%70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    اليوم..انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    اليوم انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض اسعار الدجاج والبيض    سمير ماجول: القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد ويجب الاهتمام به لتحقيق السيادة والأمن الغذائيين    اندونيسيا تعرب عن الاستعداد لتطوير التعاون مع تونس في مجال الاستمطار والتحول التكنولوجي للطقس    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    قادة العالم يعربون عن تعازيهم بمصرع الرئيس الإيراني ومرافقيه    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ربع النهائي    كاس تونس لكرة اليد - الترجي الرياضي والنادي الافريقي في النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    هبوب رياح قوية غدا الاثنين وانخفاض مدى الرؤية الافقية الى اقل من 1000 م بالجنوب    الفيلم التونسي المغربي "كواليس" يحصد جائزتين في المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    المحلل السياسي حسان القبي يتحدث عن لغز طائرة الرئيس الإيراني    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    الحرس الثوري الإيراني: تلقينا إشارة من طائرة الرئيس المفقودة    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    الزمالك المصري يتوج بكأس "الكاف"    الزارات -قابس: وفاة طفل غرقا بشاطئ المعمورة    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    البنين تعتزم إجلاء 165 من مواطنيها بصفة طوعية من تونس    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    أنصار قيس سعيد اليوم : ''تونس حرة حرة والعميل على برة''    القيروان: الملتقي الجهوي السادس للابداع الطفولي في الكورال والموسيقى ببوحجلة (فيديو)    بعد "دخلة" جماهير الترجي…الهيئة العامة لاستاد القاهرة تفرض قرارات صارمة على مشجعي الأهلي و الزمالك في إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية و كأس الكاف    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    المنستير: القبض على 5 أشخاص اقتحموا متحف الحبيب بورقيبة بسقانص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الكامل لتقرير "أمنستي" حول سرقة "إسرائيل" مياه فلسطين
نشر في الفجر نيوز يوم 29 - 10 - 2009

تحت عنوان “متعطشون إلى العدل” سلّطت منظمة العفو الدولية الضوء على وجه آخر لمعاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال “الإسرائيلي” . ففي تقرير مطول برهنت الوقائع الموثقة أن الاحتلال لا يكفي بقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم وتدمير ممتلكاتهم، لكنه أيضاً يحاربهم حتى في حقهم بمياه الشرب، ويحرمهم من مياههم ليحوّلها إلى المستوطنين يغرقون بها سياراتهم وحدائقهم المقامة على الأرض الفلسطينية . وفيما يلي نص التقرير:
استهلاك المستوطن من المياه 20 ضعف استهلاك الفلسطيني
95 في المائة من مياه غزة ملوثة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي
متعطشون إلى العدل
القيود على سبل حصول الفلسطينيين على المياه
منظمة العفو الدولية
يفتقر الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى سبل الحصول على ما يكفي من إمدادات المياه الآمنة . وقد أدت هذه المشكلة التي طال أمدها إلى إعاقة التنمية الاجتماعية والاقتصادية إلى حد كبير في الأراضي الفلسطينية المحتلة . كما حرمت تجمعات كثيرة من حقها في مستوى معيشي ملائم وحقها في الغذاء والصحة والعمل . ولا يزال مستوى استهلاك الفرد الفلسطيني من المياه أقل من المعايير الدولية المقبولة لحماية الصحة العامة . ويؤثر النقص المزمن في المياه على جوانب جوهرية في المعيشة، بما في ذلك النظافة العامة . والأنشطة الزراعية والصناعية، وتربية المواشي والدواجن .
تُعد السياسات “الإسرائيلية” التي تنطوي على تمييز في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي السبب الأساسي للتفاوت الشديد في الحصول على المياه بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” . فاستهلاك الفلسطينيين من المياه لا يتجاوز نحو 70 لتراً للفرد يومياً، وهو ما يقل كثيراً عن المستوى الذي توصي به “منظمة الصحة العالمية” وهو 100 لتر للفرد يومياً . وعلى النقيض من ذلك، يبلغ استهلاك الفرد “الإسرائيلي” للمياه يومياً نحو أربعة أضعاف مثيله لدى الفلسطينيين .
ويظهر هذا التفاوت بصورة أشد وضوحاً بين التجمعات الفلسطينية والمستوطنات “الإسرائيلية” غير المشروعة التي أُقيمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة فيما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي . وتشهد على ذلك حمامات السباحة والمزارع القائمة على كثافة الري والحدائق المزهرة في المستوطنات “الإسرائيلية” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تتناقض بشكل صارخ مع أوضاع القرى الفلسطينية المجاورة التي يعاني سكانها المشاق لتلبية احتياجاتهم المنزلية الأساسية من المياه .
ففي أجزاء من الضفة الغربية، يزيد استهلاك الفرد من المستوطنين “الإسرائيليين” يومياً بنحو 20 ضعفاً عن استهلاك الفرد في التجمعات الفلسطينية المجاورة، والتي لا يكاد استهلاك الفرد فيها يبلغ نحو 20 لتراً في اليوم، وهو الحد الأدنى الذي توصي به “منظمة الصحة العالمية” في حالات الطوارئ .
وتتحكم “إسرائيل” في حصول الفلسطينيين على المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتفرض من القيود على مقدار المياه المتاحة للفلسطينيين ما يهبط بذلك المقدار إلى مستوى لا يفي بتلبية احتياجاتهم ولا يمثل نصيباً عادلاً من موارد المياه المشتركة . وتستخدم “إسرائيل” نحو 80 في المائة من المياه المستخرجة من المخزون الجبلي، الذي يُعتبر مورد المياه الوحيد الباقي للفلسطينيين، وهو مورد مستمد بأكمله تقريباً من مياه الأمطار في شتى أنحاء الضفة الغربية . وقد استولت “إسرائيل” بشكل كامل على نصيب الفلسطينيين من مياه نهر الأردن، كما أن لديها موارد أخرى للمياه لا يشترك فيها الفلسطينيون .
ويُحرم عدد يتراوح بين 180 ألفاً و200 ألف فلسطيني، يعيشون في مناطق ريفية في الضفة الغربية المحتلة، من المياه الجارية . بل إن صنابير المياه لا تحمل المياه في كثير من الأحيان للسكان حتى في البلدات والقرى المتصلة بشبكة مياه .
ويشيع نظام تحديد حصص المياه في شهور الصيف على وجه الخصوص . وفي كثير من الأماكن لا يحصل الفلسطينيون على المياه إلا ليوم واحد كل أسبوع أو كل بضعة أسابيع، وفي بعض المناطق لا يحصلون عليها طيلة أشهر . وعندما يتعذر الحصول على المياه من الصنابير، يتعين على الفلسطينيين شراء كميات إضافية من المياه التي تُنقل إليهم عبر خزانات متنقلة بأسعار أعلى كثيراً . ويُضطر كثير من أبناء التجمعات التي لا تتصل بشبكة مياه إلى السفر لأميال طويلة للحصول على المياه بأسعار باهظة، وكثيراً ما تكون من نوعية غير موثوق بها . وفي كثير من الأحيان تقع أشد آثار نقص المياه وسوء مرافق الصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة على كاهل التجمعات المستضعفة، التي تعيش في مناطق ريفية منعزلة وفي مخيمات اللاجئين المكتظة . وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة البطالة والفقر فضلاً عن تناقص فائض الدخل في الأراضي الفلسطينية المحتلة . ونتيجةً لذلك، تُضطر الأسر الفلسطينية إلى إنفاق نسبة متزايدة من دخلها على المياه .
وفي قطاع غزة، تُعد نسبة تتراوح بين 90 و95 في المائة من إمدادات المياه ملوثة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي . ولا تسمح “إسرائيل” بنقل المياه من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، وفي الوقت نفسه فإن مورد المياه الوحيد هناك، وهو المخزون الساحلي، لا يكفي لتلبية احتياجات السكان، فضلاً عن تعرضه للتلوث والتناقص بسبب الإفراط في استخراج المياه وتغلغل مياه الصرف ومياه البحر إليه . ومن جهة أخرى، أدت القيود الصارمة التي تفرضها “إسرائيل” على ما يدخل غزة من مواد ومعدات لازمة لتنمية مرافق البنية الأساسية وإصلاحها إلى تدهور شديد في أوضاع المياه والمرافق الصحية هناك .
وعلى امتداد ما يزيد على أربعة عقود، دأبت “إسرائيل” على استغلال موارد المياه بشكل مفرط وإهمال المرافق الأساسية للمياه والصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة . كما استخدمت “إسرائيل” الأراضي الفلسطينية المحتلة للتخلص في نفاياتها، وهو الأمر الذي أدى إلى تلوث موارد المياه تحت سطح الأرض . وهناك حاجة ماسة لاتخاذ تدابير عاجلة لضمان حصول السكان الفلسطينيين على إمدادات كافية ومتكافئة من المياه، وللحيلولة دون إلحاق مزيد من الأضرار بموارد المياه والبيئة .
ونظراً لعدم وفاء “إسرائيل” بالتزاماتها، باعتبارها سلطة الاحتلال، فقد أصبح عبء التصدي لهذه التحديات يقع على عاتق الجهات الدولية المانحة، ثم إلى “سلطة المياه الفلسطينية” منذ إنشائها في منتصف التسعينات من القرن العشرين . ولا تتمتع “سلطة المياه الفلسطينية” إلا بسيطرة محدودة للغاية على موارد المياه في الضفة الغربية . فبموجب “اتفاقيات أوسلو” تقتصر مسؤولية هذه السلطة على إدارة مورد مائي غير كاف . وتتحكم “إسرائيل” في كمية المياه التي يمكن للفلسطينيين استخراجها من موارد المياه الجوفية المشتركة، كما تتحكم “إسرائيل” في القرارات المتعلقة ببناء أو تطوير الآبار وبتنفيذ المشروعات الأخرى المتصلة بالمياه . ومن جهة أخرى، فإن أنشطة “سلطة المياه الفلسطينية عرضة للقيود التي تفرضها “إسرائيل”، كما أنها تعتمد على التمويل المقدم من الجهات الدولية المانحة .
وقد تفاقمت هذه العقبات من جراء سوء الإدارة، وتعدد جهات الإدارة، والانقسامات الداخلية في “سلطة المياه الفلسطينية” . وقد أصبحت الجهات المانحة تحجم عموماً عن كشف العقبات التي تعوق تنفيذ مشروعات المياه، وكذلك عن التصدي الفعال لها .
الحرمان من المياه كأداة للإبعاد
في يونيو/ حزيران ،2009 هدم الجيش “الإسرائيلي” منازل وحظائر تخص 18 عائلة فلسطينية في قرية رأس الأحمر، وهي قرية صغيرة في منطقة غور الأردن في الضفة الغربية . وقد تضرر ما يزيد على 130 شخصاً، بينهم كثير من الأطفال، من هذا الإجراء . ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل صادر الجنود “الإسرائيليون” خزان المياه والجرار والمقطورة التي يستخدمها أهل القرية في جلب المياه، وتُرك هؤلاء القرويون بلا مأوى ولا مصدر للمياه في أشد فترات العام حرارةً .
ولم يكن هذا الإجراء سوى الأحدث من إجراءات كثيرة مشابهة تستهدف التجمعات الفلسطينية في المنطقة . ففي 28 يوليو/ تموز ،2007 صادر الجنود “الإسرائيليون” عند إحدى نقاط التفتيش العسكرية جراراً وخزان مياه من أحمد عبد الله بني عودة، وهو قروي من قرية حمصة القريبة، وكان في طريقه إلى نبع عين شبلي لجلب المياه لقريته . وقال الجنود لأهل القرية إن عليهم، إذا أرادوا استعادة الجرار والخزان، أن يوقعوا على تعهد بمغادرة المنطقة وعدم العودة إليها، بالإضافة إلى دفع غرامة مقدارها 4500 شيكل “إسرائيلي” (أي ما يعادل حوالي ألف دولار أمريكي)، وهو مبلغ يفوق طاقة هؤلاء القرويين الذين يعيش كل منهم على أقل من دولارين يومياً . وقد تمكن القرويون في نهاية المطاف من استعادة الجرار وخزان المياه بعد أن انتقلوا إلى منطقة أخرى ودفعوا غرامةً مخفضة .
وفي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال أحد مسؤولي الجيش “الإسرائيلي” إن السبب في مصادرة الجرار وخزان المياه هو أن مثل هذه المعدات تساعد القرويين على البقاء في المنطقة، التي أعلنها الجيش “منطقة عسكرية مغلقة” . وبعد بضعة أيام، صادر الجنود “الإسرائيليون” جراراً آخر يملكه أولئك القرويون .
وشهدت السنوات الأخيرة هدم منازل كثير من الفلسطينيين الذين يعيشون في قرى حمصة والحديدية ورأس الأحمر وغيرها من المناطق في غور الأردن بصورة متكررة، فضلاً عن مصادرة خزانات المياه الخاصة بهم . وفي كل مرة، كان يُعاد بناء المنازل، وهي عبارة عن خيام وأكواخ بسيطة من ألواح المعادن والبلاستيك .
ونظراً لإصرار أهالي القرى على البقاء في أراضيهم بالرغم من ظروف المعيشة البالغة القسوة، فقد دأب الجيش “الإسرائيلي” بشكل متزايد على فرض قيود على سبل حصولهم على المياه كأداة لإجبارهم على مغادرة المنطقة . وبالرغم من وجود آبار كبيرة على مقربة من المنطقة، فإن استخدامها مقصور على المستوطنين “الإسرائيليين” في مستوطنات “روعي” و”بكعوت” و”حميدات” .
وللحصول على المياه، يتعين على القرويين الفلسطينيين السفر إلى مسافة تصل إلى 20 كيلومتراً لشراء كميات صغيرة .
وفي السنوات الأخيرة، اتجه الجيش “الإسرائيلي” إلى بناء خنادق لمنع المرور بين القرى والمناطق المحيطة . كما نصب الجيش نقاط تفتيش على الطرق الرئيسة التي يخضع مرور الفلسطينيين عبرها لقيود مشددة . وكان من شأن هذه القيود أن تجعل الوصول إلى موارد المياه أمرا أصعب وأكثر تكلفةً بالنسبة للفلسطينيين في المنطقة، إذ يتعين عليهم أن يسلكوا طرقاً طويلة ملتفة، وكثيراً ما يُضطرون للانتظار عند نقاط التفتيش، حيث يتهددهم خطر مصادرة خزانات المياه الخاصة بهم .
ففي قرية الحديدية، قالت إنعام بشارة، وهي أم لسبعة أطفال، لمنظمة العفو الدولية: “نحن نعيش تحت أقسى الظروف، بلا ماء ولا كهرباء ولا أية خدمات . ولكن نقص المياه هو أكبر مشكلة . فالرجال يقضون معظم ساعات اليوم . . . (في الذهاب) لإحضار الماء، ولا يستطيعون إحضاره دائماً . ولكن ليس أمامنا خيار آخر، فنحن نحتاج إلى قليل من الماء للعيش ولإعاشة الأغنام . ومن دون ماء لا توجد حياة . لقد عزلنا الجيش “الإسرائيلي” عن جميع المناطق الأخرى . . العيش على هذا النحو ليس من اختيارنا، فقد كنا نتطلع أيضاً أن تكون لدينا بيوت جميلة وحدائق ومزارع، ولكن هذه الامتيازات مقصورة على المستوطنين “الإسرائيليين” . . أما نحن فمحرومون حتى من المرافق الأساسية” .
ونظراً للقيود الصارمة المفروضة على سبل الوصول إلى المياه، يعجز أهالي القرى الفلسطينية عن زراعة أراضيهم، أو حتى زراعة كميات صغيرة تكفي لاستهلاكهم الشخصي ولإطعام ماشيتهم، ومن ثم يُضطرون إلى تقليل وجباتهم .
وعلى مر العصور، كان الفلسطينيون في غور الأردن يعتمدون في كسب أرزاقهم على الزراعة وتربية الأغنام والماعز وبيع ما ينتجونه من الحليب والجبن . أما في السنوات الأخيرة، فقد كان من شأن نقص المياه أن يجعل من المستحيل على القرويين زراعة الأراضي الخصبة بطبيعتها أو الاحتفاظ بأكثر من رؤوس قليلة من الماشية، التي أصبحت وسيلتهم الوحيدة للعيش في الوقت الحالي . وقد أدى نقص المياه بالفعل إلى إجبار كثير من أهالي القرى على مغادرة المنطقة، وتتزايد الأخطار التي تهدد معيشة التجمعات السكانية الباقية .
وعلى النقيض من ذلك، تتمتع المستوطنات “الإسرائيلية”، التي أُقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالمخالفة للقانون الدولي، بحرية مطلقة في الحصول على المياه لزراعة مساحات شاسعة من المزارع . وتُعد الزراعة باستخدام مياه الري النشاط الاقتصادي الرئيسي في المستوطنات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية، ويُصدر معظم إنتاج هذه المستوطنات . وتُعد المساحات الخضراء الشاسعة في المستوطنات “الإسرائيلية” غير القانونية مقابل القرى الفلسطينية المقفرة دليلاً صارخاً على سياسة التمييز التي تنتهجها “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
وبينما يعاني القرويون الفلسطينيون أشد المشاق كل يوم للحصول على ما يكفي من المياه لاحتياجاتهم الأساسية، لا تكف رشاشات المياه في المستوطنات “الإسرائيلية” القريبة عن ري الحقول في منتصف النهار، حيث تُهدر معظم كميات المياه نظراً لتبخرها حتى قبل أن تصل إلى الأرض .
حظر تجميع مياه الأمطار
وتعتمد التجمعات الريفية التي لا تتصل بشبكة مياه على مياه الأمطار التي تُجمع سواء لتلبية احتياجاتها المنزلية أو احتياجات الزراعة . وتبعاً لكمية الأمطار التي تنهمر سنوياً، يمكن للمياه التي تُخزن في صهاريج تحت الأرض خلال موسم الأمطار أن توفر إمدادات المياه للعائلات لعدة شهور . وعندما تنفد الكميات التي جُمعت من مياه الأمطار، يُضطر أهالي القرى إلى شراء كميات إضافية من خزانات المياه وتخزينها في الصهاريج . وفي 15 يناير/ كانون الثاني ،2008 هدمت القوات “الإسرائيلية” تسعة صهاريج لتجميع مياه الأمطار في قرية بيت أولا الواقعة شمال غرب مدينة الخليل . وكانت الصهاريج قد بُنيت في يونيو/ حزيران 2006 كجزء من مشروع زراعي لتحسين مستوى الأمن الغذائي، وتمتلكها تسع عائلات . وتولى الاتحاد الأوروبي تمويل المشروع من خلال اثنتين من المنظمات المحلية غير الحكومية، وهما “لجان الإغاثة الزراعية الفلسطينية” و”جماعة المياه الفلسطينية” . وطبقاً للمخطط، كان مسطح الأرض مقسماً طبقاً للطريقة التقليدية، وزُرعت فيها 3200 شجرة من أشجار الزيتون واللوز والليمون والتين .
وكانت الصهاريج تمثل جزءاً حيوياً من المشروع، حيث كان من المزمع أن يوفر كل صهريج المياه لمساحة تتراوح بين 10 دونمات و12 دونماً (أي ما بين هكتار و2 .1 هكتار) . كما شارك المزارعون بنصيب كبير من التكاليف الإجمالية للمشروع .
وقال أحد هؤلاء المزارعين، ويُدعى محمود آدم، لمنظمة العفو الدولية: “لقد أنفقنا كثيراً من الأموال، وكنا نبذل أقصى ما في وسعنا في هذا المشروع . فهذه أرض جيدة، وكان هذا المشروع مفيداً جداً . وقد فكرنا طويلاً في تقسيم الأرض وبناء الصهاريج بأفضل طريقة، لتحقيق الاستفادة القصوى من الأرض، وزرعنا أشجاراً لا تحتاج إلى مياه كثيرة . . . فحتى إذا لم تتوفر أمطار كافية في ذلك العام لملء الصهاريج، فإن المياه التي تم تجميعها كانت مفيدة للشجيرات النابتة، وكانت تنمو بشكل جيد . . . ولكنهم (جنود الجيش “الإسرائيلي”) هدموا كل شيء، فقد أخذوا يجوبون الأرض بالجرافات عدة مرات واقتلعوا كل الأشجار . . إنني أشعر بالألم في كل مرة أجيء فيها إلى هنا وأشاهد الدمار، فقد ضاع كل ما بنيناه . لماذا يُقْدم أي شخص على مثل هذا الدمار؟ وما النفع الذي يعود من جراء عمل كهذا؟” .
استهداف التجمعات المستضعفة - تلال جنوب الخليل
في تلال جنوب الخليل، يعتمد القرويون الفلسطينيون بالأساس على تربية الأغنام والماعز لتدبير سبل العيش، إلا أنهم أصبحوا خلال السنوات الأخيرة يواجهون تحدياً متنامياً يتمثل في الجفاف الذي يستمر لفترات طويلة، ما يؤدي إلى نقص إمدادات المياه التي يمكنهم تجميعها خلال موسم الأمطار وانخفاض الناتج من المحاصيل التي تُستخدم كعلف للماشية والنباتات التي تُستخدم كمرعى لها . ومما فاقم من سوء أوضاع هؤلاء القرويين تزايد القيود التي يفرضها الجيش “الإسرائيلي” على وصول القرويين إلى المياه وإلى أراضي المراعي .
ففي قرية سوسيه الفلسطينية، هدم الجيش “الإسرائيلي” معظم صهاريج المياه، بالإضافة إلى عشرات المنازل، في عامي 1999 و2001 . أما الصهاريج الباقية، وكذلك أحد المراحيض، فقد صدرت أوامر بهدمها ولم تُنفذ بعد . وقد فُجرت صهاريج المياه، وبعضها قائم منذ قرون، أو هُدمت بالجرافات ومُلئت بالحجارة والأسمنت للحيلولة دون إصلاحها . كما دُمرت معدات استخدام الطاقة الشمسية في التدفئة، والتي كانت قد قُدمت كمنحة للقرويين .
وكما كان الأمر في حالات أخرى، فقد كان السبب الرسمي لهدم هذه الأبنية هو أنها بُنيت من دون تصاريح، في حين أن الجيش “الإسرائيلي” يرفض على الدوام منح هذه التصاريح للفلسطينيين في المنطقة . أما الهدف فواضح، وهو طرد السكان من القرية بغية إفساح المجال لتوسيع مستوطنة سوسيه “الإسرائيلية” .
وقد صاحب توسيع مستوطنة سوسيه في عقد التسعينات من القرن العشرين تزايد المضايقات التي تعرض لها السكان من المستوطنين، وكذلك الجهود التي بذلها الجيش لطرد السكان . ومنذ أن هدم الجيش “الإسرائيلي” معظم كهوف الفلسطينيين، وهي أبنية تاريخية شُيدت منذ آلاف السنين، أصبح هؤلاء الفلسطينيون يعيشون في خيام وأكواخ ويتهددهم على الدوام خطر طردهم عنوةً من المنطقة . وقد اضطُر أكثر من نصف القرويين فعلاً لمغادرة المنطقة، ورحل كثيرون منهم بعد هدم صهاريج المياه عامي 1999 و،2001 بينما رحل آخرون إثر القيود التي فُرضت منذ ذلك الحين على الوصول إلى المياه والأراضي .
إطلاق النار على خزانات المياه من أجل “التدريب على التصويب”
على أسطح معظم منازل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، توجد خزانات للمياه للاستفادة منها في الأوقات التي تشح فيها المياه . وكثيراً ما كانت هذه الخزانات هدفاً لنيران الجنود “الإسرائيليين” . سألت منظمة العفو الدولية أحد الجنود الذين يخدمون في المنطقة عن السبب الذي يجعل خزانات المياه الموجودة فوق أسطح منازل الفلسطينيين في شتى أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة هدفاً دائماً لإطلاق النار، فأجاب قائلاً “خزانات المياه هي هدف جيد من أجل التمرين على التصويب . فهي موجودة في كل مكان، وحجمها ملائم لكي يصوب المرء عليها ويضبط سلاحه، أو لكي ينفس ما يشعر به من إحباط، أو لكي يلقن الأطفال في المناطق المجاورة درساً، فهم يلقون الحجارة عليه ولا يستطيع أن يمسك بهم، أو لكي يكسر حالة الملل والرتابة التي تنتابه خلال مهمة الحراسة” .
تدمير مرافق المياه الأساسية
خلال العملية العسكرية التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة ودامت 22 يوماً في ديسمبر/ كانون الأول 2008 ويناير/ كانون الثاني ،2009 وأُطلق عليها اسم “عملية الفولاذ المصهور”، أدت الهجمات “الإسرائيلية” إلى إلحاق أضرار بالمرافق الأساسية للمياه والصرف الصحي في غزة تُقدر بنحو ستة ملايين دولار أمريكي . فقد دمرت الدبابات والجرافات “الإسرائيلية” أو أضرت أربعة مستودعات للمياه، و11 بئراً، وشبكات المجاري ومحطات ضخ المياه، بالإضافة إلى 20 ألف متر من أنابيب المياه الرئيسية . كما لحقت أضرار بمصانع لمعالجة مخلفات المجاري في شمال ووسط غزة، مما أدى إلى طفح المخلفات على مساحة تزيد على كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية والمناطق السكنية، وأسفر ذلك عن تدمير المحاصيل فضلاً عن المخاطر الصحية . وعادةً ما كان تدمير المرافق الأساسية للمياه أو إلحاق أضرار بها أمراً مصاحباً للهجمات العسكرية “الإسرائيلية” في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال السنوات الأخيرة . ففي إحدى عمليات التوغل، التي نفذتها القوات “الإسرائيلية” في أواخر يناير/ كانون الثاني وأوائل فبراير ،2003 في مدينة رفح، وهي أفقر مدن قطاع غزة وتقع في أقصى جنوب القطاع، دمرت القوات “الإسرائيلية” اثنتين من الآبار العامة التي توفر مياه الشرب لنصف سكان المدينة البالغ عددهم نحو 120 ألف نسمة .
وكانت البئران ضمن 102 من الآبار التي دمرها الجيش “الإسرائيلي” في قطاع غزة في غضون أقل من عام، من 1 يوليو/ تموز 2002 إلى 31 مارس/ آذار ،2003 ونتيجةً لذلك، تعّين على السكان أن يعتمدوا على مصادر بديلة للمياه، لم تكن آمنةً في كثير من الأحيان، مثل الآبار الزراعية، وهي غير مخصصة لتوفير مياه الشرب ومن ثم لا تخضع لرقابة السلطات المسؤولة عن المياه، ولا تُضاف إليها كميات كافية من الكلور للتطهير . وفي تقرير لتقييم الاحتياجات في أعقاب عمليات التوغل في مايو/ أيار ،2004 وصفت هيئات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة الوضع على النحو التالي: “في أعقاب عمليات التوغل في مايو/ أيار، تدهورت الصحة العامة من جراء الأضرار التي لحقت بشبكات المياه والصرف الصحي والمرافق التي تعاني من التكدس . وذكر مستشفى تابع لوزارة الصحة في بلدة تل السلطان أنه خلال الفترة من 1 إلى 17 مايو/ أيار، نُقل إلى المستشفى 848 طفلاً، أي بمعدل نحو 50 طفلاً في اليوم، كانوا يعانون من أمراض شتى، من بينها الإسهال والأمراض الجلدية، وخلال الفترة من 22 إلى 31 مايو/ أيار، نُقل إلى المستشفى 1363 طفلاً، أي بمعدل 151 طفلاً في اليوم” .
والجدير بالذكر أن الهجمات الانتقامية وغيرها من الهجمات المتعمدة التي تشنها القوات “الإسرائيلية” على المرافق الأساسية للمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك على محطات الطاقة وغيرها من المرافق، مما يؤثر بشكل مباشر في إمدادات المياه وفي جودتها، تُعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي .
الحصار يحول دون الإصلاح وإعادة البناء
وفي قطاع غزة، تُعد نسبة تتراوح بين 90 و95 في المائة من إمدادات المياه، المستمدة من مخزون المياه الساحلي، ملوثة وغير صالحة للشرب بسبب تسرب مخلفات الصرف الصحي ومياه البحر . ونظراً للحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على قطاع غزة، لا يمكن إدخال المواد والمعدات اللازمة بشدة لإصلاح وإعادة بناء مرافق المياه ومعالجة مخلفات الصرف الصحي . والنتيجة هي مزيد من التدهور لمرافق المياه والصرف الصحي، وهي في حالة مزرية أصلاً بعد عقود من الإهمال .
وتؤدي القيود المفروضة على إدخال الوقود والمواد الكيميائية إلى قطاع غزة إلى مزيد من المعوقات في تشغيل مصانع معالجة مخلفات الصرف الصحي والآبار ومرافق تحلية المياه . ونظراً لنقص الطاقة في مرافق معالجة مخلفات الصرف الصحي القائمة، أصبح نحو نصف كمية المخلفات (وتُقدر بنحو 70 ألف متر مكعب يومياً) تُصرف في البحر من دون معالجة، ما يؤدي إلى تلوث الساحل ومصايد الأسماك، التي تُمثل جانباً مهماً من سبل العيش بالنسبة لأهالي غزة .
وقد سُلطت الأضواء على نطاق المشكلة في 27 مارس/ آذار ،2007 عندما انهار أحد أحواض تجميع مياه الصرف الصحي في شمال غزة، فتدفقت مياه الصرف على قرية أم النصر البدوية القريبة، ما أدى إلى مصرع خمسة أشخاص وتشريد المئات .
وذكر البنك الدولي أنه “في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2008 تعطلت معظم آبار المياه بسبب نقص قطع الغيار، وكانت الآبار الأخرى الباقية تعمل بنصف طاقتها . وأدى انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر الوقود لتشغيل المولدات إلى التأثير في توزيع المياه وضخها إلى خزانات المنازل . وتبلغ طاقة مصنع تحلية المياه في خان يونس 90 متراً مكعباً في الساعة، ولكنه كان يعمل بطاقة 30 متراً مكعباً فقط نظراً للنقص في قطع الغيار والمواد الكيميائية . . ونتيجةً لذلك، لم تكن مياه الشبكات تصل إلى ما يزيد على 50 في المائة من المنازل في ذلك الوقت، وظلت بعض المنازل بلا ماء لأكثر من 10 أيام” . وبالرغم من وعود “إسرائيل” بالسماح بدخول المواد التي يحتاجها قطاع المياه والصرف الصحي بشدة، فلم يطرأ تقدم يُذكر .
الولاية على الأراضي بموجب “اتفاقيات أوسلو”
نصت “اتفاقيات أوسلو” على تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق أُطلقت عليها أسماء “المنطقة أ” و”المنطقة ب” و”المنطقة ج” . وفي المنطقتين “أ” و”ب” تخلى الجيش “الإسرائيلي” للسلطة الفلسطينية عن مسؤولية الشؤون المدنية، أي تقديم الخدمات للسكان . وتشمل المنطقتان معاً نحو 95 في المائة من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، في حين أن المنطقتين لا تمثلان سوى 40 في المائة من مساحة الضفة .
