حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    هل التونسيون معنيون بالمتحور الجديد للكورونا Flirt؟    الكاف: مهرجان ميو يحتفي بفلسطين    وزيرة الأسرة تستقبل وزيرة التّنمية الاجتماعيّة بسلطنة عمان    فيضانات تغرق هذه المناطق    جمعية المحامين الشبان تودع شكاية في التعذيب وتدعو رئيس الجمهورية إلى الاطلاع على ملف بوزقروبة    القيروان انقاذ طفل سقط في بئر    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    الإعلامي زياد الهاني يمثل أمام القضاء..    آخر كلمات الإعلامي الرياضي أحمد نوير قبل رحيله...رحمه الله    خلال شهر أفريل : رصد 20 اعتداء على الصحفيين/ات من أصل 25 إشعارا    البنك الأوروبي لإعادة الأعمار وشركة خاصة يوقّعان إتفاقيّة تمويل مشروع للطاقات المتجدّدة بفريانة    القيروان: الاحتفاظ ب 8 أشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوت هويّة ويعملون بشركة فلاحيّة    سيف الله اللطيف ينتقل الى الدوري الهولندي الممتاز    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    سليانة: توقّعات بتراجع صابة حب الملوك في مكثر    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    سيدي بوزيد: وفاة كهل وزوجته في حادث مرور    قابس: عدد الأضاحي تراجعت هذه السنة    إتحاد الفلاحة : كتلة أجور موظفي إتحاد الفلاحة 6 مليارات و700 ألف دينار    البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    حجز 900 قرص مخدر نوع "ايريكا"..    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    عاجل : الكشف عن مصنع عشوائي لتعليب المنتوجات الغذائية و الأمن يتدخل    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    هام/ مناظرة لانتداب 34 متصرفا بالبريد التونسي..    اتحاد الفلاحة: أسعار أضاحي العيد ستكون باهضة .. التفاصيل    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    انتخاب تونس عضوا بالمجلس الوزاري الإفريقي المعني بالأرصاد الجوية    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    غزة.. سقوط شهداء في غارة إسرائيلية على مدرسة    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب العربي.. استقرار ظاهر وخطر كامن (12) *
نشر في الفجر نيوز يوم 16 - 08 - 2009


ترجمة - مروة نظير
تعد منطقة شمال إفريقيا، المعروفة في الكثير من الأدبيات بمنطقة المغرب العربي، من أكثر الأقاليم ازدحاماً بالسكان في العالم العربي، إلا أنها نادرا ما تتفاعل في قلب التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ولا تركز عليها الدراسات الأمنية إلا من منظور انتشار الإرهاب بها، إلى جانب التهديدات التي تشكلها الهجرة غير الشرعية والشبكات الإجرامية التي تتحرك منها شمالاً إلى أوروبا.
ومن ثم، تركز أولويات السياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة حاليا على السيطرة على وإدارة التفاعلات بين جنوب أوروبا وشمال إفريقيا. ولا يقتصر الأمر في هذا السياق على وضع قيود كثيرة تحد من دخول مواطني الشمال الإفريقي إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، بل تجدر الإشارة إلى وجود هاجس لدى الاتحاد الأوروبي بأن كل من يحمل جنسية الدول الأربع المعنية هنا (الجزائر والمغرب وليبيا وتونس) يعتبر بشكل أو آخر عضوا في إحدى الشبكات الدولية والمؤسسات الفرعية المرتبطة بتنظيم القاعدة. ومنذ العام 2007 (حيث تم تشكيل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ومقرها الجزائر) تم تشديد الرقابة الدولية على نفوذ الإسلاميين في المنطقة وعلى علاقاتهم بالشبكات الإرهابية في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.
من جانب آخر، يعد استقرار الجزائر وليبيا مهم جدا بالنسبة لأوروبا، وبدرجة أقل، للولايات المتحدة، وذلك بسبب مواردهما من الغاز والنفط؛ إذ إن مشروعات مد أنابيب الغاز الطبيعي والمسال قد لفتت انتباه الأوروبيين بسبب قرب مصادر الطاقة في شمال إفريقيا بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين، وهو ما جعل لهذه المنطقة دورا شديد الأهمية في إستراتيجيات تنويع مصادر الطاقة الأوروبية، لاسيما وأن الأوربيين يخشون تزايد الاعتماد على الغاز الروسي.
