قاعدة عسكرية أمريكية لنشر الخراب محمد سعدوني* لعل من أخطر الأحداث التى تلت الغزو الصليبى والفارسى المجوسى الصفوى لبلاد العراق، هى تلك التطورات الساخنة التى يشار إليها تحت عنوان الفتنة الطائفية الشيعية والإثنية . والتى باتت مصدر قلق وإزعاج لكافة البلاد العربية من المحيط إلى الخليج، تحت ذريعة المطالبة بالحقوق المسلوبة من طوائف معلومة انتعشت حسيا وسياسيا بعد غزو العراق، أمام عجز جل الدول العربية على هذه الهجمة، بل وهى التى وقفت إلى جانب أمريكا للإطاحة بحكم صدام حسين، وبغباء بين قدموا العراق هدية للفرس الصفويين على طبق من ذهب هذه الأحداث المدبرة بإحكام أصبحت تثير العديد من الأسئلة الهامة، ومن ضمنها مدى تأثيرها على الاستقرار فى كل البلاد العربية بدون استثناء بما أن الفرس فى إيران مصممون على الانتقام من كل العرب الذين ساندوا صدام حسين فى حرب الخليج الأولى، وآخرون يهيئون لطرد العرب من بلاد المغرب العربي.. والتساؤل حول احتمال تأثير هذا على استمرار وبقاء هذه الأنظمة العربية المنكوبة بالغباء ينطبق عليها المثل العربى "لقد رأوا العشب ولم ينتبهوا إلى الحافة" بمعنى هم الذين سارعوا إلى مساعدة أمريكا للتخلص من صدام حسين، طلع لهم بعبع الطائفية والعمائم الحاقدة المسنودة من إيران بدعم سرى من إسرائيل وأمريكا. فهل حان الوقت لتقديم تقييم موضوعى لكل الأحداث التى تقع هنا وهناك، والقوى المحركة لها وتطوراتها. بما أن المسرح العام لهذه الأحداث هو الشارع العربى المبهور والمخدوع بالمواقف الباسلة"..." لإيران فى تصديها لأمريكا، وتمثيلية تخصيب اليورانيوم التى لم تعد تخذع أحدا. وفى جانب حزب الله فى مناوشاته المريبة للجيش الإسرائيلي، وحماس فى رفضها المنافق لكل تسوية مع العدو الصهيوني، وفى المغرب من خلال رفض"العدل والإحسان" القاطع لكل تطبيع أو تفاهم سياسى مع النظام المغربي. وهى كلها مواقف براقة وحيل سياسية انطلت على جمهور واسع من المغاربة الذين يئسوا من بلورة موقف عربى موحد "فى جانبه الرسمي" للضغط على إسرائيل حتى ترد شيئا من الحق الفلسطينى ولو من باب التضحية بشيء من الراحة البيولوجية وتذوق بعض صداع الرأس! وثمة مؤشرات تهدد المغرب بتكرار أجواء سنتى 1971و1972، ونقصد به السعى لإدخال المغرب فى فوضى اجتماعية وصراع إثني، ومن ثم ليتم تسليم الأمور إلى فئات موالية للهيمنة الإمبريالية الأمريكية، وذلك بعد أن تكون أمريكا قد وطدت أقدامها عسكريا فى المغرب من خلال القواعد العسكرية الموعودة التى هى قيد الإنشاء. والسؤال هو: لماذا كانت أمريكا هى التى تولت وتتولى مسؤولية تفجير الأوضاع فى العالم العربي؟ يفخر المغرب بأنه كان أول دولة اعترفت باستقلال أمريكا على عهد السلطان سيدى محمد بن عبد الله. إلا أن ذلك لا يغنى عن عواقب ومخاطر الازدواجية فى الموقف الأمريكى اتجاه النظام المغربي، أى التناقض بين الخطاب المعلن فى التصريحات الرسمية، والخطاب الفعلى الذى تتضمنه الممارسات الخفية للدفاع عن مصالح أمريكا كقوة كبرى تسعى للحفاظ على هيمنتها فى شتى المجالات والجهات وبكل الوسائل ولو أدى الأمر إلى التفاوض سرا مع خصوم النظام العلوى الحاكم والأشد كرها له. اجتهدت مراكز الأبحاث والاستخبارات الأمريكية بجميع أصنافها فى جمع المعلومات والدراسات حول التشكيلة العرقية للمغاربة، فاهتدت إلى أن هناك جهات وقبائل فى المغرب تكنز أشد العداء والكره للنظام المغربى لأسباب تاريخية، وأخرى سياسية مرتبطة خاصة بما جرى وتلا انقلابى 1971 و1972، وللعرب بصفة عامة باعتبارهم "غزاة" و"دخلاء". فهناك بربر الريف الذين ما زالوا يعارضون الحكم القائم لأسباب تتعلق بمرحلة استعمارية مرتبطة ببطل الريف محمد بن عبد الكريم الخطابى الذى هزم الإسبان فى معركة أنوال الشهيرة، وبعدها أصبح رمزا أسطوريا لبربر الريف. مع العلم أن عبد الكريم الخطابى يفتخر به كل المغاربة وهو بطلهم القومى الذى مرغ أنف الجيش الإسبانى فى وحل "أنوال"، كما أنه أقام فى جمهورية مصر العربية بعد تهريبه من السفينة التى كانت تحمله إلى منفاه... وذلك خلاف أنصاره الحاليين الذين يحتمون بهولندا وبإسبانيا التى استعملت الغازات الكيماوية فى حرب الريف، والتى مازالت تستعمر جيوبا من التراب المغربي! أما الخطير فى كل هذا فهو التدخل الأمريكى والمكشوف فى الأمور السياسية الداخلية لبلاد المغرب بتركيزهم على عناصر وجهات معلومة لا علاقة لها بالمنظومة الوطنية المغربية: والمقصود هنا بربر "زناكة" والأطلس وسوس الذين يتم تهييئهم للمرحلة القادمة، والدعاية لهم لإيصالهم إلى مراكز السلطة والقرار. وهو ما بدأت تظهر ملامحه فى التركيبة للحكومة الحالية التى أصبحت تضم عدة وزراء ورجال سلطة من الأطلس وسوس وبعض الريف إلى جانب العنصر الفاسى الذى نخره الفساد والمحسوبية. وهناك أسطورة أمريكية تتداولها المحافل الماسونية فى أمريكا وفى إسرائيل حول كنز ثمين ما زال البحث عنه مستمرا، وهل هذا الكنز مدفون فى واشنطن أو فى الجهة الجنوبية للولايات الأمريكية... أو فى تطوان "بالمملكة المغربية"، وهى منطقة صغيرة تقع بين ورزازات وأكادير والمعروف عنها أنها أنجبت عناصر بارزة فى حزب الحركة الشعبية "حزب لعروبية كما ينعتة الفاسيون"، وعناصر أخرى فى حزب العدالة والتنمية الديني، كما أن أكثرية أتباع عبد السلام ياسين فى تنظيم العدل والإحسان هم من بربر الراشدية وفكيك وسوس، ومن بربرالريف وأعراب الضواحى المنسية. هذا المحفل الماسونى الذى تأسس على عهد جورج واشنطن هو الذى اغتال الرئيس أبراهام لينكولين. وإذا ما وضع هؤلاء الماسونيين أنفهم فى أمورنا ستكون العواقب كارثية كما حدث فى العراق على عهد حكم بول بريمر الصهيونى الصليبي. ولا شك فى أن مثل هذا التصور يلغى المفاهيم والمواقف المرتبطة بالمصالح المشتركة بين المغرب وأمريكا، أو بالحوار بين الشمال والجنوب، ويحصر العالم العربى فى منطق واحد: هو منطق الصراع ضد الإسلام والحضارة العربية الإسلامية. وفى ضوء ما تقدم نستطيع إن نفهم طبيعة الإجابة على السؤال المتعلق بمشروع القواعد