هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات تنشر هيئة 18 أكتوبر اليوم النص الأخير الذي يحوصل الحوارات التي دارت بين أطرافها حول العلاقة بين الدولة والدين والذي يعرض موقف أصحاب النص من موقع الدين الإسلامي في الدولة الديمقراطية المنشودة ومن طبيعة العلاقة بين الديني والسياسي وكيفية إقامة دولة مدنية وديمقراطية تحترم وتضمن حقوق وحريات المواطنين الفردية والعامة وتحافظ وتصون هوية الشعب العربية والإسلامية. ولقد شاركت جميع الأطراف السياسية المكونة ليئة 18 أكتوبر في نقاش ثم صياغة هذا النص ثم صادقت عليه وهي تعرضه اليوم على الرأي العام بوصفه نصا فكريا سياسيا ملزما لها جميعا. وبهذا النص تكون هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات قد أوفت بوعدها في فتح وإدارة الحوار الوطني العلني حول أسس الدولة الديمقراطية ونشر نتائجه – بعد نشر النص حول المساواة و النص حول حرية الضمير و المعتقد - ورفعت اللبس الذي كان قائما حول كيفية ومدى استبطان واستيعاب أطرافها السياسية لمفهوم الديمقراطية بما هي قيم ومبادئ من جهة وآليات ومؤسسات من جهة أخرى لا تفاضل بينها ولا يمكن إقامة دولة ديمقراطية دون احترامها .
في العلاقة بين الدولة والدين
إن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات وبعد سلسلة من الندوات العامة والنقاشات الداخلية حول العلاقة بين الدين والدولة والهوية توصلت إلى جملة من القواسم المشتركة بين مكوناتها يمكن اعتمادها قاعدة دنيا للبناء الديمقراطي المنشودة الذي يراعي حقوق المواطنين وحرياتهم ومعتقداتهم وقناعاتهم .
لقد أبرز تحليل الرؤى والمواقف والتجربة السياسية التونسية المعاصرة حول العلاقة بين الدين والدولة وجود ثلاثة تحديات تواجه الشعب التونسي في تطلعه إلى انجاز تغيير ديمقراطي حقيقي وتأسيس علاقة سليمة بين الدين والدولة، وتتمثل هذه التحديات في :
1 - استبداد السلطة الذي من مظاهره إخضاع الدين الإسلامي للإرادة السياسية للنظام القائم وتوظيفه، وفي هذا السياق يندرج سعيه الدائم إلى فرض قراءة للدين على المجتمع بما يخدم مصالحه واحتكار الفضاءات الدينية بالتحكم في تعيين الأئمة وفقا لولائهم وتحديد مضامين خطبهم وانتهاك الحريات الشخصية للمواطنين والمواطنات بمختلف قناعاتهم الدينية والفكرية والسياسية .
2 – الاستبداد باسم للدين الناجم عن قراءة أحادية, مغالية للإسلام والذي يؤدي إلى التدخل بالقوة في حياة المواطنين الخاصة والى النيل من حقوقهم وحرياتهم الأساسية ومن المبادئ الديمقراطية.
3 – الاستبداد باسم الحداثة الذي يعمل على إلغاء الدين من الحياة العامة بوسائل قهرية من داخل أجهزة الدولة وخارجها ويدفع نحو التصادم بين الدولة والدين. وهو تصور لا يؤدي إلا إلى إدامة الاستبداد القائم ودعم انتهاك الحريات وحقوق الإنسان وتعطيل المشروع الديمقراطي .
وإزاء هذه التحديات تلتزم هيئة 18 أكتوبر بالدفاع عن رؤية للعلاقة بين الدولة والدين والهوية تنهل من التفاعل الخلاق بين مقومات حضارتنا العربية الإسلامية و مكتسبات الإنسانية الحديثة ، وخاصة حقوق الإنسان والحريات الجماعية والفردية باعتبارها شرطا أساسيا من شروط التقدم والتنمية والكرامة.
