تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    ليبيا: الداخلية بحكومة حماد تنفي مقتل النائب إبراهيم الدرسي    لم يُشهد لها مثيل منذ قرن: غرب ألمانيا يغرق في الفيضانات    أبطال إفريقيا: تشكيلة الأهلي المصري في مواجهة الترجي الرياضي    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    الجيش المصري يدفع بتعزيزات جديدة نحو الحدود مع قطاع غزة    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    الكاف: إيقاف معتمد الدهماني ورئيس فرع بنك    القنوات الناقلة لمباراة الترجي التونسي والأهلي المصري    بطولة الجزائر- الجولة ال26: مولودية الجزائر تتوّج باللّقب الثامن    قفصة: 241 حاجا وحاجة ينطلقون من مطار قفصة القصر الدولي يوم 28 ماي    مدنين: القبض على شخص استولى على 40 ألف دينار من أجنبي    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24،5 بالمائة    بن عروس: اندلاع حريق بمستودع قديم وغير مستغل    وزير التشغيل والتكوين المهني يؤكد أن الشركات الأهلية تجربة رائدة وأنموذج لاقتصاد جديد في تونس    تفكيك شبكة لترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص مخدر    القيروان :الاحتفاظ ب 8 اشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوتية يعملون بشركة فلاحية    رئيسة مكتب مجلس أوروبا بتونس تقدّم خلال لقاء مع بودربالة مقترح تعاون مع البرلمان في مجال مكافحة الفساد    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    مدير معهد الإحصاء: كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    أولا وأخيرا ..«سقف وقاعة»    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    حادث مرور قاتل ببنزرت..وهذه حصيلة الضحايا..    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    فرنسا: الشرطة تقتل مسلحا حاول إضرام النار بكنيس يهودي    بطاقة إيداع بالسجن في حق مسؤولة بجمعية تُعنى بمهاجري دول جنوب الصحراء    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور رفيق عبد السلام: التجارب العلمانية في العالم العربي اقترنت بالتسلط ...
نشر في الفجر نيوز يوم 16 - 02 - 2008

أين التحديث العربي ونسب الأمية تتجاوز 50% في بعض الدول؟ ..
الدكتور رفيق عبد السلام: التجارب العلمانية في العالم العربي اقترنت بالتسلط ولا عداوة بين الدين والديمقراطية
حاوره - محمد فوراتي
صدر عن مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع الدار العربية للعلوم كتاب جديد للباحث رفيق عبد السلام تحت عنوان "في العلمانية والدين والديمقراطية: السياقات والمفاهيم" وهو دراسة غنية تتناول إشكاليات الديمقراطية والعلمانية والدين والحداثة، وعلاقتها كلها بواقع التطور والتخلف في العالم العربي، ولم يكن هذا البحث بهدف تقريظ العلمانية مثلا او اثبات تهافتها، بل هو محاولة للفهم والتفكيك بغرض فتح آفاق جديدة للنظر والتفكير في قضايا مصيرية للإنسان العربي والمسلم. وقدم الباحث قراءته الطريفة التي لن ترضي احدا ربما، ولكن ستحفز الجميع على التفكير في واقعنا والبحث عن اسلم الحلول لمستقبلنا. والمؤلف باحث تونسي حاصل على الدكتوراه في الفكر السياسي والعلاقات الدولية من جامعة وستمنستر سنة 2003، وقد اشتغل بالبحث والتدريس في الجامعات البريطانية، وله العديد من الإصدارات بالعربية والانجليزية.
وكان صدور هذا البحث ووجود الدكتور رفيق عبد السلام في الدوحة فرصة لهذا الحوار الفكري الناضج، مع باحث شاب تشبع بالفكر والمفاهيم الغربية بعد أن شب في البيئة العربية الإسلامية بمختلف هزاتها وآلامها، فطرحنا عليه مختلف هذه القضايا التي تشغله كما تشغل الكثير من المفكرين العرب.
