اليوم: وزارة التربية وجامعة التعليم الأساسي تمضيان اتفاقا هذه تفاصيله    اليوم: دائرة الاتهام تنظر في تقرير ختم البحث فيما يسمّى بقضيّة التآمر    عاجل/ وزيرة التربية تكشف بشرى سارة وتعلن عن انتدابات جديدة..    وفاة غامضة ثانية لمسؤول كشف العيوب في طائرات 'بوينغ'    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تستأنف الدورة الاستثنائية الطارئة بشأن الشرق الأوسط يوم 10 ماي    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    اتفاقية تمويل    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الأستاذ الجامعي التونسي محمد الحداد : حاوره عبد الله الطحاوي
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 05 - 2009

د. محمد حداد أثناء إجراء الحوارفي هذا الحوار نحاول التعامل مع قضية بالغة الحساسية، وهي قضية الإصلاح الديني، وهل يصلح كتجربة وحالة تاريخية مسيحية أوروبية هل يصلح تعميمها وتدويلها لكل أديان العالم؟...
ضيف الحوار يرى أنه قبل الإجابة يجب أن يكون هناك مجال للبحث المقارن حتى نصل للحقيقة، وبرأيه ينبغي التخلي عن فكرة الاستثناء الإسلامي؛ فهذه المقولة يستعملها الغربيون بطريقة تحقيرية بمعنى الشذوذ ويستخدمها المسلمون بمعنى الخصوصية والتمجيد. ويعتقد أنه إذا أخذنا الأمور بطريقة علمية وإنثروبولوجية لقلنا إن هناك خصوصية في كل الأديان لكن ليس هناك اختلاف جذري.
بالطبع هذه الرؤية محفوفة بالمخاطرة المنهجية الشديدة؛ فهناك الكثير من العقبات التي تعتري طريق الحقيقة، في طليعتها السياقات التاريخية واللاهوتية لكل دين ومفاهيم المقدس فيه، فضلا عن الامتصاصات الجغرافية لكل دين؛ فالمسيحية مسيحيات، والإسلام منساح في مذاهب وفرق في جغرافية غير متناهية.. فماذا ستقدم دارسات مقارنة الأديان لتلك الأديان وتقاليدها الكبرى؟!.
وضيف الحوار هو محمد الحداد، أستاذ جامعي من تونس، تابع الدراسات العليا بفرنسا وحصل على شهادات في الآداب الفرنسية وفي الدراسات العربية والإسلامية وفي الفلسفة وعلى الدكتوراه في موضوع "الإصلاح الديني الإسلامي من خلال نموذج محمد عبده"، وهو يدرس حاليا في الجامعات التونسية وأسس برنامجا لدراسات الأديان ويدير كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان.

* ما المقصود بالإصلاح الديني في علم الديانات المقارنة؟
علم الأديان المقارنة كان يتجه في الغالب إلى دراسة فترات النشأة في الأديان، وبقي هذا الاتجاه هو السائد والطاغي، والآن نحاول فتح مجال جديد في هذا العلم يهتم بدراسة المصائر المختلفة للأديان، خاصة أن كل الأديان واجهت منذ القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر وضعية واحدة، فقد نشأ عالم جديد مختلف عن العالم القديم الذي نشأت فيه الأديان، وتختلف ظروفه عن ظروف نشأتها، وقد ارتطمت جميعها بهذا الوضع الجديد واتجهت بطرق مختلفة إلى إيجاد ملاءمة بينها وبينه.
بالتالي نحن أمام إشكالية كونية لا تهم دينا بعينه لكنها تهم جميع الأديان، وعندما حددت الفترة من القرن السادس عشر إلى التاسع عشر فلأنها بداية العالم الحديث ثم استقراره ثم عولمته، وهذا العالم الحديث لم ينشأ طفرة واحدة، لكن نشأ بطريقة متدرجة إلى أن أصبح كونيا في القرن التاسع عشر.
