جامعة تونس المنار تحتل المرتبة الأولى وطنيا و948 عالميا    الإيقافات الأخيرة واقتحام دار المحامي: الدستوري الحر يُبدي موقفه    عاجل/ الممثل القانوني لإذاعة الديوان يتلقى استدعاء للمثول امام فرقة الأبحاث    وزير الفلاحة: مؤشرات إيجابية لتجربة الزراعات الكبرى في الصحراء    بنزرت: ضبط ومتابعة الاستعدادات المستوجبة لإنجاح موسم الحصاد    قفصة: الإذن بإيقاف شخصين من دول إفريقيا جنوب الصحراء من أجل شبهة القتل العمد مع سابقية القصد    صادم: سائق 'تاكسي' يعتدي بالفاحشة عل طفل!!    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    البنك التونسي ينفذ استراتيجيته وينتقل الى السرعة القصوى في المردودية    كأس تونس: برنامج النقل التلفزي لمواجهات الدور ثمن النهائي    إتحاد تطاوين: سيف غزال مدربا جديدا للفريق    سرحان الناصري : ''تونس بلاد يطيب فيها العيش و دار المحامي ليست حصنا''    المحامي : تم حجز هاتف و حاسوب مراد الزغيدي    قرطاج: القبض على أجنبي من أجل التبشير بالديانة المسيحية    رئيس لجنة الصحة: مشروع قانون المسؤوليّة الطبيّة سيعرض قريبا على أنظار جلسة عامة    عاجل/ حادثة 'حجب العلم': توجيه تهمة التآمر ضد هؤلاء    سيدي بوزيد: توقّعات بارتفاع صابة الحبوب بالجهة مقارنة بالموسم الماضي    المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات: الشركة التونسية للبنك تدعم مقاربة الدولة للأمن الغذائي الشامل    من هو وزير الدفاع الجديد المقرب من فلاديمير بوتين؟    الديوانة التونسية تضرب بعصا من حديد : حجز مليارات في 5 ولايات    عاجل : الكشف عن وفاق اجرامي يساعد الأجانب دخول البلاد بطرق غير قانونية    بطولة فرنسا :تولوز يهزم باريس سان جيرمان 3-1    تصفيات أبطال إفريقيا لكرة السلة: الإتحاد المنستيري يتأهل الى المرحلة النهائية    مصر تسعى لخفض الدين العمومي الى أقل من 80% من الناتج المحلي    عاجل/ قوات الاحتلال تنفذ حملة مداهمات واعتقالات في عدة مناطق بالضفة الغربية..    إيران تعلن عن مفاوضات لتحسين العلاقات مع مصر    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية تاريخية    5 جامعات تونسية تقتحم تصنيفا عالميا    صفاقس: فتح تحقيق اثر وفاة مسترابة لشاب بطينة    تفاصيل جديدة بخصوص الكشف عن شكبة إجرامية دولية للاتجار بالمخدرات..#خبر_عاجل    مغني الراب سنفارا يكشف الستار : ما وراء تراجع الراب التونسي عالميا    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مسؤولة بالستاغ : فاتورة الكهرباء مدعمة بنسبة 60 بالمئة    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    رئيسة لجنة الشباب و الرياضة : ''لم تحترم الوزارة اللآجال التي حددتها وكالة مكافحة المنشطات ''    نائبة بالبرلمان : '' سيقع قريبا الكشف عن الذراع الإعلامي الضالع في ملف التآمر..''    راس الجدير: ضبط 8 أفارقة بصدد التسلل إلى تونس بمساعدة شخص ليبي..    بطولة ايطاليا: تعادل جوفنتوس مع ساليرنيتانا وخسارة روما أمام أتلانتا    طقس الاثنين: أمطار متفرقة بهذه المناطق    أرسنال يستعيد صدارة البطولة الإنقليزية بفوزه على مانشستر يونايتد    نتنياهو: نناقش "نفي قادة حماس.."    بين الإلغاء والتأجيل ... هذه الأسباب الحقيقة وراء عدم تنظيم «24 ساعة مسرح دون انقطاع»    المالوف التونسي في قلب باريس    مصر: انهيار عقار مأهول بالسكان في الإسكندرية وإنقاذ 9 أشخاص    دربي العاصمة 1 جوان : كل ما تريد أن تعريفه عن التذاكر    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مئات الحرائق بغابات كندا.. وإجلاء آلاف السكان    وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض سيناريوهات ما قبل الانتخابات الرئاسية التونسية لسنة 2009
نشر في الفجر نيوز يوم 26 - 02 - 2008

بعض سيناريوهات ما قبل الانتخابات الرئاسية التونسية لسنة 2009
د. حسين الباردي/ محامي لدى القضاء الفرنسي

لعلّ البعض سيرى في استعمال صيغة الجمع الواردة بالعنوان (سيناريوهات) نزوعا منا إلى الاستفزاز، بدعوى أنّ الانتخابات في تونس لا تحتمل أكثر من سيناريو يتيم، يتمثل في "الفوز المبرمج" لمرشح الحزب الحاكم، خلال مسرحيّة إنتخابية هزلية/مأساوية ليس للشعب التونسي فيها من "صوت" غير التندّر في إطار حلقات الأصدقاء الضيقة (ما جرى مؤخرا ل"كتكوت ولد باب لله" يندرج ضمن تلك "البيداغوجيا القمعية"، الرامية إلى تحريم التندّر العمومي ب"أولي الأمر... و الزجر"). فمن غير الوارد بتاتا (بحسب هذه الذهنية)، أو بعبارة أصح من غير المُباح، تخيُّل سيناريو آخر غير الذي "ينبغي أن يكون"...
البعض الآخر سيرى في الحديث عن "سيناريوهات انتخابية" في تونس بالذات ضربا من السذاجة أو حتى البلاهة السياسية، وذلك تقريبا للأسباب عينها...
و لكن لمّا كنّا ننتمي إلى تلك الفئة من الناس الذين يميزون الإنسان عن غيره من الكائنات بحسب قدرته على التخيّل و التصوّر (1) فإننا نعتذر مسْبقا لدى "الفَطِنين الأشقياء" وكذلك "أصُولِيي" وحدانية الترشح وإن استطعنا إلى ذلك سبيلا– نهدئ من روعهم
ونطمئنهم بالقول أن ليس كل ما سيقرؤونه هنا قابلا للتحقق بحذافيره...وعليه "إن صحّ قولكما فلست بخاسرٍ أو صحّ قولي فالخسارة عليكما".
السيناريو الأوّل : الإقصاء ومزيدا من الإقصاء
السلطة تسن قانونا جديدا يستحيل بموجبه قبول ترشحات مستقلة لا تُرضيها، هذا ليس بالمستبعد بتاتا، فالحاكم التونسي عودنا "بقدرته الخارقة" وجرأته "اللامعة" على فبركة المعايير التشريعية الاقصائية قُبيْل كل انتخابات رئاسية يتم بمقتضاها سَدّ باب الترشح "القانوني" أمام المنافسين غير المرغوب فيهم. مما يجعل الوضعية السياسية في تونس لم تتغير منذ الانتخابات الأخيرة سنة 2004. أي أن السلطة لم تستخلص الدروس من فشلها الذريع في "إقناع" المعارضات الديمقراطية (بإستثناء التجديد/المبادرة الديمقراطية) بالانخراط في العملية الانتخابية، وإخفاقها المكشوف في تسويق الاستحقاق لدى الرأي العام الوطني والعالمي، على أنه "فعلا" نظاما ديمقراطيا، تعدديا ونزيها. وبالمقابل فقد حققت المعارضة الديمقراطية والوطنية بعض المكاسب حيث استطاعت اجتذاب أعداد لا يستهان بها من التونسيات والتونسيين الذين يطمحون إلى التغيير الحقيقي ويُبدون استعدادا جديا لخوض المعارك من أجل عدم الرسوب السياسي في نفس المكان. كذلك نجح البعض من هذه المعارضات في التواصل تقريبا مع جل جهات البلاد محققا بذلك عمقا "معارضيّا" جغرافيا و بشريا كانت تفتقره في السابق(2). بالإضافة إلى ذلك فقد أفرزت الساحة السياسية التونسية خلال السنوات الأخيرة قيادات سياسية مؤهلة أكثر من ذي قبل لحمل لواء التغيير الديمقراطي، والتعبير عن هموم ومعاناة الشعب التونسي، الذي سئم وقائع التزوير المختلفة، ومظاهر العسكرة المبثوثة في المجتمع الذي بات يعاني من تفشي البطالة والرشوة والمحسوبية وانتشار الإجرام والفساد بشتى أشكاله الذي انعكس سلبا على الحياة العامة، وبقيت السلطة التونسية استثناء أمام المتغيرات الدولية الكبيرة مما جعلها وكأنها بطريقة لاشعورية تسعى إلى"كسرِ ذاتها" من خلال اختيار "الحل" الأسهل حسب وجه نظرها
الذي يسمح لها بإعادة إنتاج سريعة وقصيرة النظر لهيمنتها المطلقة و اللامشروعة، مُجازِفة في ذلك بدفع المجتمع الى شفير الهاوية. ذلك أن الكلفة السياسية
والإقتصادية والإجتماعية والدبلوماسية لمثل خيار لاعقلاني ستكون جِدّ مرتفعة، ولا أخال المستشارين الإستراتيجيين للنظام يجهلون ذلك.
هذا السيناريو الأول يؤدي إذن إلى إبقاء دار لقمان على حالها. ومع ذلك هيهات أن تستمر الوضعية على ما هي عليه من إنغلاق وإقصاء وتفرد بالسلطة
وتفريط في القطاع العام و تبخيس للشغل والشغالين
وغير ذلك من مظاهر التسلط والتهميش والفساد. فالشعب التونسي، كما قلنا آنفا، تقيّأ هذه الأساليب المنافية لأبسط مقومات الحداثة (لا سيما السياسية)
ولا نحسبه، وهو الذي أنجب "أبو القاسم الشابي"، سيرضى بتمادي الاستهتار به.
إحدى بوادر انعتاق الشعب التونسي من اسر السياسة الأحادية اختيار ترشيح "الحزب الديمقراطي التقدمي" ممثلا في الأستاذ أحمد نجيب الشابي (الأمين العام السابق و رئيس تحرير جريدة "الموقف" المعارضة) لخوض معركة الإنتخابات الرئاسية سنة 2009. و "الديمقراطي" دون أن يرقى إلى مستوى ما يُعرف بالأحزاب الجماهرية (الشىء الذي تخشاه ولا تسمح به السلطة المسئولة أساسا على احتكار وسائل الإعلام الشعبية المرئية و المسموعة و المكتوبة و قتلها للفضاءات العمومية و تنكيلها المستمر بمعارضيها،.الخ) يُحضى بتمثيلية وطنية لا يمكن إنكارها ويتمتع بمصداقية نضالية غنية عن التعريف علاوة على توافره على عدد لا بأس به من الكوادر و منظمة شبابية تمنحه إطلالة على المستقبل لا يستهان بها.
الإيجابي في هذه المبادرة (علاوة على إختيارها الرجل المناسب) هو استباقها للفعل الحكومي وقطعها مع "الإنتظارية" التي تشلّ حركة المعارضة و تبقيها مرتهنة أبدا بما ستتفضل –أو لا تتفضل– به السلطة التي يُستبعد، منطقيا، أن تشجع خصومها على إفتكاك مواقعها أو مزاحمتها عليها (فما بالك مشاركتها في الحكم أو إزاحتها منه....
هذا التعاطي يفترض بطبيعة الحال الاعتراف المسبق بالاختلال لموازين القوى وعدم تكافؤ فرص الترشح
وغياب أبسط قواعد التنافس النزيه، ناهيك عن إمكانية إيصال خطاب مغاير للجمهور والإحتكام الشفاف إليه خلال الحملات الانتخابية... الشيء الذي يعطي لمبادرة " الديمقراطي" نفسا إراديٍّا (وليس "إرادويٍّا" كما يتصور بعض الأصدقاء) نحن اليوم في أمسّ الحاجة إليه بعد فشل كل المحاولات "الوفاقية" في "التنفيس" عن حالة الإختناق السياسي التي آلت إليها السياسة المتكلّسة للسلطة الإستبدادية.
المرور مباشرة، هنا والآن، لممارسة الحق الطبيعي (والدستوري) في الترشح لرئاسة الدولة –بالطريقة
وبالشروط وفي ضل الظروف الآنف ذكرها– يشكل دون أدنى شك خطوة جريئة تخطوها الحركة الديمقراطية التونسية باتجاه التسريع للدخول في الزمن الديمقراطي الذي طال تأخرنا في اللحاق به. إنه ليس تحدّ للسلطة بقدر ما هو استجابة لنداء الواجب التاريخي الذي أخفق ساستنا وجزء كبير من "معارضتنا" في إدراجه ضمن حساباتهم (كي لا نقول أولوياتهم). فهل نحن نود فعلا الانخراط في الزمن المعاصر بحداثته الحقة وليست المزيفة أم أننا لا نكترث بما يجري حولنا ونمعن في المكوث خارج التاريخ صاغرين ؟
المبادرة بالترشح هي إذن حق وواجب الغاية منه ليست "بيداغوجية"، مثلما قد يبدو للبعض، فقد تكفل مرشحين سابقين (مثل السادة : الحزقي والمرزوقي و الحلواني) بأداء هذا الدور الضروري وحان الوقت اليوم للمرور إلى "ما بعد البيداغوجيا" ! أي العمل على خلق حالة نوعية كفيلة برفع سقف طلبات المعارضة و الارتقاء بها إلى مستوى التحدي الوحيد الذي لم يعد ممكنا تفاديه ألا و هو الإصداع والعمل الجاد دونما تردد أو إرتباك من أجل تحقيق شروط التداول الديمقراطي على الحكم.
ردة فعل السلطة ستتراوح على الأرجح بين موقفين رئيسيين : التعاطي البوليسي المحض عبر "تجريم" من سيوصفون بأنهم خارجين على "القانون". ولكن لا الرأي العام الوطني و لا الرأي العام العالمي ستنطلي عليه الكذبة. فالحزب الديمقراطي التقدمي، كما يعلم القاصي والداني، حزب قانوني، ينبذ العنف، متمسكا بالشرعية وتمثيليته الفعلية تتجاوز بكثير تمثيلية أحزاب "المعارضة" المتواجدة بالبرلمان حسب إرادة السلطة ! هذا وما جدوى أن تٌسند تأشيرة العمل السياسي المباح للديمقراطي إن حُرِّمت عليه بعد ذلك المشاركة الحرة في الانتخابات الرئاسية ؟
أما في خصوص الشروط المنصوص عليها بالفقرة 3 من الفصل 40 من الدستور التونسي والتي استُثنِى حصْرا العمل بها خلال الانتخابات السابقة وفق القانون الدستوري رقم 34 لسنة 2003 (13 ماى 2003) [إمكانية ترشيح أعضاء الهياكل العليا للأحزاب المتوافرة على نائب برلماني فأكثر، شريطة أن يكون للمرشح أقدمية لا تقل عن خمس سنوات في موقعه القيادي] فهى تكريس للطبيعة "الزبائنية" للحكم ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعتبارها معيارا ديمقراطيا صادقا يصلح لِوزن التمثيلية الحقيقية للأحزاب المعنية.
نحن لا ننتمي إلى "ااالحزب التقدمي الديمقراطي" ولا نعرف بالضبط نوعية الإستراتيجية التي ينوي العمل بها في صورة ما إذا استهدفته الآلة القمعية للسلطة. كل ما نعلمه هو أن الخيار الذي أقره المؤتمر الرابع ل"ح. د. ت." و الذي تجسد في بيان اللجنة المركزية الأخير يدل بما لا يدع مجالا للشك على إصرار "التقدمي" خوض المعركة الإنتخابية بكل قواه وتمسكه القوي بحقه في المشاركة في الانتخابات بطريقة سلمية ...
وإن أمكن قانونية.
ستتحمل إذن السلطة أمام التاريخ والرأى العام المحلي والدولي تبعات القمع الذي قد تسلطه على حزب قانوني سلمي ينبذ العنف، سوف لن يرتكب من "جرم" سوى ممارسة حقه المشروع[3] والغير قابل للتنازل في الإحتكام ديمقراطيا للشعب التونسي بخصوص من يراه الأجدر بمنصب رئاسة الدولة.