لماذا جمعت الثالوث الديمقراطية والعلمانية والدين في كتاب واحد؟
- المسألة لا تتعلق بمجرد اختيارات أو رغبات فردية في الجمع بينها، بقدر ما تتعلق بحالة تداخل فرض نفسه على الجميع، سواء أكان ذلك على الصعيد النظري أم الواقع العيني، فلا يمكن تناول موضوع العلمانية مثلا بمنأى عن الكيفية أو الكيفيات التي استجابت وتستجيب بها الأديان للتحديات العلمية والديمقراطية وأضيف إلى ذلك الحداثة، سواء كانت هذه الاستجابة تقوم على التواؤم أو على الصدّ والممانعة، ولذلك غدا أمرا دارجا في مجال الأكاديميا الغربية دراسة قضية العلمانية، ليس داخل أقسام العلوم السياسية والاجتماعية فحسب بل داخل أقسام الثيولوجيا والأديان المقارنة أيضا، أما قضية الديمقراطية التي تعد أحد أهم تعبيرات ما بات يعرف اليوم بالحداثة السياسية فهي لا تستطيع بدورها تجاهل التحديات التي تفرضها الأديان وحركة العلمنة في نفس الوقت.
ولعل أهم ما دفعني إلى دراسة هذه المواضيع الثلاثة وإدراجها في كتاب واحد شعوري العميق منذ وقت مبكر عند مباشرتي بحث الدكتوراه في الجامعة البريطانية بمحدودية هذه المفاهيم، فضلا عن قصور المعالجات الغربية المغلفة بغطاء الموضوعية والحيادية العلمية، خصوصا حينما يتعلق الأمر بتناول الإسلام وأوضاع المجتمعات الإسلامية وما يطبع ذلك من تعميم وتبسيط مشطين.
اقترنت مفاهيم الديمقراطية بالغرب وتجاربه المختلفة فهل هذا صحيح من خلال الممارسة؟
- إذا أردت القول: إن الغرب الحديث كان مهدا لتشكل الديمقراطية الليبرالية فهذا صحيح إلى حد ما، بيد أنه لا يجب المبالغة في إضفاء ملمح ديمقراطي على الغرب، لأن هناك وجوها أخرى مرعبة في مسار الحداثة الغربية لا تقل أهمية عن التعبير الليبرالية الديمقراطية، ومنها النازية والفاشية ثم الشموليات الشيوعية، وقبل ذلك وبعده موجات التوسع الاستعماري وإذلال الشعوب الأخرى، أي من الصعب هنا تقديم صورة نمطية وموحدة عن الغرب الحديث تعادل الديمقراطية والليبرالية. ولعل أحد أهم الظواهر التي تلفت الانتباه هنا هو كون ديمقراطية الداخل قد تزاوجت وإلى يومنا هذا مع نوع من العنف والسيطرة في الخارج، وقد كان هذا التوتر بمثابة حالة مكينة في الليبراليات الغربية منذ وقت مبكر، فحينما كان نابليون بونابرت ينادي بشعارات الحرية والمساواة التي جلجلت بها الثورة الفرنسية كانت جيوشه تجتاح مصر تحت شعار تصدير الحضارة للشعوب المتخلفة. واليوم يحدثنا بوش عن فضائل الديمقراطية وبركات الحرية، ويكر علينا بغزواته وحروبه المباشرة وغير المباشرة في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان.
ومع ذلك فإن الديمقراطية لم تعد ناديا غربيا مسيحيا، بل نحن نشهد تحولا من وحدة النموذج إلى تعددية النماذج الديمقراطية، بحسب حاجات وخبرات الشعوب، خاصة تلك الواقعة خارج الفضاء الأوروبي الأطلسي. فنحن إزاء ديمقراطية هندية وبرازيلية وفنزويلية وتركية وإندونيسية وغيرها، ونصف ديمقراطية إيرانية ومغربية وغيرها..
