القاهرة: اعتبر خبراء ومحلِّلون سياسيون أن حملة الاعتقالات التي يشنّها النظام المصري ضد جماعة الإخوان المسلمين، بمثابة "رسالة تحذير" و"إنذار"، بخطورة الدور الذي ترغب الجماعة في لعبه على المستوى الإقليمي.وفيما استبعد خبيران ما تردّد عن عرض النظام صفقة سياسية على الجماعة تقضي بالاعتراف بالجماعة والترخيص لها بحزب سياسي، مقابل امتناعها عن الترشح في الانتخابات التشريعية المقررة في أكتوبر 2010، لم يستبعد خبير ثالث الخبر واعتبره "أمرًا واردًا". واتفق الخبراء على أن علاقة النظام بالجماعة مرت بحالات من "المدّ" و"الجزر"، وأنها تباينت بين "الصِّدام" و"الإحتواء"، محذرين الجماعة من تعمد "استفزاز" النظام في هذه المرحلة الحرجة من حياته، والتي يسعى خلالها إلى "تجديد شرعيته" عن طريق الانتخابات التشريعية و"تحسين صورته وعلاقته" مع الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي باراك أوباما، مطالبين الجماعة بإصلاح نفسها وتجديد بنائها، بعدما أصبحت ك "الآلة القديمة" التي "كساها الصَّدأ". وكانت أجهزة الأمن قد شنّت حملة اعتقالات فجر الخميس 13 مايو الجاري، شملت محافظات الإسكندريةوالقاهرةوالجيزةوالغربيةوالشرقيةوالدقهلية، أسفرت عن اعتقال 13 من قيادات الجماعة، على رأسهم الدكتور أسامة نصر، عضو مكتب الإرشاد ورئيس المكتب الإداري لجماعة الإخوان بمحافظة الإسكندرية، إضافة إلى الدكتور حسام أبو بكر والدكتور إبراهيم مصطفى والمهندس هشام صقر (القاهرة) وأشرف عبد السميع والدكتور محمد سعد عليوة (الجيزة) وعلي عبد الفتاح وعصام الحداد (الإسكندرية) ومحمد العزباوي ومحمود البارة (الغربية)، والحسيني محمد الشامي والمهندس حسن شعلان (الدقهلية) والكاتب الإسلامي وليد شلبي (الشرقية). وللوقوف على حملة الاعتقالات الأخيرة، أسبابها ودوافعها وحقيقة ما تردد عن مقاصة سياسية بين الجماعة والنظام، استطلعت سويس إنفو آراء كلٍ من: الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، وخليل العناني، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية بالأهرام، والباحث السابق بمعهد "بروكينغز" للأبحاث – واشنطن، والدكتورة هالة مصطفى، رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية بالأهرام وعضو أمانة "السياسات" بالحزب الوطني الحاكم. المنع والمنح.. حدود وشروط! في البداية، اعتبرت د. هالة أن "السِّمة السائدة في العلاقة بين النظام والإخوان، لا تسير على خط واحد أبدًا، فلا صِدام دائم ولا احتواء دائم، بل إنها تتَّبع قاعدة المزْج بين الصِّدام والإحتواء، لكن بمعايير محدّدة، كما أنها تبدو أحيانا متناقضة. ففيما يشُنّ النظام حملة اعتقالات لقيادات ورموز الجماعة، يدور حديث عن مفاوضات وصفقات ومقاصات سياسية(!)"