العسكرية الأمريكيةالجديدة فى المغرب، وبتوقيت الأزمة السياسية والطائفية والتى سوف تتولى الإدارة الأمريكية مسؤولية تدبيرها وتفجيرها. فليس من محض الصدفة أن تتزامن مع ظهور الصياغة الجديدة فى الدعاية اتجاه حزب العدالة والتنمية الذى قالت عنه الدوائر الأمريكية أنه سوف يحصد أربعين فى المئة من أصوات الناخبين المغاربة، ومن خلال استضافة نادية ياسين ابنة زعيم تنظيم العدل والإحسان الأمازيغي، فى جامعات أمريكا، حيث أدلت بكل جرأة أن العدل والإحسان تتهيأ لحكم الجمهورية المغربية بعد انهيار النظام الملكى حسب تخميناتها وأحلام أبيها وأتباعه. وهذا الوضع الذى صوره عبد السلام ياسين "اسمه الحقيقى عبد السلام جسوس" فتح المجال أمام أشد التيارات الأمازيغية تطرفا، كى تطمح إلى إعادة ترتيب أفكارها وأوضاعها الداخلية. وقد يساعدها على هذا إنها تملك عبر مواقفها العدائية المشتركة مع أمريكا للعرب، وعبر بوابة القواعد العسكرية الجديدة مجالا واسعا للتحرك والمناورة بكل حرية وبسرعة فائقة. أما إذا أضفنا إلى هذا رفض الإدارة الأمريكية مواجهة نفسها بالحقيقة المرة، وهى فشلها فى حربها ضد المقاومة فى العراق، فإن الرغبة فى إقامة قواعد فى المغرب إصبح شيئا ملحا ومؤكدا. فالأمر ازداد تعقيدا بعد التراكمات التى عرفتها الحياة السياسية الأمريكية بعد غزو العراق، وحربها على ما يسمى بالإرهاب، إلى الأحداث الإيرانية فى العراق ولبنان وفلسطين، ومخلفات كل ذلك على المخزون النفسى الأمريكي. ذلك أن الأمريكى لا يمكن له أن يفهم هزيمة أخرى فى العراق بعدما نجحت أمريكا فى تطويع حلفائها وإخضاعهم لمنطق وفرضية الانتصار والنجاح فى العراق بسهولة وبسرعة فائقة. إن كل هذا أثبت على انبعاث الشعور الصليبى الرافض للحوار والانفتاح، ممثلا فيما أصبح يعرف ب"البوشية""نسبة إلى الرئيس بوش"، ومعنى هذا أن البوشية ليست مجرد خط سياسى مؤقت ومرتبط بما يقع فى العراق وأفغانستان والسودان... بل هو تصور جديد يستند إلى ثوابت السياسة الأمريكية، ويتحكم فى توجيه ممارساتها عبر إخراجات تتكيف مع الظروف والأحداث ولو أدى الأمر إلى الإطاحة بحليف الأمس كما حدث فى انقلابى الصخيرات والطائرة ضد الملك الحسن الثانى عامى : 1971/1972 والتى كان محركها ضباط أمازيغ. فبعد استقلال المغرب، فرضت فرنسا أو اشترطت على الملك محمد الخامس بعدم المس أو الانتقام من الضباط الذين كانوا فى صفوف الجيش والشرطة الفرنسية، بل وعلى إدماج اللفيف الأجنبى "عناصر حربية مرتزقة" فى الجيش الملكى النظامي، وهو ما تأتى لها. هذه العناصر التى نشطت فى الحرب العالمية الثانية، وفى حرب الهند الصينية، وفى المستعمرات الأخرى غالبيتها بربرية ومن خنيفرة، والأطلس المتوسط، والراشدية، ومن عين الشعير"الجنرال أفقير مهندس الإنقلابين"، وهذه العناصر هى التى قامت بالمحاولتين الانقلابيتين ضد النظام الملكى بمساعدة المخابرات الأمريكية التى كانت مرتكزة فى القاعدة العسكرية بمدينة القنيطرة، والتى فر ضباطها الأمريكيون مباشرة بعد