اختلفت التجارب العلمانية في الغرب بين فرنسا مثلا وانجلترا، فما هي الفوارق الحقيقية في هذه التجارب؟
- نعم هناك اختلاف بين التجارب العلمانية، وأضيف إلى ذلك بأن العلمانية الفرنسية تمثل اسثناء حتى بالمقاييس الغربية والأوروبية، فإذا استثنينا التجربة الشيوعية التي اقترنت بنزوع عقائدي نحو فرض نوع من العلمانية الصلبة والإلحادية، تقترب من بعض الوجوه مع النموذج اللائكي الفرنسي، فإن بقية العلمانيات الغربية قد نحت منحى الوفاق والتسوية بين الكنيسة والدولة وبين الديني والعلماني عامة، أكثر مما اتسمت بالصدام والمواجهة. بريطانيا إلى يومنا هذا لا تقول بأنها دولة علمانية أصلا، وهي تجمع واقعا بين الكنيسة والدولة حيث تتولى الملكة رئاسة الكنيسة الإنجليكانية وتمثيل التاج البريطاني في نفس الوقت، كما أن ما يسمى بالدين المدني الذي يستمد جذوره من المختزنات المسيحية مازال حاضرا، سواء في مناهج التدريس والثقافة العامة عند البريطانيين، وإن كان هنالك تراجع ملحوظ في نسبة الإقبال على الكنائس بين الكاثوليك والبروتستانت على السواء.
تتسم العلمانية الفرنسية بتوجهات جذرية ومعادية للكنيسة والدين عامة، مثلما تتسم بنزعة تدخلية مشطة. ومن ذلك المراهنة على إحلال التصورات العلمانية الدهرية عبر ذراعي الدولة الجمهورية والمدرسة اللائكية. فالعلمانية الفرنسية مثلا لا تقوم على تحييد الدولة مثلا من المجال العام، وجعله أكثر انفتاحا أمام مختلف التوجهات الدينية والعقدية، بقدر ما تقوم على إخلاء المجال العام من كل المؤثرات والتعبيرات الدينية وملئه بالقيم الدهرية الوضعية، ولعل هذا ما يفسر الصخب الشديد الذي أثاره ومازال يثيره الفرنسيون حول قضية بسيطة مثل ارتداء النساء المسلمات للحجاب وفرض قانون يحظر لباسه في المدارس، بما لم يثر مثله في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية. أما الدولة عند الفرنسييين فهي ليست مجرد أداة لتنظيم الشأن العام، بل هي روح الشعب وصوت الأمة ومجال تجسد كل الفضائل السياسية والأخلاقية.
طبقت كثير من التجارب العلمانية في العالم العربي ولكنها تهاوت وتركت جراحا يصعب اندمالها فكيف تقرأ هذه التجربة العربية مع العلمانية؟
- لعل أول ما يلفت الانتباه أن تجارب العلمنة في المنطقة العربية اقترنت بأقدار غير قليلة من التسلط السياسي، وربما يعود ذلك إلى عاملين رئيسيين أولا أن العلمانية في هذه المنطقة والتي تشكلت في الغالب الأعم في أجواء الميراث الامبريالي الغربي، قد ساهمت بأشكال متفاوتة في عزل النخبة السياسية والثقافية عن محيطها الاجتماعي والشعبي، ومن ثم قطعت جسور التواصل بين الطرفين. ثانيا لقد غذت عزلة النخب الرسمية وهشاشة قاعدتها الشعبية الحاجة إلى اللجوء إلى الدولة وخاصة جهازيها البيروقراطي والأمني لفرض الانضباط على جسم سياسي تراه غريبا ومنفصلا عنها. لعله لهذا السبب بالذات تبدو الدول العربية الموصوفة بالتقليدية والمحافظة أقدر على التواصل مع محيطها الشعبي وحتى على التطور الديمقراطي من أخواتها الحداثية والعلمانية التي تعاني من حالة استقطاب ثقافي وسياسي شديدين.
هل ترى من ضرورة لاقتران الديمقراطية بالعلمانية؟
- هذا الالتقاء ليس إلا ممكنا من الممكنات التاريخية وليس أكثر، بل إنه عند التحقيق الجاد يتبين أن الديمقراطيات الغربية نفسها اشتغلت ضمن أرضية مسيحية معلمنة، ولم تكن مفاصلة للأديان والعقائد بإطلاق على نحو ما يتصور الكثير، وقد سبق لألكسيس دي توكفيل المؤرخ الفرنسي المعروف مثلا أن ذكر من موقع معاينته المباشرة للتجربة الأمريكية بأن الكنيسة تمثل أهم مؤسسة سياسية، حيث يبدو هذا البلد منطبعا بالروح المسيحية البروتستانتية في كل شيء من الاقتصاد إلى السياسة ومن الثقافة إلى المجتمع. صحيح أن السرديات العلمانية الكبرى إن جاز القول تريد أن تقدم نموذجا ورديا عن العلمانية مفاده هذا الزواج الكاثوليكي بين العلماني والديمقراطي، بيد أن هذه الرؤية أقرب إلى الأسطورة منها إلى الواقع. فقد كان هتلر وموسيليني وستالين وأنور خوجه وكمال أتاتورك وبورقيبة كلهم علمانيين خلصا ولكنهم لم يكونوا ديمقراطيين ولا متسامحين مطلقا.
لماذا فشلت النماذج العلمانية في العالم العربي ونجحت في الغرب؟
- المسألة لا علاقة لها بالطرح العلماني في حد ذاته وما إذا كان حسنا أو سيئا بقدر ما تتعلق بسياقات التاريخ السياسي. كانت العلمانيات الغربية في صورتها الغالبة حلا عمليا للسيطرة على معضلة الانقسام داخل الكنيسة الذي فتحته الحروب الدينية للقرنين السادس عشر والسابع عشر، فقد مرت أوروبا وعلى امتداد مائة وثلاثين سنة تقريبا من سنة 1559 إلى 1689، أي منذ ظهور الحركة البروتستانتية في الشمال الأوروبي بحالة واسعة من الاضطرابات السياسية والنزاعات الدينية الهائلة. وفعلا كانت العلمانية عبارة عن تسوية تاريخية لاستعادة الوئام المدني المفقود، وقد انتهت هذه المعادلة إلى تحييد الدولة عن الصراعات الدينية وإبعاد الكنيسة عن الدولة.أما في السياق العربي الإسلامي فقد كانت حركة العلمنة مغذية لحركة الاستقطاب الثقافي والاجتماعي بدل أن تكون مساعدة على الوحدة والانسجام الاجتماعيين. بل لعل المطلب الأقرب عندنا في البلاد العربية والإسلامية ليس تحرير الدولة من قبضة الدين أو الجهاز الديني لأنها في أصلها متحررة من كل شيء، بل تحرير الدين والمعممين من قبضة الدولة.
بيد أن أخشى ما نخشاه هنا أن تكون تيارات التشدد الإسلامي التي انتدبت نفسها لمحاربة العلمانية والعلمانيين الدافع الأكبر لحركة العلمنة قبل غيرها من خلال ما تشيعه من انقسامات دينية وطائفية، فحينما يتحول الدين إلى عامل مغذي للانقسام الطائفية والمنازعات الكلامية فإنه يؤسس شروط تجاوزه بوعي أو من دون وعي نحو الحل العلماني.
الصراع مازال محتدما بين العلمانيين والاسلاميين العرب وقد تداعى البعض مؤخرا في مؤتمر بالمغرب نظمه مركز الديمقراطية والإسلام في واشطن إلى الدعوة إلى علمانية إسلامية؟ فكيف ترى مثل هذه الدعوة التوفيقية؟
- كثيرا ما تكون المصطلحات مضللة ولا تساعد على رأب التصدعات وفتح جسور التواصل بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية ولعل لفظ علمانية يدخل ضمن هذا الإطار، فكلمة علمانية تبدو بالغة الإشكال حتى ضمن الاستخدامات الغربية، قبل أن نتحدث هنا عن الاستخدام العربي الإسلامي، وقد رأيت الكثير من المثقفين والسياسيين العرب يستهجنون أن يطلق عليهم صفة العلماني أصلا لما ترسخ في الوعي العام بأن العلمانية قرينة المروق في الدين وربما الإلحاد، وربما يلتبس الأمر على بعض الناس فيبدو لهم أن المناداة بالعلمانية الإسلامية أشبه ما تكون بالمناداة بالإلحاد الإسلامي.
لقد تبين لي أن هذه العلمانية وعلى نحو ما استقرت في الأدبيات الفكرية والسياسية الغربية لا يمكن قصرها على فصل الكنيسة أو الجهاز الديني عن الدولة أو حتى فصل الديني عن السياسي، وإن كان هذا الجانب يعد بعدا من أبعادها. فالعلمانية تعني في بعد من أبعادها الأساسية وعلى نحو يعرفها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر نزع الهالة القدسية عن العالم، قاصدا بذلك إحلال المرجعية الوضعية الدنيوية محل فكرة التعالي والتجاوز التي تطبع الأديان السماوية عامة في مختلف شعاب الحياة وسائر الحقول الاجتماعية من السياسة إلى الاقتصاد ومن التشريعات إلى الفن. ولعل الشيخ جمال الدين الأفغاني لم يكن مخطئا بإطلاق حينما عرف العلمانية بالدهرية منذ أواسط القرن التاسع عشر في نصه الشهير المعنون برسالة في الرد على الدهريين.