، مشيرة إلى أن "الحال ظلّ هكذا منذ حل الجماعة عام 1954، وحتى السماح لها (نظريًا) بالعودة للحياة السياسية عام 1974". وفي تصريحات خاصة لسويس إنفو، دلَّلت د. هالة مصطفى على ذلك بدخول الإخوان انتخابات 2005 وحصولهم على 88 مقعدا (20% من مقاعد البرلمان المصري)، رغم عدم وجود غطاء سياسي للجماعة، والنظام كان على عِلم مُسبق بخَوضها للانتخابات"، معتبِرة أن "سياسة المنع والمنح من النظام تُجاه الجماعة، لها حدود وشروط. فقد كان هناك سماح لهم بممارسة الانتخابات، لكن كان هناك سقف لا يجب أن يتعدّوه". مؤيدًا إلى ما ذهبت إليه د. هالة، يوضح د. الشوبكي أن "النظام المصري مع ما يُؤخذ عليه من عشوائية في أشياء كثيرة، فإنه لم يغيِّر موقفه من التعامل مع الإخوان طوال الفترة من (1954 إلى 2009)، وعلى وجه الخصوص خلال عهد الرئيس محمد حسني مبارك (1981- حتى اليوم)، مشيرا إلى أن "موقف النظام من الإخوان ثابت، حيث يَنظر إليها ك (جماعة محظورة) ويتهم أعضاؤها بالانتماء إلى (تنظيم سرّي)، هدفه (قلب نظام الحكم)". إستراتيجية شاملة طويلة المدى! ومن جهته، يعتقد خليل العناني أن "النظام المصري، في تعامله مع الإخوان، يتبع منذ عام 2005 إستراتيجية شاملة طويلة المدى، هدفها الرئيسي إقصاء الإخوان من العملية السياسية"، معتبرا أن "النظام ليس لديه وعْي وإدراك حقيقي بمدى تجذّر الجماعة في المجتمع المصري"، وأنه "مَهما وجّه النظام من ضربات أمنية ودستورية واقتصادية وإعلامية، فلن يتمكن من اقتلاع جذور هذه الجماعة الضّاربة في عُمق المجتمع منذ أكثر من 80 عامًا"، حسب رأيه. ويوضح الباحث خليل العناني في تصريحات خاصة لسويس إنفو أن "هذه الإستراتيجية لها أربعة أذرع رئيسية، هي: 1- الذراع الأمني: بوضع الجماعة وقياداتها تحت الرقابة الأمنية المشددة طوال الوقت والتدخل بشنّ حملات اعتقال نوعية وتوجيه ضربات أمنية متتالية، إذا لزم الأمر، لإضعاف الجماعة وتعويق مسيرتها. 2- الذراع الدستوري: بخوض معركة تعديل الدستور، كلّما لزم الأمر، لوضع العقبات والحيلولة دون خوض الجماعة للانتخابات. 3- الذراع الاقتصادي: بتقليم أظافر الجماعة، ومنع الإمداد والتمويل المادي، الذي يتيح لها استمرار مزاولة أنشطتها، الدعوية والسياسية، من خلال اعتقال عدد من رؤوسها الاقتصادية مثل: المهندس خيرت الشاطر (النائب الثاني للمرشد)، والمهندس مدحت الحداد، وآخرين.... 4- الذراع الإعلامي: لمنع الجماعة من الظهور والانتشار إعلاميًا، وقد تمثل في وقف مجلات "الاعتصام" و"لواء الإسلام"، وصحف "الشعب" و"آفاق عربية"، وعدم السماح لها بإصدار جريدة أو مجلة تعبر عنهم. ويبيِّن العناني أن "مشكلة الجماعة أنها لم تفطن لهذه الإستراتيجية ولم تطور إستراتيجية مقابلة للرد، واكتفت بالتعامل برعونة مع الأحداث، فكان موقفها من أحداث غزة غير موفق، كما وضعت نفسها في طرف الطائفة الممانعة السورية - الإيرانية، وكان موقفها غير موفّق أيضًا من خلية حزب الله التي تمّ ضبطها واعترف نصر الله (حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله) بتورطها