المشكلة أصبحت تواجه الأديان جميعا، وأنا أعتقد أنه يمكن أن نفتح مجال دراسة مقارنة للإصلاح الديني في كل الأديان، وهذا النوع من الدراسات ما زال في بدايته، ونرجو أن يتقدم ويتطور، وأن يكون الموضوع الإسلامي فيه موضوعا مركزيا وجوهريا لا هامشيا، وأن يشارك الباحثون المسلمون مشاركة جدية وقوية في هذا الاتجاه الجديد.
وأنا حاولت عمل ذلك وبدأته بدراسة مجددة للخطاب الإصلاحي لمحمد عبده، وربما لا يعرف الكثير من المصريين أن أطروحتي هي الأطروحة الثانية في جامعة السوربون بباريس حول محمد عبده، حيث كانت أول أطروحة لعثمان أمين، وقد لخصت أطروحتي ونقلتها إلى اللغة العربية وصدرت سنة 2003 عن دار الطليعة ببيروت.
وعندما بدأت دراسة محمد عبده كنت في نفس الوقت أتابع الأستاذ المشهور محمد أركون وأتابع دروس الأديان المقارنة بالسوربون للأستاذ ميشيل ميسلان، وهذا شخص له دراسات رائدة في الأديان المقارنة وله كتاب "التجربة الإنسانية للإلهي" يعتبر مقدمة ممتازة في الإنثروبولوجيا الدينية، والعنوان الفرعي لهذا الكتاب محاولة إقامة علم إنثروبولوجيا دينية مقارنة وهو من الكتابات التأسيسية، ومن هنا جاءت فكرة تطبيق هذه المناهج في دراسة محمد عبده التي بدأت بمقدمة منهجية بها تفكير لدراسة مقارنة.
ثم قمت بالعديد من المجهودات في هذا المجال آخرها في السنة الماضية عندما نظمت ندوة عنوانها "الأديان والإصلاح الديني" ودعوت إليها مختصين في المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية واليهودية والإسلام السني والشيعي ومختصين في الأديان الآسيوية، وقد طرحت عليهم نفس السؤال: هل توجد فكرة الإصلاح الديني في ديانتك؟ وإذا كانت موجودة فكيف تعرف لنا هذا المفهوم؟ وأنا أعتقد أنه بمزيد من التبحر والتنقيب يمكن أن نصل لتحديد مفهوم علمي موضوعي وكوني للإصلاح الديني ولا يمكن أن أجيبك مباشرة ما هو هذا المفهوم، فلابد من البحث والبحث المقارن للوصول إليه.
اختلاف المفاهيم
* ما الفرق هنا بين التجديد والاجتهاد وفكرة الإصلاح الديني؟
لدينا مشكلة في المصطلحات؛ فمصطلح مثل اجتهاد يستعمل بثلاث طرق مختلفة: فالبعض يستعمل كلمة اجتهاد بالمعنى اللغوي العام أي بذل الجهد في أي سعي كان، والبعض يستعمل كلمة اجتهاد بالمعنى القديم الذي استخدم في أصول الفقه وله ضوابط وشروط قد فصلها العلماء القدامى، والبعض يستعمل كلمة اجتهاد بمعنى الإصلاح الديني والتجديد، فينبغي توضيح أي معنى نريد عند التحدث عن الاجتهاد، فإذا كنا نتحدث عن الاجتهاد كما عرفه علماء أصول الفقه القديم فسيكون هذا المفهوم ضيقا وأنا مع توسيع مفهوم الاجتهاد.
