هام: انخفاض أسعار هذه المنتوجات..    تعرض طائرة مروحية على متنها رئيس إيران لحادث    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    عاجل/ الرصد الجوي يحذر من حالة الطقس ليوم غد..    الحرس الوطني: هذه آخر المعطيات المتعلقة بالهجرة غير النظامية    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    صفاقس ولي يصفع معلما ويلوذ بالفرار    العاصمة: وقفة مساندة للرئيس قيس سعيد    الجمعية النسائية ببرقو تصنع الحدث    طقس الاحد: امطار غزيرة وتساقط البرد بهذه المناطق    اليوم : انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    هيئة الانتخابات تشرع غدا في تحيين السجل الانتخابي    إطلاق نار واشتباكات قرب القصر الرئاسي في كينشاسا    علماء يكشفون : العالم مهدد بموجة أعاصير وكوارث طبيعية    إضراب بالمركب الفلاحي وضيعة رأس العين ومركب الدواجن    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي «يثور» على اللاعبين واتّهامات للتحكيم    بفضل صادرات زيت الزيتون والتّمور ومنتجات البحر; الميزان التجاري الغذائي يحقّق فائضا    يهم مُربّيي الماشية: 30 مليون دينار لتمويل اقتناء الأعلاف    اليوم : وقفة احتجاجية للتنديد بالتدخل الاجنبي و بتوطين أفارقة جنوب الصحراء    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    الأونروا: 800 ألف فروا من رفح يعيشون بالطرقات.. والمناطق الآمنة "ادعاء كاذب"    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    بغداد بونجاح يحسم وجهته المقبلة    الجمعية التونسية "المعالم والمواقع" تختتم تظاهرة شهر التراث الفلسطيني    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    العثور على كلاشينكوف في غابة زيتون بهذه الجهة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    داء الكلب في تونس بالأرقام    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحفي التونسي ناجي الباغوري ل"آفاق": وضع الصحافة في تونس هوالأسوأ على الإطلاق

الصحفي التونسي ناجي الباغوري ل"آفاق": وضع الصحافة في تونس هو الأسوأ على الإطلاق
ناجي الباغوري
تونس- حواره: سفيان الشّورابي
انتقد عضو هيئة إدارة جمعية الصحفيين التونسيين الصحفي ناجي الباغوري تخلف الإعلام التونسي الذي وصفه ب"الروتيني والموجه وغير المقنع". وقال في حوار مطول مع موقع "آفاق" إن السلطة التونسية تنتهج أساليب متنوعة لمزيد تعميق ذلك التخلف.
كما أدان الباغوري، الذي يمثل تيار المستقلين داخل الجمعية اعتقال الزميل الصحفي سليم بوخذير، وأكد من جديد رفضه لحبس الصحفيين مهما كان انتمائهم الفكري أو السياسي.
وفي ما يلي نص الحوار:
آفاق: يعاني الوضع الإعلامي التونسي من تخلف شديد مقارنة بتطور بقية الميادين، فيما تتمظهر حسب رأيكم، أشكال هذا التخلف؟
المشهد الإعلامي في تونس متخلف ليس بالمقارنة مع بقية القطاعات فحسب، وإنما أيضا مقارنة بالوضع الإعلامي للبلدان المجاورة وبالإعلام العالمي عموما، التي تجاوزت من جهتها الشكل النمطي والأحادي والدعائي له، عدى بلدان قليلة من بينها تونس الذي ظل فيها الإعلام روتينيا وموجها وخشبيا وغير مقنع. فكما أن الإعلام يمكن أن يكون مسببا لحراك اجتماعي وسياسي، فان الإعلام كذلك هو نتيجة لحركية المجتمع، على اعتبار كونه يمثل مرآة لمجتمع معين. فلا يمكن أن يكون أصل المرآة رديئا وأن نطالب بأن تكون الصورة على المرآة جميلة أو جيدة.