إن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بمختلف مكوناتها الفكرية والسياسية تؤكد. 1_إن الدولة الديمقراطية المنشودة لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية قائمة على مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان وتستمد مشروعيتها من إرادة الشعب الذي يتولى في إطار هذه المبادئ انتخاب مؤسسات الحكم بشكل دوري ومحاسبتها ويخضع فيها الحاكم والمحكوم للقوانين والقواعد التي تسنها المؤسسات الدستورية المنتخبة مع ضمان حق كل طرف في استلهام مقترحاته وبرامجه في كل المجالات من مرجعيته الفكرية الخاصة 2_ إن الممارسة السياسية هي اجتهاد بشري مهما كانت قناعات أصحابها ومعتقداتهم مما ينفي عنها أي شكل من أشكال القداسة ويجعل المجال السياسي فضاء حرا للحوار والتنافس بين رؤى وبرامج المكونات السياسية والمدنية على اختلاف مرجعياتها.
3_ إن الدولة الديمقراطية المنشودة تقوم على مبادئ المواطنة والحرية والمساواة , وبناء على ذلك فهي تسهر على ضمان حرية المعتقد والتفكير، ومقاومة كل أشكال التمييز بين المواطنين على أساس العقيدة أو الرأي أو الجنس أو الانتماء الاجتماعي أو السياسي أو الجهوي، كما تضمن للمواطنين جميع الحريات والحقوق الأساسية التي تشكل أساس النظام الديمقراطي. 4_إن الدولة الديمقراطية المنشودة تلتزم نصا وممارسة بضمان الحرمة الجسدية للإنسان ومنع التعذيب وكل أنواع الانتهاكات البدنية والمعنوية المهينة للكرامة البشرية.و تتعهد هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بكافة مكوناتها بأن تكون برامجها متطابقة مع تلك المبادئ الأساسية كما تلتزم بتطبيق اتفاقية الأممالمتحدة لسنة 1984 الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة. وهي تتعهد بوضع الآليات الضرورية لاجتثاث ممارسة التعذيب في بلادنا.
5_إن من واجب الدولة الديمقراطية المنشودة ايلاء الإسلام منزلة خاصة باعتباره دين غالبية الشعب دون أي احتكار أو توظيف مع ضمان حق كافة المعتقدات والقناعات وحماية حرية أداء الشعائر الدينية.
6_إن هوية الشعب التونسي تشكلت عبر صيرورة تاريخية طويلة وهي تثرى وتتطور بالتفاعل الخلاق بين مقوماتها الحضارية العربية الإسلامية ومكتسبات الحداثة. وبناء على ذلك فان الدولة الديمقراطية المنشودة تلتزم:
أ- الدفاع عن اللغة العربية لغة وطنية في الإدارة والتعليم والثقافة وتجذيرها في المجتمع مع ضرورة التفتح على اللغات والثقافات الأخرى. ب تجذير الشعب التونسي في حضارته العربية الإسلامية بكل ما فيها من رصيد ايجابي مع تطويرها لتستوعب مكتسبات الإنسانية الحديثة وتسهم في إثراء الحضارة الإنسانية في إطار من التفاعل البناء، مع مواجهة مشاريع الاستلاب والهيمنة التي تسعى إلى القضاء على تنوع الثقافات وفرض نمط ثقافي وقيمي أحادي . ج ضمان تدريس مواد التربية الإسلامية خارج أي توظيف سياسي، في إطار منظومة تربوية تكفل حق التعليم ونشر قيم التفكير العلمي والنقد والاجتهاد بما يساهم في نحت شخصية تونسية متجذرة في هويتها الوطنية و منفتحة على القيم العصرية.
7 إن الدولة الديمقراطية المنشودة تدافع عن القضايا العادلة للشعوب العربية و الإسلامية و تدعم طموحها إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية و تعمل على توحيد جهودها في مواجهة الاستبداد الداخلي و كل أشكال الاستعمار والهيمنة الأجنبية من اجل تقرير مصيرها وبناء مستقبلها المشترك.
إن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بمختلف مكوناتها وهي تقر هذه المبادئ والاتفاقات وتعلن التزامها بالعمل على تجسيدها , تؤكد أن مضمون العلاقة بين الدولة والدين والهوية مثلما أثبتت تجارب الشعوب ليست وصفة جاهزة سلفا بل هي عقد اجتماعي يتفاعل مع التطور السياسي والثقافي والاقتصادي لكل مجتمع بما يحوله عبر الزمن إلى قيم وقواعد عمل تستبطنها الأجيال وتطورها حسب ظروفها وحاجتها المستمرة إلى التقدم وتكرسها شعبيا بشكل مباشر وعبر المؤسسات الدستورية الممثلة الملتزمة بمبادئ النظام الجمهوري وحقوق الإنسان واحترام الهوية الوطنية. هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات