ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 58 قتيلا و67 مفقودا    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    طقس قليل السحب بأغلب المناطق وارتفاع طفيف للحرارة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    مقتل شخص وإصابة 3 آخرين في إطلاق نار بحفل في نيويورك الأمريكية    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    تونس تشارك في المعرض الدولي 55 بالجزائر (FIA)    نبيل عمّار يُلقي كلمة رئيس الجمهورية في مؤتمر القمة لمنظمة التعاون الإسلامي    الاعتداء على عضو مجلس محلي    استرجاع مركب شبابي بعد اقتحامه والتحوّز عليه    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    تدشين أول مخبر تحاليل للأغذية و المنتجات الفلاحية بالشمال الغربي    بنزرت الجنوبية.. وفاة إمرأة وإصابة 3 آخرين في حادث مرور    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    عاجل/ أحدهم ينتحل صفة أمني: الاحتفاظ ب4 من أخطر العناصر الاجرامية    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    وزير الفلاحة وممثّل منظمة الفاو يتّفقان على دعم التنمية والأمن الغذائي والمائي لمواجهة التحديات المناخيّة    إنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم: لجنة الاستئناف تسقط قائمتي التلمساني وبن تقية    نابل: انتشار سوس النخيل.. عضو المجلس المحلي للتنمية يحذر    قاضي يُحيل كل أعضاء مجلس التربية على التحقيق وجامعة الثانوي تحتج    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمواجهات نهاية الأسبوع    عاجل/ تلميذة تعتدي على أستاذها بشفرة حلاقة    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    بطولة الكرة الطائرة: الترجي الرياضي يواجه اليوم النجم الساحلي    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    هام/ التعليم الأساسي: موعد صرف مستحقات آخر دفعة من حاملي الإجازة    القبض على امرأة محكومة بالسجن 295 عاما!!    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    التوقعات الجوية لليوم    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    الرابطة 1- تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة(السوبر بلاي اوف - الجولة3) : اعادة مباراة الترجي الرياضي والنجم الساحلي غدا السبت    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    قرعة كأس تونس 2024.    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يصبح الحصار طريقا للإنتصار


عندما يصبح الحصار طريقا للإنتصار1/2
* علي شرطاني
لقد ساهم العالم "المتحضر" كله ولمدة ثمانية شهور كاملة في حصار "غزة". وإذا كان يمكن اعتبار حصار التحالف الصليبي الصهيوني اليهودي طبيعيا، باعتبار أن الصليبيين الجدد واليهود الصهاينة هم أعداء تقليديين قدامى للإنسان عموما ولأمة العرب والمسلمين خصوصا. وإذا كان طبيعيا أن يكون الحكام الفاسدين في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين طرفا استراتيجيا ونشيطا في هذا الحصار، فإن غير الطبيعي، والذي يرتقي إلى مستوى الجريمة التي لا تغتفر حقا والتي لا يجد العاقل لها تبريرا، هو أن تكون الشعوب العربية الإسلامية والكثير من أحرار العالم على أي نحو من الأنحاء طرفا فيه.
- كيف كانت شعوب الأمة طرفا في الحصار الخانق على "غزة
في ظل الإنقسام الشديد، الذي أوجده الغرب الإستعماري الحليف الإستراتيجي لحركة اليهود الصهاينة في شعوب الأمة والتي فرض لها الإستعمار البريطاني، بمساعدة فرنسا والحركة القومية العربية،من حيث كانت تقصد أو لا تقصد، ومن حيث كانت تريد أو لا تريد، ومن حيث كانت تعلم أو لا تعلم وطنا قوميا لليهود في قلب الأمة العربية والإسلامية، وفي ظل الإختلاف الثقافي والفكري في أوساط النخبة مختلفة المشارب والمنابع، وفي ظل هيمنة الطائفة العلمانية اللائكية خاصة على السلطة، والتي لا تقل خطورة عن النخبة التقليدية الداعمة للأنظمة التقليدية في المنطقة العربية خصوصا، استمرارا لثقافة وسياسة وإدارة القوى الإستعمارية في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم، وفي عالم عربي وإسلامي أصبح فيه النظام العلماني العبثي الهجين والنظام التقليدي العدمي هما الأصل، والنظام الإسلامي الذي هو النظام الطبيعي لشعوب الأمة هو الإستثناء، وغير معترف له بالوجود أصلا، كانت هذه الشعوب محبة أو كارهة طرفا في الحصار الخانق المضروب على غزة من فلسطين المحتلة.
نعم لقد كانت كذلك، وهي التي تتابع الأحداث أو تستطيع أن تتابع الأحداث كل يوم بل كل لحظة من اليوم، وليست الأحداث التي تتابعها أو تستطيع أن تتابعها أو لا تريد متابعتها أحيانا أو دائما، أحداثا عادية. وليست بعيدة عنها. إنها أحداث قصف من البر والبحر ومن الجو بالليل وبالنهار تقتل فيه الأطفال والنساء والشيوخ والرجال وتهلك فيه الماشية وتهدم البيوت والمستشفيات والمساجد وكل ما علا من البناء، وتقلع فيه الأشجار وتدمر البيئة من حول كل هذا الذي تقصفه وتهدمه وتقتله وتقلعه وتدمره في فلسطين المحتلة غير بعيد من كل وطن من أوطان شعوب هذه الأمة، ويقدم العدو الصهيوني المؤيد والمدعوم أمريكيا وغربيا صليبيا لكل أسرة وعائلة وقبيلة وعشيرة وحزب وحركة وجمعية وفرد ومجموعة، في كل وقت من أوقات النهار والليل ومع كل وجبة، أشلاء الشهداء من الرجال والشيوخ والنساء والأطفال، بذريعة الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب وفرض السلام والأمن والإستقرار، باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، تماما كما تفعل الأنظمة العلمانية اللائكية العبثية الهجينة والتقليدية العدمية المنحرفة التابعة كلها، بشعوب الأمة العربية والإسلامية التي لها عليها السيطرة والنفوذ في أوطانها، وهي لا تحرك ساكنا، ولا تحرك نخبها ولا مثقفوها ولا مفكروها ولا علماؤها ساكنا على امتداد ثمانية شهور على الأقل، إذا لم نأخذ بالإعتبار ما كان يحصل قبل ذلك على امتداد عقودا من الزمن، وقبل أن يتضح الإنقسام الفكري والثقافي والحضاري، وقبل أن يلتحق التغريبيون صنائع الإستعمار والصهيونية فكرا وعقلا وثقافة وحضارة بالغرب والصهيونية، أي قبل أن تلتحق وبوضوح لا سابقه له من قبل، عصابات الغدر والخيانة والعمالة من السماسرة بقضايا الأمة، بالغرب الأوروبي الأمريكي، وبالصهيونية العالمية، وتعانقهما وتعلن مهادنتهما والتحالف معهما مقابل السلامة والوعود الكاذبة، والعطاء السخي على حساب قضايا الحرية والتحرر والإستقلال والكرامة والعزة، وعلى حساب الأرض والعرض والوطن والدار والأهل والسيادة والدين والتاريخ والحضارة والحقوق.
يحصل كل هذا على مرأى ومسمع من كل هذه الشعوب بكل علمائها ومثقفيها ومفكريها ورؤسائها وزعاماتها ورموزها المختلفة، وبكل أموالها وثرواتها وكنوزها وبكل جيوشها وأسلحتها...
ولا أحد يتحرك، ولا أحد يحتج، ولا أحد يبادر بكل ما هو قادر عليه للمساندة والدعم والإغاثة ورفع المعاناة، والصياح في وجه هذا العالم "المتحضر"، ليقول لا للظلم لا للقهر لا للقتل لا للإستعمار والإعتداء لا للنهب لا للعنصرية والتمييز لا لقتل "الإنسان" لأخيه الإنسان.
- وكانت ذريعتنا في ذلك استبداد الأنظمة الفاسدة؟ !
كل الذي أخشاه أن يكون الموروث البربري الهمجي الغربي هو الذي تستمد منه الشعوب الغربية من حولنا قدرتها على التحرك الشعبي والجماهيري لإحداث النقلة المناسبة في حياتها، وعلى إقامة الأوضاع السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية على النحو الذي تراه مناسبا، والذي تتحقق لها من خلاله السيادة والحرية والديمقراطية والعدل والمساواة في الحدود الممكنة والمتاحة، وأن يكون الموروث الثقافي السياسي الحضاري العربي الإسلامي هو الذي مازالت تستند إليه شعوب أمة العرب والمسلمين في الخضوع للظلم والإستبداد والحيف والفساد، والقبول بالدون وبالقهر والمهانة والإستضعاف، استنادا إلى ما استقر عليه أمر الملك العضوض من الطاعة العمياء لما يسمى ولي أمر المسلمين، وإلى ما دأب عليه أكثر علماء المسلمين للأسف الشديد من تأكيد على وجوب طاعة الحاكم وإن كان ظالما مستبدا وجائرا، ولا يجب أن يتجاوز الأمر في مواجهته والتعامل معه حدود النصح له بالتي هي أحسن اجتنابا للفتنة كما يقولون، عندما استحال أمر الحكم في الأمة على خلاف ما قال به الله سبحانه وتعالى، وعلى خلاف ما كان عليه أمر المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وما كان يقول ويوصي ويعمل به، وعلى خلاف ما استمر عليه الوضع بعد ذلك حتى خلافة الإمام الشهيد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، أي على خلاف ما تقول به القاعدة الأصولية الواردة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من وجوب الشورى سبيلا لسياسة الحكم في الإسلام.