* لماذا أنتم مع توسيع مفهوم الاجتهاد؟
لأن الاجتهاد القديم كان اجتهادا قياسيا يقيس حالة على حالة، ونحن الآن في عالم متغير في أجزاء كبيرة ومتغير تغيرا جذريا عن العالم القديم، والقياس "حالة على حالة" لا يصح إلا إن كانت الحالتان من نفس النوع، فإذا كانت الحالة الثانية مختلفة نوعيا عن الحالة الأولى فإن الاجتهاد القياسي يصبح غير ذي قيمة، والاجتهاد القديم لا يصلح، ونحن نحتاج نوعا جديدا من الاجتهاد، فإذا وسعنا كلمة الاجتهاد يصبح بينها وبين الإصلاح الديني تقارب، فنختار أي الكلمتين بشرط أن يقبل الناس توسيع كلمة اجتهاد.
وإذا أصروا على الاجتهاد بمفهومه القديم عندها ستكون مسألة الإصلاح الديني مختلفة لأن الإصلاح الديني إنما يطرح فقط في العصر الحديث، وفي العصر القديم لم تكن هناك حاجة للإصلاح الديني لأن الدين كان يتطور تطورا طبيعيا في مجتمع لا يتغير تغيرا جذريا ونوعيا.
وإنما تطرح قضية الإصلاح الديني عندما تحدث طفرة كبرى في تطور مجتمع ولهذا برزت حركة الإصلاح الديني في المسيحية في القرن السادس عشر، مع أن كلمة إصلاح كانت موجودة منذ القرون الأولى في المسيحية، لكن الإصلاح الذي حدث في القرن السادس عشر كان مختلفا نوعيا عن الإصلاح الديني قديما، والإصلاح الديني المطلوب اليوم في الإسلام سيكون مختلفا عن الإصلاح الأخلاقي الموجود في بعض الكتب الإسلامية القديمة.
المطلق لا يقبل القسمة
* لكن الدين مطلق يقبل كله أو يترك كله وإذا انجرح بعضه ذهب كله!!
الإصلاح الديني لا يعني إصلاح الأديان، وإنما إصلاح الفكر الديني وتمثل الناس للأديان وتصوراتهم عنه والوظائف التي ستناط به في المجتمع والتي تتغير من عصر إلى عصر، وبالتالي لن نغير الدين.. مثلا المسجد قديما كان مكان العبادة والتعليم ومكان اجتماع الجيش قبل الحروب وتجمع فيه الزكاة وغير ذلك، وفي مجتمعنا الحديث هذا الجمع غير معقول، ونحن لم نعد في دولة المدينة ذات الثلاثة آلاف نسمة.. نحن نحتاج أن يكون المجتمع قائما على مؤسسات: مؤسسة دينية، مؤسسة تعليمية... الخ، كل مؤسسة لها منطقها الخاص وشرعيتها.
* لكن بعيدا عن مصطلحي الاجتهاد والتجديد ذوي الظلال الثقافية الإسلامية يبدو أن الإحياء الديني أكثر عمومية وشراكة مع أديان أخرى.. فما هي الفروق بين إحياء وإحياء؟
هناك وعي ينشأ في فترة معينة عندما تفقد الأفكار والحلول السائدة في عصر معين جدواها، ويؤدي ذلك إلى العودة للأصل، والعودة يمكن أن تتجسم بطريقتين مختلفتين: إما أن نعود إلى الأصل بمعنى أن نبقى في الماضي وهذا هو الفهم الأصولي، أو أننا نعود إلى الأصل ونستلهم المبادئ الكبرى ونطبقها على واقع مختلف، وتعتبر التطبيقات التي حدثت في السابق صالحة في عصرها لكنها لم تعد صالحة لنا، ولم نعد في حاجة للتفاصيل وإنما في حاجة لنستلهم المبادئ الكبرى دون التفاصيل المتراكمة، وفي هذه الحالة تكون العودة إلى الأصل منطلقا للإصلاح وهي عودة لبناء شيء جديد لا عودة للبقاء في أسطورة الأصل.
ومارتن لوثر نفسه لم يكن واعيا بأن حركته تسير في هذا الاتجاه لأنه أراد العودة للنص المقدس، الأمر الذي دفعه للخوض في كثير من النقاشات ليتبين الحدود بين النص الأصلي وبين كل التأويلات التي فرضتها فيما بعد الكنيسة.
