المهدية.. إنتشال 9 جثث لفظها البحر    وزير خارجية نيوزيلندا.. لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال    مبابي يصمد أمام "ابتزاز" ومضايقات إدارة باريس    القصرين.. رعاة وفنانو ومبدعو سمامة يكرمون الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي    أخبار المال والأعمال    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    صفاقس الإحتفاظ بالكاميرونية "كلارا فووي" واحالتها للتحقيق    أخبار باختصار    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    عاجل/ جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابطين وإصابة آخرين في قطاع غزة    عاجل/ سعيّد: الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاول المساس بأمنها    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    مجلس الوزراء يوافق على جملة من مشاريع القوانين والقرارات    دامت 7 ساعات: تفاصيل عملية إخلاء عمارة تأوي قرابة 500 مهاجر غير نظامي    صفقة الهدنة مع «حماس» زلزال في حكومة نتنياهو    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل سيد قطب حقيقي :عبد الله الطحاوي
نشر في الفجر نيوز يوم 30 - 06 - 2009

كتب الدكتور أيمن الجندي على موقع "إسلام أون لاين" تحت عنوان: "تجريد الظلال.. أو فرز مجوهراته من متفجراته"، ويعني بذلك تلخيص أو تجريد كتاب الظلال ذي المجلدات الستة مما يتصوره أنه يعكر صفو القراءة أو يلبس على المتلقي.
والدكتور أيمن يرى أن لقطب شخصيتين قديمة وجديدة.. حالمة وناقمة، ومطلوب منا أن نعيد الشخصية القديمة ونستخلصها من بقايا الجديد الذي ورط البعض في عمليات تكفيرية وممارسة العنف.
بداية نؤكد أن الدعوة في حد ذاتها ليست جديدة؛ فمنذ فترة ليست بالقصيرة والدكتور خالص جلبي يلح على ذلك المطلب، وقال في إحدى مقالاته: "أذكر أنني ناقشت أحدهم أن كتاب الظلال يمكناختصاره من 6000 صفحة إلى 600؛ بسبب كثرة المرادفات والإنشاء اللفظي، فضلا عن إعادة النظر في المفاهيم الخطيرة التي ربطها بالقرآن، مع تنقيح جديد للأجزاء الأحد عشر الأُول؛ حيث سكب بين الآيات مفاهيمه الجديدة عن الجاهلية، والقتال المسلح، وتكوين القاعدة الصلبة الواعية، ولكن كلامي لم يلق سوى حساسية مفرطة، ودفاع مستميت، فكيف يمكن مناقشة أفكاره"، وقد نقل نفس المطلب عن الدكتور عبد الحليم أبو شقه بل ويبدو فعليا أن أحدهم قام بذلك {1 }.
طالع: تجريد الظلال.. حقيقة المشروع

ويبدو أن كل من قرأ سيد قطب تطرف في الموقف، ومعظم تلك القراءات مفتتة لا تقرؤه في سياقه الكامل، متعللة بالمرحلية، وكأن المرحلية لا تأتي إلا على حساب الاتساق، وكأنه لا يمكن لملمة رؤيةموحدة في مشروعه ونسقه الفكري، وبالتالي تصبح المرحلية وسيلة في تفتيت رؤية قطب، أو صنع شخصيتين متضادتين.
النص ملك صاحبه، والمطلوب فهمه وتفسيره في سياقه، كما أن المطلوب فهم المشروع ككل، فليس من العدل أن نحكم مثلا على ابن القيم من خلال كتابه "روضة المحبين" فقط؛ لأننا عند ذلكسنتهمه بالتصوف لكثرة إيراده جملا صوفية (2 )، الأمر الآخر أن فكرة تغيير نص سيد قطب تعني أنه ما زال يؤثر على قرائه، وأن من يحمل فكرة مختلفة معه لا يستطيع أن يقنع بها قراءه، إلا إذا نسبها لسيد قطب، وأن جاذبية نص سيد قطب تؤكد على أن موقفه الحاد من الظروف المحيطة به ما زال بالنسبة للبعض هو الموقف المناسب للظروف المحيطة بنا الآن، وتلك هي المشكلة الأساسية، فلقد واجه قطب الواقع بغضب، وما زال البعض منا يريد أن يواجه الواقع بغضب؛ لأن الواقع في الحقيقة سيئ.
