الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    السلطات الاسبانية ترفض رسوّ سفينة تحمل أسلحة إلى الكيان الصهيوني    الديبلوماسي عبد الله العبيدي يعلق على تحفظ تونس خلال القمة العربية    يوميات المقاومة .. هجمات مكثفة كبّدت الاحتلال خسائر فادحة ...عمليات بطولية للمقاومة    فتحت ضدّه 3 أبحاث تحقيقية .. إيداع المحامي المهدي زقروبة... السجن    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    في ملتقى روسي بصالون الفلاحة بصفاقس ...عرض للقدرات الروسية في مجال الصناعات والمعدات الفلاحية    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    جلسة بين وزير الرياضة ورئيس الهيئة التسييرية للنادي الإفريقي    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    سوسة: الحكم بسجن 50 مهاجرا غير نظامي من افريقيا جنوب الصحراء مدة 8 اشهر نافذة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تأمين الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل بين وزارتي الداخليّة والتربية    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    صفاقس: هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    "فيفا" يقترح فرض عقوبات إلزامية ضد العنصرية تشمل خسارة مباريات    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجاوزة الخلاف الطائفي طريق التوحد على الأهداف:الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد
نشر في الفجر نيوز يوم 29 - 01 - 2008


مجاوزة الخلاف الطائفي طريق التوحد على الأهداف

الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد
يتبين مما توفر من تجارب صعوبة التقريب كما التصحيح، عمليا لا مبدئيا، والمقترح الواقعي هو ترك كل هذا الركام التاريخي لأصحابه يعالجونه على مهل اكاديميا لا سياسيا، مما قد يستلزم قرونا، والخلوص الى بناء فكرة عملية براغماتيه، لكنها تتوافق مع الروح الوحدوية الصارمة لدين الاسلام، رجوعا الى أصل اللاطائفية الأصيل وهو التوحد على المشترك الجوهري من جهة، والاشتغال بالقضايا والتحديات والاهداف والمصالح المشتركة الموحدة لنا كأمة واحدة من جهة اخرى.
الاشتغال بالبناء
إن الجوهر الموحد واضح كوضوح الشمس التى لا ينكر ضوئها إلا من رمد، وهو أننا امة الرب الواحد والكتاب الواحد والنبي الواحد والقبلة والواحدة والأركان الخمسة المتفق عليها والمبادئ الأخلاقية العليا المجمع عليها، فماذا بعد؟!
يبقى تدريب النفس والعقل على قواعد تفكير وادراك وتوجه، تمكن من الاجتماع على الجوهر، سعيا إلى الأهداف المشتركة والمصير المشترك في مواجهة العدو المشترك، بعيدا عن تضخيم التافه وتتفيه الضخم، وقلب الموازين والأولويات.
من أهم هذه القواعد ما سماه أحد كبار علماء هذه الأمة، وأحد عظام دعاة الوحدة فيها، فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي ب'' الاشتغال بالبناء والعمل، لا بالتكلف والجدل'' وجعله تاسع أصل من عشرة أصول هي قوام رؤيته للتعامل مع التمذهب والاختلاف والمدخل إلى تحديده موقفا من التراث، في كتاب خصصه لهذا الموضوع حصرا. يقول القرضاوي:'' قال حسن البنا: ''وكل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا، ومن ذلك: كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضل صحبته، وجزاء نيته، وفي التأول مندوحة''
لقد كان حسن البنا شخصية إيجابية، وكذلك أراد لأنصاره. ولهذا وجههم إلى العطاء والعمل لا إلى المراء والجدل، ورباهم على الإيجابية لا السلبية، حتى لا يدخلوا تحت من ذمهم الله تعالى بقوله:''يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون''. (..) وكان دائم التحذير من الجدل العقيم أو السوفسطائي، الذي ليس وراءه بيان الحق، ولا كشف لباطل، أو حل لمشكلة، أو تقارب في المواقف، لكن وراءه إيغار الصدور، وإثارة الفتن، واستمرار الصراع، وكثيرا ما كان الإمام البنا يذكر بالحديث الشريف الذي رواه أبو أمامة عن النبيء صلى الله عليه وسلم ''ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل''
التحذير من الجدل
ومن هنا حذر في هذا الأصل من أصوله العشرين من الخوض في المسائل التي لا ينبني عليها عمل، ولا يترتب عليها أثر إيجابي في دين الإنسان أو دنياه، إلا ما تأكله من أوقات، وما قد تتركه من حزارات، أو تفريق بين الأفراد والجماعات.