فطبيعي جدا حين تكون وضع الحريات على بقية المستويات، على غرار حرية التنظم والتظاهر والتجمهر والتعبير، مقيدة وتواجه صعوبات لا يمكن أن يكون الإعلام متطورا وحرا.
إلى جانب ذلك، فان الوضعية المالية والمهنية المتردية للعاملين بهذا الحقل لا تقل سوءًا. فذلك وجه آخر من وجوه تراجع هذا القطاع. فموقع الصحفي داخل المؤسسة الإعلامية يعتبر موقعا هامشيا وثانويا. حيث انه يفتقد لأدنى سلطة للقرار داخل هيئات التحرير. والصحفي أيضا، عادة ما تقع الاعتداء على كتاباته، إضافة إلى تعرضه بشكل دائم للصنصرة ولتشويه مقالاته ولإنتاجه الإعلامي.
كما أن الحالة المادية للصحفيين في تونس هي الأسوأ على الإطلاق مقارنة بدول المنطقة. إذ أن أغلب المؤسسات الإعلامية في تونس بدون استثناء تنتهك حقوق الصحفيين. وخير مثال على ذلك أن نسبة كبيرة منهم يشتغلون بصفة متعاونين بالقطعة وذلك لسنوات طويلة. زيادة على أن أرباب المؤسسات الإعلامية ينتهكون أيضا العلاقات الشغلية التي يكفلها القانون. أذكر هنا عدم وجود عقود شغل، وغياب تغطية اجتماعية، وعدم استناد الأجور إلى مرجعية قانون الشغل و الاتفاقية المشتركة الخ.
وأعتقد أن مثل هذه الأساليب هي نتاج لعملية مدروسة وليست باعتباطية. فمثلا تقوم السلطات العمومية في العادة بمراقبة المؤسسات الاقتصادية ومراجعة مدى احترامها للقوانين ذات الصلة ومعاقبتها في صورة قيامها بالتشغيل من خارج الأطر القانونية. والغريب أن مثل هذه المراقبة لا تشمل المؤسسات الإعلامية. فهناك على سبيل الذكر، جرائد يومية لا تشغّل سوى صحفي محترف واحد. وهي، حسب رأيي عملية غض طرف متعمدة كشكل من أشكال المساعدة.
والنتيجة أننا نجد أصحاب المؤسسات الإعلامية هم المستفيدون في حين أن الصحفيين يعيشون وضعا مزريا. وبالتالي فانه من غير الممكن أن نطالبه كثيرا بالدفاع عن رأيه أو موقفه أو الالتزام الصارم بأخلاقيات المهنة.
آفاق: في هذا السياق، ألا ترون أن قلة عدد المؤسسات الإعلامية في تونس، وتشدد الدولة تجاه تحرير هذا القطاع أنتج مثل هذه المشاكل؟
يعد هذا جانب من جملة بقية الجوانب. فالفصل 16 من مجلة الصحافة يقول انه يمكن فقط الإعلام بإصدار صحيفة وتسلم مقابل ذلك وصلا. ولكن الواقع مخالف البتة. وهي خصوصية أخرى تونسية بحتة. فمن جهة نجد قوانين جيدة على علاتها، مقارنة بتشريعات دول المنطقة ولكن عند عملية التطبيق، تتحول تلك القوانين إلى أدوات للتضييق بشكل خطير للغاية. فبعث الصحف حسب القانون التونسي هو أمر يسير، ولكن في الممارسة لا أحد يتسلم وصل الإصدار إلا لمن يحدد له سلفا وعن طريق "القطرة قطرة" وللموالين المقربين من السلطة.
فإذا أحصينا الصحف التونسية نجدها تعد على عدد أصابع الأيدي. وحتى بعد انطلاق صدور صحيفة معينة، يخضع صاحبها للمراقبة وللمتابعة لإثبات "حسن نيته" وولائه ومزيد من الخضوع و إلا فانه سيواجه سيف العوائد المالية الناتجة عن الإشهار العمومي ومن الدعم من قبل الدولة التي ستنقطع عنه لا محالة في صورة خروجه عن بيت الطاعة. وبذلك لن يستمر على مواصلة الإصدار.
