ناشط نقابي وحقوقي -18 جويلية - يوليو 2009 توالت علينا في الآونة الأخيرة في الشبكة العنكبوتية للانترنات العديد من المقالات والنصوص التي ينظَر أصحابها للتطرف الديني والذي نعني به ربط حياة الانسان في كل كبيرة وصغيرة بالتصور الديني . وتراهم يفرضون تصورهم هذا باسم الدين من أبسط الأشياء الى أعقدها. فينصبون أنفسهم قضاة ومفتيين فيحرمون كما يشاؤون ويحللون كما يرتؤون وفقا لرؤيتهم الدينية السلفية الغارقة في الماضوية والتي نعرَفها بكونها استعادة الماضي في الحاضر واعتباره مشروع المستقبل . فيجترَون المعرفة نقلا عن النص ولا يعتمدون على البرهان العقلي ولا المنطق العلمي الذي يخضع كل الظواهر والاشياء الى العلة والمعلول . فيدعون الى احياء بعض ما أجمعوا عليه من كونه سننا في السلوكات الشخصية فينمطونها حتى يصبح الانسان كائنا دينيا كهنوتيا أو يصبح كأنه رهبانا ينزل من السماء . وهكذا نجدهم يتدخلون في كل الأمور في حياة الفرد والمجتمع باسم الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر ضاربين عرض الحائط بالحرية الشخصية التي وهبها الله للانسان الذي استخلفه في الأرض . و بما أن التطرف لا يلد الا التطرف فان ردة الفعل على هذه النظرة الدينية المتعصبة كانت عنيفة بالمثل . حيث وجدنا في الكثير من الردود والقراءات رؤية لائكية متطرفة أو علمانية موغلة في التطرف . فاذا انطلقنا في رؤيتنا الفكرية من الواقع الاجتماعي الذي نعيشه فالسؤال الذي يفرض نفسه علينا منطقيا وببساطة هو : من نحن؟ وما هو مجتمعنا ؟ واذا علمنا أننا عرب و مجتمعنا عربي وهي الحقيقة فكل الاشكاليات التي تتعلق بالدين والنظرة اليه والموقف منه تبدو في غاية من البداهة ولا تتحمل أية تعقيدات أو ملابسات . ولست أدعي في العلم فلسفة فذلك ما يقرَ به علم الاجتماع السوسيولوجي . وبناء على ذلك نقول لأصحاب النظرة اللائكية : الأمة العربية تكونت في ظل الاسلام فكان الدين الاسلامي جزءا أساسيا محددا في تكوين نسيجها الاجتماعي . ولم يكن الدين اضافة كما كان عند الأمم الأخرى كالأمة الفارسية أو التركية أو الأفغانية . وبالتالي كان الدين عنصرا محددا في التكوين القومي للأمة العربية لا يمكن الاستغناء عنه ولا الغاؤه . ومن هنا تكون الدعوة لللائكية كالذي يغرد وراء السرب أو« كالأطرش وسط الزفة » . فالشعب العربي يدين بالاسلام في غالبيته العظمى وهذا لابد من أن يترك آثاره في السلوك والتقاليد والمخزون النفسي للجماهير كما يقول حسن حنفي في كتابه : التراث والتجديد . فلا يمكن بأية حال من الأحوال حتى وان كنت لائكيا متطرفا أن تشذ على القاعدة الاجتماعية في التمسك بالعادات والتقاليد التي يعيشها شعبنا العربي من المحيط الى الخليج في المناسبات والأعياد كعيد الاضحى المبارك أو عيد الفطر أوحتى في المآتم والأعراس .فلتكن أيها الانسان العربي مؤمنا أوملحدا ذلك شأنك الخاص بك وهي حريتك الشخصية لايستطيع أحدا أن ينزعها منك . فالدين الاسلامي دعا الى حرية المعتقد قبل أن تظهر في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ودافع عن أهل الكتاب من مسيحيين ويهود واعتبرهم أبناء المجتمع الاسلامي وجبت حمايتهم في العبارة المشهورة تاريخيا حيث يطلق عليهم « أهل الذمة » .كما أن التراث النير في الاسلام واالذي نادى به المعتزلة وندعو له في هذا النص يؤمن بأن الانسان مخير في أفعاله وليس مسيَرا . وهذا ما يؤكد في رؤيتنا التقدمية هذه من أن الاسلام ينتصر الى حرية الانسان أولا وأخيرا . وللمتطرفين في هذا الموقف أو ذاك نقول ان الصراع الدائر رحاه الآن في المجتمع العربي ضد الأمة ليس صراعا بين الكفر والايمان ولا بين معسكر الكفر ومعسكر الايمان ولا بين الملاحدة والمؤمنين ولا بين أهل الكتاب والمسلمين بل هو صراع بين الأمة وأعدائها التاريخيين الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية .ومضمون هذا الصراع هو التحرر من نير الاستعماربشكليه المباشر والجديد و القطع مع نظام الاستغلال الرأسمالي بالتوجه نحو التخطيط الاشتراكي والغاء التجزئة كأمر طارىء فرضتها اتفاقية سايكس بيكو وغيرها من المعاهدات والصفقات المشبوهة بين الاستعمار والمتواطئين معه على حساب وحدة الأمة وتقدمها . فكل أبناء الشعب العربي مسلميهم ومسيحييهم ويهودييهم المؤمنين منهم وغير المؤمنين المتطرفين منهم والغارقين في السلفية أو المتطرفين منهم والموغلين في اللائكية هم ضحايا الاستعمار والاستغلال والتجزئة والاستبداد والتخلف . فلنترك التطرف الديني أو اللائكي جانبا في هذا الموقف أو ذاك ونحسم معركتنا المصيرية ضد أعدائنا من أجل التحرر والاشتراكية والوحدة .