كاتب فلسطيني منذ انتشار الوعي الإسلامي في فلسطين واستعادة الشعب الفلسطيني هويته الحضارية الإسلامية الأصيلة, ومن ثم التغلب على الحصار الفكري و التشويه الإعلامي والسياسي الذي فرضته القوى المعادية للإسلام عامة واليسار الفلسطيني خاصة على العمل الإسلامي من خلال التشويش والاتهام بالعمالة للغرب أو إطلاق تهم الرجعية والظلامية وغيرها من المصطلحات اليسارية التي كان يرددها أصحاب الفكر الماركسي ويروجون لها في قوالب جاهزة ومعلبة ومصنَّعة في الدوائر المعادية للأمة و الهادفة لفرض الفكر والثقافة الغربية المتصهينة وبغلاف الحداثة, ودون النظر في عدم ملائمة الفكر الماركسي لواقعنا العربي الإسلامي وطبيعة قضيتنا المقدسة, ولكن الضحالة الفكرية والاستلاب الثقافي وضعت هؤلاء في حالة من الانبهار بالنتاج الفكري الغربي وإفرازاته . ولا ننكر أن الخذلان والانتكاسات التي مرت بها أمتنا في ظروف نأت فيها النخب الفكرية الإسلامية عن الخوض في مجال التجديد و مواكبة الواقع والتقصير في الاجتهاد الفقهي كانت من أهم العوامل التي ساعدت على تجرؤ اليساريين على مهاجمة الإسلام , ويضاف إلى ذلك كله عدم امتلاك أبناء الحركة الإسلامية لأي منبر إعلامي أو وسيلة لإيصال دعوتهم إلى الجماهير في الوقت الذي امتلكت الماركسية الدعم الإعلامي والمؤسسات و وسائل الإعلام و التمويل المالي اللازم لنشر أفكارها . إن الأسباب الكامنة وراء تقهقر اليسار الفلسطيني عديدة ومتنوعة الدوافع وربما كان أولها الطروحات والتنظيرات السياسية و الفكرية العدمية المعادية للقضية الفلسطينية والمنسجمة مع أفكار الحركة الصهيونية , لقد استهلّت قوى اليسار نشاطها على يد مجموعة كبيرة من اليهود الصهاينة المستوطنين (حاييم أورباخ المستوطن اليهودي الذي أسس الحزب الشيوعي الفلسطيني 1919 ) من أجل تشجيع الاستيطان اليهودي لفلسطين , ويقول احد قادة هذا الحزب وهو اليهودي الماركسي الصهيوني "ماير زون" (أنه من دعاة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ولكنه يعتقد أنَّ "الصهيونية البروليتارية" أي إقامة دولة اشتراكية يهودية في فلسطين لا يتعارض مع مصالح الكادحين العرب) ,ولعل ذلك يجعلنا في وفاق مع الحقيقة عندما نقرر أن الماركسية هي الخادم الوفي للصهيونية دون أدنى شك . ولا يمكن بحال من الأحوال تناسي انخراط اليساريين الفلسطينيين في أجندات خارجية تتصادم مع الحركة الجهادية الفلسطينية التي قادها الحاج أمين الحسيني و الشيخ عز الدين القسام ذلك بسبب موقفهما ضد الاحتلال البريطاني, لأن بريطانيا كانت حليفة الإتحاد السوفياتي في مواجهة ألمانيا النازية وعليه فإن وجهة نظر اليسار كانت مناصرة لبريطانيا لمصلحة السوفيات, ولهذا فإن مصالح سادتهم السوفيات لها الأولوية على مصالح فلسطين وشعبها . ولكن المفاجأة التي لم يحسب لها اليسار و الصهاينة والأنظمة العربية المتخاذلة بل وحتى الحركات الإسلامية في العالم العربي هي ذلك الانبثاق العظيم للحركة الإسلامية الفلسطينية التي تمكنت من إيقاف النزيف الذي خلفته سياسات أزلام السلطة وقطعان اللصوص