وأن المؤكد أن ذلك الموروث نفسه، هو الذي تستند إليه الأنظمة اللإسلامية العلمانية اللائكية منها والتقليدية للإستمرار في الحكم الذي لا يغادره الرؤساء والملوك والأمراء عادة...إلا بالموت، أو بقلب النظام الذي هو نظام الواحد منهم، ولاعتبار طاعته واجبا شرعيا، ومخالفته أو عصيانه جريمة لا تغتفر، وكبيرة من الكبائر، وخيانة عظمى، ولا يكون جزاء من يفعل ذلك إلا القتل أو الحبس أو النفي، وذلك أضعف الإيمان.
لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو :
- لماذا لم تأخذ نخبنا وشعوبنا من الغرب الذي أخذت منه كل شيئ، أو تريد أن تأخذ منه كل شيئ وتعمل على ذلك وتسعى إليه، مما كان منه رديئا وسيئا وضارا خاصة، وما كان منه جميلا وحسنا ونافعا، وإن كان مما قل من كل ذلك، وآلية التداول السلمي على السلطة، وحرية الترشح والإختيار والمشاركة الإيجابية في إدارة الشأن العام؟
- ولماذا لم تأخذ منه قيمة المواطنة الكاملة التي للفرد الغربي في الديمقراطيات الغربية على ما فيها من سلبيات وما يتخللها من أمراض ونقائص؟
- ولماذا لم نأخذ من الثقافة الغربية القيمة التي يعطيها الغرب الصليبي الصهيوني للإنسان الغربي الأبيض خاصة، والتي مازال الإنسان في حاجة لمن يعطيها لكل البشر أين ما كانوا ومهما كان لونهم أو عرقهم أو دينهم أو حسبهم أو نسبهم أو لسانهم؟
- ولماذا لم نأخذ منه العلوم والتقنية؟
علما وأن هذا الذي نبحث عنه لدى الغرب، هو ما نسفه إسلافنا منذ وقت مبكر. ولكن وبالرغم مما ورث ذلك في الأمة من خور، وما انتهى بها إلى ما انتهى بها إليه، كان أقل خطرا عليها من هذا الذي ألحقته وتلحقه بها الأنظمة العلمانية الهجينة المغشوشة، والأنظمة التقليدية المزورة.
إن اعتماد مبدإ الشورى وحده كافيا لحل مشكلة التداول على الحكم مثلما كان يتداول عليه الخلفاء الراشدون من قبل، ومثلما آل إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه من بعد.
وإن اعتماد القاعدة القائلة الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، كافيا لأن لا نأخذ من الغرب إلا ما نحن في حاجة إليه، وإلا ما فيه نفع وصلاح وما تتحقق به المصلحة وتدرأ به المفسدة.
وإن اعتماد القاعدة المتمثلة في قول الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ..."لكافيا أن لا نكون في حاجة إلى الأخذ بقيمة ومعنى المواطنة، لما يجعل الإسلام في معنى الرعية من مسؤولية إضافة إلى ما فيها من معنى الحق والواجب، والمساواة بين الناس من ذكر وأنثى، ومن مسلم وغير مسلم، ومن كل الأعراق والألوان والديانات...
وأن الناس في الإسلام متساوون كأسنان المشط، لا فرق في ثقافته ومبادئه وأحكامه بين عربي وأعجمي في المجتمع الإسلامي وفي النظام الإسلامي إلا بالتقوى، وكلكم من آدم وآدم من تراب، والناس متساوون فيه في كل شيئ ولهم نفس القيمة، بقطع النظر عن معتقداتهم وعن ألوانهم وعن أعراقهم، وعن ألسنتهم وعن بيئتهم وموقعهم الإجتماعي، وبقطع النظر عن فقرهم وثراهم وكثرتهم وقلتهم...
