رئيس الحكومة يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية بسيول    بوتين يهدّد بتسليح دول ثالثة بغاية مهاجمة الغرب    عاجل: وزارة التربية تنفي تسريب اختبارات اليوم الثاني لامتحان الباكالوريا    قفصة: الاحتفاظ بكهل يصنع مادة 'الڨرابة' المُسكّرة وحجز معدات    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على استعداد لمواصلة دعم تونس في برامجها الإصلاحية    وزارة الصحة: جلسة لمتابعة المشاريع الصحية الممولة من الصندوق السعودي للتنمية    طقس الخميس: الحرارة تتراوح بين 27 و 37 درجة    وزير الصّحة يؤدي زيارة ميدانية للمركز الوسيط بالنّخيلات ويُعاين منظومة التصرّف في الأدوية والتلاقيح    من بينهم سجينة ... 16 مترشحا يجتازون الامتحان بعدد من الوحدات السجنية    رئيس غرفة الدواجن: الأسعار لن تنخفض وذروة الاستهلاك في عيد الإضحى    عاجل/ الحوثيون يعلنون مهاجمة ثلاث سفن في البحر الأحمر وبحر العرب..    المهدية ...اليوم الأول للدورة الرئيسيّة لامتحانات الباكالوريا.. أجواء طيّبة.. مواضيع في المتناول.. وتسجيل حالة غش    تونس تخسر كفاءاتها ...نجاحاتنا الطبيّة تُصدّر إلى المغرب !    القصرين: اكتشاف بؤرة ثانية للحشرة القرمزية بعمادة الثماد من معتمدية سبيبة    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 في هذا الموعد    الرابطة 1: برنامج مقابلات الجولة التاسعة لمرحلة التتويج    عاجل/ الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ينفي خبر تأجيل "كان المغرب 2025"    ويكلو.. جبر ضرر وإيقاف نشاط لاعبين: عقوبات بالجملة ضد النادي الإفريقي    نجاح طبي في مستشفى سهلول: التفاصيل    في أول أيام البكالوريا: تسجيل 15 حالة غش في هذه الولاية!!    سعد بقير يعلن رحيله عن أبها السعودي    الغنوشي يُواجه تهمتي ارتكاب مؤامرة على أمن الدولة والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة    وقفة احتجاجية للعاملين على خلفية عدم تمكينهم من سلفة شراء الأضاحي.. التفاصيل    رسميا: السعودية تعلن موعد تحرّي هلال ذي الحجة    "تيك توك" يتعرّض إلى هجوم إلكتروني    مسؤول بوكالة حماية الشريط الساحلي يوصي بعدم التوجّه الى هذه الشواطئ    السعودية تدعو لتحري رؤية هلال شهر ذي الحجة..    مهدي العبدلي:"مشروع مدننا العتيقة دون بلاستيك يهدف بالأساس إلى ترسيخ الوعي والثقافة البيئية" [فيديو]    تونس نجحت في تنفيذ إصلاحات هامّة لأجل دفع الاقتصاد    في كوريا: رئيس الحكومة يلقي كلمة خلال مشاركته في فعالية حول ''الشباب والمؤسسات الناشئة''    بعد الإفراج عنها: ''التيكتوكر'' إيمان تخرج عن صمتها    طبيب فرنسي يُهاجم نادين نسيب نجيّم...كيف ردّت عليه؟    ظافر العابدين عضوا في لجنة تحكيم مهرجان عمان السينمائي    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    تصفيات كأس العالم 2026: المنتخب الوطني يواجه اليوم منتخب غينيا الإستوائية    المنتخب الوطني: التشكلية المحتملة لمواجهة غينيا الاستوائية    نابل: 9725 مترشحا يشرعون في اجتياز امتحانات الباكالوريا    16 سجينا مترشحا لاختبارات الباكالوريا هذه السنة    ميلوني : تدفقات الهجرة تراجعت بنسبة 60% بفضل علاقات التعاون مع تونس وليبيا في المقدمة    أسعار بيع الحبوب المزارعون ينتظرون التسعيرة الجديدة ويأملون الترفيع فيها    تونس صقلية منتدى حول فرص الاستثمار والتبادل في مجال الصناعات الغذائية    طاقة مستقبلية واعدة ..