إذن هناك فارق بين المنحى الأصولي الذي يعود للأصل لمجرد الأصل ويبقى هناك -مثل الحركة الوهابية- وبين المنحى الإصلاحي الذي يعود للأصل لاستلهام المبادئ الأساسية وإعادة تفعيلها في واقع مختلف عن واقع القرون السابقة.
وهناك اتجاه ثالث هو اتجاه القطيعة القائم على ضرورة أن نقطع تماما مع الماضي وأنا لا أرى أن هذا الأمر ممكن فالفرد من الممكن أن يقطع مع ماضيه أما المجتمع فلا يمكن أن يقطع مع ماضيه.
الإصلاح للجميع
* كيف تقدم "الإصلاح الديني" للأديان كلها كمصطلح نقي يصلح تدويره بنفس الأطر التي صاحبته في الإصلاح الكنسي.. ألا يوجد فروق مثلا بين الإسلام والمسيحية على صعيد المجالات العامة والخاصة؟
كل هذه الأمور تحتاج للبحث بعمق لاسيما مسألة الخاص والعام، وهناك فكرة تقول إن المسيحية قد فرقت بين الخاص والعام والإسلام لم يفرق، لست متأكدا من صحتها لأن مسألة التفريق مسألة حديثة لم تكن مطروحة في السابق، ثم عن أي مسيحية نتحدث؟.. المسيحية البيزنطية مثلا كانت تتميز بتداخل كبير بين المؤسسة الدينية والدولة، وكان الإمبراطور هو المرجع الديني.
وأعتقد بذلك أن هذه الفكرة مبسطة وهي نتيجة نوع من المقارنات المتسرعة وينبغي مراجعة كل هذه الأمور، وقد استعملت ضد الإسلام وما زالت.
وفي كتابي الذي عنونته "ديانة الضمير الفردي" خصصت فصلا للرد على مارسيل غوشيه وهو عالم اجتماع ديني مشهور وقد كتب العديد من الكتب وله نظرية خاصة تقول بأن المسيحية هي الوحيدة التي يمكن أن تحقق الإصلاحي الديني، وأن الإسلام لا يمكنه تحقيق حركة شبيهة لارتباطه من الأصل بالسياسة ولأنه ليس فيه تفريق بين الخاص والعام وبين الضمير الفردي والجماعة وغير ذلك.
وأعتقد أن ما كتبه هو فهم متسرع للمسيحية وللإسلام في نفس الوقت، لأن المسيحية كانت لها مسارات متعددة، والفصل وجد في المسيحية الغربية الأوروبية وليس بالضرورة في كل التجارب المسيحية، فالحركات البروتستانتية الأصولية الموجودة في الولايات المتحدة نرى أن العديد منها قد ساند سياسية عهد بوش الابن وهناك أحزاب دينية يهودية وهي جزء من الحكومات الإسرائيلية.
فكرة تخصيص الإسلام بكونه الدين الوحيد الذي يخلط بين الخاص والعام ينبغي مراجعتها علميا، ففي القديم لم يكن هناك فصل بين الخاص والعام داخل كل المجتمعات لأن المجتمع لم يكن شديد التعقيد وعندما يكون المجتمع قليل التعقيد يكون من الصعب الفصل بين الخاص والعام، ففي القبيلة من الصعب أن تميز بين الخاص والعام وأن تجد قوانين ضابطة ومؤسسات، ولكن في مجتمع يعيش فيه 70 مليون نسمة يصعب ألا تحدد الخاص والعام، فالخاص والعام هو أيضا قضية تاريخية.
وفي الإمبراطورية العثمانية مثلا كان هناك تخصيص بين الخاص والعام وهناك تفريق بين الشريعة والقانون، والإدارة السياسية هي التي تسن القوانين، وكانت توجد نصوص دينية تشريعية وبجانبها نصوص إدارية قائمة بشرعية الدولة وليس بشرعية الدين، فهناك تمييز بين الدين والدولة.
