لعل منظر الحشد الكبير من أنصار نظام مبارك في جامعة القاهرة للاستماع لخطاب أوباما والتصفيق له يذكرنا بجموع الشبان الراقصين في الحفلات الغنائية التي يحييها المغنون في قاعات مشابهة , الكل يرقص ويصفق لما يردده معتلي المنصة , أما عن أسباب ابتهاج مستمعي خطاب أوباما فهي عديدة وقد يكون أولها شعور الحضور بأن مجرد إلقاء الخطاب في المقهورة هو نوع من المكافأة على موقف النظام المصري المتشدد تجاه إغلاق المعابر و المشاركة الفعلية بالحرب على قطاع غزة و قتل الأطفال الفلسطينيين تجويعاً , أما ثاني هذه الأسباب فهو قيام أوباما بشكل مدروس بإرضاء نزوات الغرور و العجرفة التي تملأ نفوس المجموعة المتسلطة على الحكم في مصر و إشعار أوباما لهم بشكل مقصود بأن لهم وزنٌ سياسي في المنطقة وكما يقال باللهجة المصرية شربها العبيط و صدًّق نفسه, أما السبب الثالث فهو أن أوباما قضى على الأحلام التي تراود بعض معارضي النظام المصري و خيَّب آمالها بنصرة الإدارة الأمريكية لتلك المعارضة الليبرالية الطامحة للوصول إلى الحكم و بالتالي فإن مجرد الزيارة والخطاب كانت تزكية للفساد والاستبداد و هو ما أُثار البهجة في نفوس مناصري الحكم . لقد اعتاد النظام في مصر و كذلك المعارضة الليبرالية والعلمانية على إتباع سياسة استرضاء الولاياتالمتحدة باعتبارها سيد العالم , وبذلك تخلى هؤلاء عن أي سند شعبي داخلي أو عربي أو إسلامي حيث لم تعد مصر في مكان الريادة العربية أو الإسلامية بل هي في نظر جماهير المسلمين في العالم مجرد خادم تابع لأجهزة الموساد الإسرائيلي و المخابرات الأمريكية , لذلك كان اختيار المقهورة لإلقاء الخطاب مقدمة خاطئة ستؤدي حتماً إلى زيادة حدًّة الكراهية تجاه الولاياتالمتحدة , وإذا كان أوباما وجد في المقهورة من يلتقطون كلامه كالجواهر المتناثرة فإن ملايين المسلمين يجدون في خطابه استهزاءً بمشاعرهم و كذباً اعتادوا على سماعه من إدارة تحكمها مؤسسات و هيئات صهيونية و لا يحكمها أشخاص تحكمهم ضمائرهم وعقولهم , و هذه المؤسسات هي التي نصّبت رئيساً أسود على شعب أبيض . أما استخدام أوباما لأسلوب استغفال عقول المسلمين و الضحك على ذقونهم فهو أمر لم يعد من الممكن تمريره و هضمه , فكيف يمكن أن يكون لإسرائيل الحق بالوجود دون أن يمس ذلك حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ودولته ؟ ألم تقم إسرائيل على أرض يملكها الشعب الفلسطيني ؟ أم أنها تقوم تحت الأرض الفلسطينية أو في الأجواء ؟ و حل المسألة الفلسطينية بكل بساطة هو عودة اليهود إلى البلاد التي هاجروا منها أصلاً , بالتزامن مع رجوع الفلسطينيين إلى فلسطين , ولا يراودنا كفلسطينيين أدنى شك بنجاعة وواقعية هذا الحل دون غيره من الحلول البائسة و بعيداً عن أطروحات أولئك الدجاجلة في قصر عابدين ورام الله وبغداد الذين يدّعون البراجماتية مرة والواقعية تارة و العقلانية دائماً حتى كلّت أيادينا من كثرة الاشتغال بفتح صفحات المصالحة مع عدو يكاد يبيد آثارنا و يفنينا . لقد ظنَّ ألئك الذين صاغوا خطاب أوباما واهمين أن حركة حماس ستطير فرحاً لأنه لم ينعتها بالإرهاب و خفف اللهجة وطالبها بالكف عن العنف , و لكن خاب ظنهم لأن حماس لم تنتظر أو تتوقع يوماً لفتة الشفقة الأمريكية تجاه شعبنا لأننا أصحاب حق و بالمقاومة سنبقى الرقم الصعب الذي لا يمكن تمرير الحلول بالقفز فوق و حل المعادلات السياسية بدونه , والآن رغم ذلك التجاهل الذي يبديه الحلف المعادي تجاه النصر الذي حققته المقاومة الإسلامية الفلسطينية , فإن قادة الغرب ومن خلال تعنتهم هذا إنما يرسخون نظرة العرب والمسلمين تجاههم على أنهم جزء عضوي من الحركة الصهيونية العالمية حتى وإن وجدوا من يصفق لهم في بلاد العرب . إن من أساسيات أي مصالحة بين طرفين أن يقرًّ الطرف المخطئ بذنوبه ثم يطلب الصفح و يتوقف عن غيِّه و عدوانه , وإلا فما معنى استمرار الحصار والقتل على قطاع غزة وما معنى استمرار الدعم الذي تقدمه الإدارة الأمريكية للزعران والبلطجية و اللصوص ممن يطلَق عليهم سلطة رام الله ؟ و ما معنى أن يقوم أوباما باستقبال محمود عباس في واشنطن على أنه رئيس للفلسطينيين بعد أن انتهت ولايته بينما يتجاهل القيادة الشرعية التي انتخبها الشعب الفلسطيني ؟ وهل يمكننا اعتبار إدارة أوباما وهي تعزز مواقع عملائها لصوص رام الله فضلاً عن دعمها للاستيطان وإسناد إسرائيل بالمال والسلاح أنها صاحبة النوايا الحسنة , ثم تتوقع من شعبنا أن يصالحها و يرحب بها ؟ وهل اعتذر أوباما عن قتل ملايين العراقيين والأفغان أو عن تدنيس المصحف الشريف ؟ وهل يريدنا أوباما أن نصدق مثلا ًأن لا علاقة لإدارته بالمجزرة التي يرتكبها أزلام الجنرال الأمريكي دايتون ضد المقاومين الأبطال في الضفة الغربية , أو أنه غير راض ِ التخنث السياسي الذي يمارسه نظام مبارك تجاه الشعب الفلسطيني ؟ أم أن الاستخفاف بعقولنا دفع بأوباما إلى حد تأكيد دعمه الثابت لما يسمى الكيان الإسرائيلي , أم أن أعداء الأمة اعتادوا على أن يطلقوا حملاتهم العدائية ضد فلسطين وضد الإسلام من المقهورة كما فعلت ستيفي ليفني ؟ إن أوباما يعرف في أعماق نفسه من الظالم ومن المظلوم , و إذا كان يعتز بأنه نصراني كان مسلما ً أو أنه يهوديا ًكان نصرانيا ً فإنه يعرف أيضا ًو دون شك بأن مفتاح الحل بيد المقاومة , و إذا كان أوباما قد نال قسطا ً من الإعجاب والتصفيق في المقهورة فإنه لن يسمع في فلسطين سوى دوي بنادق المقاومة , وإن وجد في المقهورة من يركع له و يسجد من المعممين , فإن أقصى طموحاته ستكون الالتقاء صاغراً ذليلا ً بأمير المجاهدين الشيخ اسماعيل هنية , فلا نامت أعين العملاء .