لم يسمحوا لنا بالمشاركة في مراسم الدفن، ولم يسمحوا لنا بتقديم واجب العزاء، ولم يسمحوا لنا بإرسال البرقيات والاتشاح بالسواد.. فقط أخذوا من كل عائلة كبيرا خبروه في البلاء منذ سنين خلت، وألبسوه لبوسهم، فاستوى على الجودي.. أخبر أحد الكبراء أنهم فتشوهم جيدا قبل ولوج حرم القصر بل لم يتورعوا في التفتيش حتى تحت الثياب، قال في حياء كانت الأيدي تلج ما تشاء من الجسد على كل حال. العبد وما ملكت يداه طوع لمولاه الحرس في كل مكان، وتحت الشجر بل وتحت الحجر ، لا يسمح حتى بالهمس... قال أحدهم أمرنا بالبكاء فبكينا، ووزعوا علينا الكوكا فشربنا، عرضوا علينا شريطا تسجيليا يحكي خصال المرحوم ، كنا نقاطع المشاهد بالتصفيق والصفير والهتاف والتكبير... الشعراء لم يتخلفوا كعادتهم حتى سمعنا في مناقب الفقيد من المديح ما لم يقله المتنبي في سيف الدولة قال أحدهم والله لقد تمنيت في سري أن أكون كلبا بن كلب الخطباء أبدعوا في تعداد خصاله وأتوا بما يعجز عنه اللسان ويمجه الذوق والبيان من بيان وبديع، ورصفوا الكلمات ودققوا في الأوصاف وتلاعبوا بالمعاني.. الفقهاء كانوا أشد تأثرا حتى خال أحد الكبراء أن الفقيد حجة الإسلام الغزالي وقد خاف البعض أن يتجرأ الفقيه الأكبر على الإفتاء بحرمة زواج أو ركوب السيارات أو السياحة في الشوارع لسنتين قمريتين وفاء للمرحوم الكلب. ومما يحضرني قال أحد الكبراء: ''قال واحد من هؤلاء أستحي أن اذكره بالاسم أو أصف رسمه أو إلى أي فئة من الناس هو منتم غير أنه لأمانة النقل قال ''أيها الكلب المعظم يا سليل الكلب يا من أرسيت دعائم الوفاء وحرصت على الولاء وقلت في وجه المتنطعين من الدخلاء ، لا وألف لا ، أنت كلب حريص على الولاء للوطن ، الوطن الذي لا يسمح للغرباء بالتدخل في شؤونه ن فنحن أرباب الديمقراطية ونحن من خلق الحرية ونحن سنضرب بيد من حديد على أعداء التقدم والنماء. أيها الكلب نم قرير العين في تربتك خالدا فلا أقول لك غلا كما قال خالد بن الوليد: ''فلا نامت أعين الجبناء''.