فغالبية مديري الصحف هم بهذا الشكل "تلامذة نجباء جدا" للتعليمات، ويسمعون الكلام جيدا ويطبقونه بحذافره، ويعملون بالمقولة التونسية "الشباك الذي يأتي منه الريح، سده وأستريح". ويتحاشون مثلا التطرق لأي موضوع مهما كان عديم الأثر، ولكن من شأنه أن يجلب مشاكل لهم. كما إنهم يحرضون صحفييهم على عدم الكتابة فيه أصلا. فيمكن القول أنهم ليسوا بحاجة أن يتلقوا تعليمات يومية من داخل دوائر النظام، فهم يفهمون الدرس جيدا.
فنجد أن الافتتاحيات متماثلة في أغلبها، وتعتيم على المسائل التي تهم المواطن على غرار أحداث مدينة سليمان بداية السنة الجارية والتي شهدت مشادة مسلحة بين مجموعة إرهابية وقوات الشرطة المحلية. حيث حصل حينها اتفاق بين جميع المؤسسات الإعلامية على عدم كتابة ولو كلمة حول هذا الموضوع. بل هناك مواضيع أقل أهمية ومع ذلك لم تجد حظها من الكتابة، على غرار قضية انقطاع الحليب في تونس لمدة زمنية طويلة نسبيا.
آفاق: حول نقطة الممارسات الصحفية، أذكر هنا تواتر نشر مقالات بالصحف من دون إمضاء كتّابها، والتي تقوم بثلب وشتم بعض الشخصيات والأحزاب والمنظمات الوطنية التي تختلف مع الحكومة. ما هو موقفكم من مثل هذه الأساليب؟
كان موضوع هتك الأعراض وثلب أشخاص مختلفين مع الحكومة حاضرا في جميع التقارير الست التي أصدرتها الجمعية حول الصحافة في تونس. فعادة ما تتجند العديد من المؤسسات الإعلامية لسب أشخاص هم في أغلبهم ناشطون سياسيون. وتقوم بإصدار وابل من المقالات التي تأتي في معظمها عن طريق الفاكس من مصادر مجهولة أو تُكتب داخل رئاسة التحرير بتوجيه لسب فلان أو شتم علان.
وكنا قد نبهنا سابقا بأن هذه الممارسات بكونها خطيرة وتخرق ميثاق شرف المهنة. ومن المؤسف أن تتنامى مثل هذه الظاهرة التي تمثل حسب رأيي مظهرا آخر من مظاهر المرض الذي ينخر الجسم الإعلامي.
آفاق: هل تنعدم الاستثناءات في ظل هذه السمة السوداوية التي تصبغ قطاع الإعلام؟
صحيح. هناك استثناءات وعلامات مضيئة في ظل هذه الظلمة. أذكر منها بالتحديد ثلاث وضعيات لا غير، وهي صحف "الطريق الجديد" و"الموقف" و"مواطنون" التي تصدرها تباعا عدد من أحزاب المعارضة المعترف بها. ولكن المقلق أنه نخشى خضوع هذه الصحف لأجندات أحزابها التي تعرف حاليا خلافات كبيرة مع الحكومة، وانه في صورة تغير هذه الخلافات وتواجد تحالفات أخرى في يوم من الأيام، فيتراجع بالتالي هذا الهامش المتاح اليوم.
إني أتمنى وجود صحف مستقلة حقيقية تكون ضمانة بالفعل تحول دون حصول هذا التراجع، وتكون قاطرة لجر بقية المؤسسات الإعلامية من خلال مبدأ المنافسة.
أخشى من صحف الأحزاب أن يقتصر هذا الاستثناء على وجود خلافات مع السلطة، ثم يقع التراجع مستقبلا في صورة انقضاء ذلك الاختلاف.