ومنذ أن تحررت ليبيا في العام 2003-2004 من العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة بدعم من قبل الولايات المتحدة إثر أزمة لوكيربي في أواخر الثمانينات، أبدت شركات النفط الدولية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا اهتمامها بالاستثمار في وتطوير مصادر الطاقة والبنية التحتية في شمال إفريقيا بصفة عامة وليبيا بصفة خاصة.
وبسبب الغاز والنفط أيضا، اتجه بعض شركاء شمال إفريقيا للإخلال بالتوازن الإقليمي في المنطقة عبر السنوات الأخيرة من خلال ممارسة الضغط على الحكومات الإقليمية للتعجيل ببرامج الإصلاح المحلية. وبالمقابل قامت القيادات المحلية لهذه الدول بإمداد الولايات المتحدة وحلفائها بجهود استخباراتية مكثفة، وزادوا من تحركاتهم في إلقاء القبض على المشتبه في تورطهم في أعمال إرهابية؛ إذ عانت هذه الدول من هجمات إرهابية منذ العام 2001، واليوم ينظر إلى كل زعماء شمال إفريقيا، بما فيهم معمر القذافي كشركاء أقوياء للغرب في الحرب العالمية على الإرهاب، والتي أطلقتها إدارة جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
وكان لهذه التوجهات تأثيرات سلبية عدة تمثل أبرزها في تراجع اهتمام الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية بقضايا حقوق الإنسان والاحتجاز التعسفي، والتي كانت تشكل جانبا كبيراً من المبادرات الأمريكية والأوروبية السابقة نحو المنطقة. كما أن الادعاءات بوجود تواطؤ من قبل بعض الدول الغربية في بعض قضايا الاحتجاز التعسفي بحق الإرهابيين المشتبه بهم قد أضعفت المصداقية الأمريكية والأوروبية في دعوة دول المنطقة لإجراء إصلاحات في هذه المجالات.
وعلى الجانب الاقتصادي، استمر تكريس الليبرالية الاقتصادية والتجارية في هذه الأثناء، لكن من المحتمل أَن تضعف الضغوط الأوروبية في هذا الصدد نتيجة لبروز التوجه المتزايد نحو الحمائية في الاقتصادات الكبرى في العالم. ويتركز العمل الآن على إتاحة توسيع الفرص الاقتصادية أمام قطاع أعرض من السكان في بلدان الشمال الإفريقي، وذلك من خلال تمديد شبكات الكهرباء الإقليمية، وإصلاح البنى التحتية والطرق، وشبكات النقل والسكك الحديدية والموانئ والمطارات.
وفي عصر يحكمه عدم التأكد، يبدو أن إغراءات تراجع الدول الأوروبية عن التورط في دعم المزيد من هذه الإصلاحات خلال المرحلة المقبلة ستكون قوية. من ناحية أولى، لا تزال الأسواق في هذه المنطقة مشوهة (وإن بدرجات متفاوتة)، لاسيما في قطاع الأعمال المصرفية والخدمات المالية، وفي نظم الإعانات المالية والحواجز غير الجمركية، وهو ما قد يكون نتيجة غياب الهياكل التنظيمية والقانونية المحكمة، وحتى إذا ما وجدت هذه الهياكل؛ فإن تطبيقها يلفه قدر كبير ومتعمد من الغموض.
ومن ناحية أخرى، نجحت الضوابط التي وضعتها الحكومات المركزية خلال السنوات الماضية في منطقة شمال إفريقيا في الحفاظ على هدوء المنطقة والحد من انتشار الإرهاب (وإن لم يتم القضاء عليه كليا). ولكن كان المقابل لذلك (أو الثمن) هو فشل تلك الحكومات في الوفاء بطموحات مواطني المنطقة، الذين ليس لغالبيتهم أية علاقة بالأنشطة الإرهابية.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن أجهزة الإعلام الغربية لا تتعرض إلى ما يترتب على ذلك من نتائج، خاصة وجود مؤشرات على توجه شعوب المنطقة إلى فك الارتباط بينها وبين نماذج الحكم الشخصانية المرتبطة بوجود قيادات بعينها؛ فهناك العديد من المؤشرات تدل على وجود تحلل تحتي لهذه المجتمعات منها: لامبالاة الناخبين في العديد من الانتخابات الصورية، والإضرابات غير الشرعية على نطاق واسع بسبب الأجور والأسعار وشروط العمل، والاحتجاجات المحلية على المشكلات في قطاعات الصحة والتعليم ووسائل النقل والإسكان، فضلا عن المظاهرات المتقطعة من قبل الشباب المتعطل عن العمل لفترات طويلة.
وعلى الرغم من أن الوضع في شمال إفريقيا لم يصل حتى الآن إلى مرحلة التأزم أو العنف الممنهج، فإن هذا النوع من الاضطرابات له سوابقه التاريخية في المنطقة. ففي عام 1988، كانت الإضرابات والاحتجاجات الوطنية في الجزائر بداية لثورة سياسية قادت إلى عقد كامل من عدم الأمان والعنف الذي أفضى إلى مقتل مائتي ألف شخص وأطال أمد الإرهاب الذي لا تزال جذوره لم تستكشف بالكامل حتى الآن.
ضعف التعاون الإقليمي
تمتلك منطقة شمال إفريقيا العديد من المميزات التي تسمح لها بشق طريقها بثبات خلال مشاكل الكساد التي تواجه الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي؛ فدول هذه المنطقة لديها اقتصادات متوسطة الحجم، كما تمتلك احتياطيات مالية غير مستغلة، فضلا عن الموارد البشرية التي تتمتع بها، ومن ثم فهي لن تحتاج نوع المساعدات الأجنبية الذي يخلق حالة من التبعية، كما لا تحتاج الاستثمارات التي قد تخل بالتوازنات الاقتصادية والسياسية الحالية.
وبالرغم من أن نصيب المنطقة من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي قد تحسن لدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة، إلا أنه يزال قريب من مستوى الاستثمارات التي تجذبها الأسواق الآسيوية والأمريكية اللاتينية، حيث تجتذب دول شمال إفريقيا بين 4 إلى 5% فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي في القارة الإفريقية، في حين تجتذب جنوب إفريقيا حوالي 50% من هذه الاستثمارات، وهو ما يرجعه البعض إلى الصعوبات المستمرة للعمل في شمال إفريقيا من قبيل قلة الشفافية، والفساد، والشروط غير المناسبة للاستثمار، فضلا عن شخصنة الاتصالات اللازمة للتغلب على الموانع البيروقراطية.
جدول يوضح ترتيب دول شمال إفريقيا وفق بعض المؤشرات العالمية للشفافية والحرية والتنافسية
المؤشر
السنة
الجزائر
المغرب
تونس
ليبيا
مؤشر بيت الحرية
Freedom House Index
2009
غير حرة
حرة جزئيا
غير حرة
غير حرة
مؤشر مؤسسة التراث للحرية الاقتصادية
Heritage Foundation Economic Freedom Index
2009
رقم107 بين179 دولة
رقم101 بين 179 دولة
رقم98بين 179 دولة
رقم 171 بين 179 دولة
مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي للتنافسية
World Economic Forum Global Competitiveness Index
2008
رقم 99 بين 134 دولة
رقم 73 بين 134 دولة
رقم 36 بين 134 دولة
رقم 91 بين 134 دولة
مؤشر مؤسسة الشفافية العالمية للفساد
Transparency International Corruptions
Perception Index
2008
رقم 92 بين180 دولة
رقم 80 بين180 دولة
رقم 95 بين180 دولة
رقم 126 بين180 دولة
وبالنسبة للمستثمرين الأمريكيين، يعد غياب الأسواق الإقليمية عاملا يجعل الاستثمار في أسواق شمال إفريقيا غير جاذب. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي للحد من تبعية اقتصادات الشمال الإفريقي لأوروبا، التي تستأثر بحوالي 60% من إجمالي صادرات وواردات هذه المنطقة، فلا تزال التجارة البينية بين هذه الدول عند حدود 5% بين ليبيا وتونس، وأقل من 2% من التبادلات التجارية الكلية بين بقية دول المنطقة.