وفي المنطقة “ج”، يحتفظ الجيش “الإسرائيلي” بالولاية الكاملة على جميع الشؤون . وتضم هذه المنطقة نحو 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، بما في ذلك جميع المخزونات الأرضية وسبل الوصل إلى موارد المياه وجميع الطرق الرئيسية في الضفة الغربية . ولا تتصل المنطقتان “أ” و”ب” جغرافياً، بل تتفتتان إلى جيوب منفصلة تحيط بها المستوطنات “الإسرائيلية” وطرق المستوطنين والمنطقة “ج”، ومن ثم، فإن توصيل الخدمات إلى المنطقتين “أ” و”ب” يتطلب المرور عبر المنطقة “ج” . وقد حالت هذه الترتيبات دون تنمية مرافق أساسية كافية للمياه والصرف الصحي . ويعيش معظم الفلسطينيين في المنطقتين “أ” و”ب”، ولكن مرافق البنية الأساسية التي تخدمهم تقع في المنطقة “ج” أو تمر خلالها . وتُقيَّد أو تُمنع تنقلات الفلسطينيين في المنطقة “ج”، ونادراً ما يسمح الجيش “الإسرائيلي” بأنشطة إنشائية أو تنموية .
توصيات
تدعو منظمة العفو الدولية السلطات “الإسرائيلية” إلى الإسراع بمعالجة الحاجة الماسة إلى الأمن المائي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والناجمة عن انتهاك الحقوق الإنسانية للفلسطينيين على أيدي السلطات “الإسرائيلية” . ويتعين على السلطات “الإسرائيلية” أن تبادر على الفور باتخاذ الإجراءات الآتية:
- إلغاء القيود القائمة حالياً، والتي تحرم الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من الحصول على ما يكفي من المياه لتلبية الاحتياجات الشخصية والمنزلية، وكذلك للتمتع بحقهم في المياه والغذاء والصحة والعمل، فضلاً عن الحق في مستوى معيشي ملائم .
- وضع حد للسياسات والممارسات التي تنطوي على تمييز ضد الفلسطينيين، والتي تتيح للمستوطنين “الإسرائيليين” امتيازات في الوصول إلى المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
- إلغاء جميع أوامر الهدم القائمة لمرافق المياه، وحظر أية عمليات هدم أخرى لمثل هذه المرافق في “المنطقة ج” من الضفة الغربية .
- رفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح على الفور بأن تُنقل إلى غزة قطع الغيار ومواد البناء وغيرها من المواد والمعدات اللازمة لإعادة بناء وإصلاح وصيانة المرافق الأساسية للمياه والصرف الصحي في قطاع غزة .
وتدعو منظمة العفو الدولية سلطة المياه الفلسطينية إلى اتخاذ الخطوات التالية:
- اتخاذ إجراءات لزيادة موارد المياه الموجودة إلى أقصى حد، عن طريق إعطاء الأولوية للإجراءات الرامية إلى تقليل الفاقد الكبير إلى حد غير مقبول من المياه، ووضع آليات للإشراف بما يكفل أن تكون جميع إمدادات المياه المقدمة للمستهلكين، سواء من خلال الشبكات أو خزانات المياه المتنقلة، آمنةً ومتماشيةً مع معايير “منظمة الصحة العالمية” .
وتدعو منظمة العفو الدولية الجهات الدولية المانحة إلى اتخاذ الإجراءات الآتية:
- اتخاذ خطوات لتحسين التنسيق بين الجهات المانحة، وتعزيز الإشراف على تنفيذ المشروعات، بما يكفل زيادة الموارد الموجودة إلى الحد الأقصى وزيادة ناتج المشروعات الفردية؛ وضمان الإبلاغ بشفافية عن التدخلات التي تؤخر أو تمنع تنفيذ مشروعات المياه والصرف الصحي .
التحكم في المياه في الضفة الغربية المحتلة
- تحدد “إسرائيل” كمية المياه التي يمكن للفلسطينيين استخراجها من مصادر المياه الجوفية المشتركة، كما تحدد المواقع التي يمكن فيها استخراج المياه .
- تتحكم “إسرائيل” في جمع مياه الأمطار أو الينابيع في معظم أنحاء الضفة الغربية . وكثيراً ما يقوم الجيش “الإسرائيلي” بهدم الصهاريج التي يقيمها الفلسطينيون لجمع مياه الأمطار .
- لا يُسمح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة أو إصلاح الآبار القديمة من دون تصاريح من السلطات “الإسرائيلية”، وهي تصاريح يصعب، بل وكثيراً ما يستحيل، الحصول عليها . ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ يتطلب مد أنابيب بين الآبار والقرى والبلدات الفلسطينية الحصول على تصاريح “إسرائيلية” .
- يسيطر الجيش “الإسرائيلي” على القرى التي يتعين على سيارات خزانات المياه أن تستخدمها لنقل المياه إلى القرى الفلسطينية التي لا تتصل بشبكة مياه . وتُغلق كثير من الطرق أمام الفلسطينيين أو تُفرض قيود على عبورهم، وهو الأمر الذي يؤخر سيارات خزانات المياه أو يجبرها على أن تقطع طرقاً ملتفة أطول، مما يزيد بشكل كبير من أسعار المياه .
- ومن شأن هذه القيود أن تجعل من الصعب للغاية على الفلسطينيين الوصول إلى المياه أو إقامة وصيانة المرافق الأساسية للمياه والصرف الصحي .
التزامات “إسرائيل” بموجب القانون الدولي
يتعين على “إسرائيل”، على ضوء احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية المحتلة، أن تتقيَّد بأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة . وبالرغم من رفض “إسرائيل” لهذا المبدأ، فقد أكد المجتمع الدولي مراراً، بما في ذلك جميع هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن “إسرائيل” ملزمة بالتقيِّد بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في ممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أهاب المجتمع الدولي مراراً ب “إسرائيل” أن تحترم التزاماتها .
