ألمحت صحيفة إندبندنت البريطانية إلى تورط رئيس الوزراء السابق توني بلير في صفقة إطلاق سراح الليبي عبد الباسط المقرحي المدان في قضية تفجير طائرة بان أمريكان فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية، فيما ذكرت صحيفة أخرى أن ليبيا دفعت أموالا لعدد من الأطباء كي يصدروا توصية بإطلاق سراح المقرحي لأسباب صحية.وفي تقرير حمل عنوان "دور بلير في عملية إطلاق سراح المقرحي"، قالت صحيفة "الإندبندنت" إنه قبل 3 أيام من إعلان بلير تخلي ليبيا عن برنامجها النووي ورفعها من قائمة الإرهاب عام 2003 انعقد اجتماع في لندن شارك فيه عملاء استخبارات ليبيون وبريطانيون وأمريكيون، كان من بين ملفاته قضية المقرحي. وسيناقش نواب مجلس العموم البريطاني (البرلمان) إن كانت بريطانيا قد وعدت بأي شيء فيما يتعلق خلال هذا الاجتماع، ودور بلير، الذي كان وقتها رئيسا للوزراء، في هذه المسألة. وقد وافقت ليبيا على عقد صفقة نفطية مع بريطانيا في نفس العام بعد 6 أسابيع من تراجعها عن استثناء المقرحي من صفقة تبادل السجناء. ويأتي هذا بعد يوم من اعتراف وزير العدل البريطاني، جاك سترو، بأن العلاقات التجارية والنفطية لعبت "دورا كبيرا جدا" في قرار بلاده بضم عبد الباسط المقرحي إلى صفقة لتبادل السجناء بين البلدين، وذلك رغم نفي رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، ومسئولين بريطانيين التورط في مثل هذه الصفقات. وأضاف سترو في مقابلة مع صحيفة "ديلي تلجراف" نشرتها أمس السبت أن قراره بالموافقة على التدخل لإطلاق سراح المقرحي "ساعد على تحسين العلاقات وتمهيد الطريق أمام عقد نفطي أبرمته شركة (بريتيش بتروليوم) النفطية البريطانية". وأكد نجل الرئيس الليبي سيف الإسلام معمر القذافي، من جانبه أن ليبيا مارست ضغوطا على الحكومة البريطانية لتضمين المقرحي مقابل اتفاقات تجارية ونفطية بين البلدين. وأظهرت وثائق نشرتها الحكومة الأسكتلندية الأسبوع الماضي تحذير مسئولين ليبيين لندن من أن موت المقرحي في السجن ستكون له "آثار مفجعة على العلاقة بين ليبيا وبريطانيا". وأفرج عن المقرحي (75 عاما) مبكرا من سجن أسكتلندي الشهر الماضي متحررا من حكم صدر عليه عام 2001 بالسجن مدى الحياة، وأعلنت السلطات الأسكتلندية أن الإفراج تم لأسباب إنسانية بسبب إصابته بسرطان البروستاتا الذي يهدد بإنهاء حياته في خلال 3 أشهر. نصيحة بالمال وفي إطار توالي التقارير عن خلفيات الإفراج عن المقرحي نفت الحكومة الأسكتلندية تقريرا نشرته صحيفة "صنداي تليجراف" بعنوان "ليبيا دفعت للحصول على تقرير حول الوضع الصحي للمقرحي"، جاء فيه أن ليبيا قدمت أموالا لثلاثة أطباء كي يقدموا للحكومة الأسكتدلندية نصيحة طبية تفيد بأن المقرحي لن يعيش أكثر من 3 شهور؛ وهو ما سهل إطلاق سراحه على خلفية إنسانية، وفقا للقوانين الأسكتلندية. وقال متحدث باسم الحكومة في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية اليوم الأحد إن قرارها بالإفراج عن المقرحي لم يرتكز على آراء الأطباء الثلاثة فقط -لم يتم الكشف عن أسمائهم- لأنها استشارت عدة جهات في ما يتعلق بأمل الحياة لدى المقرحي، بينهم أخصائيان في أمراض السرطان وفريق للعلاجات المسكنة. وأضاف أنه "استنادا إلى كل التقارير خلص مدير الصحة والعناية الصحية في السجون الأسكتلندية إلى أن التشخيص بأن المريض لم يعد له من العمر سوى ثلاثة أشهر يعد تقديرا معقولا". والمقرحي هو الشخص الوحيد الذي أدين في حادث تفجير طائرة الركاب التابعة لشركة بان أمريكان فوق بلدة لوكربي بأسكتلندا عام 1988 وأسفر عن مقتل 270 شخصا، بينهم 189 أمريكيا، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. صفقة التعويضات وفي سياق تتبع الصحف البريطانية ل"التنازلات" التي قدمتها الحكومة البريطانية لتحسين العلاقات مع ليبيا وتسهيل عقد صفقات تجارية ونفطية معها، نقلت صحيفة "صنداي تليجراف" عن مكتب رئيس الوزراء أن جوردون براون امتنع عن الضغط رسميا على ليبيا لحملها على دفع تعويضات لضحايا عمليات جيش التحرير الأيرلندي. ويطالب الضحايا الحكومة البريطانية بالضغط على ليبيا لتعويضهم؛ بحجة أن طرابلس زودت جيش التحرير بالمتفجرات التي استخدمها في عمليات سقط فيها الكثير من الأشخاص. لكن براون أبلغ محامي الضحايا، جاسون ماكيو، في الخريف الماضي بأنه ليس "من اللائق" بحث الموضوع مع ليبيا التي وصفها بالشريك الضروري في الحرب ضد "الإرهاب"، وإن ليبيا ستعارض بشدة إعادة فتح هذا الموضوع. وترى الصحيفة أن عدة وثائق ومراسلات تخص حكومة براون سوف تحرج الأخير الذي يواجه العديد من الأسئلة حول إطلاق سراح المقرحي. وفي إحدى تلك الرسائل كتب بيل راميل وزير شئون الشرق الأوسط: "ليبيا الآن شريك تجاري حيوي لبريطانيا في تأمين احتياجات بريطانيا من مصادر الطاقة، وكذلك فهي شريك حيوي في الحرب على الإرهاب". كذلك كتب براون رسالة إلى محامي الضحايا، يقول فيها: "الحكومة البريطانية لا ترى من المناسب الدخول في مناقشات ثنائية مع ليبيا حول هذا الموضوع"، بحسب الصحيفة. لكن عائلات الضحايا استغلوا الإفراج عن المقرحي وجددوا حملة الضغط على براون، كما طالبوا ليبيا بدفع تعويضات لهم "وإظهار نوع من الرحمة تجاههم كتلك التي أظهرتها الحكومة الأسكتلندية بقرارها الإفراج عن المقرحي". ورد وزير التعاون الليبي محمد سيالا، على ذلك بأن "موضوع الجيش الأيرلندي هو قضية خاصة بيننا وبين الحكومة البريطانية وسيكون لدينا تفاهم بشأنها"، مطالبًا عائلات الضحايا ب"الانتظار لمزيد من الوقت فالأمور لم تنضج بعد". ويمكث المقرحي حاليا بإحدى المستشفيات الليبية في وضع صحي حرج بعد أن تم نقله إلى غرفة الطوارئ أوائل الشهر الجاري نظرا لتأخر حالته الصحية وعدم استطاعته التحدث.