من الظلم أن نقول إن الإسلام لا يفصل بين المجالين، صحيح أن التجربة الإسلامية مختلفة عن التجربة المسيحية ولكن لا يصح القول بأن الإسلام يمثل استثناء، بل الأقرب إلى الصحة أن يكون الوضع المنفرد هو وضع المسيحية الأوروبية.
وفي الديانات العالمية نجد تداخلا كبيرا، فمثلا الديانة الكنفوشيوسية تعتبر الملك شبه إله، فينبغي مراجعة المسلمات ونتائج المقارنات السريعة.
كيف نعرف المقدس
* وكيف ستعرف المقدس وثمة وجهة نظر ترى أن المقدس أو "الحرام" -إن صح- في الإسلام له وضعية خاصة ومفارقة عن غيره من المقدسات، بل وداخل المقدس استثناءات تبيح الخروج عليه عند الضرورة كإباحة القتل في المسجد الحرام؟!
هنا تطرح مشكلة أخرى وهي تعريف المقدس.. كيف سنعرفه؟ هل في الإسلام مقدسات؟: هناك فرق بين المقدس والمحرم يجب أخذه بعين الاعتبار، والاستثناءات موجودة في كل دين، ودائما هناك استثناء في المقدس؛ والمقدس مرتبط بالناس وسلوكهم، وإذا تصرفوا بعكس المفروض فستقع حالات استثناء، ولا أفهم لماذا ترى في المسيحية أن المقدس هو المطلق؟ يجب أن تلاحظ أن هناك فوارق في مستوى التقنين وليس في الجوهر، فمثلا رجل الدين في المسيحية لا يحارب أي لا يحمل السيف لكن يشارك في التحريض على القتال، المسيحية تفرض على رجل الدين المسالمة وأن لا يشارك في العنف لكنها تقر استعمال القوة عند الخطر بمباركة رجال الدين، ترى أن هناك حالات استثنائية مقبولة ومقننة، وكان القديس أوغسطين قد استعمل مفهوم الحرب العادلة وسبق بوش بعدة قرون؛ فليس صحيحا أن المسيحية تجعل الأمور دائما في المطلق فنتيجة ضغط التاريخ وضعت هي أيضا استثناءات.
* وكيف نعرف المقدس بين الإسلام والمسيحية؟
مصطلح المقدس مثل مصطلح الإصلاح الديني أو مصطلح الدين نفسه، لا يمكن تحديد المصطلح في البداية بل يجب توسيع الدراسات المقارنة لنصل لمصطلحات معقولة، أما إذا أردنا أن نضع المصطلح في البداية فإننا سنغلب وجهة نظر تراث ديني معين، وسنقوم بإسقاطه على تقاليد أخرى مثل ما فعله البعض في دراسة الإسلام حيث أخذ المقدس المسيحي وأسقطه على الإسلام.
إذا انطلقنا من مفهوم قد صيغ في إطار تجربة مختلفة فسنجد مشكلة عند تطبيقه على التجربة الإسلامية، فينبغي قلب الوضع وفتح الدراسات المقارنة على كل التجارب الدينية البشرية وخاصة التجربة الإسلامية باعتبارها من التجارب الدينية الكبرى ولا يمكن أن نقوم بدراسات من المسيحية فقط ثم نسقطها على الإسلام أو العكس، ينبغي أن نأخذ التقاليد الكبرى في الأديان وأن ننظر في كل هذه الأمور بطريقة عميقة، ولماذا لا نقارن بين الإسلام والبوذية مثلا؟.. ينبغي ألا يكون دين واحد هو المقياس الذي تقاس عليه الدراسات الأخرى وهذا ما يتم عرضه في بعض الدراسات المقارنة، والمسلمون يقعون في نفس الخطأ عندما يريدون أن ينظروا للآخرين من خلال المنظور الإسلامي.