في القيام بعمليات داخل مصر، معتبرا أن "الجماعة استهانت بالموضوع وتعاملت معه بقدر من اللامبالاة، وهو ما دفع النظام إلى (طبخ) قصة التنظيم الدولي للإخوان لتأديب الجماعة". سقف محدود.. ورسائل تحذير! وحول أهداف السلطة من حملات الاعتقال الأخيرة، يقول الشوبكي: "في يقيني أن السلطة تريد بهذه الحملة أن توصل رسالة للإخوان، مُؤداها أنه من المعروف والثابت في العلاقة أن هناك سقف محدّد للجماعة، لا ينبغي عليها تجاوزه، غير أن الجماعة تجاوزت هذا السقف في أحداث غزة الأخيرة وفي موقفها من المواجهة مع النظام الإيراني، وأخيرا في موقفها من خلية حزب الله التي تمّ ضبطها وما زالت قيد التحقيقات". ويضيف د. عمرو الشوبكي، في تصريحات خاصة لسويس إنفو: "ومن ثمّ فإنه (النظام) يُطلق هذه الحملة تأديبًا للجماعة وتذكيرًا لها، حتى لا تتجاوز حدودها وتسعى للعب أدوار غير مسموح لها أن تلعبها"، معتبرا أن "الجماعة منذ أحداث غزة أربكَت النظام وأثبتت أنها بالفعل أكبر تنظيم سياسي في مصر قادر على المناوشة والمعارضة، وعليه، فقد كان ضروريًا (حسب رؤية النظام) أن تُوَجّهَ لها ضربة قوية لتقليم أظافرها وإضعاف قِواها". ومثل هذه الضّربات (القبلية أو البعدية)، أمر معمول به في تعامل النظام مع الجماعة، وخاصة قبل أو بعد أي حدث أو فاعلية سياسية، مثل قبل الانتخابات (التشريعية أو المحلية أو الطلابية أو النقابية أو ....)، وقبل زيارة ضيوف على مستوى عالمي (الرئيس الأميركي باراك أوباما يزور مصر يوم 7 يونيو القادم)، وبشكل عام، حين يتجاوز الإخوان السّقف المسموح لهم به، حيث يقوم النظام ب "شَدّ أذن" الجماعة لتقِف عند حدودها. متّفقا مع الشوبكي، يرى العناني أنه "كان واضحًا خلال الحرب على غزّة أن الإخوان يتحرّكون بشكل أفُقي في أكثر من دولة لجمع تبرّعات لغزة، وهو ما فسَّره النظام على أنه محاولة من الجماعة لاستغلال الأحداث لإحياء التنظيم العالمي للإخوان، فاستغلّت الظرف العالمي لتوجيه ضربة قوية للجماعة، تفقدها توازنها لفترة طويلة قادمة"، حسب رأيه. "تنظيم" أم "تنسيق" دولي؟! وفيما يُصر أغلب قيادات الإخوان على نفي وجود "تنظيم" عالمي للإخوان ويكتفون بالإعتراف بأن هناك "تنسيق" عالمي بين الإخوان، وهو ما تفسِّره د. هالة بأنه "محاولة لطمأنة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والقوى الكبرى في النظام العالمي"، فلا شكّ أن هناك فَرق كبير بين الكلمتين، معتبرة أن "كلمة تنظيم تُبرِّر التعامل الأمني معَهم، ومن ثَمّ، فليس من مصلحة الجماعة الإعلان عن/أو الإعتراف بوجود تنظيم دولي للإخوان والإنكارُ أكثر أمانًا للجماعة". وإن كانت الدلائل تُشير إلى وجود تنظيم دولي للإخوان، ومنها على سبيل المثال: أنه يوجد في كل دولة "مُراقب عام" للجماعة، بينما في مصر يوجد "مُرشد عام" للجماعة، وهو ما يُوحي إضافة إلى ذلك بقيادة