الهيدروجين الأخضر .. طريق تونس لتفادي العجز الطاقي    مرابيح البريد التونسي تفوق 203 ملايين دينار سنة 2023..    عاجل/ إطلاق نار في محيط السفارة الأمريكية ببيروت..    تقرير: علامات التقدم في السن تظهر على بايدن في الاجتماعات الخاصة مع قادة الكونغرس    تزامنا مع الحج.. طلاء أبيض لتبريد محيط مسجد نمرة    لشبهات غسيل الأموال ..الاحتفاظ برجل الأعمال حاتم الشعبوني    الكونغرس الأمريكي يوافق على مشروع قانون لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية    لقاء يجمع وزير الصّحة بنظيره المصري    مبابي يستعد لمقاضاة باريس سان جيرمان    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    الدورة 19 للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف: مشاركة 4 أفلام تونسية 2 منها في المسابقة الرسمية    تفاصيل الدورة 48 لمهرجان دقة الدولي: انماط متنوّعة في دورة التأكيد    هذا موعد رصد هلال شهر ذو الحجة    4 نصائح لمحبي اللحوم    عاجل/ هذا موعد رصد هلال ذو الحجة..    عاجل : اكتشاف سلالة شديدة العدوى من إنفلونزا الطيور    في المعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين ...7 آلاف كتاب هبة لمكتبة المعهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين أنجبته والقدس احتضنته في الذكرى ال26 لاستشهاد الأسير اسحق مراغة ..
نشر في الفجر نيوز يوم 16 - 11 - 2009


*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة الفجرنيوز
في الذكرى السادسة والعشرين لإستشهاد الأسير القائد " اسحق مراغة " أبو جمال " كتب الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة وقال :
السادس عشر من نوفمبر عام 1983 ، يوم من المفترض أن لا ينساه الرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل خاص ، والحركة الأسيرة وكل من انتمى إليها باختلاف انتماءاتهم الحزبية بشكل عام .
يوم لا يمكن القفز عنه ويجب الوقوف أمامه و استحضار أحداثه المؤلمة ، الحزينة ، يوم أن فقدت فيه الجبهة الشعبية أحد قادتها العظام خلف القضبان .
ويوم فقدت فيه الحركة الوطنية الأسيرة علم من أعلامها المميزين وأحد أعمدتها الأساسيين وواحد من قادتها البارزين ، يوم أن رحل فيه القائد والمعلم الشهيد الأسير " اسحق موسى مراغة " أبو جمال " .
وإذا كان رحيل " أبي جمال " بالحدث المحزن والمؤلم جداً لرفاقه الأسرى عموماً على اختلاف انتماءاتهم الحزبية وأطيافهم السياسية ، فان استحضاره اليوم يشكل مفخرة لنا ولكل من عرفه وعايشه ، أو سمع وقرأ عنه وعن حكايته مع الأسر ومواجهاته مع السجان .
وما بين الحزن والفخر ، فوارق شاسعة ، وحكايات طويلة ، وربما لا تختلط مشاعر الحزن بأحاسيس الفخر سوى في حالات نادرة ، فتتقلب معها الكلمات والعبارات هي الأخرى ، ويصعب الإنتقاء ، مما أدخلني في دوامة الحيرة ، حيث وجدت أمامي عناوين كثيرة تخص محطات وحكايات سيرة حياة هذا الرجل الذي لا زال حاضراً فينا رغم مرور 26 عاماً على استشهاده .
وخشيت صراحة فشلي في رسم صورة قلمية تعكس حجم معاناته وما تعرض له خلال سنوات اعتقاله من قبل ادارة السجون من ممارسات تعسفية ومعاملة لا إنسانية وإهمال طبي متعمد ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر خشيت أن لا أوفيه حقه وأن لا أوفق ولن أوفق بالتأكيد في اختيار الكلمات والعبارات التي تليق به وبمكانته وتعكس قيمته وحجم تضحياته الجسيمة من أجل المجموع ، فهو بالنسبة للحركة الأسيرة شمس لم ولن تغب ،...
