طالبت 24 هيئة نقابية وحقوقية بسحب مشروع تغيير القانون 10-94، المنظم لمهنة الطب بالمغرب، وسحب الثقة عن كل مسؤول يتبناه. وأكدت رفضها الاستثمار في الصحة وتحويل القطاع إلى مجال لكسب الربح من طرف غرباء عن المهنة على حساب المرضى.وستفتح الهيئات الممثلة لقطاع الصحة أرضية للنقاش في 30 ماي الجاري بالدارالبيضاء، بحضور خبراء وعاملين بالقطاع إضافة إلى مسؤولين عن الصحة، وسيجري، خلال اللقاء، دارسة انعكاسات المشروع على القطاع وعلى المواطنين. وقال محمد بناني الناصري، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر في تصريح ل "المغربية" إن فتح التعامل التجاري مع قطاع الصحة خطأ، لأنه ليس عملا تجاريا، بل إنسانيا واجتماعيا، والتفكير بالمنظور سيؤثر بالأساس على المريض، لأنه لا يعقل أن يجري تحقيق أرباح على حساب أمراض المواطنين. وأوضح الناصري أن المستثمر سيهتم بالدرجة الأولى بكسب الأرباح، ويمكن أن يجري تحقيق ذلك بأقل تكلفة وبالتقليص من بعض النفقات في الممارسة على حساب المرضى وجودة العلاج، مؤكدا أن 24 هيئة نقابية وحقوقية عاملة بالقطاع، ترفض كليا الاتجار في صحة المواطنين، وتطالب بسحب المشروع وسحب الثقة عن كل من يتبناه. وأشار إلى أن الأطباء يرفضون مبدأ التعامل مع الصحة بالمنطقة التجاري، لأن انعكاساته ستؤثر على القطاع وعلى كل المواطنين. وأوضح الناصري أن المستثمر الغريب عن القطاع سيتحكم في تسيير وتوجيه العاملين بالقطاع الصحي كما سيتحكم في توجيه المريض، الذي له الحق في أن يختار الطبيب الذي تريد نفسه. كما أكد أن نصف العلاج يعود إلى الثقة المتبادلة بين الطبيب المعالج والمريض. وأفادت أرضية للنقاش أنه يجري التداول، حاليا، في مشروع تغيير القانون 10-94 المنظم لمهنة الطب بالمغرب. ويؤسس هذا المشروع، حسب أرضية النقاش، توصلت "المغربية" بنسخة منها، لفتح الباب أمام الاستثمار التجاري في الصحة، ما سيحول المهنيين في الميدان الطبي إلى مجرد يد عاملة ويفقدهم استقلاليتهم وكرامتهم، ويضع المريض في الحالة التي يفرضها نظام السوق. ويفيد المصدر نفسه أن بعض الفرقاء يتعاملون مع هذا المستجد بمنطق منفصل عن الأخلاقيات المؤسسة لاحترام حقوق المواطنين في الحماية من المخاطر المرضية، وحقهم في الولوج للعلاجات الضرورية، دون أخذ بعين الاعتبار حاجيات وإمكانيات الفئات المستضعفة. وتؤكد حصيلة ما سبق المغرب في الاستثمار التجاري في الصحة، يضيف المصدر ذاته، تنافي هذا الإجراء مع جميع القيم الأساسية للممارسة الطبية. وفي الوقت الذي تتراجع حتى الدول الغنية الكبرى عن التعامل مع القطاعات الاجتماعية بالمنطق التجاري، تحاول الحكومة الحالية التعامل مع القطاع بتوصيات اعتبرتها الهيئات الموقعة على الأرضية بائدة. واعتبارا للمخاطر الواردة في هذا المشروع، تقاضي التنظيمات الحقوقية والمهنية والعلمية الموقعة على أرضية النقاش، وزارة الصحة بصفتها المؤسسة المقدمة لهذا المشروع، والوصية على قطاع الصحة. وذكر المصدر أيضا أنه بهدف تحديد المسؤوليات، حسب المستويات، يجب التذكير بحصيلة السياسة الصحية بالمغرب في صيرورتها التاريخية، إذ تشير الدراسات الوطنية والدولية المنشورة إلى تحسن شمولي لبعض المؤشرات المتعارف عليها دوليا، وتوفر الخدمات الطبية الحديثة، الباهظة التكاليف بالمناطق المحظوظة وتفاوت في إمكانية الولوج للخدمات الصحية الأساسية جغرافيا واجتماعيا، واستمرار استعصاء حل معضلة التوزيع الجغرافي العادل للأطر الصحية، وارتفاع وتيرة التحولات الاجتماعية والبيئية المؤسسة لتعدد وتنوع المخاطر المرضية، وضعف الإمكانيات العامة المرصودة للعلاج، مقارنة مع التكاليف المتزايدة، إضافة إلى غياب ترشيد النفقات حسب الضروريات والحاجيات أو الأولويات، وتجاوز مساهمة العائلات سقف 55 في المائة من تمويل مصاريف العلاج، مع إقصاء ثلثي المغاربة من تغطية