التعاطي الثاني للسلطة مع موقف التكريس الميداني لحق الترشح الذي اختاره مرغما "الديمقراطي" قد يكون التجاهل وعدم المبالاة مع رفض "تقنين" ترشح الأستاذ الشابي من طرف المجلس الدستوري
و(كالعادة) استنفار الأجهزة الإيديولوجية بغرض إحداث أقصى درجة من التشويش كي لا يُسمع خطاب هذا المرشح الأول للمعارضة. و طبعا فإن الفضاءات العمومية ستضل مغلقة في وجه مرشح الحزب المعارض والإعلام السمعي والبصري والمكتوب كذلك... إنها سياسة التعتيم والخنق المنهجي التي ما انفكت تمارسها السلطة تجاه كل خصومها (أفرادا
وجماعات) والتي نجحت بواسطتها، إلى حد الآن، في تهميش الكل ! و هو واقع خبرناه (و لن نألفه البتّة ! ) وللأسف الشديد لم نهتد بعدُ –بشكل مستديم– إلى استكشاف ثغراته و لا نقاط ضعفه (ما عدا بعض الاستثناءات كإضراب الجوع الجماعي بمناسبة القمة العالمية لمجتمع المعلومات الذي تمخضت عنه حركة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات..)
فهل سيوفق الحزب الديمقراطي التقدمي في تفادي هذه العقبة الكأداء وتجاوزها ؟ ذاك ما نأمله.
السيناريو الثاني : الاّموقف... و الإقصاء دائما :
السلطة تختار الرجوع إلى حالة ماقبل قانون 2003 الدستوري الذي، كما أشرنا سابقا، وقع سَنّه "بصفة إستثنائية" قصد "السماح" لأحزاب المعارضة الوهمية –التي ليس بمقدورها تلبية شروط الفقرة 3 من الفصل 40 من الدستور– بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2004. الأمر الذي سيؤدى أوتوماتيكيا إلى إقصاء كل المعارضات القانونية الفعلية كما "الكارتونية" باعتبار أن أي منها باستطاعته جمع ال 30 إمضاء من النواب البرلمانيين أو رؤساء البلديات.
و يجدر التذكير في هذا الصدد أن "المحاصصة" التي قررها النظام منذ 1998[4] –ممنوع الضحك و "التنكيت" و إلاّ وقع إلقاء القبض عليكم جميعا بتهمة تعاطي المخدرات– تقضي ب"إسناد" %20 "على الأقل" من مجمل مقاعد االبرلمان البالغ عددها حاليا 189 مقعدا، للأحزاب "المنسجمة" التي فازت (بمرضاِته : 14 مقعدا لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين 11 مقعدا لحزب الوحدة الشعبية ؛ 7 مقاعد للإتحاد الديمقراطي الوحدوي[5] ؛ 3 مقاعد لحزب التجديد (الحزب الشيوعي التونسي سابقا) ؛ مقعد للحزب الاجتماعي التحرّري باعتبار أن المقعد الثاني ورثه [6]"حزب الخضر من أجل التقدم" الذي أسسه النائب الوفي جدا منجي الخماسي وهو حزب وهمي (حتى اسمه غير موجود على الموقع الرسمي للبرلمان التونسي بالأنترنات ! ) حصل على التأشيرة في وقت قياسي (4 أشهر !) و لا يحضى بإعتراف الخضر الفرنسيين و لا الخضر الأوروبيين الذين يعتبرون أن الحزب البيئي الحقيقي في تونس هو حزب "تونس الخضراء" الذي ترفض السلطة منذ سنين عديدة "منحه" التأشيرة... و الحقيقة أن عملية السطو "الخاطفة" التى استهدفت الحزب البيئي في تونس –بإيعاز من السلطة طبعا– ترمي أساسا إلى إجهاض مبادرة السيد عبدالقادر زيتوني بتأسيس "تونس الخضراء" الذي تقدم بمطلب التأشيرة بتاريخ 19 أفريل 2004 ؛ باعتبار وأن المادة السادسة من قانون الأحزاب تنص على أن : "لا يتكون حزب سياسي لاا إذا كان في مبادئه واختياراته وبرامج عمله ما يختلف عن مبادئ واختيارات وبرامج عمل أي حزب من الأحزاب المعترف بها قانونيا."
و لكن بما أن التجمع الدستوري الديمقراطي حريصا كل الحرص على إكساء الانتخابات المقبلة بالصبغة "التعددية" اللازمة حتى تبدو تنافسية... وبالتالي ديمقراطية، فمن المرجح –في صورة تحقق هذا السيناريو– أن "يُعِير" نوّابه ورؤساء بلدياته للتلامذة النجباء من بين أحزاب المعارضة الوفية (الكارتونية) كي يتسنى لهم لعب الدور المناط بعهدتهم في تأثيث "الديكور التنافسي".
أما أولئك المغضوب عنهم فسيُطلب منهم احترام القانون (لن يفوتهم، بالمناسبة، التذكير بأنه صادر باسم الشعب التونسي المسكين) والتزام الصمت وإلا حُلت أحزابهم بتهمة "الإخلال بالنظام العام"[7]... وإن اقتضى الأمر طُبِقت عليهم مواد ذاك السلاح الجهنمي الفتاك : قانون "مقاومة الإرهاب"...
هذا السيناريو وارد و لكنه من الممكن أن يفضي في المدى القريب والمتوسط إلى أزمة لربما كانت خانقة للسلطة. لذلك نستبعد حصوله لا سيما وأن النظام (شأنه شأن الأنظمة المستبدة) يسعى قدر المستطاع إلى إطالة "أمل حياته" ويختار (هكذا يريد المنطق الذي لا يرحم) من بين الوسائل المتاحة تلك التي تطيلها أقصى ما يمكن.
السيناريو الثالث : "الإنفتاح" والتنافس المغشوش...