وعلى هذا الأساس أقول إنه من الأنسب هنا التخلي عن استخدام هذه الكلمة بكلمات أخرى أكثر حيادا وانضباطا ودقة من قبيل التسامح والديمقراطية والتعددية وحيادية الدولة وهي كلها من المطالب المشروعة واللازمة في عالمنا العربي الإسلامي.
وهل من جدوى للحوار بين العلمانيين والإسلاميين؟
- هذه ضرورة يفرضها علينا واقع الاجتماع السياسي وضرورات الحياة، إن كانت هناك رغبة فعلا في العيش المشترك وضمان حياة مدنية مستقرة وهادئة، الأمم الحية هي التي تتحاور وتتواصل مختلف قواها الاجتماعية والسياسية بدل أن تتلاعن وتتدابر فيما بينها.لقد أصبح الإسلاميون حالة مكينة في النسيج الاجتماعي والمعادلة السياسية بما لا يمكن إلغاؤهم، كما أن التيارات العلمانية قد أضحت مكونا ثابتا لا يمكن شطبه. الأوضاع العامة لا يمكن إلغاؤها تستقر بإسلاميين من دون علمانيين، ولا بعلمانيين من دون إسلاميين. لقد دفعت بعض البلاد العربية التي حاولت إلغاء أو تجاهل هذه الحقيقة ضريبة مكلفة على استقرارها المدني وتنميتها الاقتصادية، كما هو الأمر في الجزائر والأراضي الفلسطينية المحتلة وتونس ومصر وغيرها، والعاقل من اتعظ بغيره.
لقد اضطرت تركيا العلمانية وبعد صراعات مكلفة وقاسية للاعتراف بإسلامييها، وإيران الإسلامية تواجه اليوم صعوبات كبيرة في إصرارها على شطب علمانييها من المعادلة، ولن يمر وقت طويل حتى تضطر إلى الاعتراف بهذه الحقيقة مهما كانت قاسية ومرة على قلب الساسة الإيرانيين. ليس عندي حل سحري، ولا أومن أصلا بالحلول السحرية ولكنني أكتفي بالقول إن مجتمعاتنا هي في أمس الحاجة إلى انتهاج خيار التسويات السياسية والاجتماعية مع تجنب المطالب الإيديولوجية المشطة لكل من الإسلاميين والعلمانيين على السواء. إن حركة المجتمعات هي أصلب وأقوى من كل التطلعات الايديولوجية والأحلام السياسية لبعض الأفراد والمجموعات، وعليه لن تصبح مجتمعاتنا إسلامية "نقية" على نحو ما تتصور الجماعات الدينية الجذرية، ولكنها لن تصبح أيضا علمانية مطلقة على نحو ما يتصور بعض العلمانيين الجذريين والأصوليين.
هل يمكن تطبيق الديمقراطية في المجتمع العربي الذي يحتل فيه الدين موقعا متقدما؟
- واحد من الأوهام الرائجة في سوق بعض المثقفين والإعلاميين العرب هو كون مجتمعاتنا تعاني مما يطلق عليه تعثر أو فشل ديمقراطي نتيجة معوقات ثقافية ودينية راسخة، لذا يكفي أن يتم تغيير الثقافة و"إصلاح" الدين، أو لك أن تقول إفساد الدين، حتى تكون الديمقراطية بخير وعافية.
ولو صح هذا الأمر لكانت الدول العربية الأكثر علمنة هي الأكثر دمقرطة، في حين أن ما نشهده واقعا يناقض ذلك تماما، إذ تبدو الدول العربية الموصوفة بالتقليدية والمحافظة أكثر انفتاحا وتطورا ديمقراطيا، من أخواتها المعلمنة.