والسؤال: هل كان لقطب رؤية يمكن فهمها من خلال منظوماته؟ الإجابة تقتضي القيام بتحليل المضمون الداخلي لخطابه من أجل اكتشاف كيفية ارتباط عناصر الخطاب بعضها ببعض؛ لنعرف الجوهري منها والمركزي من الهامشي، حتى نصل إلى منطق نفهم به سيد قطب، ونعرف هل بالفعل ترك المدرسة الإصلاحية للمدرسة الثورية؟ وهل كان تكفيريا مناهضا للدولة الحديثة والعمل المدني؟،التساؤلات كثيرة حول قطب ونصوصه.. والإشكاليات معقدة.. إشكالية الاتباع، وإشكالية العداء، وإشكالية التحليل كما يقول عادل الماجد (3 ).
وقفات مع الفكرة
أول الوقفات مع الدكتور أيمن الجندي أنه لا يستطيع أحد أن يمنعه من القيام بعمل يراه مفيدا، وربما يعتقد البعض أن التخصص لن يقف في وجه تلك الرغبة، وهناك محاولات كثيرة لتلخيص أعمال كبرى تلخيصا مدرسيا للناشئة، حتى يتمكنوا من قراءتها.
لكن يبقى أن القيام بتنقيح و"تجريد" عمل موسوعي مركب كالظلال سيجعل من الدكتور أيمن وصيا على نصوص كتبها صاحبها ومات في سبيلها، هذه النصوص قد تم إنتاجها في سياقات مغايرة، وخاصة جدا، مما يجعلنا نتساءل: بأي سند أو دعوة أو مبرر شرعي أو علمي سوف يشرع الدكتور أيمن في ذلك؟!
أساس الدعوة هو "عالم قطب" المبهم لدى البعض والإيحاءات والدلالات التي دفعت بعض التيارات الثورية الإسلامية للقيام بتوظيفه سياسيا ومذهبيا، فهل بالفعل وقف د.الجندي على منظومة سيد قطب، وحدد لتلك المنظومة ملامح معينة؟
السؤال بصيغة أخرى: كيف يصنف قطب؟ هل هو فقيه أم مفسر أم أديب أم حركي؟ هل كتاب «معالم في الطريق» مثلا هو كتاب في العقيدة معني بشرح نواقض الإيمان ومعالم الفرقة الناجيةوغيرها؟ ذات المنطق ينطبق بشكل أوسع على الظلال، وبالتالي هل قام بفهم مصطلحات ومفاهيم قطب؟
إن من المثير مثلا أن يقول د.الجندي إن سيد قطب هو من صك مصطلح الحاكمية.. وهذا ليس صحيحا؛ فللمصطلح دلالته الأصولية القديمة، أما دلالته السياسية فنمت على أيدي الراحل أبو الأعلى المودودي.
وحتى نفهم ذلك العالم يجب أن نقف على كيفية استخدامه لمصطلحات مثل الجاهلية والحاكمية، وكيف نفهم مقولات مثل انعدام وجود الأمة منذ قرون؟ هل نفهم تلك الأوصاف في سياق الدلالة الشرعية المباشرة أم أن المصطلح تحول مع قطب وآخرين إلى دلالات أخرى؟ .
بمعنى أوضح عندما يستخدم باحث مصطلحات معينة مثل التوحيد في علم الكلام مثلا، فما هي الدلالة؟ وعندما يستخدمه علماء السياسة كيف تتسع الدلالة؟ وأي إجابة تجعلنا نقدر تحرك المفهوم والمصطلح وهو يراكم دلالات كثيرة ومركبة، تجعل مسألة التوصيف حالة مركبة هي الأخرى؟!. وبالتالي كيف نفهم متى يكون الإنسان موحدا، ومتى تكون المؤسسة موحدة "ذات طابع توحيدي"؟ وهل يعني كون المؤسسة موحدة ألا يوجد بها مسيحيون؟ وهل تختلف جاهلية الأفراد عن جاهلية المجتمعات؟ وكيف نفهم الجاهلية إذا دخل فيها فرد ودخلت فيها حضارة؟
وهل إذا قال أحد بانقطاع وجود المسلمين منذ قرون يعني ذلك انتفاء وجود الإسلام عن كل فرد؟ وإذا قال القرآن إن لكل أمة أجلا، فهل أجل الأمة يعني موت كل فرد موتا إكلينيكيا أم موتا خلدونيا؟ وعندما يقول بعض المفكرين إن الأمة موجودة وليست حاضرة، ألا يقارب ذلك التوصيف؟
وببعد آخر.. هل ترتفع تلك المفاهيم لصعيد ما أسماه ابن القيم "فقه الحوادث الكلية"، وهو ما يسميه أستاذ العلوم السياسية الدكتور سيف عبد الفتاح بالفقه الحضاري الذي يستوعب ويسكن داخله جزئيات الفقه الحكمي؟ وهل يختلف الحكم الفقهي إذا تنزل على الشخصية الاعتبارية "المؤسسة" عن الشخصية الفردية.. الفرد أيا كان؟
جدول قطب الاصطلاحي
تلك مجرد تساؤلات تحتاج إلى تبيان لفهم طبيعة الجدول الدلالي والاصطلاحي لقطب وحمولاته وتأثيراته وتنزيلاته، والتوظيفات الأيديولوجية التي مست فكره، فذات الأفكار والمقولات تحولت في سياق معين إلى منهج، ملهم للقوة والعنف كما في الجماعات الجهادية السلفية، تم فيه وضع قطب ضمن مدونات تاريخية خطية، خلقا لنموذج تفسيري متسق لدى رواد التيار الجهادي.
ومن خصوصيات المفكرين الكبار، بحسب ما يرى الأستاذ راشد الغنوشي(4 )، أن يتحولوا مع الزمن إلى رموز لمدارس أكثر من كونهم أفرادا، وذلك بما يتوفر عليه فكرهم من ثراء وتعدد أبعاد تجعله مبعثا لأنواع من الجدل حول تفسير نصوصهم على اتجاهات مختلفة، كلّ يبذل وسعه في سحب المفكر إلى صفه مؤولا تراثه وفق منزعه تأييدا لمذهبه الخاص.
وبالتالي صار قطب عند البعض ممهدا لحركة التكفير التي جاءت بعده؛ حيث يقول عبد الله عزام رائد "الجهاد الأفغاني": "وجهني سيد قطب فكريا وابن تيمية عقديا وابن القيم روحيا والنووي فقهيا، فهؤلاء أكثر أربعة أثروا في حياتي أثرا عميقا"(5 ).
وكذلك يذكر أبو قتادة عن الظواهري أنه عاش شبابه "منفعلا بما كتبه سيد قطب" إلى أن التقى شبابا مثله وأسسوا التنظيم، كما أن أبا قتادة شديد الاحتفاء بفكر سيد قطب ويقول: إن الحركات الإسلامية توقفت عموما في التقدم نحو الأفضل، ومن الأمثلة الصريحة على ذلك صنيع الإخوان المسلمين؛ فقد كان سيد قطب رحمه الله تعالى هو النتيجة الجيدة، والموقع المتقدم بعد حسن البنا(6 ).
وتصبح "ثورية قطب" مصدرا شاحنا لمصطلحات قديمة؛ لكن بدلالات جديدة كما يقول عبد الغني عماد، وفق منظومة من المفاهيم المتراصة في تسلسل محكم قادر بحد ذاته على إنتاج مفاهيم جديدة مستقاة من مصطلحات قديمة(7 ).
ويبدو أن هذا الاتجاه في التحليل والتفسير انساق في ذات الوضعية الجهادية لقطب دون محاولة تحليل مضمون أفكاره، أو الوقوف على الصورة الحقيقية لقطب بعيدا عن ذلك التوظيف.
خلاصة هذا الاتجاه أنه وضع قطب في مخطط تاريخي سلفي جهادي من قبل جهاديين، تم فيه توظيف نصوص لابن تيمية وابن عبد الوهاب، ثم سيد قطب في سند تاريخي متصل، وأن هذه الوضعية تم قبولها والاستسلام لها من قبل محللين واتجاهات.
وبالتالي تم تحليل نصوص قطب بحسب المآل والمصير الذي آلت إليه الفهوم والنصوص والتطبيقات اللاحقة في إطار ليس ما قاله قطب فقط، بل أيضا في إطار ما يجب أن يقوله، ومن خلال ما تنزل في الشرح والهوامش، لتصبح حدود النص القطبي لا تبدأ بالعنوان وتنتهي عند آخر جملة، بل يتواصل النص بفضل أجيال الشراح والمتأولين من جميع الاتجاهات(8 ).