السلطة تسنّ قانونا يخول للمعارضة الديمقراطية الفعلية المشاركة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 . ما هى تداعيات مثل هذا القرار بالنسبة لها (أى السلطة) و بالنسبة للأحزاب المعنية ؟
تجدر الملاحظة قبل الخوض في هذا الموضوع إلى أن الدولة التونسية (من بين الدول العربية قاطبة) هي الدولة الوحيدة (مع سوريا وليبيا،) التي تُقصي كليا إسلامييها المعتدلين (حركة النهضة) من حق التواجد السياسي. هكذا قرر الحاكم التونسي اعتباطا بأن لا وجود لحركة سياسية إسلامية في تونس الدولة التي يُقرّ دستورها في فصله الأول أن دينها الإسلام !
إذا بدأنا بدول الجوار سنجد أن الإسلاميين المعتدلين (أي أولئك الذين نبذوا العنف واعتنقوا الطرق السلمية في العمل السياسي وصادقوا على الالتزام بقواعد التعامل الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة) بالجزائر يشاركون في الحكم. بالمغرب لهم تمثيل برلماني و نشاط علني مقنن.
وفي باقي الدول العربية ترى الأحزاب الإسلامية المعتدلة تشارك في الحياة السياسية وممثلة بالبرلمان في كل من موريتانا و الأردن ولبنان و اليمن و فلسطين المحتلة والعراق المحتل. أما مصر حتى و إن تمادت في رفضها المتعنت للاعتراف رسميا بالإخوان المسلمين (أساسا) فهي "تسمح" لهم إجمالا بالتواجد العلني و تقبل بتمثيلهم البرلماني دون منحهم الغطاء القانوني.
تبقى إذن الحالة التونسية على استثنائها الدائم بالرغم من أن "حركة النهضة" تُعدّ من أكثر الحركات الإسلامية العربية (و حتى العالمية) اعتدالا.
هذا "الظلم القانوني" يطال أيضا حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" وأحزابا يسارية مثل "حزب العمال الشيوعي التونسي" و "حزب العمال الوطني الديمقراطي" كما لم يفلت من شباكه حتى حزب بيئي مثل "حزب تونس الخضراء" !
لنعد بعد هذا القوس المؤسف والمؤلم في الآن إلى تداعيات القرار المُفتَرَض والقاضي بالسماح للأحزاب القانونية بالمشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
فيما يتعلق بالسلطة أولا : إن الربح الذي من الممكن أن تحصل عليه كبير جدا نظرا لاختلال موازين القوى الواضح لصالحها. فالتجمع الدستوري الديمقراطي حزب جماهيري (لأسباب يطول شرحها و إن كانت في الحقيقة بديهية) يتماهى مع إمكانيات الدولة و أجهزتها و مؤسساتها و ليس في استطاعة أحزاب المعارضة اليوم –حتى وإن جمّعت قواها– زحزحته عن الحكم. والذي نعنيه بالربح فهو ليس الفوز بالانتخابات (رئاسية كانت أو تشريعية) –هذا من باب المحصل– و إنما شيء أخطر من ذلك وأسمى منه بكثير ألا و هو "السمعة الديمقراطية". فالتعددية حتى لو انحصرت في هذا المستوى الضيق والمحدود دون أن تتعداه إلى تبعاته ونتائجه المنطقية [المتمثلة عموما في تحييد أجهزة الدولة وضمان تكافؤ فرص المترشحين في تبليغ مضامين خطاباتهم للناخبين
والمساواة بينهم خلال الحملات وضمان نزاهة
وشفافية العملية الانتخابية عبر السماح للجمعيات المحلية والدولية الغير حكومية –المستقلة فعلا– بممارسة رقابتها الحرة على العملية برمتها مع الاعتراف بإلزامية قرارات المحكمة الدستورية المستقلة فيما يتعلق بالطعون الانتخابية،... الخ] ستبدو للجميع على أنها انفراج كبير في الوضع السياسي بالبلاد و تقدم هام جدا على طريق دمقرطة تونس.
واعتقادي يكاد يكون جازما في أن الأثر الذي سينجم عن كهذا قرار –إن تم اتخاذه– سوف لن ينحصر في حدود "الواجهة الديمقراطية" للسلطة وسيطال مواطن القرار صلب أحزاب المعارضة وهيئات المجتمع المدني...
و بعبارة أخرى فإن السلطة ليس لديها ما تخسره باتباع هذا التمشى، بل أكثر من ذلك ستكون المستفيد الأكبر منه.
فيما يتعلق بالمعارضة والذي يهمنا هنا أساسا هو المعارضة الفعلية و ليست المعارضة الوهمية التي ترتشي سياسيا بالمقاعد الجانبية ("سترابنتان")
أما فيما يتعلق بحركة التجديد فهى لم تجرؤ لحد الآن على استخلاص العِبرة من تجربتها البرلمانية المحدودة و التي –والحق يقال– "هزيلة النتائج"، كما أنها للأسف الشديد خيبت آمال الكثير من المستقلّين سواء كان في علاقة بالمبادرة الديمقراطية أو بالانفتاح الحزبي اللذان بددا أحلام الكثيرين من النشطاء
والمناضلين الصادقين فيما يتعلق ببناء قطب "المعارضة الديمقراطية... التقدمية". هذا وتبقى مع ذلك الحركة صاحبة موروث حزبي عريق نرفض أن نسلم –مثلما يذهب إلى ذلك بعض الغلاة– ب"إفلاسها" النهائي وفقدانها للدور الوطني والديمقراطي الذي احتلت مرات عديدة صدارته. وسنضل مؤمنين بأن "التجديديين" الحريصين على تغليب المصالح المشتركة بين كل الديمقراطيين سينجحون في تجذير حركتهم صلب المشروع التغييري وسينتهون من جديد إلى احتلال موقعهم الطبيعي داخل المعادلة "المعارضية" المبنية على المعاداة الصريحة للاستبداد و روح التسامح ونبذ الإقصاء.