الأديان ليست كتلا صماء وثابتة المواقع والخطوط بل هي خاضعة بوجه أو بآخر لنوعية الأجواء العامة التي تشتغل ضمنها، فلا تنتظر مثلا من مجتمعات تطحنها الحروب الأهلية ويسحقها الاحتلال الأجنبي أن تكون تعبيراتها الدينية سلمية ومنفتحة. بيد أن الأديان عامة قد تصبح مدمرة فعلا حينما تتحول إلى كتل طائفية ومذهبية منغلقة على نفسها بدل أن تكون دافعة لروح السماحة والانفتاح.
وأخلص من ذلك إلى القول إذا كان هنالك فعلا تعثر ديمقراطيا في المنطقة العربية فيجب أن نبحث عنه بعيدا عن التفسيرات الثقافية والدينية السطحية التي تضلل أكثر مما تساعد على الفهم السليم.
وأنا ممن يعزون هذا الفشل إلى اعتبارات بنيوية تخص وضع الدولة العربية وثقل المصالح الأجنبية في المنطقة، بما يجعل المشروع الديمقراطي في الغالب الأعم يصطدم مع المصالح الأجنبية لأنه لا يفرز في الغالب الأعم النخب المطلوبة.
في الوقت الذي تتمدد فيه تيارات الإسلام السياسي شهدت العلمانية في العالم العربي والإسلامي تقلصا أو تفككا رغم توافر الظروف الإقليمية والدولية فما تفسيرك لذلك؟
- ليس في الأمر مؤامرات أو دسائس على نحو ما يفسر بعض المثقفين العرب لأن الظواهر الاجتماعية ليست عجينة طيعة أو لعبة صلصال تتحكم فيها أياد خفية أو ظاهرة، بل هي تتجاوز الفعل الإرادي أو التآمري لبعض الأفراد والمجموعات، ولو كانت المؤامرات تصنع الظواهر وحركة الأفكار لأصبح العلمانيون العرب القوة الأكبر والأوسع تأثيرا في العالم العربي، إذا ما علمنا أن أولويات السياسة الأمريكية والغربية عامة تقوم على دعم ما أسمته بالعلمانيين الحداثيين مقابل الأصوليين الإسلاميين ووضعت على رأس أولوياتها صنع ما أسمته بشبكات "الاعتدال" الليبرالي الحداثي. ما أردت قوله هنا أن صعود الإسلام السياسي وإخفاق العلمانيين ليس فيه أسرار ولا مؤامرات، بل كل ما في الأمر أن الإسلاميين يمتلكون لغة مفهومة وقابلة للتواصل مع الجمهور العام خلافا للمجموعات العلمانية المغتربة لغة وأنماط حياة، كما أن حمل الإسلاميين للتطلعات العربية المحبطة في الوحدة والتدخلات الأجنبية قد منحهم مشروعية سياسية وأخلاقية واسعة. بيد أن ما ذكرناه هنا لا يعطي الإسلاميين صكا على بياض، بل يمكن أن يصيبهم ما أصاب قوى أخرى سابقة أو مزامنة لهم، فتجري عليهم سنة التداول السياسي والاجتماعي كما جرت على غيرهم من اليساريين والعروبيين والليبراليين إذا ما تخلوا عن وعودهم الكبرى.. حينما تتحول الأحزاب الإسلامية إلى مجرد مكاتب بيروقراطية لا هم لها سوى اكتساب بعض المغانم السياسية من مقاعد برلمانية وحقائب وزارية فلن يكون حالها أفضل من حال أخواتها العلمانيات المأزومة.
هل تعتقد أن الحركات الإسلامية يمكنها أن تساهم في إنجاح التجربة الديمقراطية بالعالم العربي؟
- يمكن أن يلعب الإسلاميون دورا مهما في إنجاح التجربة الديمقراطية المتعثرة في العالم العربي شريطة الوعي بتعقيدات الساحة السياسية العربية والتوازنات الدولية، ومن ذلك أخذ مصالح الآخرين بعين الاعتبار وانتهاج ديمقراطية الوفاق والتسويات بدل ديمقراطية عد الأصوات وصناديق الاقتراع. فالحركات الإسلامية السلمية وبحكم ما تمتلكه من ثقل جماهيري يمكن أن تساهم في تحويل الخيار الديمقراطي من عملية فوقية قاصرة على بعض الجيوب النخبوية إلى مطلب شعبي نضالي، إذا ما بحثت عن أرضية اللقاء والعمل الجبهوي مع غيرها من القوى الأخرى. وهنا أقول لا بد من الابتعاد عن أدلجة الديمقراطية وتحويلها إلى ما يشبه العقائد والاديان، فأنا ممن يقولون بالديمقراطية الإجرائية أي اعتبارها جملة من الوسائل والآليات التي تسمح بالتخفيف من وطأة الاستبداد وتجنب الحسم بقوة السلاح أو العنف.