وأنه ليس ثمة أقدس في الإسلام من العلم والعقل. وهما الأداتان المناسبتان لامتلاك العلم والتقنية والمعرفة إنشاء وإبداعا، وأخذا من الغير وعطاء له في غير احتكار ولا منع. ومع ذلك كله، أصبح الإستبداد هو الأصل، والشورى والصلاح هو الإستثناء. وكان من سوء طالع العرب والمسلمين أن لا يكون لهم حظ في الديمقراطيات الغربية، ولا في نظام الشورى الإسلامي. وبقي عذر الشعوب والجماهير وذريعتها دائما في عدم إحراز تقدم في مختلف مجالات الحضارة المعاصرة، هيمنة الإسبداد وسيطرته على الأوضاع بكل أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، وهي التي لا حول ولا قوة لها.
(يتبع)
* صاحب المدونة على العنوان التالي
http://chortani.wordpress.com/
عندما يصبح الحصار طريقا للإنتصار2/2
* علي شرطاني
- حقيقة الأمر :
فلئن كان الإستبداد وفساد الأنظمة حقيقة، فأن ذلك ليس كاف لأن يكون سببا في الركود والخوف والطمع، ورسوخ عقلية الإنتظار والبحث عن جهة سحرية ما ترفع عن هذه الشعوب الظلم والحيف والغبن، حتى لو كانت هذه الجهة احتلالا أجنبيا... وتمكنها من "الإستقلال والتحرر". ولئن كان صحيحا كذلك أن مرحلة الإنحطاط والظلم وفساد نظام الحكم في العهد العثماني، ومرحلة الإستعمار الغربي لأوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، وبرنامج الدولة العلمانية والتقليدية الحديثة، فإن ذلك لا يقوم عذرا لهذه الشعوب أن تكون على هذا الوضع الذي ليس في العالم تقريبا من يقبل أن يكون عليه. صحيح فقد كان لهذه المحطات التاريخية من التراكم السلبي ما تنوء بحمله الجبال، والمهمة ليست سهلة. ولكن أشد الخطر الذي أصبح محدقا بهذه الشعوب، هو ضعف الروح المعنوية والشعور بالإنهزام الحضاري أمام التفوق الغربي والوهن (الذي هو حب الدنيا وكراهية )في عصر المادة والمتعة، وقد انضاف إلى كل ذلك بعد ذلك عاملي الخوف من كل شيئ والطمع في كل شيئ، بعد أن خلت القلوب من الخوف من الله والطمع فيه وحده سبحانه وتعالى. ولئن كانت كل هذه العوامل التاريخية والثقافية والحضارية الكبرى القاهرة سببا في تردي أوضاع شعوب الأمة، فإن الأشد خطرا فيها ومن بينها، هو البرنامج الثقافي والسياسي والإقتصادي والإجتماعي للدولة التقليدية والعلمانية الحديثة على حد سوى، الذي كان برنامج الولاء للذين من الفروض أنهم أعداء، والعداء للشعوب ولمن من المفروض أنهم أولياء. وفي هذه الفوضى وهذا الإنقسام الخطير، تتنزل القضية الفلسطينية التي هي في الحقيقة قضية الأمة كلها وكل الأحرار في العالم. ولهذه الأسباب، وفي هذا الإطار، وفي هذه الفوضى وهذا الإنقسام الخطير، كان موقف الشعوب العربية والإسلامية بأنظمتها ونخبها وعلمائها من الحصار المضروب على قطاع غزة تحديدا بالسلبية التي نعيشها.فقي الوقت الذي كان شعبنا الفلسطيني قد أمضى ثمانية أشهر تحت الحصار الدولي، والذي اشتدت فيه معاناته بقطع الماء والكهرباء والوقود والدواء وكل ضروريات الحياة، مع استمرار القصف والتوغل والإغتيال، وإلحاق الدمار بالحجر والمدر والبشر أطفالا ونساء ورجالا، كانت شعوب أمة العرب والمسلمين متخذة من المشهد الدموي الدرامي التدميري المحزن فرجة لها، ومن الموقف الرسمي الشريك في الجريمة مانعا لها من التحرك والإحتجاج، والبحث عن السبل المناسبة لدعم الشعب الفلسطيني الذي أخضعه التحالف الصليبي الصهيوني العربي "الإسلامي"للإبادة.