آفاق: أليس من الممكن أن تلعب الصحافة الالكترونية دور البديل الأكثر ايجابية في مواجهة هذا التردي الشامل؟
أنا لا أقول أن الصحافة الالكترونية يمكن أن تمثل بديلا. ولكني أقول أنها كانت الأجنحة التي بدأ الإعلام التونسي يطير من خلالها. ذلك أن الإعلام التونسي لا يخضع إلى رقابة السلطة. فما أتاحه الإعلام الالكتروني، بالرغم من غموض هذا المصطلح الذي ما يزال إلى حد الآن غير محدد بصفة دقيقة، من فرصة للتعبير بحرية يعتبر نقطة ايجابية للغاية. فهذا الميدان بما فيه من مدونات وصحف ومواقع لأحزاب ومنظمات فتح نوافذ تخترق جدار الصمت المطبق.
آفاق: أمام كل هذه التحديات الكبيرة والمتراكمة، ماذا قدمت جمعية الصحفيين التونسيين؟
الجمعية هي الهيكل الذي يمثل المهنيين في هذا القطاع. وهي ليست بجزيرة معزولة. وهي جزء من الجسم الإعلامي في تونس الذي يعاني كما سبق وأن قلت الكثير من الأمراض. والجمعية تتأثر بالطبع، بهذا الجسم.
فالجمعية مرت بالعديد من المراحل طيلة الأربعين سنة من تاريخها. ففي سنوات الثمانين من القرن الفارط، كان هناك انفتاح أكبر، وحركية داخل المشهد الإعلامي، والمساحة التي يحتلها المجتمع الأهلي كانت أوسع. وبذلك كانت الجمعية أكثر فاعلية وناشطة بكثافة داخل المجتمع المدني. وكانت تدافع بقوة عن الإعلام الحر وأيضا عن مشاغل المهنيين.
أما في سنوات التسعينات التي تميزت بالسوداوية بالنسبة للإعلام التونسي. نتيجة لهيمنة فزاعة الإسلاميين التي تم استعمالها لتخويف الصحفيين ولضرب أي نفس آخر، مرت الجمعية أثنائها بوضعية سيئة جدا. فعدم وجود تنوع للمشهد الإعلامي انعكس بطغيان لون واحد داخل الجمعية.
حيث كان هناك مكتب واحد. لكن مع بداية الألفية الجديدة، بدأ يظهر داخل البنيان الإعلامي تيار كامل كان موجود في السابق، ولكنه ركد خلال التسعينات، نتيجة الانغلاق والاحتقان الكبير، وبدأ يعيد التعبير عن نفسه؛ ألا وهو تيار المستقلين داخل الجمعية.
وافرز تواجد هذا التيار، إصدار الجمعية لأول تقرير نوعي ونقدي سنة 2002 في سابقة من نوعها في تونس حول الحريات الصحفية، الذي فتح اثر ذلك كوة كبيرة في الجدار.
إضافة ذلك، كسّر وجود الصحفيين المستقلين داخل الجمعية السيطرة المطلقة لتعبيرة الحزب الحاكم. كان هناك خطاب آخر مختلف، يعبر عن الحريات ويشير لوجود انتهاكات ومشاكل. ولم يعد ذلك الخطاب الذي يقول بأن كل شيء على أحسن ما يرام.
وبدأ بالفعل الحاجز البلوري المفتعل بالتهشم داخل هذا القطاع. فأذكر مثلا أن الحديث عن حرية الصحافة خلال عشرية التسعينات كان نادرا جدا في داخل الجمعية نفسها، ولكن رويدا رويدا تقلص ذلك الحجاب.
وفي سنة 2004، ترشحت قائمة من المستقلين استطاع ثلاث أعضاء منها بلوغ هيئة إدارة الجمعية. وفرضت سنة 2005، تقرير حاد وجدي عن وضعية الصحافة التونسية ردت عليه الحكومة بعنف حيث تم استدعاء أحد أعضاء واضعي التقرير ووجهت له تهم خطيرة آنذاك. وقمنا باعتصام في مقر الجمعية احتجاجا على هذا التعدي. وكشف تلك الفترة أن فكرة المستقلين لا يمثلها شخص مهما كان حجمه، وإنما يعبر عنها قرار وإرادة الصحفيين أنفسهم.