فضلا عن سياق آخر تم فيه توظيف أفكار سيد قطب توظيفا "إصلاحيا"(9 ) وسطيا عند جماعة الإخوان، وكثيرون من رموز تيار الاعتدال يصرون على النظر لقطب بعيدا عن "الثورية الجهادية"، وأنه قريب من المدرسة الإصلاحية، ويراجع في ذلك الردود والجدل الشديد الذي صنعه ملف مميز نشر على موقع "إسلام أون لاين.نت".. إعداد الزميل معتز الخطيب.
ويرى هذا الاتجاه أن التلقي الخاطئ عن قطب كان سببا في تلك الفهوم الخاطئة، وهنا تراجع دفوعات المستشار سالم البهنساوي وسيد دسوقي وسيد نزيلي وغيرهم، وأهم أشكال تلك الدفوع أنها لم تبد موقفا جادا من التلفظات الفكرية التي تبدو تكفيرية، وهي تلك المقولات التي تصعب -بحسب عبد الغني عماد-(10 ) مهمة المتأولين، بل وتجعل المهمة شاقة وعسيرة، فلا شك أن الدفاع عن المودودي وسيد قطب وتبرئتهما من تهمة "تكفير المجتمع" مهمة شاقة وصعبة؛ فهو يقول: "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم.. كل ما حولنا جاهلية..
تصورات الناس، وعقائدهم، وعاداتهم وتقاليدهم"، و"ينبغي أن يكون مفهوما لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين، يجب أن يدعوهم أولا إلى اعتناق العقيدة حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون".
مساران متناقضان
يبدو أمامنا إذن أنه تم توظيف قطب في مسارين: جهادي عنيف، وإصلاحي اعتدالي، وساعد على ذلك بنية النص القطبي شديدة الأدبية والمجاز، وأحيانا ما تبدو تناقضية في خطابه، وصرنا أمام نص مفتوح قابل للتحميل والتوجيه في أي مسار، تحول فيما بعد إلى نص بلا صاحب غير مكتف بنفسه.
والجميع حاول إعادة إنتاجه ليكون ملكا له وحده، مع أنه ليس نموذجا مثاليا للحالة الثورية أو الحالة الإصلاحية، واللافت أن كلا التيارين وافق على قطب بدون تحفظ، وكلا التيارين كان في حاجة لمرجعيته ورمزيته الموحية لاسيما في السبعينيات ومطلع الثمانينيات.
ومع استمرار التمايز بين التيارات الإصلاحية والثورية بدا أن ثمة توافقا على التخفف من مرجعيته، خصوصا مع اكتشاف الفوارق بين بعض أفكار تلك التيارات ومدرسة قطب، ولم يعد الآن قطب ملهما للحركات الثورية العنيفة، ولا الحركات الإصلاحية؛ حيث حلت النصوص السلفية التراثية لدى الأولى، ونصوص الإسلاميين المستلفين لدى الثانية.
ويقدم المفكر رفيق حبيب رؤية مهمة (11 )في سياق توظيف التيارات الإسلامية لنصوص قطب؛ حيث يرى أن إحدى أهم إشكاليات فكر سيد قطب، هي أنه حاول الجمع بين التغيير من أسفل والتغيير من أعلى، وحاول الجمع بين الموقف المتشدد من الواقع الراهن، وبين أساسيات الرؤية الوسطية الحضارية؛ ولذلك أصبح ما كتبه سيد قطب قابلا للعديد من التفسيرات.
فهناك من يراه اتجاها داخل المدرسة الإصلاحية المتدرجة، وهناك من يراه مؤسسا لمدرسة التغيير من أعلى، أي التغيير بالقوة، والغالب كما يقول حبيب أن سيد قطب حاول الجمع بين التغيير من أسفل، ولكن في حدود تكوين الطليعة المتميزة، والتي يكون عليها بعد ذلك إحداث التغيير من أعلى.
وهذا الجمع جعل منهجه الحركي غير قابل للتطبيق واقعيا؛ لذا نجد من انتمى لهذا المنهج إما تحول إلى المنهج الإصلاحي المتدرج، وهو ما حدث لمعظم من انتمى لهذا الفكر داخل جماعة الإخوانالمسلمين، أو تحول إلى منهج التغيير بالقوة، وهو ما حدث لمعظم من انتمى لفكر سيد قطب من خارج جماعة الإخوان المسلمين، واشترك في الحركات المسلحة، وبالطبع يرتبط بمنهج التغيير عدد منالمواقف الفكرية والعقدية من المجتمع والدولة لدى كل تيار.
التجريد وبنية الخطاب
ثم نأتي للقضية الأساسية وهي "تجريد الظلال"؛ حيث تنتقل القضية من حيز الأدلجة لبنية الخطاب، وبالتالي تصبح التساؤلات مشروعة عن طبيعة فهم المجرِّد - د.الجندي- للأسس الفكريةللظلال، وكيف يفهم المنطق التفسيري والبنية السردية لهذا العمل؟ هل الظلال تفسير عفو الخاطر غير ممنهج؟ وليس له عناصر مكونة ودلالات؟
إحدى الدراسات القرآنية(12 ) تحاول كشف الطبيعة النصية لتفسير "في ظلال القرآن"، وترى أن ثمة أساسا منهجيا التزمه سيد قطب في تفسير كل سور القرآن الكريم، مكيها ومدنيها.. طويلها وقصيرها مع بعض التغييرات التي تفرضها طبيعة كل سورة من سور القرآن الكريم.
وهذا الأساس المنهجي يسميه الباحث بالوحدة النسقية للسورة القرآنية، عوضا عن الوحدة الموضوعية والعضوية التي لا تفي بوصف حقيقة وواقع الخطاب القرآني، كما يرى ومن خلال دراسته لتفسير "في ظلال القرآن" تمكن الباحث من تحديد معالم الوحدة النسقية للسورة القرآنية عند سيد قطب وتتمثل في ما يلي:
السورة القرآنية وهي: نسق كلي ومتكامل وهي تتكون من:
المقاطع: وهي تشكل وحدة تصورية، أو فكرة شمولية، أو مشهدا متكاملا حسب طبيعة النص القرآني.
البنيات: وهي عبارة عن أفكار ثانوية، أو لقطات من مشهد.
العناصر: وهي متضمنة لأساسيات المعنى، وحاملة لكل جزئيات السورة القرآنية، ولكل صور المشهد.
وترى الدراسة أن ذلك النهج ألزمه اتباع خطوات منهجية ثابتة في تفسير كل سور القرآن الكريم عند مباشرة عملية تفسير السور القرآنية، ففي بعض السور، خاصة المدنية، نجده يستخدم مصطلح: المقطع - القطاع - الدرس - المشهد، وفي بعض السور المكية نحو سورة الأنعام، والأعراف، والجزء الثلاثين من التفسير، نجد مصطلحات أخرى وهي: الموجة - الموجات - اللمسة – الجولة، وهذا التغير في المصطلح له دلالته، فهو ليس عملية اعتباطية ولا ارتجالية.
وبالتالي أمام د.الجندي كثير من التحديات المنهجية التي يجب أن يجتازها، سواء على صعيد "عالم سيد قطب"، أو مع "البنية التفسيرية"، وعلى الدكتور الجندي أن يعطي مبررات للتعامل معها، لاسيما أن التفسير خاضع لأسس علمية، وخاضع لبنية شديدة الخصوصية تفرض عليه التحري الشديد.
----------------
من أسرة مدارك.
1- خالص جلبي ، كيف تنشأ الأساطير، جريدة الشرق الأوسط لعدد 8485 ، 20 فبراير 2002
2-نواف القديي ، الإسلاميون والقلق السياسي، المركز الثقافي للدراسات، الدار البيضاء، 2008
3- نفس المصدر
4ما مدى مسؤولية قطب عن حركات التكفير والعنف؟ راشد الغنوشي موقع الجزيرة نت http://www.aljazeera.net/NR/exeres/9A535641-9367-460B-938C-25C137D1EF5D.htm
5- سيد قطب.. وجماعات العنف، معتز الخطيب http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1173695075146&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout
6- نفس المصدر
7- عبدالغني عماد، إنشاء الخطاب وتفكيك النص ، نشر على موقع الموسوعة الاسلامية
8- انظر، عبد الله الطحاوي، تحرير محمد عبده من قارئيه المنشور على موقع مدارك على الرابط التالي: http://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1235628803334&pagename=Zone-Arabic-MDarik/MDALayout&ref=body
9- الحركة الاسلامية وسؤال التغيير،رفيق حبيب موقع اسلام اون لاين
10- عبد الغني عماد، إنشاء الخطاب وتفكيك النص موقع الموسوعة الاسلامية على الرابط التالي:
http://www.balagh.com/mosoa/fekr/cy05os26.htm -
11- رفيق حبيب مصدر سابق
12- نسقية السورة القرآنية من خلال تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب. ، أحمد بزوي الضاوي
مدارك
30-06-2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.