الأوسلويين ومعهم منافقو اليسار الخائب , وتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أسس القضية الفلسطينية, وقد لا يبدو مستغرباً ذلك الحلف الذي أقامه اليسار مع سلطة أوسلو وجواسيسها وها نحن نرى قيادات اليسار تصول وتجول برفقة محمود عباس على عواصم كانت قبل سنوات قليلة تعتبر عواصم للرجعية العربية و يتم استقبال أركان اليسار في تلك العواصم بالحفاوة. ومن المضحكات أن يقوم نايف حواتمة بتأليف خطابات المديح و الإشادة والإطراء بالنظام الحاكم المتحالف مع الرأسمالية الأمريكية في مصر, أو أن يكون ملوح أو تيسير خالد أعضاء في وفد السلطة في مواجهة وفد حماس, أو أن تسير مظاهرة عمالية في غزة لتشتم أنزه رئيس وزراء عرفه التاريخ وهو اسماعيل هنية ولا بأس من إضافة بعض التمويه وقول يا عباس ويا هنية لكي يبدو المشهد أقل بشاعة و أكثر حيادية , مع أن الجميع يعلم بأنه لا يوجد لهنية أي إبن برجوازي رأسمالي يماثل ياسر أو طارق أبناء عباس وأن أي من قياديي حماس لا يعيش حياة البذخ التي يعيشها ياسر عبد ربه أو حواتمة أو ملوح . وعندما تشكلت حكومة حماس الأولى قامت حماس بدعوة فصائل اليسار للمشاركة فيها , لكن أغلبية هذه القوى اليسارية مثل الشيوعي والجبهة الديمقراطية و الجبهة الشعبية و فدا و حشد اصطفت مع فتح في مقاطعة الحكومة و قد وصلت حدّة الكراهية بهذه القوى إلى درجة تنظيم مسيرات واحتجاجات وإضرابات في قطاع غزة بالتنسيق مع الأوسلويين وضد حكومة المقاومة, وفي الوقت الذي كانت حماس تطالب بإلإفراج عن أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية في صفقة تبادل الأسرى , فإن أزلام الجبهة و بقية فلول اليسار قد اكتظت بهم ردهات قصر المقاطعة في رام الله حيث تحاك هناك المؤامرات الدايتونية الصهيونية ضد المقاومة وحيث تم التخطيط لخطف سعدات من سجنه, وهم في الوقت ذاته أيضاً لا يذروا مؤتمراً لقوى المقاومة إلاّ و يتواجد فيه أزلامهم أيضاً, حتى أن سياسة الأوسلويين في رام الله تعتبر إيران من القوى المعادية بينما يحج قسم من قادة الجبهات إلى طهران لحضور المؤتمرات , إنها شطارة الفهلوة اليسارية والرزق يحب الخفية, و بناءً على ماسبق ربما كان مصطلح (الاستسلامقاومة ) من أنسب العبارات التي يمكن من خلالها توصيف النهج اليساري المنافق . ومع يقين اليسار التام بأن الذي أفشل جميع جولات الحوار الجاري في القاهرة بل و حتى اتفاق مكة هو الطرف الأوسلوي, إلا أن اليسار مازال متمسكاً بمقولات سخيفة تتحدث عن احتكار فتح وحماس للحوار وعن مناشدة الطرفين لإنجاحه مع الأخذ بعين الاعتبار أن يتم تمثيل تنظيماتهم المجهرية أو المايكروية , ودون أن يتطرقوا إلى أن الأسباب الحقيقية لفشل الحوار هو تشبث الفتحاويين بالاعتراف بإسرائيل و شطب المقاومة, ولكن يبدو أن لعبة اليسار أو تلاعبه على حبلي المقاومة و الاستسلام قد زادت من افتضاح أمره و فقدانه أي مصداقية وظهر للشعب الفلسطيني أن هناك بين الحبلين جسراً مشيَّداً من دولارات الجنرال الأمريكي دايتون ومن أموال الخليج وبقية المحسنين, جسراُ يقف عليه اليسار .