المعارضة الفعلية تتركب إذن من مكونات المجتمع المدني الحريصة على المحافظة على استقلاليتها تجاه الحزب/الدولة وكذلك الأحزاب القانونية والمحظورة المنفتح بعضها على بعض بصفة جدلية، علاوة على الشخصيات الوطنية والمناضلين الديمقراطيين غير منتظمين بتلكم الأحزاب والذين يسعون جاهدين لتذليل العوائق "الذاتية" التي تحول دون التغيير...
بإمكان هذه المعارضة (أو على الأقل الشق الأكبر منها) –و من واجبها– الاستفادة أقصى ما يمكن من هذه الثغرة المأمولة في "السدّ" الاستبدادي والعمل على توسيعها قدر المستطاع باتجاه توفير شروط تحققها الفعلي. أي، بعبارة أخرى، السعي الحثيث نحو "فرض" الشروط الدنيا للتنافس التعددي إمّا بواسطة المباشرة الميدانية للحقوق المغتصبة (من مثل الإعلام و الاجتماع والنشر والدعاية بشتى أنواعها...) دون ترقّب منحها من "أصحاب القرار" (المصابين ب"فقر الدم الإصلاحي") مع ما سيترتب عنه من ردّة فعل تسلطية عنيفة لدى الطرف المقابل... أو عبر التشهير الناجع وواسع النطاق بعدم احترام أدنى قواعد
وشروط اللعبة التنافسية (وهو من الإيمان أضعفه! ).
فالمشكل المستعصي الذي ستواجهه المعارضة الديمقراطية الفعلية ، في صورة تحقق هذا السيناريو، سيتمثل دون أدنى شك، في غياب الشروط العملية الدنيا للتنافس الحقيقي. فلا الإعلام الشعبي بشتى أنواعه (المهيمَن عليه والذي يحتكره الحزب الحاكم) سيعاملها بموضوعية على قاعدة التكافؤ ؛ ولا القاعات العمومية التي تؤم الجماهير الغفيرة ستفتح أمامها ؛
ولا اليافطات والصبّورات الإعلامية الإشهارية ستكون متعادلة ؛ وبعبارة مختصرة فإن الإمكانات المالية
والمادية والبشرية والإعلامية ستشكو اختلالا هلاميا لصالح مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي ... فالحزب الحاكم تملّكَ الدولة قسرا (بعبارة أخرى رائجة "خوْصصها" لصالحه) و أستحوذ على كل أجهزتها
ودواليبها إلى درجة يكاد يصعب معها اليوم التمييز بين ما تعود ملكيته للتجمع الدستوري و ما يرجع للشعب التونسي.
ومع ذلك لا تتورع أبواق دعاية السلطة في الترويج صباح مساء لشعارات جوفاء من مثل "دولة القانون
والمؤسسات" !
وعليه فالتحدي، كل التحدي، –في صورة الحال– يتمثل في مدى قدرة المعارضة الفعلية على اختراق "السياج" الاستبدادي أو ابتكار و سائل اتصال
وقنوات تعبير بديلة كفيلة بإيصال الرأي الآخر للتونسيين وردم ما أمكن من الهوة السحيقة التي ستفصل بين الخصوم.
من غير الممكن أن نختم هذه الفقرة دون أن نتعرض
ولو بإيجاز للتموقع والتمشي الإسلامي(النهضة).
وحتى لا يساء فهمنا نسارع بالتذكير أننا لحد الآن أخترنا عدم التطرق للدور الإسلامي في الفقرات السابقة التي خصصناها لسيناريوهات يصعب فيها حتى على الأحزاب المعترف بها قانونيا الحراك السياسي. أما إذا افترضنا أن السلطة "ستسمح" للمعارضة الفعلية بخوض المعركة الانتخابية المقبلة فإنه يتعين علينا استفسار الموقف الإسلامي و مساءلته انطلاقا من نفس المبادئ الرامية إلى حشد و تجميع كل القوى السياسية التي تجتهد سويا من أجل توفير شروط التغيير الديمقراطي (التعددي المتسامح و اللاّإقصائي) و التعايش السلمي بين كل التونسيين مهما كانت انتماءاتهم العقائدية، الفلسفية، السياسية، الخ.
الكل يعلم أن "النهضة" طرف في حركة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي "اختارت" عدم الانخراط –بصفتها تلك– في العملية الانتخابية وفظلت، لاعتبارات براغماتية غنية عن التعريف، ترك المجال لمكوناتها كي تعبر بكل استقلالية عن مواقفها المتباينة (حدّ التناقض) من الاستحقاق الآتي. الكل عبّر تقريبا عن موقفه بشكل أو بآخر ما عدا الإسلاميين لا يزالوا يلتزمون الصمت (على الأقل "رسميا" وحتى ساعة كتابة هذه المقالة). هذا السكوت يفسر في اعتقادي بسببين على الأقل :
الأول يتعلق بالأولوية التي توليها الحركة الإسلامية التونسية لما يطلق عليه ب"مسألة البناء الداخلي". فالنهضة عرفت محنة رهيبة أنزلتها بها السلطة الإستبدادية (تعرضنا لها في مكان آخر بالفرنسية...)
وهى على ما يبدو (أو هكذا يقال) لم تُضمّد بعد كل جراحها وأغلب قياداتها لا تزال مهجّرة (الأمر الذي يجعلها شبيهة ب"حركة برأسين") ؛ والسلطة المتغولة لم تفرج بعدُ عن كل مساجينها السياسيين ؛ وهى محظورة والمسرحين من أعضائها لا سيما القياديين منهم قيد الإقامة الجبرية (أو ما شابه) ويعانون من جبروت السلطة و تنكيلها بهم. وعليه فإن الحركة الإسلامية ترى أن ليس من مصلحتها البتة، في الوقت الراهن، خوض المعارك السياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى مواجهات وصدامات مع السلطة قد تستثمرها أحد الجهات التي تترصد مثل تلك "الفرص" للإنقضاض" عليها مجددا.