للأسف أقول بأن القائمة تلك لم تستمر طويلا، وحدث تفتت قبل أن تنتهي المدة النيابية الجارية. وذلك لعديد الخلافات في داخل هذه المجموعة حول تطورات التعاطي فيما يخص بعض الأمور بالنسبة للجمعية، وأسلوب التعامل مع السلطة، ومفهوم استقلالية الجمعية، والأولويات التي يمكن طرحها الخ.
آفاق: بالرغم من محاولة تيار المستقلين داخل الجمعية لإنقاذ الجمعية، هناك رأي يقول أنه يستحيل إصلاح الجمعية من الداخل نتيجة لتمكن السلطة من الهيمنة عليها. ما هو ردكم؟
أنا أعتقد أن تجربة المستقلين داخل الجمعية هي تجربة جيدة ومتميزة. ولكن فكرة تفتت ثلاث أشخاص وجدوا داخل مكتب الجمعية لا يعني انه انتهى هذا التيار وانعدم التوجه الاستقلالي داخل الجمعية. بل بالعكس هو ما يزال قوي إلى حد الآن. وهو لا يعني شخص معين.
والصحفيين في اعتقادي هم قادرون على إحداث التغيير في اتجاه أن يكون الهيكل الذي يمثلهم هو هيكل مستقل تجاه السلطة بدرجة أولى، وغير تابع لأي طرف. وينشط بكل جرأة وشجاعة وبدون مواربة. فالصحفيين التونسيين أقولها بكل وضوح، سئموا منطق تطبيق الأوامر، وأيضا تلك الصورة الوردية التي يصورونها لقطاع الإعلام، والوعود الزائفة، والتعامل معهم كقصّر وكذوي الاحتياجات الخصوصية. فنحن نخبة المجتمع وأصحاب رأي ومهمتنا في المجتمع كبيرة ونطالب بالتعامل معنا على نفس هذا المستوى. نحن نريد التفاوض مع السلطة الند للند، وفي العلن وليس داخل الأروقة.
آفاق: لكن بالرغم من هذه المحاولات، ستدخل الجمعية طي التاريخ، بعد أن تقرر حلّها وتعويضها بنقابة للصحفيين.
في البداية أود أن أوضح مسألة. فجمعية الصحفيين تمثل إرثا نضاليا عريقا. ومرت عليها أجيال من الصحفيين، مهدوا لنا الطريق للحديث بأكثر جرأة وحرية. ولكن هناك إجماع من مختلف الأطراف سوى الهيئات الدولية كالفيدرالية الدولية للصحفيين أو من المجتمع المدني الوطني وبالخصوص من جهة الصحفيين أنفسهم، هو أن الجمعية ليست الهيكل الأمثل لتمثيل الصحفيين.
وأؤكد أن النقاش حول هذا تأسيس نقابة وُجد منذ الثمانينات. وكان هذا الخيار إنشاء النقابة دائما مطروحا. لكن كان لدي شخصيا تحفظ على بعث نقابة للصحفيين في عدد من النقاط؛ النقطة الأساسية الأولى هو لماذا لم يتم تعامل الجهات الرسمية مع مطلبنا القديم في تحويل الجمعية إلى نقابة، إلا لأنه هناك فقط مشروع آخر من قبل زملاء صحفيين بادروا من جهتهم بإنشاء نقابة أخرى؟ و لماذا بقينا نراوح في نفس الوضع فيطفو الحديث عن تحويل الجمعية إلى نقابة فقط مع قيام الفريق الآخر من الزملاء بمبادرة ما في سياق مشروعهم.
فعندما اتفقت النقابة الأخرى على تحديد مؤتمرها التأسيسي يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول، دعا عدد من الزملاء في الجمعية يوم 24 من نفس الشهر لتأسيس نقابة من طرفهم وتم اتخاذ القرار في ذلك في ظرف 48 ساعة! فرفضت حينها هذه العملية لأنه يجب أن نعود إلى القاعدة الصحفية وأن نفتح النقاش مع الجميع بدون استثناء.
