تونس تقرير: إسماعيل دبارة :أعاد ردّ الحكومة التونسية على تقارير إعلامية غربية تحدّثت عن إمكانية نقل مواطنين تونسيين معتقلين في سجن "غوانتانامو "الأمريكي إلى دول أوروبية، الجدل حول مصير المعتقلين وأوضاعهم القانونية بعد غلق هذا المعتقل، خصوصا مع تردّد مزاعم تتعلق بإمكانية تعرّضهم لانتهاكات على الأراضي التونسيّة. بلاغ وزارة العدل وحقوق الإنسان التّونسية الذي نُشر ردّا على " مزاعم بعض وسائل الإعلام التي تحدثت عن إمكان تعرض مواطنين تونسيين مُرحلين من معتقل غوانتنامو إلى معاملة مسيئة في بلدهم الأصلي" كان حادّا، وشجب بشدة ما سمّاها "الإدعاءات التي تم تقديمها لتبرير نقل هؤلاء المواطنين نحو بعض البلدان الأوروبية" واعتبرها "مزاعم لا أساس لها من الصّحة". اتّهامات مُتبادلة ذكرت وسائل إعلام إيطالية وأمريكية أن رئيس الحكومة الإيطالية سلفيو برلسكوني وخلال زيارته مؤخرا إلى أمريكا ولقائه بالرئيس أوباما تعهّد بقبول ثلاثة سجناء تونسيين يقبعون بسجن "غوانتنامو" وتعهّد كذلك بإخضاعهم إلى الترتيبات القانونية الجاري بها العمل في الاتحاد الأوروبي. وأبدت تلك التقارير خشيتها من إمكانية تعرّض المساجين التونسيين إلى انتهاكات لحقوقهم إن عادوا إلى تونس خصوصا وأن تقارير دولية ومحلية تصنّف تونس ضمن الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان بالشكل الكافي. الحكومة التونسية رحّبت من جهتها ب "قرار السّلطات الأمريكية إغلاق مركز الاعتقال ب"غوانتانامو" حيث يعتقل عديد الأشخاص منذ سنوات في تناقض مع مبادئ احترام حرمتهم الجسدية والمعنوية وحقهم في المثول أمام قاض في آجال معقولة"، واتهمت تونس في ذات الوقت الولاياتالمتحدة ودول أوروبية دون أن تسميها بنشر "مزاعم" خرق حقوق الإنسان في تونس ل" التغطية على الخروقات التي كان المعتقلون ضحيتها خلال فترة إيقافهم." ومضى بلاغ وزارة العدل قائلا: "هذه المزاعم لا يمكن بحال أن تدفع البعض لتناسي التورط المباشر لبعض دول الاستقبال في عمليات النقل غير القانونية للسجناء نحو معتقل غوانتانامو"، في إشارة إلى دول أوروبية اتهمت سابقا بأنها كانت مسرحا لعمليات نقل وترحيل غير قانونيّ لمعتقلي "غوانتانامو". وهذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مزاعم بإمكانيّة تعرّض تونسيين في الخارج إلى التعذيب وانتهاك حقوقهم في حال عودتهم إلى بلدهم، ففي فبراير من العام 2008، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرارا يقضي بعدم ترحيل التونسيّ نسيم السعدي، وهو مشتبه بتورطه بالإرهاب من إيطاليا إلى بلده الأصلي بدعوى أن ذلك قد يعرّض حقوقه للانتهاك. وقالت المحكمة الأوروبية في إشارة إلى تقارير منظمة "العفو الدولية " و"هيومان رايتس ووتش" حول السّجون التونسية إن :"السعدي قد يتعرض للتعذيب وسوء المعاملة إذا تم إرساله إلى تونس". وضعية قانونيّة معقدة لم توجّه الحكومة التونسية لمواطنيها المعتقلين في "غوانتامو" البالغ عددهم 12 معتقلاWK تسلمت منهم معتقلين اثنين في السّابق أية تهم. و تقول الحكومة: "كون الشخص قد اعتقل في غوانتانامو لا يمثل البتة دليل إثبات للتهمة. فالمعتقلون الذين أدينوا غيابيا من قبل المحاكم التونسية يُمكنهم مُمارسة الحق المكفول لهم في الاعتراض على هذه الأحكام. وان مبدأ البراءة الذي يحكم المنظومة الجزائية التونسية يكفل الإلغاء التام للحكم الصادر غيابيا وإعادة النظر في القضية مع توفير كل الضمانات القانونية." يقول المحامي