طبعا البعض تنتابه مخاوف من أن الإسلاميين إذا ما وصلوا إلى السلطة فإنهم سيكسرون السلم الذي صعدوا به، وقد تكون هذه المخاوف صحيحة أو مبالغا فيها إلا أن أهم ضمانة في نهاية المطاف هي التدرب على العمل المشترك، وإيجاد معادلة سياسية عامة تحول دون تغول أي طرف أو انفراده بالحكم.
في الوقت الذي تتقدم فيه الشعوب وتتعدد فيه التجارب التنموية في عديد الأقطاب الغربية والآسيوية مازال العرب والمسلمين يعيشون جدلا عقيما حول عديد القضايا مثل الحجاب والمرأة ودور الدين والطائفية والمذهبية.. فهل هناك مخرج من هذه الدائرة؟
- الوضع العربي مأزوم فعلا والكثير من القضايا التي تستهلك حيزا واسعا من المساجلات والمراشقات لا تستحق أن تشغل كل هذا الاهتمام وتصرف فيها كل هذه الأوقات. هناك مشاكل موجودة فعلا ولكن تتم المبالغة في طرحها، وهنالك قضايا أخرى ذات أولوية يتم تجاهلها أو في الحد الأدنى لا تأخذ نصيبها من التداول العام. سؤال الهوية مثلا والذي يتغذي من الشعور العام بالخطر الذي يتهدد الدين وكيان الجماعة فيه قدر غير قليل من المبالغة والتهويل، خذ مثلا على ذلك عمليات تصيد الكتاب والروائيين وجلبهم إلى ردهات المحاكم أو الاستنجاد بدولة في قضايا الفكر والثقافة تحت ذريعة الدفاع عن الدين والأخلاق تبدو عملية عبثية وتضع الإسلام والمسلمين في صورة المصادر لحرية الفكر والتعبير، وهي صورة مشينة بكل المقاييس، فالفكر لا يمكن الرد عليه إلا بالفكر والرواية أو القصة لا يمكن تحديها إلا برواية وقصة أكثر جمالية وإبداعا.
تعيش الكثير من الدول العربية تجارب تحديثية لم تتمخض عن تطور حقيقي فكيف قرأت هذه التجارب؟
- التحديث العربي لم يؤد إلى تطور حقيقي وجاد لأنه تحديث أداتي يقوم على مظاهر استهلاكية سطحية مجلوبة من السيارة إلى الثلاجة إلى علبة الكبريت، وحتى أثوابنا العربية والتي نعدها رمز أصالتنا نجدها ممهورة بعلامة طبع في كوريا الجنوبية والصين هذا إن لم تكن في باريس ولندن.
التحديث الحقيقي هو الذي يحمي كرامة الإنسان ويرتقي بملكاته ووعيه وليس مجرد مد الجسور والطرقات وشبكات الكهرباء والصرف الصحي على أهمية ذلك.
حقيقة إن المرء ليشعر بالخجل والوجل حينما يرى أمة إقرأ ما عادت تقرأ، أو هي لا تحسن القراءة أصلا، ويشتد الوجع أكثر حينما يرى ما تتعرض له لغة الضاد أعظم وأعرق لغات العالم إلى إهانة وحيف من طرف أهلها قبل غيرهم. فأي تحديث يمكن الدفاع عنه ونحن نرى نسب الأمية تصل في بعض البلاد العربية إلى ما يربو على الخمسين بالمائة. بيد أنني مع ذلك لست يائسا لأن إرادة الحياة والتجدد مازالت حية في هذه الأمة ومازالت تطلعاتها في النهوض والتدارك قائمة.