القراءات النقدية
* لكن الإسلام له تجربة خاصة في قيام قرآنه بقراءات نقدية للأديان السابقة عليه، وقدم مسحا تاريخيا لتجارب الإيمان الكبرى!!
فعلا ما يميز الإسلام أن نصوصه التأسيسية تحتوي على الكثير من ذكر الأديان الأخرى، ولكن هناك جانب هام وهو المعرفة، فهل تطورت معرفة المسلمين بالأديان الأخرى؟.. لا يكفي للإنسان قراءة القرآن الكريم حتى يعرف اليهودية والمسيحية، القرآن يدعو إلى معرفة كل الأديان حتى التي لم تذكر في القرآن، وفي رأيي أن المسلمين قاموا بمجهود كبير لتأسيس علم مقارنة الأديان بطريقة علمية وموضوعية، وأن الكثير من هذا التراث قد ضاع ولدينا منه الشذرات في بعض الكتب التي وصلتنا بما يشبه المعجزة.
أقدم لكم مثالا البيروني في كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، والبيروني كان عالم رياضيات ذهب للهند وتعلم اللغة الهندية وترجم كتابين من الديانة الهندية وظل يراقب الهند لسنوات إلى أن كتب هذا الكتاب وكان هذا كتابا علميا وميدانيا وقد ضاع هذا الكتاب وتم اكتشافه في القرن التاسع عشر، ولم يكن الشهرستاني يعرف الكتاب وقد كتب قبله بقرن، ولم يذكره في كتاب "الملل والنحل" الذي يحتوي فصلا عن الديانة الهندية ليس فيه ذكر لكتاب البيروني والمعلومات التي ذكرها الشهرستاني أكثرها خاطئة لأنه لم يكن مطلعا على البيروني.
* كيف ترى علم مقارنة الأديان ووضعه في العالم العربي والبعض يرى أن ثمة تداخلا بين علم مقارنة الأديان وهجاء الأديان؟
حاليا هذا العلم في العالم العربي ما زال في بداياته وهناك فرق بين طرح علم الأديان المقارن لأسباب علمية معرفية وطرحه كوسيلة للرد أو التبشير، إنه في صيغته العلمية يدرس في الجامعات الكبرى كاختصاص قائم على مناهج دقيقة، وهو كعلم له ضوابطه وحدوده، وحضوره ضعيف في العالم العربي ومنه شذرات في مصر ولبنان ومحاولات في تونس، وما زال مبحثا جديدا وسنغنم الكثير من المعرفة إذا سمحنا له بالانتشار.
الحوار المعرفي
* ما أسباب انخفاض الحوار المعرفي بين الأديان في العالم العربي؟
طرح حوار الأديان بقوة في السنوات الأخيرة وسيكون مآل الأمر أحد شيئين: إما مجرد طفرة من الطفرات التي اشتهرنا بها في العالم العربي، أو يتحقق شيء جديد وإيجابي، لكن ما هو الشيء الذي يمكن أن يتحقق؟.. أعتقد أن الأهم هو دراسة علم الأديان بطريقة موضوعية ومنهجية في الجامعات وفي مجتمعاتنا؛ فكيف ستحاور وأنت لا تعرف الدين الآخر؟ ينبغي أن نبدأ بمعرفة صحيحة لبعضنا البعض لكي يصح الحوار، ولا يمكن أن يتحقق الحوار بدون معرفة وبدون علم، ولا تكفي النوايا الطيبة وإذا كنا متفائلين نقول: سيؤدي الحوار بالناس إلى التعرف بطريقة أعمق على أديان بعضهم البعض.