السبب الثاني له صلة بمستقبل حركة 18 أكتوبر التي تعلق عليها "النهضة" على ما يبدو آمالا كبيرة
وتعتبرها، حاليا، ذات أهمية أكبر من الانتخابات الرئاسية بشكل خاص. فالحركة الإسلامية ليست مرصوصة الصفوف بما فيه الكفاية ولا هى متهيئة لخوض مثل هذه الاستحقاقات، فضلا عن "غياب نضج الواقع الموضوعي بالبلاد التونسية" لتقبل العودة الإسلامية على الساحة السياسية.... أما عن شركائها في مشروع 18 أكتوبر فهي لا ترغب في "إغضاب" أي منهم ! لذلك وبالرغم من القواسم المشتركة التي تجمعها مع حزب كالديمقراطي لم تتجرأ على الإصداع بتأييدها لترشح الأستاذ الشابي. وهي كذلك، حسب رأيي، سوف تلتزم الموقف ذاته في صورة ما إذا عين التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات مرشحه للإنتخابات الرئاسية.
تلك هي عموما الوضعية الحرجة التي توجد بها الحركة الإسلامية بتونس. غير أن "الصمت" لا يمكن أن يساوي موقفا سياسيا. وبالتالي كان أجدر بحركة النهضة أن تنخرط بشكل إيجابي في العملية السياسية الانتخابية عبر التقدم مثلا يمقترحات عملية تعكس تشبثها المعلن بوحدة مكونات 18 أكتوبر (ولربما حتى خارجها) وتقدم تصورا وخطة توافقية تساعد المعارضة الفعلية في التأثير الموحد على أرض الواقع من خلال رفع تحدي الاستحقاق الانتخابي المقبل. أما عن المانع المتعلق ب"إعادة بناء الذات" فهو حسب رأيي واهي نظرا لكون الذات –هكذا علمنا التاريخ– لا "تبنى" خارج المعتركات و كما يقول "برتولد بريشت" : "يا أيها الإنسان ! الطريق ليس موضوع بحث، الطريق يُسطّر بالمشى !" و من لم يتعلم صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
السيناريو الرابع : المناورة !
السلطة تسن قانونا إنتقائيا تُقصى بمقتضاه الحزب القانوني ("الديمقراطي") الذي راكم في السنين الأخيرة "إختراقاته للخطوط الحمر" التي رسمتها هى والتي يمكن تلخيص أهم محطاتها في : التشهير بالتلاعب بالدستور ("تعديل" 2002 ) ؛ مقاطعة انتخابات 2004 ؛ القيام بإضراب جوع جماعي شمل "النهضة" بمناسبة القمة العالمية لمجتمع المعلومات الذي انتظم بتونس والتشهير خلاله وبعده بحالة الاختناق السياسي ؛ المشاركة في تأسيس حركة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات (دائما بتشريك لحركة النهضة) ؛ نجاح المؤتمر الأخير للحزب الديمقراطي
وتخلّي الأستاذ الشابي عن الأمانة العامة لصالح إمرأة (مية الجريبي) ؛ خوض إضراب جوع "المقرّ" وفشل السلطة بفعل المساندة العريضة والتعاطف المحلي
والضغط الدولي في إخراج الحزب الديمقراطي من مقره التاريخي ؛ وأخيرا الترشح للإنتخابات الرئاسية لسنة 2009 ... دون إنتظار ما ستقرره الدولة في خصوص من سترضاه "خصما" لها.
كل هذه الأسباب تجعل من "الديمقراطي" الحزب المعارض الذي تسخط عليه السلطة أكثر من غيره.
لربما سعت السلطة، عبر التوظيف المعهود للبرلمان الصوري، إلى سن قانون محبوك على الطريقة "التجمعية" يقضي بالسماح للتكتل الديمقراطي للعمل
والحريات (و هو الحزب القانوني الثاني الغير ممثل بالبرلمان) بالمشاركة في السباق الإنتخابي و يقصي منها (نكاية فيه أكثر منها تخوفا) الحزب الديمقراطي التقدمي. غاية السلطة من وراء ذلك هى المناورة قصد تشتيت أصحاب الدرب الواحد وبث الفرقة بينهم. و إن البوليس السياسي و الإستخبارات التجمعية التي كان دوما شغلها الشاغل هو التجسس الأحمق دون انقطاع على المعارضة الديمقراطية وإزهاج النسطتؤ السياسيين والحقوقيين ، مهملة خلال ذلك كل المشاغل الأمنية الحقيقية (معارك "سليمان" المسلحة ضد السلفية الجهادية التي أخفقت إخفاقا ذريعا في التفطن إليها، دليل صارخ على ذلك...) لا أخاله إلا على علم بالمنافسة السياسية النزيهة والصحية بين رأسى الحزبين المعنيين (نحن نجهل لحد الساعة من سيكون مرشح التجديد). وبالتالي فإن السلطة ستحاول اللعب على بعض تمايزات أقطاب المعارضة قصد تشتيتها.