وتعد العوامل السياسية هي السبب الرئيس وراء ذلك، فقد أدى النزاع الطويل الأمد حول مستقبل الصحراء الغربية إلى توتير العلاقات بين الجزائر والمغرب، الأمر الذي بلغ ذروته في إغلاق الحدود بين الجانبين في عام 1994. وكان السبب المعلن لذلك في ذلك الوقت هو محاولة الحد من تأثيرات انتقال الإرهاب الذي تعاني منه الجزائر إلى المغرب، وذلك بعد مقتل مجموعة من السائحين في هجوم في مراكش. وقد قوبلت المحاولات المغربية اللاحقة والمتعددة لإعادة فتح الحدود برفض السلطات الجزائرية، وذلك بسبب المخاوف الأمنية من ناحية، فضلا عن السعي للسيطرة على المحاولات المغربية للسيطرة على الصحراء الغربية من ناحية أخرى، ولا تزال الاختلافات حول هذا الشأن بين الجزائر والمغرب قائمة حتى الآن.
وقد أسفر ذلك عن تباطؤ حركة التجارة بين البلدين (حيث توفر الجزائر النفط الذي تفتقد إليه المغرب، في حين يوفر الأخير المنتجات الزراعية التي تفتقر إليها الجزائر)، كما أنه حدً أيضاً من فرص تطوير إطار إقليمي أوسع للتعاون والتجارة بعدما أخفق الاتحاد المغربي العربي (الذي يتضمن موريتانيا، إلى جانب المغرب والجزائر وتونس وليبيا) في تجاوز إطاره الدبلوماسي الأولي بعد تأسيسه في عام 1987. ويأتي ذلك فيما تشير بعض الدراسات إلى أن التكامل الإقليمي بين دول الشمال الإفريقي سوف يضاعف المستويات الحالية من التجارة في المدى القريب، والمقدر أن تصل المكاسب المتوقعة إلى مليار دولار في تجارةِ البضائع وحدها، أَو زيادة 10 مليار دولار عن كل 1% زيادة في التبادل التجاري.
وعلى الرغم من أن كل دول الشمال الإفريقي الساحلية تقوم الآن بشق طرق ساحلية سريعة، لكن هذه المشروعات منفصلة عن بعضها البعض، والمفترض وفق مقررات الاتحاد المغربي العربي أن تصبح طريقا مشتركا يربط اقتصادات الدول الأربع الرئيسية، وما لم يتطور المناخ السياسي الإقليمي بما يسمح بالوفاء بمتطلبات الاقتصاد العالمي؛ فمن غير المحتمل أن يتم تطوير اقتصادات المنطقة.
السياسات الداخلية
وإذا كان هذا هو حال فرص التعاون الإقليمي بين دول المغرب العربي، فمن جانب آخر لا توفر السياسات الداخلية بديلا عن انخفاض مستوى هذا التعاون الذي لا يزال قاصرا على التنسيق المحدود في المجال الأمني، والذي لا يزال تعوقه المنافسة بين دول المنطقة على جذب الدعم المالي والسياسي الخارجي.
وقد حددت قيادات المنطقة أولويات التطوير خلال المرحلة القادمة ووضعت خططاً تمتد لأربعة أَو خمسة أعوام لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية بعينها، لكن وبدرجات مختلفة ولأسباب تختلف من دولة لأخرى، تميز أداء هؤلاء القادة بالتردد -وربما عدم الرغبة- في تنفيذ تلك الخطط أو الانتقال من نموذج يعتمد على المركزية في التخطيط والإنفاق والسيطرة إلى هياكل سياسية واقتصادية أكثر ديناميكية.