مصر للتنظيم الدولي للإخوان، كما أن تصريح المرشد العام مهدي عاكف بأنه لا يمانع "أن يكون المرشد العام من خارج مصر"، له دلالة واضحة على ذلك، فضلا عن شغل الدكتور حسن هويدي (من سوريا وتوفي يوم 13 مارس الماضي)، منصب نائب المرشد العام لشؤون الخارج لأكثر من 22 عامًا. وأوضحت د. هالة أن "المشكلة في نشاط التنظيم العالمي للإخوان أو فروع الجماعة في دول العالم، وخاصة بعد فوز حماس في انتخابات 2006 وتشكيلها للحكومة، ثم انقلابها على الحكم في غزة 2007"، على حد وصفها، معتقدة أن "الذي يحدِّد خِشية النظام من الجماعة، هو تضخّم الجماعة وكِبر حجمها، داخلياً وخارجيًا، وارتباطاتها بفروع الجماعة في الدول الأخرى، وخاصة مع حركة حماس في فلسطين"، وهو ما دعا العناني إلى القول بأن "هذه الحملة التي يشنّها النظام ضدّ الجماعة، هي رسالة تحذيرية للجماعة بعدم التمادي في اللعبة الإقليمية وعدم الدخول في تحالفات مع حزب الله أو النظام الإيراني"، معتبرًا أنه "يمتلك كافة الأدوات وليس لديه خطوط حمراء وأياديه طويلة، يمكنها أن تطول أي أحد في الجماعة، حتى المرشد العام نفسه، فالجماعة اليوم (في أضعف حالاتها)، وهي (تحت رحمة النظام)". ويضيف العناني أن "النظام يقع تحت وطأة الصِّراع الإقليمي مع إيران ولديه قدر من الاحتقان، يجعله يتحرّش بالإخوان، كما أنه يريد أن يجدِّد شرعيته عن طريق الإنتخابات التشريعية أو تحسين علاقته مع النظام الجديد للرئيس أوباما، الذي وصل إلى سدّة الحكم في الولاياتالمتحدة، ومن ثَمّ، فإنه لن يسمح للإخوان بأن يُفسِدوا عليه هذا الجو"، معتبرا أن "أفضل شيء للإخوان أن يتّقوا أي مواجهة مع النظام، لأنه بات في حالة شيخوخة، والجماعة أقدمت على خطوات استفزازية كثيرة له". "خطر على الأمن القومي"!! وفي تعليقه على تصريح مرشد الإخوان بأن النظام أرسل له من يعرض عليه صفقة، تقضي بامتناع الإخوان عن دخول انتخابات 2010 مقابل الإعتراف بهم ومنحهم رخصة حزب سياسي، قال العناني: "كلام عاكف قد يكون رسالة ضمنية منه للنظام، وقد سبق له أن طلب فترة هُدنة للجلوس مع النظام"، مشيرًا إلى أن "النظام لديه عناصر قوّة متعدّدة، تتمثل أهمّها في أن الجماعة محظورة قانونً وأن النظام يمتلك أدوات اللّعبة (سياسيا/ أمنيا/ إعلاميا/ دستوريا)، وهو يُعاني من النرجسية التي تمنعه من عرض أو قبول مثل هذه المقاصة، فأقصى ما يمكن تصديقه أن يُطلَبْ من الجماعة (بلغة التحذير) أن لا تُسبِّب إحراجا للنظام على المستويين، العربي والدولي". ورفض العناني ما يتوهّمه البعض من أن النظام قد يمنح الجماعة رُخصة رسمية بمزاولة العمل السياسي من خلال حزب سياسي، مدلِّلا على ذلك بأن "النسخة المتقدِّمة من الإخوان، وأقصد بها حزب الوسط، لم تفُز بهذه الرخصة، رغم تقدّمه بطلب الترخيص للجنة شؤون الأحزاب يوم الثلاثاء 19 مايو 2009، للمرّة الرابعة في غضون 13 سنة (!) كما لا يجب أن ننسى