هل يمكن بناء حداثة إسلامية بعيدا عن التجارب العلمانية الغربية؟
- لست مشغولا كثيرا في البحث عن الخصوصيات المنغلقة على نفسها ولكنني في نفس الوقت لا أطمئن إلى الادعاءات الكونية الساذجة التي تطبع الكثير من الكتابات العربية، وبهذا المعنى أقول نعم يمكن بناء حداثات إسلامية وفق المختزنات الثقافية والرمزية والخبرات التاريخية الإسلامية، لأنني أفهم الحداثة على أنها انفتاح على امكانيات تاريخة متعددة وليست وصفة سحرية جاهزة وناجزة، لقد حان الوقت لإعمال الفكر والاجتهاد الحي في الحداثة بدل الاختفاء خلف دعاوى تنويرية كاذبة. المشكلة أن ترديد مقولات العقلانية والحداثة والتنوير والعقلنة قد غدت في عالمنا العربي مسوغا للعطالة الفكرية والقعود الذهني، ويؤسفني أن أقول أن الكثير من العقلانيين عندنا تحولوا إلى مشعوذين، والحداثيين تحولوا إلى منجمين وكاتبي تمائم وليس أكثر.
هل يمكن أن يكون الدين معيقا للتجربة الديمقراطية؟ وهل العلمانية عدو للدين؟
- الجواب بنعم ولا في نفس الوقت، يمكن للدين أن يكون من بين العوامل المعيقة للديمقراطية إذا ما تم استدعاؤه على نحو سلبي، مثلما يكون رافدا ومعززا للديمقراطية إذا ما تم استدعاؤه على نحو مثمر وبناء، وهذا أمر يصح على العلمانية أيضا. إسلام أيمن الظواهري والجماعات العنفية يمثل عائقا فعلا أمام الاستقرار الأهلي والديمقراطية في البلاد الإسلامية بيد أن إسلام طيب أردوجان ومحمد خاتمي ومهاتير محمد وراشد الغنوشي يمثل محفزا ودافعا جديا للديمقراطية. لقد غدا أمرا مسلما به أن الدين يلعب دورا مهما في تغذية الحس المدني وغرس معاني المسؤولية والواجب الأخلاقي والتخفيف من النزوعات الفردية الأنانية، ولهذا السبب بدأت الكثير من الليبراليات الغربية أكثر وعيا وميلا نحو إدخال الدين أو الأديان في مناهج التعليم والتربية للتخفيف من نزوعات التفرد والشعور بالعدمية، وبهدف تجنب الضريبة الباهظة والمكلفة لحركة الرأسمالية المعولمة الآخذة في تغليب مبادئ المصلحة والنجاعة على أي قيمة ومعنى.
إذا لماذا بقي العالم العربي والإسلامي يتخبط في الصراعات والتخلف فلا حقق الديمقراطية ولا حقق التنمية؟
- مسألة التخلف في العالم العربي قضية يجب أن يتم تناولها بقدر من الجدية والهدوء حتى لا نقع في الأوهام أو نقدم تشخيصا مضللا وحلولا مغشوشة. عالمنا الراهن هو عالم التكتلات والدول القارية التي تعلو على القوميات الضيقة، ونحن نصر على دخوله طوائف متدابرة وقبائل متحاربة، ونصر على أسر أنفسنا بكيانات سياسية ضعيفة وواهية لا تستطيع الدفاع عن الحد الأدنى من مقومات الوجود والسيادة. لا ديمقراطية ولا حداثة ولا تنمية ولا هم يحزنون بدون تفكير جدي في المصير العربي المشترك ضمن الفضاء القومي والدائرة الحضارية الإسلامية الأوسع. إن قضية التكامل العربي سواء على صعيد الاقتصاد أو السياسة أو على صعيد التعليم والثقافة مسألة بالغة الحيوية للعرب دولا وكيانا جماعيا، وهي مسألة تمليها اعتبارات المصالح قبل أن نتحدث عن الإيديلوجيا هنا.ل قد جرب العالم العربي خلال العقدين الأخيرين مقولة أن تنهج كل دولة إلى نزع شوكها بنفسها بعيدا عن الإطار العربي الأوسع فلم تجن لنفسها قبل غيرها إلا مزيدا من الدمار والخراب.
حاوره لصحيفة الشرق القطرية : الصحفي محمد فوراتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.