ومن الناحية العملية، يمكن القول إن الهيكل الضعيف للمؤسسات الرئيسية للدولة (أجهزة الأمن، الجيش، البنوك المركزية، والقطاعات الاقتصادية الإستراتيجية) يعد أحد أهم المؤشرات الرئيسية على العوائق التي تواجه دول الشمال الإفريقي، وبالتحديد، عدم قدرة هذه الدول على جذب والحفاظ على الاستثمارات المحلية والعالمية على النحو الذي تسمح به مكانتها كاقتصادات متوسطة الحجم؛ إذ تسيطر الأبوية على النظم السياسية والاقتصادية في كافة أنحاء المنطقة، حتى أن عددا قليلا جدا من الفاعلين المحليين يستطيعون العمل بشكل ذاتي خارج هياكل النخبة، كما لا تزال السلطات القضائية في هذه البلدان خاضعة للتدخلات السياسية؛ الأمر الذي يسمح للحكومات بالتعامل مع مختلف الظروف بقدر كبير من الاستبداد الذي يخنق فرص ظهور المعارضة البناءة.
ولم يؤدِ التقدم الحادث في مجال حريات التعبير والتنظيم في السنوات الأخيرة، علاوة على تحرير الصحافة في الجزائر والمغرب، إلى زيادة التوجه نحو مراقبة الأداء السياسي أو إرساء مبدأ محاسبة المسئولين العموميين إلا في بعض الحالات الانتقائية التي لها دلالات دولية. أما الممارسات الصحفية، فيتم التعامل مع كل حالة منها على حدة، ولا توجد تنظمها العديد من القواعد الإجرائية، وذلك على الرغم من وجود مواثيق صحفية وقوانين التشهير وغيرها. وواقعياً، ما تزال وسائل الإعلام المطبوعة أقل تأثيرا في مواجهة أجهزة الإعلام المرئي والمسموع الخاضع لسيطرة الدولة.
إن ما ينقص هذه البلدان هو وجود مساحة للتعبير عن وتنظيم الاختلافات، لاسيما وأن قدرة البرلمانات على التأثير في تحديد اتجاه السياسات الوطنية محدودة جدا، ولا تزال وجهات نظر الأغلبية العظمى في دول الشمال الإفريقي غير ممثلة.
ونتيجة للنمو غير المتكافئ خلال السنوات العشرين الماضية، تواجه بلدان المغرب العربي، لاسيما المغرب والجزائر، حالة من تمزق البنى الاجتماعية؛ فطالما كانت المجتمعات المدنية في تلك الدول تعاني من تشققات اجتماعية اقتصادية وثقافية على طول خطوط التقسيم المختلفة ما بين: الحديث والتقليدي، والذكور والإناث، والحضر والريف، والديني والعلماني، فإنه من الصعب الوصول إلى مستويات عالية من التعبئة الشعبية، وذلك ما يزيد من قدرة الدول ويدفعها نحو الركون إلى قمع الإصلاح السياسي واللجوء إلى القهر بدلا عن المساومة عند ظهور مثل هذه التحديات.
وعلى الرغم من إطلاق عملية ديمقراطية مدعومة من قبل الدول في هذه المنطقة منذ التسعينات، فإن الأحزاب السياسية التي يتم انتخابها نادرا ما تمثل أكثر من مجرد واجهة للملك أو رئيس الدولة. يمثل ذلك جبهة التحرير الوطنية والتجمع الديمقراطي الوطني في الجزائر.
ويتمثل هذا النوع من الأحزاب في تونس في التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كسب 87.7 % من أصوات الناخبين وحصل على 152 من 189 مقعدا في انتخابات الجمعية الوطنية في عام 2004.
أما في ليبيا، فلا توجد أحزاب، ولا دستور رسمي، فقط توجد انتخابات غير مباشرة متقطعة لاختيار أعضاء المجلس الشعبية البالغ عدد نوابها 760 (أجريت آخر جولة من هذه الانتخابات في مارس 2006).
وفي المغرب، شهد الحكم الملكي ذو الطبيعة المركزية صعودا لبعض الأحزاب البرلمانية المهمة على نحو يتجاوز محددات وجودها، سواء الاقتصادية الاجتماعية أو الدينية أو العرقية أو الجغرافية. ولعل العودة في عام 2007 إلى حكومة برئاسة حزب الاستقلال ذي الطابع القومي (والذي كان قد تأسس لمواجهة قواعد الحماية الفرنسية في الأربعينات من القرن العشرين) لأَمر يجسد محدودية البدائل السياسية الجديدة في البلاد.
إذن تم خنق محاولات إيجاد السياق المناسب للديمقراطية في كافة أنحاء المنطقة في مقابل الانجراف نحو الاستبدادية على نحو متعمدٍ وانتهازي. وكان ذلك التوجه متعمدا لأنه قد ثبت أن مركزية السيطرة السياسية هي الوسيلة الفضلى للحفاظ على بقاء الأنظمة التي تواجه انخفاضا في شرعية وجودها، وهذا التوجه انتهازي بمعنى أن الحكومات المركزية استخدمت مختلف الوسائل بما في ذلك مهاجمة المعارضين السياسيين وترتيب عمليات انتخابية صورية لمقاومة إعادة هيكلة النماذج السياسية التي ظلت دون تغيير جوهري لأكثر من أربعين سنة.
تحدي الاستبداد
وبناءً على ما سبق، تتصاعد الآن الأخطار التي تواجه هذه الأنظمة، وأول هذه الأخطار أزمة الخلافة التي تخيم على قادة دول المنطقة المتقدمين في السن؛ فالعقيد القذافي -الذي يعد رسميا قائد الثورة التي انطلقت في ليبيا في سبتمبر1969 وليس رئيس دولة ليبيا- سيحتفل في سبتمبر 2009 بوجوده لمدة 40 عاماً في الحكم. ومع اعتماد النظام السياسي الليبي على سلسلة من اللجان الشعبية التي تتمتع بقدر محدود من الحكم الذاتي وتشكل الحكومة من أشخاص معينين من قبل القذافي (الذي هدد بحل الحكومة كلياً في 2008)؛ فلا توجد وسائل مؤسسية تضمن انتقال السلطة إلى خليفة القذافي الذي من المتوقع أن يكون أحد أبنائه أَو ابنته.
وفي دول المنطقة الأخرى، أصبحت التعديلات الدستورية (التي تم المصادقة عليها في تونس عام 2002، والجزائر في 2008) مجرد وسيلة تجعل الحكم في البلاد شبيهاً بالنظام الملكي الوراثي في المغرب، أي أن كل قادة المنطقة عملياً يظلون في الحكم مدى الحياة، وتمت إزالة العوائق الدستورية التي تحدد الفترات الرئاسية.
ففي الجزائر، وعلى الرغم من المخاوف الصحية، احتفظ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (72 عاماً) بالرئاسة لمدة ثالثة مع التأكيد على حصوله على 90.24% من إجمالي الأصوات في الانتخابات التي أجريت في أوائل إبريل الماضي 2009، وإن كان ثلاثة أحزاب معارضة على الأقل تمكنت من إقناع الناخبين بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، ومن ثم إلحاق الضرر بأوراق اعتماد الرئيس بوتفليقة للمرة الثالثة محلياً، إن لم يكن عالمياً. وعلى الرغم من محاولاته لمخاطبة الناخبين صغار السن أثناء الحملة الانتخابية؛ فقد أشارت تقارير المراقبين والجمعيات الحقوقية أن نسبة مشاركة الناخبين لم تتجاوز أكثر من 18% على المستوى الوطني.
وفي تونس، من المتوقع حدوث نتيجة مماثلة في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في أكتوبر 2009، إذ ستسفر هذه الانتخابات عن التجديد للرئيس زين العابدين بن علي (73 عاما) لفترة ولاية جديدة تستمر خمس سنوات أخرى، ولا يمكن التنبؤ بمن سيخلفه وكيف.