تصريح الرئيس مبارك بأن الإخوان "خطر على الأمن القومي المصري". وأتصور – والكلام للعناني - أن هذا العرض مستحيل، لأنه يعني أن النظام بحاجة للجماعة، والحقيقة أن النظام ليس في حاجة للإخوان، لأنه يملك أوراق اللّعبة، أمنيا وسياسيا ودستوريا، معتبرًا أن "حملة الاعتقالات الأخيرة هي رسالة للإخوان بأن لا يتمادَوا في تحدّي النظام، فهو تحذير واضح وصريح، وهذا اللَّون من التحذير ليس جديدًا على علاقة النظام بالجماعة، فقد حدث مثل هذا، ويزيد مع المستشار الهضيبي (محمد المأمون الهضيبي المرشد العام السادس للجماعة)، عندما وجّه النظام للجماعة رسالة مُؤداها أنه إذا فكّرت (الجماعة) في الترشح لمنصب الرئاسة، سيهدم النظام مقرّ الجماعة بالبلدوزر! فهناك خطوط حمراء غير مسموح للجماعة بتجاوزها. صفقة "تاريخية".. لكنها "مستحيلة"! من جهته، يرى الشوبكي أن "هذا الطرح غير وارد بالمرّة وأنه مجرد دردشة وكلام مصاطب وفي حكم المستحيل، وفي اعتقادي أن النظام في مصر لن يسعى لمثل هذه الصفقة لسبب بسيط جدا، وهو أنه يضع الجماعة في "القائمة السوداء" ويتعامل معها ك "ملف أمني"، بينما الحديث الدّائر الآن عن "صفقة سياسية"، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن "الإخوان تنظيم سياسي موجود في الشارع، سواء رضي النظام أو أبى". ويقول الشوبكي: "وبالتالي، فلا أتوقّع أن يُسمح لها في المستقبل المنظور بالعمل الرسمي من خلال غطاء قانوني، وليس هناك ما يدعو النظام لمنح الإخوان رخصة رسمية واعترافا قانونيا، وفي تقديري أن الأمر لا يزيد عن أن شخصا ليس له قيمة لدى النظام طرح هذه الفكرة، وهو أمر يدل على "سذاجة سياسية" لدى صاحب الفكرة ومن يصدِّقه. وفي رأيي، أن الإخوان في كِلتا الحالتين، لن يحصلوا على شيء، ففي الانتخابات التشريعية المقررة في 2010، لن يُسمح لهم بحصد ما حققوه في 2005 (الفوز ب 20% من مقاعد البرلمان)، كما لن يمنحهم النظام رخصة بمزاولة نشاطهم السياسي". ورغم إقراره بأن "إعطاء الشرعية للإخوان (مسحوبة منذ 1954) خطوة تاريخية كبيرة وانقلاب خطير في طريقة تفكير وتعامل النظام مع الجماعة، التي تُعتبر المنافس القوي الوحيد على الساحة السياسية"، إلا أنه يعتبر أنه "ليس من المنطقي أن يعطي النظام للجماعة شيئا بالمجّان، والأفضل للنظام أن يسمح لهم بالفوز ب 30 - 40 مقعدا من مقاعد البرلمان (البالغ عددها 454 مقعدًا) أو حتى أكثر من ذلك، من أن يمنحهم رُخصة سياسية، وهو يُدرك مخاطرها عليه وأنها سوف تزيد من شعبيتهم وتعزز مكانتهم في الشارع المصري". مختلفة في الرأي مع العناني والشوبكي، لم تستبعد د. هالة، عضو أمانة "السياسات" بالحزب الوطني الحاكم، أن يكون "هناك كلام عن صفقة بين الجماعة والنظام، بغضّ النظر عن رأيي الشخصي، وتقديري لهذه الصفقة، وهل هي سلبية أم إيجابية"، وتعتقد أنها قد تمتدّ للأفراد والإتجاهات السياسية المختلفة، معتبرة أن "المشاركة السياسية ضرورية لإثراء الحياة السياسية، لأن تجميع السلطة في يد فرد أو حزب واحد والإمساك بكل خيوط اللعبة السياسية على المدى الطويل، أمر صعب وغير مقبول". ورغم قناعتها بأن "سياسة المنح والمنع، التي يعتمدها النظام في تعامله مع الجماعة لها حدود وشروط"، فإن الدكتورة هالة مصطفى تعتبر أن "تفكير النظام في عقد صفقة مع الإخوان، أمر وارد وغير مستبعَد"، وإن كان تاريخ هذه العلاقة يشير إلى أنه من الصّعب أن يقبل النظام نقل ملف الإخوان من "الأمني" إلى "السياسي". فمصر ليست تركيا ودستورها يعترف بالإسلام كدِين رسمي للدولة وبالشريعة الإسلامية، كمصدر رئيسي من مصادر التشريع. "خيارات" الإخوان.. و"عفوية" عاكف! وفيما يعتبر الشوبكي أن "خيارات الإخوان وردود أفعالهم تعاني من عدّة مشكلات، أهمها الرغبة في الحفاظ على القيمة الأساسية للجماعة وعلى التنظيم الممتد لأكثر من ثمانية عقود وعلى وحدة الجماعة وتماسكها، ومن ثمّ، فإنهم لا يسعون إلى تغيير تكتيكاتهم ولا النزوع إلى أخذ مواقف أكثر تشددا، تعبِّر عن رفضهم لأسلوب النظام في التعامل معهم"، يرى العناني أنه "يجب أن تكون للجماعة وقفة جادّة مع تصريحات مرشد الإخوان، لأن مشكلة عاكف (محمد مهدي عاكف، المرشد العام الحالي للإخوان)، أنه يتصرّف وكأنه لا يعلم أنه على رأس أكبر جماعة سياسية في العالم العربي، فيتحدث ب "عفوية سياسية" تجلب الصّداع للجماعة". ويضيف العناني أن "الجماعة تبدو كجسد مترهّل ليس له رأس، فتتعامل مع الأحداث بمنطق وعقلية ردّ الفعل، فضلا عن التباين الذي يصدر عن بعض رؤوسها في التصريحات، كما أن هناك حالة انفصام بين قمّة الجماعة (مكتب الإرشاد) وقاعدتها (أعضاؤها والمنتمون إليها)، وفي تقديري، أن الجماعة بحاجة لتجديد نفسها بعدما أصبحت ك "الماكينة القديمة"، التي كساها الصَّدأ، كما تحتاج إلى إعادة التقييم، رحمة بأعضائها الذين باتت تسبِّب لهم الكثير من المشكلات الأمنية، فضلا عن أنهم، ومنذ زمن بعيد، يدفعون الثمن بلا مقابل. وأشار العناني إلى أن "مشكلة الإخوان الأساسية، أنهم لا يفرِّقون بين المصلحة الوطنية المصرية وبين فكرة الأمّة الإسلامية"، معتبرا أن "الإخوان في حاجة إلى أن توطن نفسها في إطار القضايا الوطنية والسعي للعب دور شبيه بالدّور الذي يلعبه حزبا العدالة والتنمية في المغرب وتركيا". واختتم العناني بالقول: "أتصور أن الإخوان أساؤوا تقديرهم لزيارة أوباما لمصر، فكان عليهم أن يرحِّبوا بها وباختيار مصر للزيارة، وأن يتعاملوا معها بعقلانية"، مشيرا إلى أن "أوباما اختار مصر لأسباب إستراتيجية وسياسية تتعلق بعملية السلام، ونظرا لدورها المؤثر في القضية الفلسطينية، وفي العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة فتح، التي يتزعّمها الرئيس محمود عباس أبو مازن، وأيضا للدور الإقليمي الهام، الذي يجب أن تلعبه مصر في مواجهة إيران". سويس انفو