* لماذا لا يتم إدارة الحوار الديني بين الأديان الأخرى مثل البوذية؟
التوزيع السكاني الآن يفرض أديانا كبرى لا يمكن أن تتجاهل، مثل البوذية والكنفوشيوسية والهندوسية، ويعتنقهما أكثر من مليارين من البشر، وهناك الإسلام والمسيحية طبعا، وهناك اليهودية التي تعتبر من أقدم الأديان، هذه هي الأديان الكبرى وينبغي أن تكون كلها حاضرة عندما نتحدث عن الدين، وإلا فسيحدث إقصاء لجزء كبير من البشرية، وهناك أديان صغيرة مثل ديانة المايا الموجودة بجواتيمالا بأمريكا الجنوبية، وحضارة المايا هي حضارة عريقة وقديمة دمرها الأوروبيون عند اكتشاف أمريكا حيث تقول بعض الدراسات بأن هذه الحضارة بدأت مع الحضارة الفرعونية، الشيء المهم هو أن ديانة المايا كان لها كتاب مقدس أتلفه الأوروبيون مع القضاء على الحضارة وكنائسها ونصوصها وكل شيء منها، واتضح منذ سنوات قليلة أنه وقع الاحتفاظ ببعض من نصوص هذا الكتاب سرا إلى الآن ووقع تداوله سرا منذ 500 سنة وقد طبع منذ عشر سنوات وترجم للغات عديدة واتضح أن هناك أجزاء وقع إضافتها والتصرف فيها وأن هناك أجزاء منه قديمة جدا.
الاعتراف المتبادل
* هل هناك حل لقضية الاعتراف بالأديان لاسيما أن هذا مطلب ملح للمسلمين؟
كمسلمين ليس لدينا مشكلة ونحن نعترف بكل الأديان لكن على الآخرين أن يحلوا مشكلهم، والاعتراف هنا يعني أن أقر بأن دينك موجود وليس أن أقول إنه صحيح أو خطأ، هذا هو الاعتراف، بالنسبة للبروتستانت ليس هناك مشكلة وهم يعترفون بالأديان الأخرى وينقسمون لقسمين، هناك قسم يمثل مجلس الكنائس العالمي البروتستانتي وهناك الحركات الأخرى غير الممثلة وهي في الغالب حركات متطرفة عكس الحركات الأخرى الممثلة في المجلس العالمي والتي تعترف بكل الأديان ومنها الإسلام، بالنسبة للكاثوليكية فقد أعلن مجمع فاتيكان الثاني أنه تقرر الاعتراف بالإسلام واليهودية وأديان أخرى مثل البوذية، وقد فهم البعض محاضرة البابا 2006 أنها تراجع عن اعترافه، والبابا لا يمكن أن يراجع قرارا اتخذه المجمع داخل الأنظمة المسيحية.
* لكن هو اعتراف ناقص أرجعوا فيه الإسلام للإبراهيمية حتى يتفادوا الاعتراف بالنبي محمد؟
هو اعتراف ناقص، يمكن أن تقول ذلك، وكانت هناك نقاشات طويلة في هذا المجال نتيجة وجود فريقين متنافسين، وتم الاعتراف بالشكل الحالي الذي يذكر الإسلام ديانة إبراهيمية، ولكن هذا الاعتراف يمثل بالنسبة للتاريخ المسيحي تقدما، هناك صعوبة في المسيحية أن تعترف بشيء جاء بعد المسيح فإذا جاء المخلص فليس هناك شيء بعده.
* ولماذا لا تكون هناك تعددية في الخلاص؟
سيضطر المسيحيون لمزيد التقدم في هذا الموضوع، لأن المشكلة ليست مع الإسلام فقط لكن مع العديد من الأديان، فإذا أردت الاعتراف بالبوذية ينبغي أن تقول بالتعدد في الخلاص.
وفي الكنيسة الكاثوليكية هناك جدل كبير حول هذا الموضوع، وأعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية ستضطر في يوم من الأيام للاعتراف بمبدأ تعدد الخلاص وتقول إن البوذي يكون خلاصه عن طريق بوذا والمسلم عن طريق القرآن، هذا هو الحل الوحيد الذي يخرجها من المأزق وإذا بقيت في إطار أحادية الخلاص فلن تعترف بأي دين.
