رغم أنها تنتج نفس النخب السياسية ويشوبها كثير من السلبيات "الانتخابات المحلية بالعراق في يناير.. رئاسيات الجزائر في أبريل.. البرلمانية بالكويت في مايو.. البرلمانية اللبنانية في يونيو.. بلديات المغرب في يونيو".. شهدت تلك الانتخابات العربية التي أجريت في النصف الأول من العام الجاري نزاهة نسبية في عمليات التصويت والفرز، وإقبالا جيدا من الناخبين، رغم ما شابها من ملاحظات، فاعتبرها محللون سياسيون "خطوة جيدة على طريق الديمقراطية الطويل" المنشود في العالم العربي. غير أنهم رأوا أن هناك عددا من النواقص لا تزال تشوب الانتخابات في كثير من الدول العربية مثل عدم تكافؤ الفرص، على خلفية بعض قوانين الانتخاب التي تستند على المحاصصة الطائفية والمذهبية أو السياسات المنحازة للمرشحين الرسميين أحيانا، مطالبين الحكومات العربية بتعديل قوانينها الانتخابية، لتحقيق مزيد من تكافؤ الفرص، وتشجيع ما يطلق عليهم "الأغلبية الشعبية الصامتة" على المشاركة السياسية، وجعل الاختيار مبنيا على أساس البرامج الانتخابية. نقطة إيجابية وفي حديث خاص لإسلام أون لاين.نت رأى المحلل السياسي اللبناني علي الأمين أن الانتخابات التي شهدها العالم العربي خلال الشهور الماضية من العام 2009 "تعتبر بما لا يدع مجالا للشك نقطة إيجابية في سياق تعزيز الديمقراطية في العالم العربي، وخطوة على الطريق الصحيح إذا ما قورنت بانتخابات العقود الماضية الصورية في معظم أنحاء العالم العربي". غير أنه استدرك قائلا: "لكن يجب أن نعي أنه لكي يكتمل المشهد الديمقراطي في عالمنا العربي علينا أن نقود ثورة لتعديل قوانين الانتخابات.. بحيث نتجاوز فكرة المحاصصة الطائفية والمذهبية والقطبية الحزبية" في إشارة إلى الانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة. وأضاف الأمين: "نريد قوانين تتيح المزيد من تكافؤ الفرص، الذي يعطي بدوره خيارات عديدة أمام الناخب.. على أساس البرامج الانتخابية". وفاز تحالف 14 آذار (المدعوم من الغرب ودول عربية)، بزعامة سعد الحريري، ب71 مقابل 57 مقعدا لتحالف المعارضة (8 آذار) بقيادة حزب الله (المدعوم من سوريا وإيران) في الانتخابات النيابية اللبنانية قبل نحو أسبوعين. وفي السياق ذاته اعتبر الأمين أن "الانتخابات التي تجرى في العالم العربي حاليا تعيد إنتاج نفس القوى والنخب التي تهيمن على المشهد السياسي العربي منذ سنوات بعيدة.. ولكي يحدث تغيير حقيقي لابد من تعديل قوانين الانتخابات، بحيث يتم تشجيع الأغلبية الصامتة على الدخول في المعترك السياسي، لإنتاج نخب ووجوه جديدة تبث الحيوية في الحياة السياسية العربية". وخلص المحلل اللبناني إلى أن "الانتخابات العربية التي شهدت سخونة ملحوظة هذا العام -على بعض النواقص التي شابت بعضها- تعتبر ظاهرة إيجابية.. لأنني شخصيا أؤيد التغيير البطيء بالأيدي العربية على التغييرات النوعية الكبيرة التي تكون مدفوعة بالأيدي الأجنبية". "إضافة" للشعوب العربية ومتفقا مع الأمين يرى وليد الجاسم، نائب رئيس تحرير جريدة الوطن الكويتية، أن الاستحقاقات الانتخابية العربية خلال العام الجاري "ملمح إيجابي يمثل إضافة للشعوب العربية، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك، وأن هناك مزيدا من الإدراك والتفهم لدى السلطات بأهمية الديمقراطية". لكنه شدد في الوقت ذاته على أن "الانتخابات على أهميتها لا يجب الوقوف كثيرا أمامها.. المهم أن نقف أمام محصول ما تحققه هذه الانتخابات من تغيير.. ولو نظرنا للانتخابات من هذه الزاوية سنجد أن المحصلة قليلة". ورأى الجاسم أن: "الانتخابات اللبنانية لم تحسم الصراع السياسي في لبنان.. انتخابات الكويت أراها ترفا سياسيا.. لا تضمن تحقيق المزيد من رفاهية الشعب الكويتي.. فلا يعول كثيرا على الكتل الفائزة بتحقيق مستوى معيشي أفضل للشعب الكويتي -الذي ينعم بعوائد النفط- لا بالتنمية الاقتصادية الحقيقية". وشدد الجاسم على أنه إذا "استطاع العرب من خلال نزاهة الانتخابات إنتاج نخب تستطيع قيادة قطارات التنمية فيها ستكون أدت المرجو منها على أكمل وجه.. أما إذا اقتصر الأمر على تعاطي الديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع ستظل لعبة لطيفة لا مانع من لعبها كل بضعة سنوات في بلادنا". أين المواطن الديمقراطي؟ المحلل المغربي ميلود بلقاضي يتفق مع سابقيه في "إيجابية الانتخابات التي شهدها العالم العربي خلال الأشهر الماضية". لكنه يتساءل: "ما فائدة انتخابات ديمقراطية مع شعوب غير ديمقراطية.. هل المواطن العربي ديمقراطي في بيته وفي عمله.. لكي نقول إننا بدأنا نضع أقدامنا على طريق الديمقراطية، يتعين علينا أن نتعاطى الثقافة الديمقراطية برمتها.. من دون الاقتصار على اللعبة الانتخابية وحدها". وأضاف بلقاضي: "إذا كان العديد من الشعوب العربية قد نجح في إجراء عملية انتخابية بشيء من النزاهة النسبية يتعين عليها أن تدفع بقوة في سياق خلق مواطنين قادرين على الاختيار ببصيرة.. وخلق أحزاب سياسية لا تعرف المحاباة في الترشيحات كما نرى في معظم الأحزاب التي تخوض غمار الانتخابات في العالم العربي". على غير العادة وفي الوقت الذي جرت فيه العادة في الدول العربية على أن الانتخابات لا تشهد تنافسا شديدا، وأن نتيجتها تكون محسومة سلفا في معظم الأحيان، جرت الانتخابات البرلمانية الكويتية يوم 17 مايو الماضي، في جو وصفه الكثيرون من المراقبين ب"الديمقراطي"، وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 58%، وهي نسبة كبيرة مقارنة بنظيراتها في باقي الدول العربية. وفي تلك الانتخابات، حققت أربع نساء فوزا تاريخيا لتدخل بذلك المرأة مجلس الأمة للمرة الأولى في هذا البلد المحافظ منذ انطلاق الحياة البرلمانية في 1962، ومنذ إعطاء النساء حقوقهن السياسية في 2005. ومقابل هذا الانتصار، تراجع الإسلاميون السُّنة بشكل ملحوظ من 21 مقعدا في البرلمان السابق إلى 11 في المجلس المنتخب، وحقق الشيعة تقدما لافتا وفازوا بتسعة مقاعد مقارنة بخمسة مقاعد في البرلمان المنحل، وفي المقابل، عزز الليبراليون حضورهم في البرلمان وفازوا بمقعد إضافي، وباتوا يسيطرون على ثمانية مقاعد. محليات المغرب وفي المغرب، لم تكن أجواء انتخابات المحليات التي جرت أقل سخونة من الانتخابات الكويتية، فقد بلغت نسبة المشاركة بحسب استطلاعات آراء الناخبين عقب تصويتهم 51 % وإن شككت في هذه النسبة قوى معارضة ومقاطعة مثل جماعة العدل والإحسان مثلما شككت قوى أخرى في نزاهة العملية الانتخابية. وتصدر حزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس عام 2008، ويشارك للمرة الأولى في الانتخابات البلدية، النتائج بفوزه بنحو 4854 مقعدا من أصل 27 ألفا و795 مقعدا، يليه حزب الاستقلال (قومي) الذي يتزعمه رئيس الوزراء عباس الفاسي بنحو 4246 مقعدا، بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية المغربية. أما التجمع الوطني للأحرار، فحل في المرتبة الثالثة بنحو 3318 مقعدا، وحقق حزب العدالة والتنمية (الإسلامي المعارض) نتيجة متواضعة بنحو 1135 مقعدا خلف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (2534) والحركة الشعبية (1767). وشهدت انتخابات الرئاسة الجزائرية التي جرت يوم 9 أبريل الماضي نسبة مشاركة عالية بلغت 74.54 %، بالرغم من أن كل التوقعات كانت تتحدث عن فوز سهل لبوتفليقة، وهي نسبة قياسية مقارنة بنسبة التصويت في انتخابات عام 2004 التي لم تتعد نسبة المشاركة فيها 58%. وأسفرت تلك الانتخابات عن فوز عبد العزيز بوتفليقة بولاية رئاسية ثالثة بنسبة 90.24% من الأصوات، وحلت لويزة حنون (زعيمة حزب العمال) في المركز الثاني بحصولها على نسبة 4.22%، ثم موسى تواتي (رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية) بنسبة 2.31%، وفق النتائج الرسمية. الانتخابات العراقية وفي العراق، لقيت انتخابات مجالس المحافظات في العراق -التي أجريت آخر يناير الماضي في 14 محافظة عراقية- ترحيبا دوليا ومحليا بعد الإقبال الكبير للناخبين الذي بلغ 51%، وانتهائها دون وقوع حوادث أمنية كبيرة، فضلا عن شهادات منظمات حقوقية دولية بأنها كانت في مجملها نزيهة الصناديق. وبحسب النتائج النهائية الرسمية لانتخابات مجالس المحافظات، فقد فازت قائمة "ائتلاف دولة القانون" التي يتزعمها المالكي بمقاعد مجلس محافظة بغداد، ومقاعد مجالس ثماني محافظات ذات أغلبية شيعية في الجنوب العراقي، بنسبة تقترب من 40% من إجمالي المقاعد، وحلت في المركز الثاني قائمة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي –ذات التوجه القومي العلماني بنسبة 24%، ثم قائمة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم بنسبة 21%. وفي المقابل، لا تزال العملية الانتخابية تفتقر للضمانات الديمقراطية في العديد من الدول العربية، بإجماع المتتبعين لهذا الشأن عربيا ودوليا، سواء على صعيد عملية التصويت والفرز مثلما هو الحال في مصر، أو على صعيد قيود الترشح مثلما هو مطبق في سوريا، أو ما يتعلق منها بغياب تكافؤ الفرص كما في تونس. خالد البرديسي إسلام أون لاين.نت الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1430ه - 16/6/2009م