مصاريف العلاجات الصحية، ومنح الأولوية للأوبئة الفتاكة في غياب مشروع واقعي وقابل للتنفيذ، يضمن سواء معالجتها أو مقاومة مسبباتها. ومنذ زهاء مائة سنة، عمل المغرب، يضيف المصدر ذاته، على تأهيل مجالات الاستثمار وتمركز الخدمات الطبية بجهات دون أخرى، ولصالح فئات دون أخرى، ودعم التكنولوجيات الرامية لتحقيق الهدف الاقتصادي المحدد. يتلخص ذلك، حسب الهيئات، عبر ربط العناية الصحية بمرودية اليد العاملة. وترى الهيئات الممثلة للقطاع أن فتح الاستثمار لرؤوس الأموال يعني الامتثال لنظام السوق، مع خلط الضروريات والحاجيات مع الكماليات في التأسيس للطلب والبحث عن الربح، ودعم العرض مع التجاوب بالأساس مع الفئات القادرة على أداء تكلفة المصاريف، مع العلم أن الفاعل الاقتصادي والمالي لن يتردد في الترويج لسلع، تارة موثوقة وتارة أخرى مشبوهة، مشيرين إلى أنه حين تصبح الصحة مادة للمتاجرة، يضاف إلى التسويق الحث على الاستهلاك تارة، وبسط النفوذ تارة أخرى. واعتبارا للحاجيات والإمكانيات الصحية المغربية، تمثل المتاجرة في الصحة، حسب الهيئات العاملة بالقطاع، مدخلا لانزلاق مرعب، وستظل الميزانيات المرصودة والقابلة للتجديد في تحمل التكاليف في مجملها لا تتجاوز نسبة 2 إلى 3% من مصاريف البلدان الغنية. وذكر المصدر نفسه أنه بصرف النظر عن الشرائح المقصية جغرافيا واجتماعيا من العلاجات الضرورية في محيط يتسم بتزايد المخاطر المرضية، تبقى جودة الخدمات الطبية مرتبطة إلى حد كبير بالوضعية الاجتماعية، كما يتراجع بصفة مهولة، خاصة خلال السنين الأخيرة قيمة القطاع العمومي بما في ذلك قيمة القطاع الجامعي. ويتأكد عبر فتح الاستثمار في الصحة أمام رؤوس الأموال إقصاء لغالبية المواطنين من الولوج إلى أبسط الخدمات، مقابل وضع الإمكانيات القليلة المتوفرة رهن إشارة الأقلية المحظوظة. وأكد المصدر نفسه أنه عن قصد أو غير قصد يندرج إخضاع الصحة لنظام السوق بالمغرب من منطق تقليدي أو حداثي متجاوز، كما أن الأمر سينعكس سلبيا على الصحة والمواطنين. وتؤاخذ الهيئات النقابين والحقوقية وزارة الصحة على انعدام رؤية استراتجية واضحة ومتجانسة لإنعاش الصحة، ومحاولة تفويض مهام تدبير صحة المواطنين للمنطق التجاري، وإقصاء الفئات المستضعفة من الولوج للعلاج. وأكد المصدر أيضا أنه يجري حاليا المطالبة بضرورة يسحب المشروع الحالي لتغيير القانون 10-94 وسحب الثقة عن كل مسؤول يتبنى هذا المشروع، مشيرا إلى أن لائحة الهيئات الرافضة للمشروع المكونة من أزيد من 20 هيئة محتملة الارتفاع، ومن بين الداعين إلى عدم الاتجار في قطاع الصحة النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، ومجلس مكاتب كليات الطب للنقابة الوطنية للتعليم العالي، والنقابة الوطنية للصحة العمومية، المنظوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والجامعة الوطنية للصحة، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، والتعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب، والاتحاد الوطني للمهن الحرة، والفدرالية الوطنية لنقابات جراحي الأسنان بالقطاع الخاص بالمغرب، والنقابة الحرة للمهندسين المعماريين بالمغرب، والنقابة المهنية الوطنية للمبصاريين بالمغرب، والنقابة الوطنية للخبراء المحاسبين مندوبي الحسابات، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية لحماية المال العام، وجمعية العقد العالمي للماء بالمغرب، ومنتدى المواطنة، وحركة المطالبة بدستور ديمقراطي، والمركز المغربي لحقوق الإنسان، والمنظمة الديمقراطية للأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان، والمنظمة الديمقراطية للصحة، والشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، وحركة صحة الشعوب الدولية-فرع المغرب، والجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية.