"...وانمايعرف فضل القرآن من كثرنظره،واتسع علمه،وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب،وما خصها الله بها لغتها دون جميع لغات الأرض."ابن قتيبة(276) للهجرة من كتابه"تأويل مشكل القرآن" توطئة لا يمكن فهم مدى تأثير لغة القرآن الكريم علىالعرب في بداية البعثة النبوية ،بدون معرفة تلك العلاقة الوطيدة التي كانت تربط العرب بلغتهم ومدى سطوتهاعليهم،وهومبحث يندرج فيما أسماه العلامة ابن خلدون"علوم اللسان العربي"،وهي العبارة التي أطلقها على مجموعة تلك العلوم المختصة باللغة العربية،وقد عدها أركانا أربعة وهي : علم اللغة وعلم النحو،وعلم البيان،حيث يعرف علوم البيان هذه بأنها"من العلوم التي تولى غرسهاالمسلمون في سبيل فهم كتابهم،والدب عن قرآنهم،وكان نماؤها بعدذلك وتشعب مباحثها بتأثيرالدين، وبتوجيه المفكرين من حملته ورجاله.." انتهى كلام ابن خلدون. غيرأن العرب الأوائل،لم يكونو في حاجة الى جهد في سبيل ادراك معاني القرآن،لأنهم كانواعربا،وكان لسانهم عربيا،فاستغنوابعلمهم ومعرفتهم عن السؤال عن معانيه وعما فيه ،مما وجدوا مثله في كلام العرب من وجوه البيان ..،كما أكد على ذلك كل من كتب في توضيح الاعجاز اللغوي في القرآن أمثال : أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري(المتوفي عام208للهجرة) صاحب كتابي "معاني القرآن" و"غريب القرآن" ومن قبله عبد الحميد بن يحي(132) في مجاز القرآن،ثم ألف قطرب(محمد بن المستنير(206) معاني القرآن،وألف الكسائي(189)( معاني القران،)و(كتاب القراءات،وألف الفراء(207)وتلميذه سلمة بن عاصم وسعيد الأنصاري'(215) والأخفش غي معاني واعجاز القرآن(215)وألف الجاحظ(نظم القرآن) و(المسائل في القرآن) وألف مثله معتزلة آخرون،مثل واصل بن عطاء...وابن قتيبة(276) في (تأويل مشكل القرآن) والطبري (310) في اعجاز القرآن ومن بعدهم الرماني والواسطي والزمحشري،وثعلب،والمبرد والسكاكي، وتتابعت الكتب التي لاتحصى، اذ لا تكاد تجد في القرون الأولى أديبا كبيرا لم يتبحر في لغة القرآن وأسلوبه ونظمه ولقد سلم العرب منذ واجهتهم للغة القرأن بأنه معجز، فلم يجاره أو يحاول مجاراته أحد، والذين تصدوا لذلك من الكذبة والمتنبئين ،سجعوا أسجاع كهان مزرية، حيث لم يألوا جهدا لدحض القرآن واللغو فيه، بعمل كل ما في وسعهم وتحت أقدارهم، وتكلفوا من الأمورالخطيرة،وركبوا كل الفوارق المبيرة،وكل مركب صعب، ليحوزوا الفلج والظفر فيه، لعدم القدرة عليه والعجز المانع عنه ،أو لم يكن قرآنا عربيا،نزل بلسان عربي في بيئة عربية.؟ فمن هم هؤلاء العرب وما هي لغتهم ا؟ ان قوم الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام من عرب الجزيرة العربية، قد خاضوا في جاهليتهم معارك عذراء في فيافي الابداع اللساني،وقدموا أنماطا لسانية منه، حفرت صورته في صدرالتاريخ ،ولونت بصماته في الكون،بالرغم من كل المحاولات"التقليصية"لبعض المستشرقين أمثال"مرجليوت"على لسان تلميذه الدكتورطه حسين الذي أخذالطرح الاستشراقي عنه، و"شكية""ديكارت"Cartisien le Sceptcism و"التحفيضية التحالية" le Réductionisme Subversifعندماألقى بظلال من"الشكية"على القرآن، بالتشكيك أصلا في وجودظاهرة تاريخية اسمها الشعرالجاهلي، في بدايات طموحه الهستيري للوصول الى الأمجاد السرمدية، تحت رعاية"سوزان"وهدي معاصريه من عتاة المستشرقين مثل مرجليوت، غولدزيهر،بروكلمان، جب،أشباخ، نيكولسون، وخاصة مرشده و رفيقه ومساعده في انجازأطروحة دكتورته، شيخ المستشرقين الفرانكوفونيين"لوي ماسينيون"الذي أظهرت الداراسات الحديثة مدى ضلوعه–كعميل للمخابرات والجاسوسية (الفرنسية-البريطانية)أثناء اقامته بالعراق وبلدان المغرب العربي،ودوره الخطيرفي استقطاب النخب العربية التي كان على رأسها عميدالأدب العربي وتوفيق الحكيم أثناء مقامهما بباريس،وغيرهم من أقطاب الدعوة الى الفرعونية المصرية منذ عشرينات القرن الماضي،من الذين حملوا ألوية التشكيك كلية في هذاالارث العربي الضخم ،الذي نزل به القرآن،قصد الدفع –بخبث- الى التشكيك في القرآن نفسه،(لأن التشكيك في الأصل المقارن به-بنصب الراء- يمهد لشطب الشيء المقارن-بكسر الراء-) وبتراجع مرجليوت عن طرحه وأقواله، تراجع تلميذه الأزهري المتعطش للشهرة،والمستسلم لمقولة"سلبيات"التاريخ العربي وقصور"تراثه"، وانتهت بذلك زوبعة التشكيك في الشعرالجاهلي الى غيررجعة،حيث قضى"المشكك"طه حسين، العشرالسنوات الأواخرالمتبقية من حياته، ينصت الى تجويد القرآن على صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد(كما رواها لي ابنه من سوزان"فيليب طه حسين"الذي كان من مدراء قسم الثقافة بمنظمة اليونسكو،والذي للغرابة لا يفقه من اللغة العربية سوى"المدمس"و"كويس"و"الطعمية"و"الحمام المحشي"و"الفرخة البلدي"مع عدم القدرة على النطق بالعين والراء والحاء والخاءوالقاف،وهوابن"عميدالأدب العربي وأحد مشايخ الأزهر"المتنورين"...غيرأن "فيليب " كان مسيحيا على دين أمه ،لا على دين أبيه"شيخ الأزهرالمعمم"ورضيع لغة "راسين "و"رابلي"من ثدي أمه"سوزان"لاوريث لغة ابن المقفع، وعبد الحميد الكاتب، وابن قدامة والأصمعي والفرزدق من أبيه "المتخلف الصعيدي"المستلهم من تلك المرأة الغريبة والملغوزة، ملهمة صاحب"مستقبل الثقافة في مصر"الداعي الى فصل مصرالعربية عن محيطها الأقليمي لحشرها في حضارة"متوسطية"(أثينا وروما وأورشليم الخالدة )والتي صارعلىوصاياها"أنورالسادات" اللغة عند العرب في الجاهلية لقد كان للغة عند العرب في الجاهلية أقوى تأثيرفي النفوس"حتى كانت تخشى بأسه الأمراء ويتحاماه الكبراء"-كما قال الجاحظ-،فقول العربي في الجاهلية.تفكيره،وتفكيره بدء لعمله ،ولذلك اعتبره زهير،الشاعرالجاهلي، أحد شطري الانسان حين قال "لسان الفتى نصف ونصف فؤاده"فقد كان العربي تياها بلغته،ينظراليها نظرته الى الكون كله،فهي سرمن أسرار وجوده يترنم بكلماتها العذبة،كالموسيقى الموقعة،.. وما تزال الأبحاث الجادة الرصينة في مراكز الأبحاث اللغوية في الغرب في مجال اللسانيات والفيلولوجيا، تنظربعين التقديروالدهشة الىتلك التجربة(الأستاتيكو-لسانية)العظيمة، لشعراء الجاهلية،التي ظل الشعراء العرب بعد الاسلام يمتحون منها ويقلدونها،فسقط معظمهم، وظلت تلك التجربة الجاهلية شامخة سامقة، وخضرة لا تنضب،كما لا يزال البحاثة الفيلولوجيين الجادون(كما هوالشأن في"الكوليج دوفرانس"بباريس-بقسم اللغة العربية وحضارتها وآدابها) يتساءلون :ما الذي فعله هؤلاء الفحول العرب الأوائل،في مجال اللسان العربي، ليتحول معظم من أتوا بعدهم الىأقزام –على حد تعبيرالبروفيسور"جاك بيرك"(الذي كنت من طلبته زمنها)عند القائه لآخرمحاضراته-قبيل مماته- لتقديم مؤلفه الضخم في تفسيرالقرآن الكريم-رغم سقطاته اللغوية المشينة في تفسيره للقرآن الكريم،وهو العارف الحاذق المتمكن في اللغة العربية وأسرارها أكثرمن العرب المحدثين أنفسهم،عندماتطرق الى لغة العرب في الجاهلية التى جاء كلام القرآن بها،أوكما أسرت الي مسمعي–شخصيا- مساعدته البروفسور"مادام بوتي"petit المتخصصة في الأدب العربي والدراسات اللسنية العربية بتعليقها التالي : لقد توحد الشاعرالعربي في الجاهلية الى حد الذوبان في بيئته، فلم يتسابق"امرؤالقيس" ولا"لبيد بن ربيعة"ولا"الأعشى"الى التنميق في أشعارهم استجابة"للخصائص"العالمية ،والكونية،آنذاك،ولم يفكروا في صياغةأشعارهم ليترجم لهم الرومان، أوالفرس،أو الصينيبون، أوالهنود زمنها،لا كما يحلم بعض الأقزام العرب المعاصرين،الذين يتهربون من اضاءة خصائص لغتهم وحضارتها،ويتمزقون شرممزق–وبالمجان- مثل الضباب المكثف تحت وهج شمس الوهم الحارقة"للعالمية"وسرابات "الحداثات"التهويمية لمصطلحات الخمسينات والستينات ،التي لم يعد لها ذكرسوى لدى الكثيرين من نخبنا النرجيسية التي لا تواكب تلك الطفرات الابيستيمولجية التي حاقت الأبحاث والدراسات في مجالات علوم الأناسة في الغرب منذ السبعينات بتردادمفاهيم أركية متآكلة لمصلح لحداثة(بصيغة المفرد) الذي تجاوزه صانعوه وخالقوه، ولم يعد لهذا المصطلح بالمفرد، ذكرفي قواميس المعرفة لديهم، من برشلونة الى سيدني، مما يثير سخرية واحتقار الدارسين الأوروبيين لكتابات هؤلاء"الديناصورات العرب"وشيعتهم، بينما ما تزال لغة عرب الجاهلية وأشعارهم مدارالأبحاث في اللسانيات(او اللسنيات)المقارنة،ومقارنتها بلغات المنطقة القديمة من آرامية وهيروغلوفية ،وآشورية وكلدانية وعبرية من أجل استكناه أسرارمصادر اللغة القرآنية فلا مشاحة،اذن،أن العرب في الجاهلية،لم يلتفتوا الى لغات غيرهم ينبهرون بها،أويتهافتوت عليها،ولم يخرجوا قط عن جلودهم يبحثون عن"هويات"معاصرة لهم يستلهمونها،أوتتغشى أعينهم وميض وهج لغات اليونان والرومان والفرس المجاورة لهم جغرافيا(رغم أن عرب المناذرة بالعراق كانوا يتقنون الفارسية،وأشقاؤهم عرب الغساسنة بالشام يتقنون اللاتينية والسوريانية والآرامية القديمة وترجموا منها واليها)،حيث كانت تلك اللغات الأقوى صولة، ونفوذا فكريا وبريقا وتألقا حضاريا آنذاك،-كما هو الشأن بالنسبة للغات الأوروبية في زمننا هذا،فقد كانت لغتهم العربية جماع الفنون عندهم،حيث سجدوا على أيام الجاهلية للمعلقات، وانصاعوا لسجع الكهان مبهورين،وافتتنوا بلوذعية الخطباء وهم أميون،فكان فيهم الخطباء المصاقيع ،والشعراء المفلقون،وقدوصفهم القرآن بميلهم الى الجدل واللددعند الاشتجارحول اللغة،فقال سبحانه"وماضربوه لك الاجدلا،بل هم قوم خصمون"وقال سبحانه في موضع آخر"وتندر قوما لدا"حيث كانت ملكة التعبيرعندهم،استعدادا فطريا،تتجلى في تقلقائيتهم و سلاسة لسانهم ،وقدللكلام عند هم سلطان وأي سلطان، !!!! اما البداوة-التي يعتبرها بعض الأقزام القلقة الجدد من ذوي النظرات الزائغة -قذى في جبين تاريخ العرب- فهي تلك الظاهرة الفريدة في تاريخ الجنس البشري،التي تحتمل ضمن ما تحتمل الكثير من المعاني والرموز منها :البراءة،الطفولة،النبل،الكرم الأسطوري،الحب،عشق المرأة والبذل من أجلها(عنترة وعبلة اللذان قزما "روميو وجولييت"المشكوك في وجودهماأصلا في الداسات النقدية الأدبية الأوربية،مع عدم اغفال ظرفاء أحبائي من الشعراء الصعاليك الذين قزموا"كازانوفات"الغرب في العشق والتجميش النسوي بأساليب النبالة والاقدام والتهور اللامحدود في اقتحام كل المخاطر من أجل الحصول المعشوقة ونيل رضاها)،...ونجدة الضيف وبذل كل غال ونفيس من أجل القرى (أنظرقصيدة"الحطيئة"(وطاوي ثلاث)،واغاثة لملهوف،الصدق في التعامل،البطولة،الشهادة في سبيل الاستقامة،والشهامة ،وكانت الفصاحة عندهم،تحويل الكلمات البسيطة الى رموز،وغيرها من الاشعاعات التي حملتها بداوة العربي،التي صارت شتيمة عند صراصير الكتابات "الحداثية"العربية المعاصرة- أما لغتهم،فخلقتها الصحراء المترامية الأطراف،التي صنع العرب من موجاتها الرملية كيانا انسانيا يحب ويكره...،يرضى ويغضب،...يكره ويوجد...، يموت ويخلد...، ينطق وينفعل مع كل ذرة وجزيئ في الصحراء،فيحاور الشاعر العربي الجاهلي نبتة الشيح والسعتر،الى الناقة والفرس والريم والسيف والقوس والذئب والأسد،والوادي والطلل والدمن،فتحولت كل مرتفعات ومنخفضات أرباض الجزيرة العربية على كبرها وهول اتساع مساحاتها الى رموزفنية سرمدية،وتلك كانت قوة اللغة العربية وسر حرارتها وديمومتها وخيالها وترادفها وحيوتهاوقدرتها اللامتناهية علىالتوليد والعطاء والاستمرار،مهما حاول بغاث الطيرمن"بني يعرب"الجدد المقزمين النيل منها أو التقليل من شأنها للبحث صلة