المنذر الشارني الكاتب العام للجمعية التونسية لمقاومة التعذيب التي تترأسها الحقوقية المعروفة راضية النصراوي في تصريح خاص للقسم العربي لإذاعة هولندا العالمية "نحن كجمعية نعارض من ناحية مبدئية التسليم الموازي ونطالب كل الدّول باحترام قوانينها و القانون الدولي في عملية التسليم ، وبعد أن كشفت الحكومة التونسية عن رغبتها في استلام مواطنيها المعتقلين في "غوانتنامو"، نريد لهذا التسليم أن يكون قانونيا". الأستاذ منذر الشارني الكاتب العام للجمعية التونسية لمقاومة التعذيب واستنادا إلى الشارني فإنّ التسليم القانوني بالنسبة لهؤلاء التونسيين "لا يتمّ إن كانت الجريمة سياسية أو عسكرية، و يُشترط في التسليم أن يكون الشّخص محلّ تتبعات في بلده مع ضرورة التنصيص على الأفعال التي قام بها، لكنّ في هذه الحالات لا نعرف هل هنالك ملفات جزائية تطالب الحكومة التونسية على أساسها تسّلم مواطنيها أم لا". وشدّد الشارني وهو محامي معروف بدفاعه عن متهمين في قضايا تتعلق بالإرهاب على أنّ "هؤلاء المعتقلين أحرار في اختيار البلدان التي يريدون الإقامة فيها إن لم توجّه لهم تهم في تونس، على اعتبار أن حقّ التنقل والإقامة مكفول لكلّ إنسان، ووجب احترام رغبتهم في ذلك". يشار إلى أنّ كلاّ من إيطاليا وإسبانيا والمجر وافقت على استقبال تونسيين عائدين من "غوانتامو"، في حين يخوض الاتحاد الأوروبي مفاوضات مع الولاياتالمتحدة حاليا لبحث شروط نقل السجناء إلى أوروبا بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإغلاق معتقل "غواتنامو" في يناير من العام 2010. شبح التعذيب عندما تسلمت تونس سنة 2007 اثنين من مواطنيها كانوا قد اعتقلوا في باكستان وسُجنوا في "غواتنامو" (عبد الله الحاجي و لطفي الآغا)، وجّهت لها منظمة "هيومان رايتس وتش" التي تراقب حقوق الإنسان في العالم اتهامات بتعذيبهما، لكن الحكومة نفت ذلك وقالت إنّ المعتقلين لم يتعرضا إلى أي نوع من سوء المعاملة منذ عودتهما من "غوانتانامو"، وإن الشرطة القضائية اعتقلتهما فور وصولهما إلى الأراضي التونسية وسلمتهما إلى القضاء، "وقد تمتعا بكامل حقوقهما وفقا للقانون". إلا أنّ فيديو على الانترنت نشره موقع "السبيل أونلاين" الالكترونيّ المُعارض أظهر إفادات لعائلات السجين "عبد الله الحاجي" تشير إلى تعرّضه إلى انتهاكات في السجون التونسية. أما منظمة العفو الدولية فقد فصّلت في تقاريرها للعام الماضي العشرات من حالات العسف وانتهاك حقوق الإنسان بالسّجون التونسية، واتّهمت المنظمة حكومة تونس بتضليل العالم "بنقلها صورة إيجابية لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، في الوقت الذي تستمرّ التعسفات على أيدي قواتها الأمنية بلا هوادة، وتُرتكب دون عقاب". على حد تعبير تقرير العام 2008. يقول المنذر الشارني الكاتب العام للجمعية التونسية لمقاومة التعذيب التي اتهمت هي الأخرى الحكومة بممارسة التعذيب في أكثر من تقرير: "حتى نكون موضوعيين علينا معالجة ملفّ معتقلي "غوانتنامو" حالة بحالة، ولا يمكننا أن نتحامل على أيّ طرف، تقارير تلك المنظمات التي عارضت تسليم المعتقلين إلى الحكومة التونسية تعبّر عن مواقف وربما بنت مواقفها استنادا إلى تقارير سابقة تحدّثت عن تعذيب، أما نحن فنتمنى من الحكومة أن تقوم بتكذيب هذه الصورة التي رُسمت من حولها وذلك عبر احترام الاتفاقات الدولية ومبادئ حسن المعاملة و السهر على توفير محاكمات عادلة للمتهمين". القسم العربي لإذاعة هولندا العالميّة