لم يكن الدكتور الصادق شورو فك الله أسره ، غائبا عن أذهاننا وتفكيرنا طوال الفترة السابقة ، وطوال المحنة المضاعفة التي مر بها كغيره من رموز تونس المستقبل ، تونس الفداء والتضحية ، تونس الصبر والملاحم ، تونس العطاء والبذل . ولم يكن الدكتور الصادق شورو غائبا عن المتابعات ( ... ) في بعض الدول حيث يذكر في كل اللقاءات تقريبا مع جملة من القضايا في تونسنا الحبيبة . وهذا جزء بسيط من واجبنا تجاهه وتجاه إخوانه الآخرين . ولكن كنا ولا نزال شهودا على النفاق داخل تونس وخارجها ، ممن يتحدثون عن كل شئ إلا عن تونس ، ويحلمون بكل شئ ما عدا الحرية لشعبها ، ولرجال أفذاذ من أمثال الدكتور الصادق شورو . وإذا فعلوا ذلك من باب التعمية لا الشهادة ، عمموا وأغمصوا . وحتى لا نوجه اللوم كل اللوم للآخرين ، ولمن كانوا منا ، وكانوا معنا ، فتحللوا منا ، وتخاصموا معنا ، فمنهم من أنكر فضل الله ثم فضل إخوانه عليه ، ومنهم من استحق واستمرأ لعنة الله عليه . نحن أيضا مقصرون في حق الدكتور الصادق شورو ، وحق إخوانه ، من جميع النواحي وبدون استثناء . وأتساءل دائما عن دور اللجان الحقوقية ، والسياسية ، والدبلوماسية التابعة للمعارضة ( ؟ ) وللكتل والهياكل السياسية ( ؟ ) وهل هي موجودة فعلا ( ؟ ) وما الذي تقوم به ( ؟ ) أم أن الأمر سبهللا ومتروك للآخرين ، إذا دعونا تحدثنا وإذا لم يدعوننا بقينا ننتظر حتى يدعوننا ؟! أين اللجنة الحقوقية التابعة لل... ( ؟ ) وأين هي من قضية الدكتور الصادق شورو ، وكل المعذبين والمضطهدين في تونس . وأين هي اللجنة الدبلوماسية التي تقيم اتصالات مع الهيئات الدولية ومع الحكومات والأحزاب السياسية في العالم . ألم نقل أننا نعيش في عصر المؤسسات ، حتى غدت الاحزاب والتنظيمات السياسية حكومات ظل . ولديها لجان متخصصة ، حتى لو قدر لها استلام الحكم غدا تكون جاهزة لذلك ، فضلا عن تحريك أمورها وتنظيم علاقاتها الداخلية والدولية . ولنبدأ بالموجود ، ولدي بعض السطور جاهزة في موضوع الحركة الاسلامية ، أرسلتها لمجلة " المجتمع " وسأوافي بها " بعض المواقع التونسية" قريبا بعون الله . نعم هناك منظمات حقوقية متخصصة في تونس ، وهي تقوم بعمل جبار ، مثل حرية وانصاف ، والمنظمة التونسية للدفاع عن المساجين السياسيين في تونس ، ومنظمة الدفاع عن المحجبات في تونس ، وغيرها من المنظمات الرائدة في مجالها ، ولكن ذلك لا يغني عن وجود لجان حزبية تساعد تلك المنظمات في عملها وتمثل رافدا مهما لتحقيق أهدافها ، والتي هي أهداف جميع الوطنيين الأحرار ، وأصحاب الضمائر ، ومن تسكنهم مشاعر انسانية حقيقية ، وليست تلك التي تقوم بتزييف وعي الناس ، وإظهار الذئاب في ثياب الحملان الوديعة ، كما تفعل فضائي ( ة ) 7 في 7 . إن مظلمة الدكتور الصادق شورو وبقية إخوانه ، وتونس الحبيبة ، تستحق أن تكون ( بضم التاء ونصب الكاف وتشديد الواو ) لها اللجان ، وعلى كافة المستويات . وها نحن نلاحظ استنهاظ الكثير من الهمم لهذا الغرض ، فمنذ متى لم نر مقالا للاستاذ وليد البناني ، والاخوات رشيدة النفزي ، ومنجية العبيدي ، وكوثر الزروي ، كما لم نر الاستاذة سهام بن سدرين على " بعض المواقع " من قبل ، وغيرهم ممن دفعتهم المظلمة الكبرى بل المحرقة الكبرى للكتابة عن الدكتور الصادق شورو وإخوانه رموز تونس في العهد البغيض . ونحن نتحدث عن الدكتور الصادق شورو ، يجب أن لا ننسى المساجين في السجن الكبير ، الدكتور منصف بن سالم ، والمهندس حمادي الجبالي ، والمهندس عبدالكريم الهاروني ، والصحافي عبد الله الزواري ، وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم . إن في كل محنة منحة .. فمع رفضنا لاستعباد الناس ، كما يفعل نظام 7 نوفمبر ، ورفضنا