فشل الانقلاب الثانى وانفضاح أمر الجنرال أفقير الذى كان يتقاسم السلط مع الملك الحسن الثاني! والملاحظ أن الأحداث المتسارعة على الساحة السياسية فى المغرب توحى بأن هناك أمورا تدبر فى الخفاء وأن التاريخ سوف يعيد نفسه فى المغرب، حيث أن المرتزقة المغاربة المقاتلين فى صفوف الجيش الأمريكى فى العراق وأفغانستان، وبعد بروز بوادر الانسحاب من العراق، لا شك أن أمريكا سوف ترغم المغرب على إدماجهم فى صفوف الجيش المغربى وفى سلك الشرطة. لأنها بكل بساطة سوف لن تسمح لهم بالإقامة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولا حتى الدول الغربية هى الأخرى لن تسمح بهذا. لأن هذه العناصر غير منضبطة من جهة، ومن جهة أخرى فان لها فيهم مآرب أخرى فى حراسة القواعد العسكرية الجديدة المستقبلية. لأنها بكل بساطة تتوجس منهم شرا كما وقع مع جيش لبنان العميل لإسرائيل، مما دفع بالكيان الصهيونى إلى اتخاذ تدابير مغايرة مع بدو وأعراب سيناء الذين كانوا مرتزقة فى الجيش الإسرائيلي، وبعد انسحاب إسرائيل من سيناء، خيرتهم بين السفر إلى كندا أو استراليا إلا الإقامة فى إسرائيل. وهو ما دفع بكثير من الأعراب البدو الذين بقوا فى غزة إلى الانخراط فى صفوف حركة حماس، أو التعاطى للتهريب وتجارة السلاح. لقد كثر الحديث واللغو عن إقامة قواعد عسكرية أمريكية فى المغرب ضمن عملية "أفريكوم" أو ما يسمى بالحرب على الإرهاب، والسؤال هو: ما هى العناصر التى ستكون جاهزة للتعاون عسكريا وإداريا وسياسيا مع الجيش الأمريكي؟ ذلك أن المناخ الذى ساعد على بلورة هذه الفكرة والإعداد الأمريكى لهذه الحرب، ومطالبة الدول العربية أو مساومتها بالمساعدات مقابل التخندق معها فى حربها ضد الإرهاب ونقصد به منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة العراقية... فترتب على هذا انبعاث شعور إثنى وطائفى عندنا فى المغرب وإرادة السيطرة البربرية على مقاليد السلطة والاقتصاد، من خلال بروز خط جديد شكلت منه البوشية خط الرجوع إلى الماضى واللغة التى كانت سائدة فى العهد الاستعمارى الفرنسى الذى حاول ترجيح كفة البربر على كفة العرب،واللغة المتبعة حاليا المعتمدة فى عنفوان الحرب على الإسلام والعروبة، أشد من تلك التى كنا نسمعها فى المغرب " وفى كافة البلاد العربية"، عندما كنا نسمع أصواتا ترتفع ضد المعسكر الشرقى أشد هيجانا من تلك التى كنا نسمعها فى المعسكر الغربي، أى أصوات تعادى العرب من داخل المغرب بغلاف عرقى أشد من تلك التى يسمعها العرب المهاجرون فى أوروبا والغرب. إن مثل هذا التصور العنصرى الذى يلغى المفاهيم السائدة فى المغرب، والمرتبطة بالتعايش السلمى والحضارى ليس فقط بين العرب والبربر منذ زمن بعيد، بل وحتى بين المسلمين وغير المسلمين وهو ما يتميز به المغرب. وما عدا هذا سوف تسود القيم الأشد تخلفا وانغلاقا ورجعية. مما يستلزم أن الهزيمة التى يعرفها التيارالعربى فى المغرب العربى وفى العراق وفى لبنان وفى فلسطين وفى السودان، وهنا وهناك، ليست مؤقتة.