ومع ذلك وبالرغم من تلك المشاعر المختلفة والصور المتناقضة ، فان واجبي تجاه وتجاه أمثاله من الشهداء ومن الشهداء مع وقف التنفيذ هو ما دفعني للمضي قدما بالكتابة عنه في هذا اليوم الذي يصادف الذكرى ال26 لإستشهاده .
كان بالنسبة لي أكثر من مجرد أسير استشهد في السجن ..
ليس هذا فحسب ، بل أن الشهيد " أبا جمال " كان بالنسبة لي أكثر من مجرد أسير استشهد داخل السجن حيث أنه كان صديقاً ورفيقاً لوالدي في غرف سجن بئر السبع أواخر السبعينيات ، وقد أتيحت لي الظروف بلقائه أكثر من مرة على شبك الزيارة أثناء زياراتي لوالدي في ذاك السجن ، حينما كانت غرف وزيارات الأسرى مختلطة وموحدة ، دون الفصل فيما بينهم على أساس المناطق الجغرافية كما هو حاصل الآن .
ورغم أنني كنت حينها طفلاً لم يتجاوز الثاني عشرة عاماً ، إلا أنني أذكر كثيراً من الكلمات التي قالها لي والتي لا تزال عالقة في ذهني ، وأكثر ما يؤلمني هي تلك الكلمات التي كلما استحضرتها إزددت ألماً وحزناً ، ازددت إصرارا على المضي قدماً صوب العمل والعطاء من أجل الأسرى وحريتهم .
قال لي آنذاك :" قريباً ستزول هذه القضبان وستُهدم السجون وسنتحرر أنا وأبوك "
قال لي آنذاك : " قريباً ستزول هذه القضبان وستُهدم السجون وسنتحرر أنا وأبوك " ... والمؤلم فيها أن " أبو جمال " انتقل بعدها إلى سجن نفحة فور افتتاحه عام 1980 والذي أريد منه أن يكون منفى ومقبرة لقيادات الحركة الأسيرة ، وشارك إخوانه الإضراب الشهير رغم سوء وضعه الصحي ، وبعد سنوات محدودة رحل " أبو جمال " نتيجة الإهمال الطبي المتعمد ، فيما السجون لم ترحل ، وبقيت سياسة الإهمال قائمة ، وكانت سبباً في رحيل العشرات من الأسرى من بعده .
ورغم مرور 26 عاماً على رحيله لم تُهدم السجون ، بل اتسعت وامتدت وازدادت عدداً وسوءاً والسجان غدى أكثر إجراما وعنجهية .. ولا يزال الآلاف قابعين فيها في ظروف لربما هي الأقسى والأسوأ منذ عقود ، منهم من مضى على اعتقالهم عقود تفوق الثلاثة ، بانتظار تحقيق ما كان يحلم به الشهيد أبو جمال ، حلم مشروع بالعودة لأسرهم وأحبتهم سيراً على الأقدام ، كما اقتيدوا إلى السجون قبل عشرات السنين .
سيرة حياته ...فلسطين أنجبته والقدس احتضنته
ولد الشهيد الأسير " اسحق موسى مراغة " عام 1942 في بلدة سلوان بالقدس ، وللشهيد أربعة أبناء جمال وآمال وأمينة وأسماء ، ولديه ثلاثة أشقاء أكبرهم العقيد أبو موسى أحد قادة الثورة الفلسطينية .
وانضم الشهيد أبو جمال لحركة القوميين العرب عام 1959م ، ومن ثم انتقل للعمل العسكري في صفوفها ، وتلقى تدريباً عسكرياً في مصر بعدما سافر إليها عام 1964 ، ومن ثم إلتحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فور انطلاقتها في كانون أول / ديسمبر 1967 ، وناضل ضد الإحتلال من خلالها بشكل دؤوب ومتميز ، فاعتقلته قوات الإحتلال في آذار / مارس عام 1969 ليمضي في السجن ثلاث سنوات ونصف ويفرج عنه في آب / أغسطس عام 1972.