للتعذيب ولسجن الناس لأسباب سياسية بحتة ، هناك أسرار روحية لا يلسمها الكثيرون . ودعك مما يقوله التكاري ، فهو وزير غير منتخب ، لنظام حكم استولى على السلطة بالقوة ، وبقي فيها بالتزوير والقمع . ولذلك لا يحق له الحديث باسم القانون ، ولا يحق له الحديث عن القانون ، لأنه والنظام الذي يتبعه غير قانوني وغير شرعي ، وكل ما يصدر عنه لا يساوي شراك نعل مواطن تونسي مهما كان موقعه في البلاد . إنه رمز من رموز عصابة تحكم بالحديد والنار ، حيث تسنى له ما لم يتسن لبوب دينار في جزرالقمر ، ذلك الضابط الفرنسي الذي استولى على الحكم ، لكنه لم يعمر فيه كما فعل ويفعل بن علي . قلت إن في كل محنة منحة ، فكم من خطأ ارتكبناه ، ونحن طلقاء ، وجنبه الله من ابتلوا بالسجن ظلما وعدوانا . كم من معصية اقترفناها ونحن طلقاء ، وحفظ الله منها إخواننا المساجين . كم من موقف ضعف وجدنا فيه أنفسنا ونحن ( أحرار ) وبرأ الله منه إخوتنا بين جدران شديدة البرودة في الشتاء شديدة الحر صيفا . وكم ... وكم... وكم . وفي تاريخ الرسالات هناك نماذج كثيرة للثابتين ، وللساقطين الذين لم يستطيعوا الصبر عند الابتلاء .. وقد وجدت في القرآن الكريم ما يغنيني عن كتب الفلسفة والكثير من مباحث الأفكار ، لا سيما وأنا مؤمن أعتقد بأن القرآن الكريم " لاريب فيه " وهي الآية التي دفعت باحث أميركي لدخول الاسلام . بينما لم يجزم فيلسوف واحد بصحة ما كتب ، حتى صاحبا ( النظرية العلمية ) ماركس وانجلز قالا عن البيان الشيوعي بعد كمونة باريس " شاخ في معظم أجزائه " بينما القرآن لا تنقضي عجائبه . مع ملاحظة أن الفهم والتزيل يختلف ولذلك وضع العلماء آليات لحسم خلاف الفهوم ... وعودة لتاريخ الرسالات فهناك مثالان ، مثال أيوب عليه وعلى نبينا السلام ، ومثال ابن باعوراء مدعي النسب الشريف . فالأول صبر حتى آخر رمق ، والثاني هلك وهو يحمل الاسم الأعظم " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " ونحسب أن سيدنا الدكتور الصادق شورو ، والدكتور منصب بن سالم والمهندس الجبالي والمهندس الهاروني والاخ الفاضل عبدالله الزواري ، ممن ابتلوا فصبروا . فعندما يحين موعد الموت يشعر الانسان فقط إنه خلق للتو ليموت في نفس اللحظة . ولا شك فإن ايمان المسلم الحقيقي يختلف عن ايمان الآخرين الذين يكفرون عندما يدعون ويظنون أو يشعرون بأنه لم يستجاب لهم ، إما ابتلاءا أو إدخارا ليوم لا ينفع مال ولا بنون . ورغم أننا لسنا في موقف الوعظ ، إلا أنه يجب أن نرفع أبصارنا إلى السماء ، ونحن نتحدث عن محرقة الطاقات والنوابغ والأفذاذ والرجال العظام والذين قضوا زهرة شبابهم في سجون بن علي ثم يخرجون منه وهم على حافة الكهولة والشيخوخة ، وهو على حافة القبر ، وقد سبقه إلى الله شباب وكهول ماتوا تحت التعذيب أو نفذ فيهم الاعدام أو قتلوا في الشوارع . وهناك ... سيقومون بمحاكمته والاقتصاص منه . إن عدالة السماء لا تشطب عدالة الأرض . ولكنه قضاء الاستدراك ، وهو قضاء نزيه لا تزوير فيه ، ولا شهود تزوير ولا تلفيق . قضاء للحكم في الآلهة الصغار مثل بشير التكاري ، والمظفر ، وكل الذين يزينون لبن علي أن يكون نسخة طبق الأصل لدراكولا . ونحن نشد على أيادي هؤلاء الاخوة والأخوات الذين ساهموا بالكتابة ولو بشكل مقتضب عن الدكتور الصادق شورو ، ونناشدهم الاستمرار في الكتابة ، وقد شدني أسلوب إحدى المقالات وتمنيت على صاحب( بتها ) أن لا تترك القلم يسقط من بين يديها . بل أن مقالات الأخوات رائعة وتستحق الثناء والاشادة والتشجيع . وطبعا لا نغفل مساهمات أحد الفرسان الشيخ الهادي بريك ، وجميع من ذكرت أسماءهم كانت مقالاتهم موجودة على " الحوار نت " عند كتابتي لهذه السطور . فالمعذرة ممن سيأتي بعدهم .