- الشعب القدوة؟ ! :
العجيب والغريب في الأمر، أن شعوب الأمة لم تكن على مقتضى ما يوجب عليها الإسلام من الثورة على الحاكم الظالم، على قاعدة قول الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم"، لأنها لم تعد في الحقيقة على الثقافة الواعية المسؤولة للإسلام، ولم تكن على مقتضى ما ترى عليه شعوب الغرب من استعداد دائم للتمسك بحقوقها وبسيادتها وبمكاسبها، وعدم التفريط فيها لأي كان وبأي ثمن. ولم تكن على مقتضى ما أرادت لها النخبة المتغربة الهجينة من أن تكون على مستوى نفس المسؤولية التي لشعوب الغرب القدوة عندهم، من خلال ما يعتقدون أنه يمكن أن تكون عليه الشعوب في أوطان أمة العرب والمسلمين، من خلال ما تفرض عليها من ثقافة التغريب، وما جاءت هادمة فيها لثقافة الإسلام والأسلمة والتعريب. وبوجودها بالمنزلة بين المنزلتين، وجدت هذه الشعوب نفسها غير قادرة على أي شيئ، ولا تصلح لشيئ مما تصلح له بقية الشعوب شرقا وغربا من حولها.
وعلى خلاف ما كانت عليه شعوب الأمة مع بعض الإختلاف والتفاوت طبعا في ما بينها من استعداد للثورة ولتولي شأنها وشأن أوطانها بيدها باتجاه تولي شأنها في أمتها، كان الشعب الفلسطيني خاصة إذا ما استثنينا الحديث عن الشعب الأفغاني والعراقي والصومالي والشيشاني والكشميري... من الشعوب التي تتجه نحو أخذ زمام مبادرة التحرير والتحرر والإستقلال بنفسها، بعد أن بدأ يأخذ طريقه إلى الإسلام الواعي المسؤول،الذي يطلق عليه العلمانيون من خلال خراب عقولهم وغلبة الأهواء عليهم الإسلام السياسي، ويطلق عليه آخرون الأصولية الإسلامية، كما دأب الغرب الصليبي والصهيونية العالمية ومن يتفق معهم في المرجعية وفي المصالح الخاصة من المتغربين، الظلامية والإرهاب، وبعد أن جرب كل التجارب العلمانية التغريبية ولم تجده نفعا ولم تزده إلا ضعفا وتشتتا وتشرذما، وإلا تخلفا وانحطاطا وسلبية. وهو الشعب الذي من حقه علينا اليوم أن نعتبره قدوة في التضحية والفداء والشهادة والإستشهاد من أجل حقوقه ومكاسبه وأرضه وعرضه وكرامته ومقدساته التي يأتي على رأسها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين المسجد الأقصى المبارك الذي هو من أحد أهم مقدسات الأمة كلها.

- الجديد في حصار غزة :
إن الجديد في الحصار الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة على الأقل، وقيام ما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي جعلت من الضفة الغربية مقرا لها هو :
1- أن غزة أصبحت محررة.
2- أن النفوذ قد أصبح فيها بالكامل تقريبا لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" كبرى حركات المقاومة في فلسطين المحتلة بعد إنهاء الفوضى الأمنية والإقتتال الفلسطيني الفلسطيني الذي كانت تشرف عليه أجهزة السلطة، وكانت طرفا فيه بتخطيط وإشراف وتمويل من الجنرال الأمريكي دايتن.
3- وأن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أصبحت الطرف الأقوى في السلطة بعد انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة بشهادة كل المراقبين في العالم على أساس برنامج الإصلاح والمقاومة.
4- وأن ذلك كان بعد استشهاد مؤسس حركة "حماس " شيخ المجاهدين أحمد يسين.
5- وبعد تخلص حركة فتح بالتعاون مع الكيان الصهيوني من الزعيم ياسر عرفات غيلة.
6- وأن حركة فتح وكل مكونات منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية واللائكية أصبحت في المعارضة، بعد أن وجدت نفسها بعد عقود من الزمن خارج السلطة ومجرد شريك ضعيف فيها.
7- وأن ما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية قد التحقت بالنظام العربي كنسخة طبق الأصل منه، وبالنظام الدولي المعادي للإسلام وللعرب والمسلمين، وللقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني من أجل سواد عيون اليهود الصهاينة في العالم، في إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة، وكانت الطرف الأشد والأكثر حرصا على ذلك. (يتبع)

*صاحب المدونة على العنوان التالي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.