والمشكلة الكبيرة هي مع الديانات الآسيوية؛ لأن التبشير المسيحي لم ينجح في البلدان الإسلامية وقد نجح في الهند وأصبح هناك الملايين من المسيحيين ومصير هؤلاء مرتبط بالاعتراف بتعددية الخلاص وإلا فسيصبحون في حالة لا يحسدون عليها وأنت تعرف أن هناك الملايين من المسيحيين وهناك خلافات بينهم وبين الهندوس لعدم اعتراف المسيحيين بهم وأدى الأمر إلى صراعات وقتلى وسيحتد الوضع أكثر وهناك ضغط يمارسه المسيحيون الآسيويون وهم ليسوا بقليلي العدد والنفوذ، ويمارسون ضغطا كبيرا على البابا ليكون له وقفة مع تعددية الخلاص لكي يقف الضغط عليهم.
وقد اعترفت البوذية والهندوسية بكل من الإسلام والمسيحية وتركتا للأخيرة مجال التبشير بداخل أقاليمها وأصبحت المشكلة فيما بعد مشكلة سياسية، والبوذية ليس لها مشكلة لأنها معترفة بتعددية الخلاص من البداية وكذلك الهندوسية تعترف أيضا بالتعددية.
لا يمكن القول لشخص إنه مختص في حوار الأديان ما لم يكن معترفا بكل الأديان، والمشكلة ليست مع المختصين لكن مع المؤسسات الدينية.. الكنيسة الكاثوليكية قامت بجزء من المهمة بالنسبة لتاريخها إذ كانت قبل ذلك ترفض تماما الاعتراف بالإسلام، فبالنسبة للأوضاع السابقة تعتبر خطوة الفاتيكان كبيرة وهامة ونقول لهم ينبغي أن تتبعوا هذه الخطوة بخطوة أخرى أكثر وضوحا.
* كيف ترى تجربة محمد أركون والإصلاح الديني؟
كان أستاذي وأعتقد أنه لم يتعمق كثيرا في موضوع الإصلاح الديني لأنه انطلق يفكر من واقع حرب الاستقلال بالجزائر وعاش الحرب الجزائرية ورأى كيف أصبح الأوروبيون في الخمسينيات والستينيات يشكون في كل معارفهم وفي كل علومهم.
وكان مشروعه يقوم على التالي: إن المسلمين ليس لهم علوم حديثة وسيبدءون في تأسيسها والأوروبيون لديهم علوم حديثة أصبحوا يشكون فيه، فعليهم الاجتماع لإقامة علوم لا تكون أوروبية فقط ولا تكون عربية فقط ولكن علوما تتسع للجميع، هذا هو جوهر مشروعه في الستينيات، وهو مشروع جيد لكنه شديد التفاؤل ولم نعد اليوم في هذا الوضع المتفائل، فالدول العربية التي استقلت في الستينيات والتي كان يؤمل منها أن تطور علومها لم تقم بذلك للأسف، فماذا لدينا نحن الآن لنقدمه؟ ربما برزنا كأشخاص وليس كمؤسسات، ولم يعد الغرب الآن في شك مثل الفترة القديمة، وربما لم يفكر أركون في قضية الإصلاح الديني بنفس الطريقة التي أفكر بها.
لكن هناك الأفكار الأولى التي أطلقها هو وهي أفكار أساسية من الممكن الانطلاق منها وتطويرها، وأولها التخلي عن فكرة الاستثناء الإسلامي فهذه المقولة يستعملها الغربيون بطريقة تحقيرية بمعنى الشذوذ ويستخدمها المسلمون بمعنى الخصوصية والتمجيد، وأعتقد أنه إذا أخذنا الأمور بطريقة علمية وإنثروبولوجية لقلنا إن هناك خصوصية في كل الأديان لكن ليس هناك اختلاف جذري، والإسلام ينبغي أن يكون في الحوار بمعناه العلمي أو بمعناه الحضاري.
مدارك
24-05-2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.