق حركة التوحيد والإصلاح من أن " الملكية من مرتكزات النظام المغربي" وأن "المغرب مسلم دولة وشعبا" وتثبت ايضا أن في المجتماعت الإسلامية اليوم "إسلام واستقامة وصلاح والتزام وفيها أيضا كفر وفسوق وجهل وانحلال" وتؤكد الحركة على أنّ "بقاء الإستعداد كبير للإستجابة لجهود الخير المبذولة."
ويعد حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية للحركة، وهو يشارك في الحياة السياسية بحذر ويراقب نفسه بنفسه في هذه المشاركة ، ولذلك فهو يدعم الملكية، ولا يخفي هذا الحزب تأثره بتجربة العدالة والتنمية التركي.
ويوجه بعض المراقبين لهذا الحزب نقدا يتمثل في كونه لا يغامر بالحياة السياسية وإنما يراقب نفسه وهو ما يمنعه من التطوّر كما أن تأثره بحزب العدالة والتنمية التركي لا يرضي أغلب المراقبين الذين يؤكدون على الفروق الكبيرة بين التجربة التركية التي بدأت منذ أكثر من نصف قرن بإصلاحات ديمقراطية وبين التجربة المغربية المرتبطة أساسا بالملك وظهور التيار الإسلامي في شكله الحالي نسبيا متأخر زمنيا عن تركيا.
حزب البديل الحضاري
وأما حزب البديل الحضاري فإنه بعد أن اعترف به سنة 2004 واكتسب الشرعية القانونية سنة 2005 تم حله سنة 2008 واتهم بعلاقته بالإرهاب ويقبع أمينه العام المصطفى المعتصم وناطقه الرسمي الدكتور الأمين الركالة منذ سنة 2008 في السجن.
وتؤكد أدبيات الحزب أنه يدعوا إلى الحوار الإسلامي الإسلامي والإسلامي الوطني ويعتبر المعتصم أن "الحوار واجب الوقت" كما يعتبره "أولوية إسلامية"4
التيار السلفي
التيار السلفي الذي يتزعمه محمد المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة التي أسسها سنة 1976 من أبرز التيارات التي تثير جدلا لأنه من ناحية يبارك النظام ويزكيه ويدعوا أبناؤه إلى الإلتزام بذلك وهو في نفس الوقت يعتبر نفسه ممثل “الإسلام الصافي” !! وهو ما يطرح إشكالية النفي داخل هذا التيار. وتعود جذور هذا التيار المذهبية إلى الفكر النجدي حسب المذهب الحنبلي الذي أسسه محمد بن عبد الوهاب. وهو ما تناولناه في فصل السلفية.
وأهم نقد يوجه إلى هذا التيار هو استهانته بالخصوصية المغربية التي بيناها في هذا البحث من ذلك إعراضه عن المذهب المالكي ورفضه للعقيدة الأشعرية واختلال الأولويات عنده وغلوّه في التحقيقات العقدية.
ولكن الأخطر من هذا كله أنه من رحم هذا التيار المعروف ب"السلفية العلمية" نبع في بداية التسعينات تيار "السلفية الجهادية" التي تعتبر لحد الآن "أطروحة فكرية وموقف سياسي أكثر منها حزبا او تنظيما سياسيا". كما يرى عمر أحرشان5، ولا يزال بالتالي في طور التشكل بحيث لا نستطيع الجزم بشكل نهائي عن مدى علاقته بالقاعدة مثلا أو بالتيارات النافية والفوضوية الإسلاموية، بحيث ان السنوات القادمة هي التي ستكشف لنا ما يخبؤه هذا التيار.
خلاصات ونتائج
وفي العموم فقد كتب للتيار الإسلامي المغربي أن يحقق نجاحات أكبر منه في تونس أو الجزائر كما نجح في أن يحفظ البلاد والعباد من خطر الإرهاب والإسلاموية لأنه اختار في مجمله الحوار ونبذ العنف واعترف بالقوانين الدستورية التي وإن كانت تحد من صلاحياته كثيرا إلا أنه اعتبر هذه الخطوة أسلم للبلاد لأنها تجنّبها خطر الإنزلاق إلى الإسلاموية. وفي هذا المستوى لا نتفق مع الدكتور فيرد الأنصاري الذي يعتبر أن الحركة الإسلامية في المغرب صارت عاجزة عن آداء وظيفتها الحقيقية والقيام برسالتها الربانية.6
والخطر الحقيقي في المغرب يكمن في الجماعات التكفيرية فإنها تكفر الملكية وتدعوا إلى "الجهاد"!؟ ضدها كما تكفّر سائر التيارات الإسلامية وتعتبر نفسها حارسة العقيدة. وهنا مكمن الخطر لأنه في اللحظة التي يعلن تيار أو حزب أمتلاكه للحقيقه فإنه أعلن تبنيه لفكرة النفي والإقصاء الذي يقود إلى الإسلاموية والعنف.
وأما الإختلاف السياسي والفكري فهو لا يمكن أن يكون مدعاة للخوف إذا كان مصحوبا بضوابط تعصمه من التطرف والإسلاموية كما حاولت كلا الحركتين الكبيرتين في المغرب أن تنتهجه. فالعدل والإحسان رغم رفضها للهيمنة المطلقة على السلطة وحركة التوحيد التي أندمجت في السلطة حددا أولويات تقوم أساسا على نبذ العنف ورفضه فكرا وممارسة.
ومن أجل صون المغرب من الإسلاموية وجب على التيارين الأساسيين في المغرب، جمعية العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح، أن تعرضا عن عقائد النفي وفلسفات الإقصاء سواء التي يمكن أن يقودها يساريون أو علمانيون حاقدون أو إسلاميون متطرفون.
ولهذا ولإن نجح التيار الإسلامي في أن يحفض الوحدة المذهبية والعقائدية والسياسية في المغرب فإنه يجب عليه أن يبدأ الآن المرحلة الثانية والمتمثلة في صون البلاد من الإرهاب والعنف، سواء من الدولة أو من اليساريين والعلمانيين الحاقدين أو من المتطرفين الإسلاميين، حتى تتجنب المملكة حالة تجفيف ينابيع التدين كما هو الحال في تونس أو تصادم خيار الجماهير وتدخل في حرب أهلية كما كان في الجزائر.
كما أن الأمل يحدونا أن لا يتحول الإختلاف بين الحركتين المركزيتين في المغرب إلى خلاف ثم صراع من أجل مكاسب سياسية أو من أجل الفوز بعدد أكبر من الأنصار والأتباع. ونتمنى أن نرى من جديد بيانات مشتركة بين التيارين في عدد من القضايا ذات الإهتمام المشترك.
وهكذا فإن التجربة المغربية التي غلب عليها الوعي الأصيل والفهم الوسطي إجمالا، سواء لدى النخب الحاكمة التي فسحت بمجال لا بأس به من الحرية والتعدد، أو لدى النخب الإسلامية وغير الإسلامية التي أوجدت نوعا من الحوار الثقافي والسياسي النموذجي كان له حضوره ليس فقط في منطقة المغرب العربي، وإنما في كل أرجاء الوطن العربي، واستطاع هذا النمط أن يحارب الإسلاموية بشكل كبير، وحتى بعض التفجيرات التي حصلت كانت حالات معزولة لم تكن لها علاقة بالفضاء السياسي المغربي، بل سرعان ما تمت محاصرتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.