خبير ومحلل عسكري بداية لا بد من الاعتراف باننا لم نصل الى مرحلة استشعار الحاجة الى اهمية الوصول الى تحاليل وتصورات عسكرية استراتيجية على أرضية علمية وبطريقة منهجية مدروسة متماشية مع التحولات الاقليمية والدولية المتسارعة، لذلك لا بد من تحول في ثقافة مجتمعاتنا وان تسود منهجية الاعتماد على البحوث والتحاليل الاستراتيجية والاستفادة من دروس الماضي وتجارب الآخرين، وهي تساعد على فهم كيفية تأثير الأحداث والأوضاع الراهنة والمستقبلية(الداخلية والخارجية) من خلال التعرف على نقاط القوة التي تشكل الرافعة للتحرك والتمكن من تحقيق الرؤيا، ونقاط الضعف التي تعيق تحقيقها، والمتغيرات الخارجية وانعكاسها على الفرص والتهديدات، اضافة لضرورة تولد القناعة بأن التخطيط الاستراتيجي هو الوسيلة الرئيسة للقادة والساسة في كسب المعركة بعكس ما هو عليه الآن من تهميش وتغييب لهذا الدور، وحتى يكون هذا التخطيط الاستراتيجي مؤثرا في صياغة الرؤية المستقبلية ويساهم في صنع القرار من خلال توجيه البوصلة وتحديد الأولويات، فهو بحاجة الى وضوح في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وعلاقة الأمن الوطني بالقومي، وتحديد الأهداف والوسائل لتحقيقها، وآليات تنفيذ المعاهدات (المشتركة) ووسائل الدفاع عن النفس، والعقبات والتحديات التي تعترض طريقها، وفي مقدمة هذه العقبات التداخل بين اساليب العمل الوطني والنضال الشعبي بشقيه وسياسات الدول والأنظمة الرسمية وايجاد صيغة متوازنة في العلاقة بينهما. ورغم التنوع في تعريف الاستراتيجية الا ان القاسم المشترك بينها هو انها علم وفن قيادة القوات واستخدامها او التهديد بها، واستخدام الموارد مما يؤدي الى خطط ووسائل تعالج الوضع الكلي للصراع الذي تستخدم فيه القوة، ومن الأمثلة على ذلك استراتيجية بريطانيا في الحرب العالمية الثانية وفتح جبهات ثانوية (شمال افريقيا) بعيدة عن جبهة القتال الرئيسية، وهي ما تستخدمها اسرائيل ايضا في المنطقة وتحديدا في فلسطين ولبنان، واثارتها للفتن، في سياق استراتيجيتها لتحقيق هدف بناء اسرائيل الكبرى وتفتيت الأمة، وتنفيذ هذه الاستراتيجية بالقضم والضم والتوسع على مراحل(1948،1967،1973، 1982 ) وخلق حقائق جديدة على الأرض ( 2000 واقتحام المدن والقرى الفلسطينية واعادة الاحتلال وبناء جدار الفصل العنصري، 2006 في عدوان جنوب لبنان، 2009 في مجازرقطاع غزة ) وفرض سياسة الأمر الواقع ( تهويد القدس وتهجير اهلها، وبناء المستوطنات ومصادرة الاراضي وشق الطرق الالتفافية وتكريس الاحتلال). ويتميز التخطيط الاستراتيجي المستند الى التحليل الاستراتيجي بأنه لا يقتصر على التنبؤ بالمستقبل لكنه يسعى الى تشكيل المستقبل وتحقيق الأهداف الكبرى) بفترة زمنية لا تطول)، وحتى يؤدي دوره ويقود في المحصلة الى نتائج ايجابية فهو بحاجة الى الأطر المؤسسية لمهارات التحليل البعيد عن التقديرات الموجهة أو العاطفية المنحازة والتخطيط على اسس علمية وعقلانية وحيادية بمعزل عن اسقاط الرغبات، وبعكس ذلك سيجلب التخطيط الكوارث على النفس والبلد، وخير مثال على ذلك ما قاله المحلل الاستراتيجي الأبرز في وزارة الدفاع الأمريكية "توماس بارنيت" في كتابه "الحرب والسلام""أن الدور الأمريكي الجديد ليس نشر المبادىء الديموقراطية وقيمة حقوق الانسان فقط، بل الأهم هو نشر العولمة الرأسمالية وفرضها بقوة السلاح في مختلف أرجاء العالم إذا اقتضى الأمر ذلك"، وبناء عليه اعتبروا العراق"الصفقة الكبرى" التي تبدأ معها "الحياة الحقيقية" ورسموا السيناريوهات بناء عليها، أما "الفوضى الخلاقة أو التدمير البناء" فيرجع تاريخها الى "مايكل ليدن" العضو البارز في معهد "امريكا انتر برايزر" المعروف بكونه قلعة المحافظين الجدد، وهو من تحدث عن استعادة الحرية ولو على حساب الاستقرار واشاعة الفوضى والإضطراب، وبسبب هذه السياسات وصلت الولاياتالمتحدة الى ما وصلت اليه من تشويه في صورتها وحقد وكراهية وعداء، تحتاج الى عقود من الزمن لمحو آثارها السلبية. أما حالنا ودون البحث في ماضيه وحاضره وهل وصلنا الى ما نحن فيه بتخطيط من عدمه، وحتى لا ندخل في باب التفسيرات وعملا بقوله تعالى" يا أيها الذين آمنوالا تسألوا عن اشياء ان تبدو لكم تسؤكم"، فلدينا الآن فرصتين بحاجة الى تحليل معمق وتخطيط سليم يمكن الاستفادة منهما في حدهما الأدنى: الإجماع العربي والاسلامي والوحدة الوطنية الفلسطينية، ومن خلال العمل بهما يمكن اعادة توجيه البوصلة الوطنية، وهما قضية القدس وخطورة الاوضاع فيها وسهولة الاجماع عليها وقبل فوات الأوان(ان شئنا وشاؤوا)، وتقرير غولدستون والمعركة المحتملة القادمة حيث لن تسمح واشنطن بعرضه أمام مجلس الأمن الدولي، وما تصريح وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون واتهامها للتقرير بالانحياز لمؤشر كبير، وهنا لابد من التخطيط بشكل سليم ومواجهة الموقف موحدين، وتحميل الرئيس الأمريكي اوباما المسئولية السياسية والأخلاقية، وتذكيره بأن من يحمل جائزة نوبل للسلام عليه ان يثبت بأنه جدير بها، وأن هذا الموضوع وفي حال استمرت الولاياتالمتحدة في دعمها لاسرائيل ومساعدتها بالافلات من المسائلة والمحاسبة القانونية، يساوي في الآثار السلبية المترتبة عليه ما قام به سلفه بوش من احتلال للعراق وافغانستان، وتنفيذ سياسة الكيل بمكيالين، بل ويزيد، وكما قيل مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فهل نخطوها..؟؟ 31-10-2009