ووحده المغرب شهد عملية انتقال للسلطة مع وفاة الملك حسن الثاني وتولي ابنه الأكبر الملك محمد السادس في عام 1999، ومع ذلك فإن إضعاف الرقابة البرلمانية في المغرب يعني أن الحكم الملكي يمكن أن يصبح عرضة للوم إذا ما زاد السخط الاجتماعي، ولذا لم تجذب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في سبتمبر 2007 سوى 37% فقط من الناخبين المسجلين، وهي أقل نسبة مشاركة في الانتخابات في تاريخ البلاد.
وتنقلنا هذه الحالات إلى تحدٍ آخر في بلاد الشمال الإفريقي، وهو تحدٍ لا يقتصر على لامبالاة الناخبين فقط، بقدر ما يعبر عن انفصالهم عن النظام السياسي الرسمي، إلى جوار اتباع هذه النظم للنهج التقليدي لتقسيم أو عزل جماعات المعارضة السياسية؛ وهو ما أدى إلى تحويل الممارسات السياسية في هذه البلاد نحو قنوات أخرى، سواء من خلال النشاط الاجتماعي للحركات الإسلامية السلمية مثل جماعة العدل والإحسان في المغرب، أَو عبر وسائل أكثر حداثة تستهدف نطاقا أوسع من الجمهور مثل ممارسات الشيخ عبد الله جاب الله مؤسس حركة النهضة الإسلامية في الجزائر، أي أن البقاء بعيدا عن السياسة الرسمية أصبح بديلا سياسيا في حد ذاته.
وأمام ذلك، يجد زعماء النماذج السياسية العلمانية في شمال إفريقيا أنفسهم في وضع صعب إلى حد كبير، فهم ما عادوا يتمتعون بدعم القطاعات العريضة من الشعب التي تأثرت بالتعبئة الشعبية ذات الطابع القومي أَو الأفكار الاشتراكية التي سادت من الستينات إلى الثمانينات، ولا هم أصبحوا قادرين على كسب الأعداد الكافية من الناس خلال توزيع المنافع المحدودة للتجارة أو إيجاد فرص التوظيف. وحتى إذا ما اختاروا نقل المسئوليات السياسية والاقتصادية بعيداً عن الحكومات المركزية (كما حدث في المغرب) تواجههم صعوبة إدارة هذه العملية في الوقت اللازم، لاسيما مع زيادة الحاجة لإجراء العديد من الموازنات المؤسسية.
وعلى المدى القصير، لا تبدو التحديات الأمنية الداخلية المرتبطة بخلخلة سيطرة الدولة حقيقية وحسب، ولكن هناك كذلك أخطار السماح للبدائل الأخرى بالتحرك لسد الفجوات التي خلفها الفشل الجماعي المتكرر لبناء الدولة على مدار العقود السابقة.
التوجه الإسلامي والاضطراب المدني
على عكس الأشكال الأخرى من المعارضة السياسية، تنمو البدائل الإسلامية عبر شمال إفريقيا على نحو أبرز عيوب وعدم كفاءة الأنظمة الحالية التي تستند على أرضيات أخلاقية وثقافية. وعلى خلاف الجهاديين ذوي الميول العنيفة، يعتمد النهج التدرجي للحركات الإسلامية الكبرى في المنطقة (مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر) على التوجه نحو تغيير المجتمع من الداخل أو من أسفل.
ومن خلال الإشارة إلى القيم الدينية والاجتماعية المهملة، تعارض الجماعات الإسلامية نماذج التطوير الغربية التي تعتبرها فاشلة إلى حد شكل كبير، والتي يعتبرون أنها مفروضة من الخارج. ويمكن القول إن الوجود المتزايد للنساء المحجبات في شوارع الجزائر أَو تونس يمثل ليس فقط تحديا علنيا للعملية السياسية باعتباره وسيلة التماسك الاجتماعي والسياسي المستند فقط على القيم الإسلامية، ولكنه على المدى الطويل، يخلق مجموعة موازية من الهويات الوطنية تعد تحديا أمام دول الشمال الإفريقي العلمانية، يتجاوز في خطورته العنف الذي انفجر عبر الجزائر في التسعينات.