وفعلا دعونا إلى اجتماع عام لمناقشة هذا الأمر. وقلنا انه لا نقبل أن ننفذ ثم نناقش فيما بعد. أما بعد أن وافق عموم الصحفيين على تأسيس النقابة مع المحافظة على الجانب الايجابي من نضالات الجمعية، قلنا لا نرفض خيار الصحفيين. ولكن، اثر ذلك، انحرفت النقابة إلى مطبات أخرى. مثلا أذكر انه تم وضع القانون الأساسي للنقابة من دون استشارة الصحفيين المؤسسين. وتم وضع شروط غير مبررة ومجحفة واقصائية للترشح لمكتب النقابة.
وكنت قد دعوت لتنظيم اجتماع عام مخصص لوضع القانون الأساسي للمصادقة عليه ولكن لم يؤخذ مطلبي هذا بعين الاعتبار. ولكني مازلت متيقنا بأن الصحفيين بامكانهم إنقاذ هذا الهيكل. والخوف وكل الخوف من الهروب بالنقابة وتحويلها إلى هيكل هجين وغير مستقل ويكون تابع للسلطة.
آفاق: في هذا الصدد، من المعلوم أنه لم يعد يفصلنا على المؤتمر التأسيسي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين سوى بعض أسابيع، ما هي الشروط الضرورية اللازم توفرها لكي يكون المؤتمر متلائما والأهداف التي أعلنتهم عنها الآن؟
أولا أعتبر أن الشروط الموضوعة للترشح تعتبر اقصائية، إذ أنها تفترض أن يكون المرشح للنقابة ذو أقدمية عشر سنوات أحد المؤسسات الإعلامية، في حين أن ستين بالمائة من الصحفيين التونسيين هم من فئة الشباب، وهؤلاء يجب أن يكونوا ممثلين داخل المكتب.
كما أنه من الضروري أيضا على الهيئة التأسيسية القائمة الآن، أن تنهي صلتها بهذه النقابة بمجرد انطلاق المؤتمر، وان تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، وان يكون هناك حضور دولي يؤمن شفافية ونزاهة العملية الانتخابية، وأن تواكب فعالياته مكونات المجتمع المدني المستقل.
آفاق: سؤال أخير؛ كنتم قد اقترحتم على قيادة الجمعية إصدار بيان لمساندة الزميل سليم بوخذير الذي تم اعتقاله مؤخرا، ولكنكم لقيتم صدا في ذلك. ما هي أسباب ذلك؟
كما أكدت لك فانه أمامنا تحديات كبيرة وعلى رأسها الدفاع عن جميع الصحفيين وبدون استثناء. وكنت دائما أقول انه على الجمعية أن تدافع عن الصحفي التونسي بغض النظر عن موقف هذا الصحفي من الجمعية، وعن انتمائه أو عدمه إليها، وموقفه من الحكومة. فمن هذا المنطلق اعتبرت أن محاكمة الزميل سليم بوخذير هي ضربة جديدة من الضربات المتتالية والموجعة الموجهة للصحافة التونسية.
واقترحت على مكتب الجمعية إصدار بيان للتنديد بإحالة بوخذير على المحاكمة و للتعبير عن موقفنا في هذه القضية. فنحن نعارض سجن صحفيين أو غير صحفيين من اجل آرائهم. كما اننا ضد سياسة التشفي وتلصيق التهم لناشطين أو صحفيين لا لشيء لأنهم مختلفون مع السلطة. وعدم تمكن الجمعية من إصدار بيان ساندة تمثل بالنسبة لي نقطة ضعف أخرى. لأنه بانعدام الحماية الجسدية الحفاظ على كرامة الصحفي لا يمكن له أن يقوم بعمله على أفضل وجه.
المصدر: آفاق

الخميس 13 ديسمبر - كانون الأول 2007
بقلم : سفيان الشورابي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.