لم يكن السجن بالنسبة له سوى " استراحة مقاتل " ومحطة للإعداد والتقدم من جديد ، فانتظم في العمل الحزبي لمنطقته فور تحرره مباشرة وواصل عمله التعبوي والتحريضي والعسكري أيضاً ، وخطط وشارك في العديد من العمليات العسكرية ضد الإحتلال .
الإهمال الطبي كان بديلاً لأعواد المشنقة ..
وفي شباط/ فبراير 1975 اعتقل للمرة الثانية وتعرض لتعذيب قاسي وأصدرت بحقه إحدى المحاكم العسكرية حكماً بالسجن لمدة عشرين عاماً ، بتهمة الإنتماء لجبهة الشعبية ومقاومة الإحتلال ، وخلال فترة اعتقاله لم يكن هادئاً أو مهادناً ، بل كان على الدوام بمثابة خلية نحل نشطة وفاعلة ، كان قائداً مميزاً ومحبوباً من الجميع ومحرضاً بارعاً ومقاتلاً مقداماً ، ومع الوقت أضحى أحد الأعمدة الأساسية للحركة الأسيرة ، ورغم تردي حالته الصحية وإصابته ببعض أمراض السجون كان يرفض إعفائه من المشاركة في الإضرابات عن الطعام .
فأدركت إدارة السجون دوره ومكانته وقررت الانتقام منه وإعدامه بأساليبها المفضوحة ، فكان الإهمال الطبي وسيلة للإعدام وبديلاً عن أعواد المشنقة .
ويضيف الكاتب عبد لناصر فروانة في مقالته : " أبوجمال " وقبل استشهاده كان يعاني أمراض كثيرة خلفتها الإضرابات الطويلة عن الطعام وخصوصاً إضراب سجن نفحة الشهير عام 1980 الذي استشهد فيه الأسيران راسم حلاوة وعلي الجعفري ، وحاولت حينها إدارة السجون بقيادة وزير الداخلية آنذاك " يوسف بورغ " فك الإضراب وكسره بالقوة وقمع المعتقلين واجبارهم على تناول الطعام وسكب الحليب بالقوة في فم الأسير من خلال ما يُعرف بلغة السجون ( الزوندا ) وهي كلمة عبرية تعني بربيج مطاطي ، حيث كان يقوم بهذه العملية كل من الممرض والسجان ، ويتم إدخال البربيج للمعدة وسحبه بطريقة فظة ومؤلمة فيضرب المعدة ويصيبها أو يصيب جدارها وفي حالات كثيرة يدخل البربيج للقصبة الهوائية ومنها للرئتين كحالة الشهيد أبوجمال لينزل الحليب في رئتيه وفورا أدخل غرفة العناية المركزة في السجن حيث كاد أن يفارق الحياة لولا أن طبيب السجن أقسم له أنه لن يتركه يموت وسيبذل قصاري جهده لإنقاذ حياته، ليس حرصاً على حياته ، بل وحسبما قال له بالحرف الواحد : ( لن أتركهم يجعلوا منك بطلا قومياً ) .
وقدر له أن يبقى على قيد الحياة ، وأعيد بعدها إلى سجن بئر السبع ، فيما أوضاعه الصحية تدهورت أكثر فأكثر دون تقديم العلاج ودون توفر أدنى الرعاية الصحية ، إلى أن فارق الحياة في السادس عشر من نوفمبر عام 1983 ، ليلتحق بقافلة الشهداء الطويلة ، شهداء الحركة الأسيرة الشهود على جرائم الإحتلال وعنجهية سجانيه ، وسيبقى السادس عشر من تشرين ثاني / نوفمبر عام 1983 شاهداً على جريمة لن يسقط حق ملاحقة ومحاسبة مقترفيها بالتقادم مهما طال الزمن .
" اسحق مراغة " اسم لأسير فلسطيني استشهد داخل سجون الإحتلال وها قد مضى 26 عاماً على رحيله ، فيما لا يزال حاضراً فينا وحياً بيننا لم ولن يغيب أبداً ، اسم تردده الألسن الصادقة وتحفظه قوافل الثوار وتستحضره أجيال وأجيال ، وتفخر به الحركة الأسيرة ومحفوراً في سجلاتها لم ولن يُمحى أبد الدهر .
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
16-11-2009
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
0599361110
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.