وتتمتع هذه الحركة الإسلامية بالقدرة على أن تكون هدامة (ولكن بلطف) على كل المستويات. إذ تعلًم زعماء هذا التيار من الدروس المترتبة على المجابهات الكارثية التي حدثت خلال التسعينات في الجزائر، والتي شهدت عمليات تفريق وحجز لجيل كامل من الإسلاميين، ومن ثم فهم يتجهون للإبقاء على النقد السياسي في حدود الخطاب العام المقبول، وبسبب معاناتهم من حالات الاحتجاز، تركز هذه الجماعات نشاطها في المستويات القاعدية بهدف الترويج لبديل جديد تماما في تنظيم الحياة السياسية والمجتمع، وكذلك يشكك الزعماء الإسلاميون في شرعية الحكومات الحالية وفي قدرتها على تنفيذ أجنداتهم الإصلاحية، مؤكدين أنهم واثقون من أنهم ستكون لهم الغلبة في النهاية.
وخلافا للتحدي الأكثر إلحاحاً الذي تشكله الجماعات الجهادية، تمكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وبعض الجماعات الإسلامية المغربية الأكثر انقساما، والتي ترتبط بالشبكات "الإرهابية" في إسبانيا وفرنسا وبلجيكا، من النجاح في السنوات الأخيرة في القيام بعدد من الهجمات البارزة للوصول لأهداف خاصة بالدولة المركزية والأجانب والأمن على نحو تفوقت عبره على أي من الجماعات الإرهابية في التسعينيات.
ولعل بداية التوجه نحو التفجيرات الانتحارية والهجمات متعددة الأهداف، مثل هجمات ديسمبر 2007 على مكاتب الأمم المتحدة في وسط الجزائر وعلى المحكمة العليا والمجلس الدستوري والتي أدت إلى وفاة 67، تعد مؤشرا على تمكن هذه الجماعات من استيراد التقنيات الأكثر تطورا.
وعلى الرغم من صغر عددها، فقد صدرت من هذه المجموعات بضعة إشارات تؤكد على قدرتها على اختراق المجتمع. وفي فترات التراجع، مثل الوقت الحالي، توجه هذه الجماعات نشاطاتها للاختطاف مقابل فدية خاصة في منطقة الساحل جنوباً، وبالتحديد في مالي والنيجر وموريتانيا. ويظهر ارتباط هذه الجماعات مع المجرمين جنوب الصحراء الذين يعملون في مجالات المخدرات وتهريب البشر والأسلحة، وتعد أعمال تمرد الطوارق في مالي والنيجر، عاملا مبررا لبحثهم عن أهداف ومصادر دخل، حيث تمكنت قوات الأمن الجزائرية من النجاح في تقليل نشاطاتهم في الجزائر.
لم يشهد المغرب أية حوادث إرهابية رئيسية منذ تفجيرات الدار البيضاء في عام 2003 التي خلفت 33 قتيلا بالإضافة إلى 12 من الجناة. وهذا ما يراه البعض دليلا على أن التعاون الاستخباراتي مع قوات الشرطة الإسبانية والأوروبية الأخرى قد منع حدوث هجمات أخرى.
لكن ذلك لا يعني بالنسبة للمغرب -وأيضا تونس وليبيا اللتان قامتا بحملات اعتقال واسعة للإرهابيين المحتملين منذ عام 2002- توقف محاولات إنشاء شبكة إرهابية إقليمية؛ فالأمر يتطلب فقط بضعة هجمات إرهابية ناجحة لهز الثقة المحلية والدولية في القدرة على مواجهة الإرهاب، بالرغم من أن ثمن هذه المراقبة الداخلية هي فرض الكثير من القيود على المواطنين العاديين في دول شمال إفريقيا.
------------------------------------------------------------------------
رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد "تشاتام هاوس".
*دراسة نشرت على موقع معهد "شاتام هاوس" البريطاني، تحت عنوان (شمال إفريقيا.. المخاطر الخفية التي تهدد الاستقرار الإقليمي) ، برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إبريل 2009.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.