(...) وهذا الأصل مقتبس بوضوح وصراحة من (الموافقات) للإمام أبي اسحاق الشاطبي رحمه الله :(كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، واعني بالعمل: عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعا. والدليل على ذلك استقراء الشريعة: فإنا رأينا الشارع يعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به. ففي القرآن الكريم: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)(البقرة) فوقع الجواب بما يتعلق به العمل، إعراضا عما قصده السائل من السؤال عن الهلال: لم يبدو في أول الشهر دقيقا كالخيط ثم يمتلئ حتى يصير بدرا ثم يعود إلى حالته الأولى؟ وقال ابن عباس-في سؤال بني اسرائيل عن صفات البقرة-:لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم. هذا يبين أن سؤالهم لم يكن فيه فائدة).
وتأمل خبر عمر بن الخطاب مع ضبيع في سؤاله الناس عن أشياء من القرآن لا ينبني عليها حكم تكليفي، وتأديب عمر له. وقد سأل ابن الكواء علي بن أبي طالب عن (الذاريات ذروا فالحاملات وقرا) الخ فقال له علي: ويلك ! سل تفقها ولا تسأل تعنتا.
واستشهد القرضاوي ايضا بالشاطبي، في حثه في الموافقات على ترك العلم الفاسد كقوله''إنا لا نسلم ذلك على الاطلاق، وانما فرض الكفاية رد كل فاسد وإبطاله، علم ذلك الفاسد أو جهل، إلا أنه لا بد من علم أنه فاسد. والشرع متكفل بذلك. والبرهان على ذلك أن موسى عليه السلام لم يعلم علم السحر الذي جاء به السحرة، مع أنه بطل على يديه بامر هو أقوى من السحر''.
ويعلق القرضاوي على المشتغلين بسفاسف العلم قائلا: ''وبعض الناس مهووسون بهذا اللون من الاسئلة العقيمة، التي تدل على فراغ العقل، وفراغ النفس، وفراغ الوقت، فمن كان فارغا في هذه الثلاثة بحث عن توافه الامور، وعضل المسائل ليشتغل بها عقله ونفسه ووقته.وهذا لا يليق بشكر نعمة الله تعالى على من عنده فراغ وقت، ولم يستغله فيما ينفعه(..) ومن الأسئلة التي لم اكن أعبأ بها: ما يتعلق بالمفاضلة بين آل البيت والصحابة رضى الله عنهم وما شجر بينهم من خلاف، ونحو ذلك مما لا طائل تحته وقد أفضى الجميع إلى ربهم، وقضى الله ماكان''. من ذلك ''ايهما أفضل عند الله: أبو بكر ام علي؟ وبعضهم يقول: علي أم عثمان؟ ومثل ذلك:أيهما أفضل: فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عائشة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومثل ذلك: المفاضلة بين الأنبياء، مثل إسماعيل واسحاق، أو موسى وعيسى. أسئلة لا يترتب على العلم بها، قوة في دين، ولا نهضة في دنيا، ومن جهل الجواب عنها فلا إثم عليه، ومن كون في كل منها رأيا فهيهات أن يتنازل عنه''. وحسبنا منهج موسى عليه السلام في توجيه أجوبته: ''سأل فرعون سيدنا موسى''قال فمن ربكما ياموسى،قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى،قال فما بال القرون الاولى،قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى''.
