لم أتوقع لمقال الأسبوع الماضي عن التوريث كل هذا الصدى الذي ناله، قيل لي إن مواقع عربية كثيرة تداولته ووردت إلي عنه رسائل أكثر، شعرت من ردود الأفعال بحجم الحب الكبير الذي يحمله العربي في سوريا واليمن وليبيا ومصر وتونس لنظامه الحاكم، شعرت بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا في الإعلام لتعرية هذا الواقع الكئيب الذي تشهده أمتنا، وخلصت من تلك الردود برسالتين مهمتين كما يبدو لي، الأولى متعلقة بمضمون المقال الماضي عن التوريث الجمهوري في عدد من الدول العربية، وثانية متعلقة بفكرة رئيسية يجب أن لا تغيب أبداً عن ناظرنا واهتماماتنا، تتعلق بماهية العربي واهتمامه، من هو؟ بماذا يهتم؟ وعن ماذا يكتب؟ في موضوع المقال أؤكد أني تلقيت رسائل لا حصر لها تثني على الفكرة وضرورة التركيز عليها، لا أحد يقول: امتدح الناس ما كتبت، ولكني أعرض ذلك للتأكيد على رفض الناس وامتعاضهم الشديد من فكرة أن يورث رئيس ابنه، هذا لا يجوز ولا يستقيم أبداً ويجب محاربته بكل الوسائل، الرسالة اللافتة -وهي متوقعة دائما بالنسبة لي- من رجل قال لي: وهل أنت معجب بنظام الحكم في بلدك حين تنتقد الآخرين؟ وأريد التأكيد لصديقي ذاك أن لا شيء نخشى منه في هذا الصدد، مع ملاحظة أني لم أخض في مسألة تقييم الأنظمة المذكورة والبحث في كفاءتها، قلت إن هذه الأنظمة قامت على أنقاض الدولة الملكية بنظامها الوراثي (الدولة الرجعية) إن كنتم تذكرون، وما يحدث اليوم أن كل رئيس في هذه الدول يخرب الدولة والنظام ويهدم الإنسان والمؤسسات في بلده من أجل توريث ابنه الرئاسة! فماذا عن نظام الحكم في بلدي السعودية وبقية دول الخليج؟ الأمر بكل بساطة أننا ننعم بأنظمة حكم لها أخطاؤها، لكننا أيضا ننعم بالاستقرار منذ عقود، وفي السعودية ننعم بهذا منذ أن وحد الملك عبدالعزيز البلاد في العام 1932، أي أننا أمام رجل وحدوي أوجد للجزيرة العربية وحدتها المفقودة وقوتها وهيبتها، وماذا بعد؟ ما حدث بعدها لا يمكن أن يُصدّق أبدا، انطلقت عملية تنمية حقيقية في البلاد، تعليم صحة عمران صناعة زراعة وباختصار نهضة شاملة، هناك نواقص كثيرة، نعم، لكن الكل يعمل على سدّها عاما بعد عام، كلما تولى الحكم في البلاد ملك بعملية انتقال مرنة وناعمة لا دماء فيها، قام بضخ دماء جديدة في جسد التنمية، لماذا، لأنه تلقى الرسالة جيدا من سلفه، لا يذكر الناس ولا يحبون سوى من يبني لهم بلادهم ويعمرها ويطورها، الاستقرار السياسي الذي عاشته البلاد منذ الثلاثينيات وحتى اليوم باستثناء هزة بسيطة تم تجاوزها بسرعة -بين حكم الملك سعود وفيصل- جعل من عملية التنمية منهجا ليس بإمكان أحد أن يحيد عنه، ماذا عن دول الخليج الأخرى؟ في قطر دستور ينظم عملية الحكم في البلاد، وكذا الحال في الدول الأخرى، والمطالبات على قدم وساق لمزيد من التنظيم والتقنين والوضوح، نريد معرفة الشروط المؤهلة لحاكمنا القادم وتمهيد الطريق له، لا نريد اختطاف البلد ورهنه للصراعات حول الكرسي وتسخير مقدراته لهذا الصراع! إننا نتحدث عن ملكيات دستورية أيها السادة! والرسالة الثانية مرتبطة بسابقتها، لم أتحدث يوما في الشأن العربي من ثنائية النحن والأنتم، نشأت على أننا جميعا «نحن»، المصري في مصر والجزائري والسوداني والعماني والسعودي، لماذا نتجاهل أننا وحدة واحدة وحقيقية لا من باب الأحلام والتمني، إن حجم المشترك بيننا لا مثيل له، وبالتالي من حقنا جميعا أن نتحدث في كل القضايا، وهذا ثابت لا بد من تكريسه والمحافظة عليه، ولنبتعد عن القُطْرية الضيقة التي تدفعنا للتمترس خلف أوهامنا الصغيرة، وتجعلنا نخوض في ما لا يجب الخوض فيه، إن همومنا وقضايانا وطموحاتنا مشاع لنا جميعا، ومشترك لا تفصيل أو تقطيع فيه، فلنعمل على الدفع بها وتجاوز الصغائر. العرب القطرية 2009-11-08