فما هو التمشي الأنجع الذي من شأنه أن يسفه أحلام الاستبداد ويمكّن المعارضة الديمقراطية من التكلم بصوت واحد لأن –في هذا الصدد– في الكثرة ضعف و تلاشى. فالسلطة ستقدم مرشحها "التقليدي"
ويتوجب على المعارضة (منطقيا و براغماتيا) أن تركز خطابها ودعايتها وحججها المنادية بالتغيير
والإصلاح السياسي حول مرشح واحد يستقطب اهتمام الجمهور والرأي العام الوطني والعالمي كى لا يتشتت الاهتمام وحتى لا تظهر المعارضة في صورة "معارضات" ينتقد بعضها البعض وغير مؤهلة لمنافسة الخصم.
هذا لا يعني بتاتا أن أطياف المعارضة الديمقراطية سيتنازل كل منها عن حقه اللامشروط في الترشح.
ولكن المقصود هو تنظيم ما يسمى بالانتخابات الأولية فيما بينها قصد اختيار مرشحها بطريقة ديمقراطية شفافة لن يكون فيها "رابح" أو "خاسر" لأن "الرابح" سيلتزم (ديمقراطيا دائما) بالتعبير عن القواسم المشتركة وذلك على أرضية "عقد إنتخابي" يتم الاتفاق عليه مسبقا بين الأطراف المعنية. وان الديمقراطية والأحزاب السياسية المعاصرة لم تبتكر لحد الآن طريقة نزيهة و موضوعية أفضل من أسلوب الانتخابات الأولية لحسم مسألة "الكثرة" المضرة بالنجاعة. و مسؤولية أحزابنا الديمقراطية ستكون كبيرة جدا في المرحلة المقبلة بحيث سندرك قطعيا إن هي تتحلى بالنضج السياسي المعارضي الكافي لتجاوز تمايزاتها (غير مفصلية في إعتقادي) والارتقاء بممارستها إلى مستوى التحدى الخطير الذي تعرفه تونس، أم أنها ستفوت فرصة التعريف بنفسها
وبطموحاتها الديمقراطية والوطنية المشتركة بصفة منسجمة ومتناغمة تكسبها المصداقية والمشروعية الضروريتين في أعين الناخبين.
واستباقا للنقد الذي قد يوجه لمثل هذا التمشى والذى مفاده أن "باستطاعة" السلطة وضع نتائج الانتخابات الأولية (حتى قبل أن تقع) موضع تسلل سياسي بواسطة اختيارها الإقصاء جملة وتفصيلا، فإننا نرد بأن المعركة المقبلة لابد أن تأخذ بعين الاعتبار إمكانية/ضرورة العمل السلمي المنافي للتحريم غير مشروع. نحن لسنا من دعاة المغامرية و لكننا نرفض كذلك استمرار احتكار السلطة للشأن العام، ودون أن نذهب إلى المناداة بحركة عصيان مدني سلمية في مقاومة استبداد السلطة فإننا نُقر مبدئيا ودونما شرط مسبق بحق المعارضة القانونية في الاختيار الحر لمرشحيها بعيدا عن التدخل للحزب الحاكم أو أملاءاته التسلطية.
أما إذا لم يكن بدا من تقديم أكثر من مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة فإنه يتجه على المعارضة الديمقراطية الاتفاق على "عهد اللاإعتداء المتبادل" بحيث توجه كل سهام النقد إلى سلطة الاستبداد و التخلف السياسي.

******************************
هوامش
http://null/ - _ftnref1 هنري لابوريت : "الإنسان المتصوِّر. مساهمة في بيولوجيا السياسة"، بالفرنسية، غير مترجم، 1970 منشورات 18/10 [1]
http://null/ - _ftnref2 باستثناء تجربة "حركة الديمقراطيين الإشتراكيين" التي فوتت على الشعب التونسي فرصة تكريس التعددية الفعلية و أهدرت إمكانات التحول الديمقراطي...[2]
http://null/ - _ftnref3 مثلا الفقرة 3 من الفصل الأول لقانون الأحزاب [3]
http://null/ - _ftnref4 القانون الأساسي عدد 93 بتاريخ 6 نوفمبر 1998 [4]
http://null/ - _ftnref5الذي زُجَّ بأمينه العام، السيد عبد الرحمان التليلي، في السجن لمدة 9 سنوات، قضى نصفها لحد الآن، وهو يخوض حاليا إضرابا عن الطعام بمعية والدته السيدة فاطمة التليلي البالغة من العمر 89 سنة و لتي يبدو أن حالتها الصحية تشكو تدهورا متفاقما، مما يجعل حياتها في خطر... [5]
http://null/ - _ftnref6القانون عدد 48 لسنة 1997 المؤرّخ في 21 جويلية 1997 المتعلق بالتمويل العمومي للأحزاب السياسية ينص بفصله. الثاني " لا يمكن لحزب سياسي الحصول على المنح المنصوص عليها بالفصل الاول [التي تُحمل على ميزانية رئاسة الجمهورية !!] من هذا القانون الا اذا كان له نائب فاكثر ينتمون اليه بمجلس النواب. ويعتبر الانتماء للحزب عند تقديم الترشحات...". الأمر الذي يحدو بنا –من باب الفكاهة لا غير– الى إعتبار أن هذه السابقة (المتعلقة بال"أخضر" المزيف) المخالفة لصريح النص أعلاه قد تكون مفيدة جدا لأحزاب المعارضة القانونية الغير ممثلة بالبرلمان لجهة أنها تشرّع إمكانية "اعارة" التجديد نوابه البرلمانيين للديمقراطي و للتكتل حتى يتمكنا من تقديم مرشحهما للرئاسة ! [6]
http://null/ - _ftnref7 الفقرة الأخيرة من الفصل 2 و 18 و مايليه من قانون الأحزاب![7]

الحقائق الدولية بريطانيا / 26 - 2 - 2008
المصدر : بريد الفجرنيوز
مع الشكر والتقدير لمرسل المقال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.