ولهذا كان مالك ابن انس، لا يجيب عن هذا النوع من الأسئلة العقيمة: ''وسأل آخر نحو هذا، فلم يجبه، فقال له: لم لا تجيبني يا أبا عبد الله؟ فقال له: لو سألت عما تنتفع به أجبتك!!'' لقد كانوا يدركون جيدا قوله صلى الله عليه وسلم: ''ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها''.
تجنب الأسئلة العقيمة
وقد بين الدكتور يوسف القرضاوي مواضع الأسئلة المذمومة جاعلا من بينها، ما شجر بين الخلف الصالح من خلاف، قائلا:'' قال الشاطبي (والتاسع) السؤال عما شجر بين السلف الصالح، وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال:تلك دماء كف الله عنها يدى. فلا أحب أن يلطخ بها لساني''. وذلك من اصل عشرة مواضع مذمومة. ثم فصل ذلك بقوله: ''المفاضلة بين الصحابة والحديث فيما شجر بينهم: ومما نبه عليه الإمام الشهيد هنا فيما لا ينبنى عليه عمل: المفاضلة بين الصحابة بعضهم بعض، والكلام فيما شجر بينهم من خلاف،مثل ما حدث بين علي رضي الله عنه من جانب، وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم من جانب آخر، وما حدث بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وهي التي سماها من سماها (الفتنة الكبرى) والتي سفك فيها من الدماء ما سفك. لعلها أضعاف ما سفك في الغزوات والسرايا النبوية، والفتوح الإسلامية في عهد الراشدين. ولكن حسبنا هنا أن نقرر أن الله تعالى قد اثنى على الصحابة جميعا، وخصوصا المهاجرين والأنصار، و أهل بيعة الرضوان، كما قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح)
ففي هذه الآية ثناء عاطر على جميع الأصحاب الكرام.
وكذلك في قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (الحديد) وهكذا بعد أن فضل الذين أنفقوا وقاتلوا مع رسول الله قبل الفتح على الذين أنفقوا وقاتلوا بعد الفتح، قال : {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ليشمل الجميع بفضله وكرامته. وقال عز وجل {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة) فاطلق رضاه عن السابقين من المهاجرين والانصار، وقيده فيمن اتبعهم بأن يكون اتباعا بإحسان. وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (لأنفال) وقال تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح) وقال تعالى في عقب غزوة احد :{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران) وقال {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (آل عمران) فهذه الآيات كلها وغيرها تبين فضل الصحابة رضي الله عنهم جميعا وخصوصا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،وأهل بيعة الرضوان، وأهل أحد. كما أثنى(...) عليهم الرسول الكريم في احاديثه التي استفاضت وتكاثرت، في مدح افراد منهم خاصة، وفي مدحهم عامة. من هذه الاحاديث: ''خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم''متفق عليه.
''يأتي زمان تغزو فئام (جماعة كثيرة) من الناس، فيقال: فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم فيفتح عليه. ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال : نعم فيفتح ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب صاحب أصحاب النبيء صلى الله عليه وسلم؟ فيقال نعم فيفتح '' متفق عليه.
لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. وقال لعمر في شأن أهل بدر: وما يدريكم لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. وقال: لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة رواه مسلم .
أما الثناء على الأفراد الكثيرين منهم فشيء يشق حصره، وقد امتلأت به كتب الحديث وخصوصا العشرة المبشرة بالجنة وامثال حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهاجرين وسعد بن معاذ وسعد بن الربيع وأبي كعب ومعاذ ابن جبل وغيرهم من الانصار''.
كما أحسن الشيخ الاستشهاد بالإمام الغزالي في مقولته الرائعة : '' والخطأ في حسن الظن بالمسلم اسلم من الصواب بالطعن فيهم، فلو سكت إنسان مثلا عن لعن ابليس أو لعن ابى جهل او ابى لهب أو من شئت من الأشرار طول عمره، لم يضره السكوت، ولو هفا هفوة بالطعن في مسلم بما هو بريئ عند الله تعالى منه، فقد تعرض للهلاك. بل اكثر ما يعلم في الناس لا يحل النطق به لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة، مع انه إخبار عن ماهو متحقق في المغتاب. فمن يلاحظ هذه الفصول، ولم يكن في طبعه ميل للفضول، آثر ملازمته السكوت وحسن الظن بكافة المسلمين وإطلاق اللسان بالثناء على جميع السلف الصالحين''.
