الجزائر - علي بن أبي طالب.. عبد الله بن مسعود.. الفلاح.. نماذج لمساجد أقيمت بدون محراب في ضواحي العاصمة الجزائرية. ففي غرب العاصمة، يتوافد المصلون وأغلبهم من الشباب السلفي، على مسجدي علي بن أبي طالب بحي العاشور والفلاح بحي بولوغين الخاليين من المحراب. ولا يبدي المصلون في هذين المسجدين اندهاشا من إنشائهما بهذا الشكل لاعتيادهم على هذا التصميم، خاصة أن أغلب مرتاديهما من أبناء التيار السلفي الذين يؤكدون أن هذا التصميم مقصود "لموافقة السنة النبوية". وتكررت الصورة نفسها في أحياء جنوب العاصمة، كما هو الحال في مسجد عبد الله بن مسعود بحي النسيم. حي الحياة في جسر قسنطينة يشهد هو الآخر إنشاء مسجدين متقاربين في المسافة، لكن القائمين على عملية البناء فضلوا عدم ترك أي مكان ل"المحراب". لم يقتصر الأمر على مسألة المحراب فقط، بل إن هذه المساجد تميزت بمنابر قصيرة لا تزيد على 3 درجات خالية من الزخارف تقريبًا، مثل مسجد القدس بحي حيدرة بالعاصمة، حيث يرى القائمون عليها أنها بهذا الشكل تشابه منبر النبي صلى الله عليه وسلم والذي لم يكن مرتفعًا. ولا تنحصر هذه المظاهر، سواء المتعلقة بالمحراب أو المنبر في الجزائر، حيث إن غالبية المساجد في العالم العربي والتي يقوم على إنشائها أو إمامتها سلفيون، تكون بدون محراب وبمنابر قصيرة. أمر محدث أم مستحب؟ وأظهر استقصاء قام به مراسل شبكة "إسلام أون لاين.نت" في عدد من مساجد الجزائر العاصمة حول هذه الظاهرة أن جلّ المساجد التي لا تحتوي على محراب يشرف على تسييرها أئمة معروفون بانتمائهم للتيار السلفي. وفي تفسيره لهذا العمل لم يخفِ أحد الدعاة السلفيين المشهورين (طلب عدم الكشف عن هويته) في تصريح ل"إسلام أون لاين.نت" اعتقاده بأن: "المحراب أمر محدث في الدين، وهو من البدع التي يجب التنبيه إليها". لكنه اعتبر أن "الأمر مرهون بجلب المصالح ودفع المفاسد، فإن كان عدم تشييد المحراب يتسبب في فتنة بين المصلين فالأولى تجنب ذلك.. وإن لم يترتب على ذلك أي مفسدة فحريّ بنا أن نبني بيوت الله على صورتها الحقيقية دون أي أمور محدثة". ورغم أن عملية تمويل بناء المساجد من قبل المتطوعين تحتاج إذنًا مسبقًا من وزارة الشئون الدينية والأوقاف بالجزائر، فإن ذلك لا يفرض طرازًا معماريًّا رسميًّا لبيوت الله، الأمر الذي يسهل للسلفيين إنشاء مساجدهم دون محراب. هيئة هندسية لها فوائد من جانبه اعترض الشيخ شمس الدين بوروبي الداعية الجزائري في تصريح ل"إسلام أون لاين.نت" على رأي القائلين بأن "المحراب بدعة". وقال: "إن أصحاب هذا الاتجاه ملزمون أيضًا بهدم الصوامع وإزالة المصابيح المضيئة والبلاط، وما إلى ذلك من الأشياء التي لم تكن في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت أرضية مسجده من الرمل وسقفه من جريد النخل". واعتبر الداعية "بوروبي" أن "المحراب هو مجرد هيئة هندسية وضعها المسلمون لحكم كثيرة منها تحديد القبلة؛ إذ إن المصلين بمجرد رؤيته يدركون اتجاه القبلة، كما أن المحراب يمكننا من ربح صف إضافي في المسجد، فضلا عن أنه يشجع الإمام على الخشوع". وعاد ليؤكد أنه: "لا أحد من أهل العلم قديمًا وحديثًا يرى ببدعية المحراب عدا أبي حنيفة الذي يرى بكراهة المحراب الذي يجوف أمتارًا وأمتارًا فيصبح يشبه النفق، وهو المحراب الذي يختلف تمامًا عن الموجود بمساجدنا اليوم". وتتفق هذه الرؤية مع فتوى للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، سبق نشرها على موقع "إسلام أون لاين.نت". وتعود بدايات ظاهرة إقامة مساجد بدون محراب في الجزائر إلى العقد الماضي، حين عمد بعض شباب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" إلى غلق "المحراب" باستخدام الخرسانة في عدد من المساجد بحجة أنه "بدعة"، لكن وزارة الشئون الدينية والأوقاف تدخلت مباشرة بعد حل الجبهة في مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ لإعادة فتح محراب العديد من المساجد. ويبلغ عدد مساجد الجزائر 15 ألف مسجد تخضع غالبيتها لوزارة الشئون الدينية والأوقاف التي تتولى مهمة تعيين الأئمة والخطباء، إلا أن عجز الوزارة عن توفير أئمة لجميع مساجد البلاد فتح المجال واسعًا أمام بعض المتطوعين لتولي مهام الإمامة والخطابة. وتشهد الجزائر نموًّا للتيار السلفي الذي قطع شوطًا في الساحة الدعوية، خصوصًا ما يتعلق بإدارة المساجد، كما أنه بدأ يولي اهتمامًا بالساحة الإعلامية مثل المجلات والمواقع الإلكترونية؛ لتوصيل أفكاره إلى عامة المجتمع. ومن أبرز شيوخ الدعوة السلفية بالجزائر: عبد المالك رمضاني (الإمام السابق لمسجد البدر بحي حيدرة بالعاصمة)، والعيد شريفي (أستاذ بالجامعة الإسلامية)، فضلا عن بعض الشباب الذين ذاع صيتهم في الأوساط السلفية من أمثال: مراد دبياش، وعز الدين رمضاني، ورضا كيريماط.