وتقع على عاتق “إسرائيل”، باعتبارها سلطة الاحتلال، مسؤوليات محددة في احترام الحقوق الإنسانية للفلسطينيين، بما في ذلك الحق في مستوى معيشي ملائم، فضلاً عن الحق في المياه والحق في الغذاء والحق في الصحة والحق في العمل .
ولا يقتصر واجب “إسرائيل” على الامتناع عن اتخاذ إجراءات تنتهك هذه الحقوق، بل يجب عليها أيضاً حماية السكان الفلسطينيين من تدخلات الأفراد في حقوقهم، وكذلك اتخاذ خطوات محددة ومدروسة لضمان إعمال هذه الحقوق بشكل كامل .
وفي الوقت الراهن يستمر سريان الأوامر العسكرية بالسيطرة على موارد المياه الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي الأوامر التي أصدرها الجيش “الإسرائيلي” بُعيد احتلاله لهذه الأراضي (الأمر العسكري رقم ،92 الصادر في يونيو/ حزيران ،1967 والأمر العسكري رقم ،168 الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني ،1967 والأمر العسكري رقم ،291 الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 1968) .
ولم يكن من شأن “اتفاقيات أوسلو”، الموقعة في عام ،1993 أن تغير من الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي لا تزال تحت الاحتلال “الإسرائيلي” وتخضع لسيطرته الفعلية . والواقع أن “اتفاقيات أوسلو” تنص بشكل محدد على أن “تُعالج مسألة ملكية المرافق الأساسية المتعلقة بالمياه والصرف الصحي في الضفة الغربية في مفاوضات الوضع النهائي” (المادة 40) . إلا إن مفاوضات الوضع النهائي، التي كان مقرراً أن تُعقد في أواخر عقد التسعينات من القرن العشرين، لم تتم حتى الآن .
مقتطفات
“ينبغي ألا تُحرم أية أسرة من الحق في الماء لأسباب تتعلق بوضع سكنها أو أرضها”
“اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية” بالأمم المتحدة، التعليق العام رقم- 15 الحق في الماء” .
***
“الماء هو الحياة، ومن غير الماء لا نستطيع الحياة، لا نحن ولا الحيوان ولا النبات . كان لدينا بعض الماء من قبل، أما بعد أن دمر الجيش كل شيء، فقد أصبح علينا أن نأتي بالماء من أماكن بعيدة، وذلك بالغ الصعوبة والتكلفة . إنهم يجعلون حياتنا شاقة جداً لإرغامنا على الرحيل” .
فاطمة النواجة، من سكان قرية سوسيه،
في حديث مع منظمة العفو الدولية
***
“أجلس هنا وأحمل بين يدي مسامير معدنية ضخمة استخدمها المستوطنون “الإسرائيليون” اليوم لتخريب خزان مياه (مُقدم من منظمة “أوكسفام”، وهي إحدى المنظمات الدولية للإغاثة)، كان يحمل المياه إلى قرية سوسيه الفلسطينية القريبة . لقد تضررت هذه المنطقة بأكملها من جراء الجفاف الشديد، وهذه المياه المقدمة من “أوكسفام” هي ضرورة لا غنى عنها . وقد وُضعت عشرات المسامير على طول الطريق قبل الوقت المحدد لوصول سيارة خزان المياه . وقد تعطلت سيارة الخزان نظراً للثقوب التي لحقت بثلاثة إطارات . . وبعد تأخير طويل، تمكن السائق من توصيل المياه” .
يوئيل غولدج- من “فريق صناع السلام المسيحيين” - 12 سبتمبر/ أيلول 2006 .
***
اعتاد زملائي في الوحدة أن يقولوا لي إنهم يستلقون على أسطح المنازل في نابلس ويطلقون النار على خزانات المياه لكي يروها وهي تنفجر . .” .
الرتبة: رقيب أول (في جيش الاحتلال)،الوحدة “اللدغة”
***
“إن تدهور وتعطل مرافق المياه والصرف الصحي في غزة يفاقم من إنكار الكرامة الإنسانية في قطاع غزة، وهو إنكار شديد طال أمده . ومن أهم ما يبرز في هذه الأزمة انخفاض مستوى معيشة أهالي غزة، حسبما يتمثل في تناقص سبل الرزق، وتدمير وتدهور مرافق البنية الأساسية، بالإضافة إلى انخفاض ملحوظ في توفير الخدمات الحيوية في مجال الصحة والمياه والصرف الصحي وكذلك في نوعية هذه الخدمات” .
ماكسويل غيلارد،“منسق الشؤون الإنسانية
للأراضي الفلسطينية المحتلة”
التابع للأمم المتحدة، 3 سبتمبر/ أيلول .
50م3
ظلت صهاريج تجميع مياه الأمطار تُستخدم في المنطقة على مدى قرون . ومعظم الصهاريج صغيرة لا تزيد سعتها على 50 متراً مكعباً . وتُبنى الصهاريج بالطريقة النبطية التقليدية، حيث تُحفر حفرة في الأرض ذات شكل مستدير أو مربع، وتحاط جوانبها بالحجارة أو الأسمنت لمنع التسرب، وتكون لها فتحة تُغلق في حالة عدم استخدام الصهريج للحيلولة دون تبخر المياه أو تلوثها . وتُجمع مياه الأمطار في الصهاريج خلال موسم الأمطار وتُخزن لاستخدامها في باقي مواسم السنة التي تتسم بالجفاف .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.