وما بسطه الدكتور القرضاوي في فصل كامل لخصناه فيما سبق، قاعدة تصورية، تتلوها قاعدة عملية، هي تلمس مواطن هذا الجوهر في جهد المسلمين الفكري والشرعي، مما يستصعبه المجادلة، وهو يسير. من ذلك حسم مشكلة الرواية، وما ينتج عنها من مشكلة النصوص، بطريقة عملية، كما فعل محمود البغدادي في جمعه لثقاة الاسلام من الطرفين، صحابة وتابعين، فوجدهم ثمانية وعشرين ثقة ويتحصل مما رووه ورأوه تراث عظيم جامع. وما فعله محمد الباقر في جمعه للرواة المشتركين لدى الفريقين، فوجدهم أربعة وثلاثين من التابعين وتابعيهم يتحصل أيضا عن جهدهم نتاج شرعي موحد. وما فعله الدكتور فاروق حمادة من تتبعه للائمة الأحد عشر للجعفرية في كتب حديث أهل السنة وما وجدهم عليه في هذه الكتب من التزكية والوثوق.

علماء موحدون
ومن كبار علماء الأمة، الذين بذلوا جهدا في عرض المشترك الجوهري في أصول الفقه، الشيخ وهبة الزحيلي، يقول في بحثه تحت عنوان ( الأسس والمصادر الاجتهادية المشتركة):''يتبين مما تقدم أن هناك جسور التقاء كثيرة بين المذاهب الإسلامية من سنة وشيعة سواء في مجال المصادر أم في مجال التفريعات أو الفروع و التطبيقات الفقهية، مما يدل على وحدة الأمة الإسلامية، وإمكان توحيدها في كل زمان ومكان، ما دام المصدران الأصليان وهما الكتاب والسنة أساس التشريع. والخلاف الفقهي بين هذه المذاهب ليس خلافا جوهريا يمنع من إمكان التلاقي، وإنما هو خلاف في الفروع التي لا تضر، ما دام منشؤها الاجتهاد. والأسس والمصادر الاجتهادية المشتركة كما تقدم كثيرة وواضحة كل ما في الأمر الاختلاف في العناوين والأسماء. أما في الواقع أو النتيجة فالكل يؤيد بعضهم بعضا من حيث لايدري، والعبرة عادة بالنتائج. وقد تبين لدينا أن العقل المصدر الثالث عند الشيعة الإمامية يوازي المقرر عند فقهاء السنة من المصادر التبعية للتشريع التي هي في الواقع قواعد كلية ولا تصلح أدلة مستقلة في مواجهة الكتاب والسنة. ويلاحظ أن بعض المصادر الأصلية والمصادر التبعية قسمان قسم يعتمد على النقل و هو مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والعرف، وقسم يعتمد على العقل وهو القياس والاستحسان والاستصلاح وسد الذرائع والاستصحاب. أما الإجماع فالسابق منه يعتمد على النقل عن المجمعين، والإجماع الذي يراد عقده يعتمد على العقل والنقل معا، لأنه يحتاج إلى معرفة مستند الإجماع، وبذل الجهد في تتبع كل ماله صلة بالمسالة التي يراد الإجماع عليها. ولم أتحدث عن مجال البراءة الأصلية (وهو استواء الفعل والترك في حكم الشريعة) وما قد يلجأ إليه فقها من القرعة والاستخارة، كما لم أتحدث عن الاحتياط الشرعي والعقلي لقلة الكلام والخلاف في شأنهما.
وقد رصد في بحثه القيم نقط الاشتراك الجوهرية في مصادر التشريع الأصليةوهي الإجماع العقل القياس. وفي مصادر التشريع التبعية: وهي الاستحسان الاستصلاح سد الذرائع العرف شرع من قبلنا مذهب الصحابي الاستصحاب.
المقرئ الإدريسي أبو زيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.